Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشكيل حكومة كردستان أمام مشهد معقد مفتوح على سيناريوهات عدة

مفاوضات شاقة تنتظر القوى الفائزة بعد فقدان الديمقراطيين للغالبية وفرض الاتحاديين شروطاً صعبة مع رفض المعارضة الانضمام

القيادي في "الاتحاد الوطني" يلتقي القنصل التركي في إقليم كردستان ايرمان تويجو على هامش التحضيرات لبدء مفاوضات تشكيل الحكومة الكردية (موقع حزب الاتحاد)

ملخص

يواجه الديمقراطيون مشقة لعقد تحالفات ومحاولة ضم بعض القوى من جانب المعارضة التي أعلن معظمهما رفضه المشاركة في أية حكومة، وفي المقابل يحاول الاتحاديون الذين يمتلكون 23 مقعداً استثمار الفرصة لانتزاع مناصب مهمة وفرض توازن جديد.

تتعدد السيناريوهات المتوقعة لتشكيل الحكومة المقبلة في إقليم كردستان العراق عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال الـ20 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لتضع الأحزاب الفائزة أمام خيارات صعبة تراوح ما بين تشكيل حكومة تقليدية بقيادة الحزبين الرئيسين الحاكمين، أو تجاوز التحالف المعتاد عبر استقطاب قوى معارضة، أو حتى السعي نحو حكومة ائتلافية موسعة تشمل معظم القوى السياسية.

يأتي هذا المشهد في ظل تحديات كبيرة قد تعترض عملية التفاوض، أبرزها فقدان "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني للغالبية التي كان يمتلكها سابقاً مقابل تقدم محدود لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" برئاسة بافل طالباني، مع صعود قوى معارضة كحراك "الجيل الجديد". وبالنظر إلى هذا التحول فإن تشكيل أية حكومة كردية سيتطلب توافقات دقيقة على صعيد النفوذ والمناصب، في ظل شروط متضاربة بين الحزبين الكبيرين وأخرى تضعها باقي القوى، مما يجعل من مهمة التوصل إلى تفاهمات حول الحكومة المقبلة عملية شاقة ومفتوحة على عدة اتجاهات.

غياب للغالبية

بعد خسارتهم الغالبية على رغم تصدرهم للنتائج بـ39 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان الـ100، يواجه الديمقراطيون مشقة لعقد تحالفات ومحاولة ضم بعض القوى من جانب المعارضة التي أعلن معظمهما رفضه المشاركة في أية حكومة، وفي المقابل يحاول الاتحاديون الذين يمتلكون 23 مقعداً استثمار الفرصة لانتزاع مناصب مهمة وفرض توازن جديد، وبخاصة فيما يتعلق بمنصبي رئيس الحكومة ورئيس الإقليم اللذين يتولاهما "الديمقراطي".

وفي جانب المعارضة التي رفض معظمها النتائج بداعي ارتكاب عملية تلاعب ممنهج، لم تعد فيه حركة "التغيير" التي كانت مشاركة في الحكومة قبل الانتخابات قبل إعلانها العودة إلى المعارضة رقماً في المعادلة، إثر تعرضها لخسارة قاسية بحصولها على مقعد وحيد بعد أن كانت تملك 12 مقعداً، والمفاجأة كانت في القفزة التي حققها حراك الجيل الجديد بزعامة شاسوار عبدالواحد برفع عدد مقاعده من ثمانية إلى 15، معززاً مكانته كأكبر قوة معارضة سيكون لها وقع مؤثر في المشهد السياسي الكردي.

أما قوى "الاتحاد الإسلامي" سبعة مقاعد و"جماعة العدل" ثلاثة مقاعد و"حركة الموقف الوطني" أربعة مقاعد فقد حسم أمرها بعدم المشاركة، فيما لا يزال موقف تحالف "الشعب" بقيادة لاهور شيخ جنكي وله مقعدان متأرجحاً.

سيناريوهات وشروط

وسيكون لموقف قوى المعارضة التي باتت تسيطر على نحو ثلث مقاعد البرلمان أثر حاسم على صورة الحكومة المقبلة، ويضع الحزبين أمام عدة سيناريوهات منها أن يشكلاها معاً بعد تخطي مرحلة الشروط، وبخاصة أن "الديمقراطي" يرفض مطالب نظيره "الاتحاد" بإزاحة رئيس الحكومة الحالي مسرور بارزاني أو تشكيل حكومة ائتلافية موسعة تضم معظم القوى السياسية، أو سيناريو ثالث يتمثل في تجاوز تحالف الحزبين وتشكيل حكومة بغالبية جديدة يقودها "الديمقراطي" مع قوى معارضة لتحقيق النصاب، لكنه يصطدم برفض عديد من هذه القوى خشية فقدان رصيدها الشعبي، على غرار ما حدث لحركة "التغيير".

لدى كلا الحزبين الحاكمين مطالب وشروط تبدو مختلفة هذه المرة عن الاستحقاقات الانتخابية السابقة، فالاتحاديون يسعون إلى وضع حد لما يصفونه "باحتكار" الديمقراطيين للقرار السياسي، ويطالبون بأحد المناصب الرئيسة مثل رئيس الحكومة أو الإقليم. وقد وصف القيادي في الاتحاد إريز عبدالله هذه الانتخابات "بالمهمة"، موضحاً في مقال أنها "ستحد من التسلط والتفرد بالقرار، لأن "الديمقراطي" لن يتمكن من تحقيق الغالبية وإذا ما حاول تشكيل الحكومة مع أي طرف فإنها ستكون تحت رحمة البرلمان"، ونوه إلى "صعوبة أن يتفق أي طرف مع ’الديمقراطي‘ بنفس الصيغ السابقة، من دون تغيير أسلوب إدارة الحكم السابقة".

في المقابل، فإن الديمقراطيين لهم شروطهم وترتكز كما جاء عبر وسائل إعلام حزبهم على أن "تكون الحكومة الجديدة موحدة وتسري قراراتها على مجمل مناطق الإقليم"، في إشارة إلى الانقسام الإداري بين مناطق نفوذ الحزبين، وكذلك أن تكون قوات "البيشمركة" المنقسمة أيضاً في إطار قوة وطنية موحدة وفصلها عن الصراعات الحزبية، مع أهمية "توحيد مواقف كل القوى حول المصالح العليا للشعب الكردي"، وإجراء تعديل على مسودة دستور الإقليم بغية إقراره.

عقبة ورقة التعطيل

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبناء على ما سبق، فإن الخلافات الحادة بين الحزبين قد تعرقل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان، في ظل امتلاك الاتحاد ورقة "الثلث المعطل" التي تمكنه من تعطيل أية محاولة لتشكيل الحكومة من دون موافقته. هذه الحال تعيد للأذهان سيناريو الانتخابات الاتحادية عام 2021، حينما استخدم الإطار التنسيقي "الثلث المعطل" لتعطيل جلسات البرلمان، مما يعني أن المفاوضات قد تكون شاقة وطويلة مع رفض القوى المعارضة الانضمام إلى حكومة يهمين عليها الحزبان.

وفي هذا السياق، يقول النائب في البرلمان الاتحادي أحمد رشيد إن "انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان ستكون صعبة، والأصعب يكمن في تشكيل الحكومة مع امتلاك حزب طالباني ورقة الثلث وكذلك الربع المعطل ليرغم ’الديمقراطي‘ على تلبية مطالبه". وأوضح "لعقد جلسة برلمان الإقليم يلزم 51 مقعداً مثل حضور نواب ’الديمقراطي‘ مع نظرائهم في ’الحراك الجديد‘ أو مع ’الاتحاد الإسلامي‘ ولكن على الأخيرين أن يعملا حساباً لعدم التضحية بعلاقاتهما مع ’الاتحاد‘، وسيكونان في نفس الموقف تجاه ’الديمقراطي‘ في حال عدم حضورهما الجلسة".

ويرى رشيد وهو قيادي في "جماعة العدل" المعارضة أن "كتلة الديمقراطي باعتبارها تملك أكبر عدد من المقاعد تشكل الكتلة الأكبر في البرلمان، لكن في المقابل فإن ’الاتحاد‘ بإمكانه من خلال مقاعده الـ23 مع مقعدين للأقليات أن يلجأ إلى الربع المعطل لكي يفرض شروطه، وحتى لو عقدت الجلسة من دون ’الاتحاد‘ فإن ’الديمقراطي‘ سيبقي على مقاعد ’الاتحاد‘ شاغرة، لأن من دونه مستحيل أن تتشكل الحكومة".

مسار حرج

ويتفق المحلل السياسي سامان نوح مع رشيد على التعقيدات التي تنتظر مشهد تشكيل الحكومة، بالقول "إن هذه الانتخابات أعادت شيئاً من التوازن بين الحزبين الرئيسين بعد فقدان ’الديمقراطي‘ لعنصر الغالبية، كما نجحت المعارضة في الحصول على نحو ثلث المقاعد"، لافتاً إلى أن "طريق مفاوضات تشكيل الحكومة سيكون صعباً وطويلاً، طالما ألا خيارات بديلة أمام ’الديمقراطي‘ سوى الاتفاق مع ’الاتحاد‘ الذي بدوره سيفرض شروطاً تبدو ثقيلة مثل الحصول على أحد المناصب الكبرى، رئيس الحكومة أو الإقليم اللذين يتولاهما ’الديمقراطي‘". كما يرى نوح أن "الفترة المقبلة ستكون محرجة وتفرض على الحزبين عدم التخلي عن الخطاب التصعيدي الذي ساد خلال الحملات الدعائية، مع دخولهما خلال الأشهر المقبلة مرحلة الانتخابات الاتحادية".

ومن جهته يعتقد النائب السابق في البرلمان الاتحادي سركوت شمس الدين أن الحكومة المقبلة ستكون عرضة للأزمات والصراعات "بالنظر على خسارة ’الديمقراطي‘ لعامل الغالبية، والتي شكلت السمة الأبرز للانتخابات الأخيرة، وسيحتاج هذا الحزب إلى وقت لكي يتآلف مع هذا الواقع، فهو الفائز الأول لكنه لا يمتلك الكتلة الأكبر لكي يفرض شروطه". وفي شأن موقف الاتحادي قال "واضح أنه متحفظ على المشاركة في حكومة يترأسها مسرور بارزاني، مما يعني أن تولي الأخير المهمة لن يمر من دون ’الاتحاد‘ وفي الوقت نفسه سيكون على الأخير تقديم تنازلات كبيرة".

مؤثرات العامل الخارجي

تخضع المعادلة السياسية في الإقليم لمؤثرات وعوامل السياسة الإقليمية والدولية، إذ تتباين مصالح كل من الحزبين على وفق معطيات جيوسياسية. فـ"الاتحاد" يحسب ضمن محور طهران وهذا بدوره له نفوذ مباشر في بغداد عبر دعمه القوى الشيعية الحاكمة، ومن ثم له امتداد في الإقليم الكردي، بينما يندرج "الديمقراطي" ضمن محور أنقرة وتجمعهما مصالح استراتيجية، وبين هذين المحورين فإن للإدارة الأميركية دوراً محورياً في التأثير في بوصلة الساسة الأكراد، وقد أجرت سفيرتها في بغداد أيلينا رومانوسكي خلال الأيام الماضية جولة محادثات مع القيادات الكردية الرئيسة، وحضتهم على تجاوز الخلاف للإسراع بتشكيل الحكومة، خلال وقت التقى أثناءه القيادي في "الاتحاد" قوباد طالباني القنصل التركي في الإقليم إيرمان تويجو، على رغم التوتر الذي يسود العلاقة بين "الاتحاد" وأنقرة على خلفية ملف "حزب العمال الكردستاني" التركي المعارض.

من جهته، يقول المحلل سرتيب جوهر إن "مسألة تشكيل الحكومة في الإقليم تخضع لرحمة العوامل الخارجية، وغالب التوقعات تذهب إلى أن مخاضها سيكون عسيراً لن يقل عن ستة أشهر. فالحزب الديمقراطي يريد الاحتفاظ باثنين من الرئاسات الثلاث وهما رئاستا الإقليم والحكومة إذ سيواجه الحزب مشكلات في خسارته لأي من المنصبين، والسؤال الآن هو هل سيتمكن الاتحاد الذي يواجه تحديات كبيرة من تحقيق شعاره في تصحيح الموازين في الحكم؟ وأردف "أعتقد أن النتائج في آخر المطاف لن تغير من الواقع السياسي والإداري في الإقليم طالما ينحصر الحكم بالحزبين".

وفي إطار السيناريوهات المستقبلية لا يستبعد المراقبون أن يؤدي أي فشل في المفاوضات إلى حل البرلمان مجدداً وإجراء انتخابات مبكرة تزامناً مع الانتخابات الاتحادية المقبلة، وبخاصة إذا فشل الديمقراطيون في تشكيل حكومة قوية من دون تقديم تنازلات مؤلمة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات