ملخص
يرى مراقبون أنه ثمة فوارق كبيرة بين النزوح جراء حرب عام 2006 على لبنان والحرب الحالية، فخلال عام 2006 كان هناك رئيس للجمهورية وحكومة وإمكانات فضلاً عن دعم خارجي وعربي ومن أصدقاء كثر، لكن منذ عام 2020 والبلاد تعيش أزمة اقتصادية صعبة وبخاصة بعد انفجار مرفأ بيروت وفي ظل غياب رئيس للجمهورية.
بدأ فصل الشتاء يلقي بظلاله على لبنان وبخاصة في مناطق الجبال والمرتفعات التي لجأ إليها آلاف الجنوبيين والبقاعيين وسكان الضاحية الجنوبية لبيروت هرباً من القصف والغارات التي أودت منذ بدء العمليات الإسرائيلية الواسعة على "حزب الله" خلال الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي وحتى اليوم، بأكثر من 3100 لبناني سقطوا في مختلف المناطق.
وبدأ البرد يتسلل إلى أجساد النازحين ومنهم النساء والأطفال خصوصاً في أوقات المساء والليل، فيما لم تتأمن لهم وسائل حماية وتدفئة من الجهات الحكومية والرسمية والجهات المانحة والجمعيات الداعمة لأسباب عدة، منها حجم النزوح الكبير الذي فاق وفق التقديرات المليون و200 ألف نازح.
ويقطن أكثر النازحين من أقضية الجنوب (النبطية وصور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا) في مرتفعات متفاوتة تراوح ما بين 400 و800 متر عن سطح البحر. ويتركز معظمهم في الوسط أي في بلدات ذات مناخ معتدل نوعاً ما ويحتاجون إلى تدفئة شتوية تعتمد تقليدياً على الحطب والمازوت بصورة رئيسة، يضاف إليها التجهيزات المنزلية من حرامات وأسرة وفرش وسجاد، وغيرها من عوامل تساعد في التدفئة الشتوية، ومنها الثياب الصوفية والألبسة الواقية، إذ خرج هؤلاء من دون أن يحملوا حتى الثياب الصيفية أو ما يلزمهم من ثياب، فما حالهم اليوم مع قرب حلول فصل الشتاء؟
البرد على أبواب النازحين
تشهد أسواق صيدا والشوف وبيروت وغيرها من أسواق طرابلس والشمال إقبالاً على شراء الألبسة المساعدة على الدفء، بينما اعتمد عدد كبير من النازحين على ما تيسر خصوصاً ممن باتوا بلا أعمال ومصادر رزق، والمقيمين في مراكز الإيواء والمدارس، وينتظر جلهم أن تبادر الجهات الحكومية اللبنانية والجمعيات المهتمة والداعمة إلى تجهيزهم بوسائل تدفئة تساعدهم على تحمل البرد.
ويقدر الناشط البيئي ورئيس إحدى الجمعيات المهتمة بشؤون النازحين فضل الله حسونة حاجات النازحين من أغطية ووسائل تدفئة، بدءاً من مناطق الساحل على النحو الآتي "كل نازح في منطقة الساحل يحتاج في الأقل إلى حرامين (غطائين)، بقيمة تراوح ما بين الـ20 و 40 دولاراً، وهذا لا يغني عن وجود مدفأة وعن استخدام المازوت في التدفئة. وتكلفة التدفئة على المازوت قيمتها 250 دولاراً تضاف إليها نحو 90 دولاراً ثمن ’صوبيا‘ (مدفأة تقليدية) ولوازمها".
ويضيف "من يقطن على ارتفاع يفوق الـ300 متر عن سطح البحر وصولاً إلى 700 متر يحتاج إلى ثلاث وسائل تدفئة، أي إلى أكثر من حرام ومازوت بقيمة 250 دولاراً في البيت، ومدفأة على الغاز بقيمة 150 دولاراً مضافاً إليها ثمن الغاز. ومن يقطن في مراكز الإيواء فثمة حاجة إلى تدفئة شاملة بمادة المازوت يضاف إليها حرامان لكل شخص، طفلاً كان أم كبيراً".
ويعد حسونة "هذا الكلام بمثابة مناشدة للمنظمات الدولية التي ترغب في مساعدة لبنان، كي تؤمن هذه الكميات من اللوازم الشتوية لنازحي لبنان، ونحن والجمعيات المهتمة بشؤون النازحين لدينا خرائط لتوزيع العائلات النازحة وعديدها وعلى أي ارتفاعات تقيم حالياً، وبحسب هذه الخرائط ستوزع ما تحتاج إليه من قبل خلية الأزمة بمساعدة اتحادات البلديات والبلديات".
نحو أزمة برد شديدة؟
وفي حال لم تتم الاستجابة فمن أين ستؤمن هذه الحاجات؟ يجيب حسونة "نحن ذاهبون إلى البرد وما سينتج منه أي نحو أزمة شديدة. وإن التدفئة باتت اليوم ومع بدء موسم الشتاء أكثر من ضرورية للنازحين". ويؤكد "نحن نتكلم عن مقومات صمود الشتاء خصوصاً أن النازحين ينتشرون بكثافة في مناطق ترتفع بين 600 و800 متر عن سطح البحر، وهي مناطق معرضة بصورة دائمة لتساقط الثلوج والطقس البارد الذي يصل في كثير من الأحيان إلى درجات متدنية تحت الصفر".
ويختم "البرد حل، ليس على المرتفعات فحسب بل بدءاً من الساحل فكيف بمناطق الوسط والجبال؟ الناس بدأوا يشعرون بالبرد ويعبرون عن ذلك وهم يسألون، ماذا سنفعل لو حل المطر والبرد القارس في ظل عدم توافر وسائل تدفئة ضرورية؟".
نزوح أربك الجميع
من جهته، يرى رئيس مؤسسة عامل الدولية كامل مهنا أنه "ثمة فرق بين نزوح حرب عام 2006 والحرب الحالية، فخلال عام 2006 كان هناك رئيس للجمهورية وحكومة وإمكانات، فضلاً عن دعم خارجي وعربي ومن أصدقاء كثر، لكن منذ عام 2020 ولبنان يعيش أزمة اقتصادية صعبة وبخاصة بعد انفجار المرفأ وبغياب رئيس للجمهورية، ومع حكومة تصريف أعمال، وصار هناك نزوح بسرعة فائقة خلال يومين لنحو مليون و200 ألف نسمة، وهذا بحد ذاته أزمة كبيرة أربكت الجميع". ويضيف مهنا "خلال عام 2006 استقبلت النبطية وصور نازحين جنوبيين، اليوم النبطية فارغة تماماً ومدينة صور باتت شبه فارغة. وصيدا استقبلت نحو 150 ألف نازح وبالأمس القريب تعرضت حارة صيدا إلى غارات إسرائيلية وكان فيها نازحون، فاضطر هؤلاء وسكان المنطقة إلى مغادرتها، وهذا يجعلني أقول إن المناطق التي تستقبل النزوح تعاني ضغطاً كبيراً من بيروت وإلى أبعد من بيروت، أكثر من الحروب الإسرائيلية السابقة المتكررة على لبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير مهنا إلى أن مؤسسته "تعين النازحين داخل 170 تجمعاً وبمواكبة 24 عيادة نقالة و2300 عامل منهم 1800 متفرغ و500 متطوع، ومن خلال 30 مركزاً منتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية، بعدما ضربت لنا إسرائيل 10 مراكز من أصل 40 وجعلتها خارج الخدمة. إن كل الجهات التي تعمل بالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية ووزارة الشؤون الاجتماعية ولجان الطوارئ بما تقدمه هو قليل جداً مقارنة مع حاجات النازحين. وقرأت تقريراً يفيد بأن نسبة الطعام التي تصل إلى أماكن النزوح هي فقط 35 في المئة من حجم الحاجات، وفي تقرير آخر أن النازحين في البيوت الخاصة يصل الطعام فقط إلى نحو 15 في المئة منهم".
نزوح داخلي بسبب البرد
في موضوع بدء فصل الشتاء والبرد يرى مهنا أن هذا الأمر "بات يشكل أزمة فعلية ويسبب أزمة نزوح داخلية، أي إن هناك قسماً من هؤلاء الناس يتركون المناطق الجبلية ويحاولون اللجوء إلى مناطق ساحلية أو أقل برودة، لكن هذا الأمر غير متاح للجميع إذ إن النازحين يتوزع منهم نحو 85 في المئة في البيوت، إضافة إلى 1100 تجمع في المدارس وغيرها من المراكز التي تضم 240 ألف نازح. وهؤلاء مع حلول الشتاء مهددون بتزايد الأمراض المعوية، والجهاز التنفسي والرشح والأمراض الجلدية والتسمم، ورصدت عياداتنا النقالة أن نازحين اشتروا مياهاً ملوثة، فهناك من يستغل الأزمة ويبيع تلك المياه ليجمع أموالاً على حساب صحة الناس".
تدفئة للمراكز فقط
ويتابع الدكتور مهنا "الأهم من كل هذه الأمور مع الشكر لكل المساعدات التي تأتي من الخارج، لكنها قليلة جداً بالمقارنة مع حرب ونزوح 2006، وأيضاً بالمقارنة مع الحاجات الفعلية. الدولة اللبنانية وضعت خطة مسبقة للنزوح لكن تبين أن موضوع الموازنة غير كاف، واليوم طرحت موازنة لشراء مادة المازوت واستخدامها في التدفئة للتجمعات الموجودة في المناطق، لكن البيوت لن يكون لها نصيب من هذه المساعدات، لذلك نحن مقبلون على مرحلة لن تكون سهلة أبداً بالنسبة إلى النازحين، خصوصاً إذا ما طال أمد الحرب أو تفاقمت أمنياً وعسكرياً والخوف إذا ما حصل مزيد من التهجير، خصوصاً بعد عملية التدمير الممنهجة التي ينفذها العدو بحق القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية وفي الضاحية الجنوبية لبيروت".
وما يثير مخاوف مهنا كذلك "بعض التوترات التي بدأت تنشأ هنا وهناك حيث يقيم النازحون".
لوقف إطلاق النار
لذلك يتمنى مهنا من "أشقاء لبنان وأصدقائه أن يضغطوا كثيراً لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار داخل لبنان وغزة. وبذل مزيد من الدعم للبنان، إذ إن ما وصل حتى الآن وما يقدمونه مقارنة مع حاجات الناس قليل جداً خصوصاً أننا بدأنا موسم الشتاء، وإذا طال أمد الحرب فهذا سيشكل قلقاً كبيراً، وبخاصة أن هناك من يسعى إلى إخراج الناس من المدارس كي لا يتأثر العام الدراسي، لذلك نحن أمام تحديات كثيرة، كيف سنواجهها؟ هذا سؤال كبير والجواب عنه ليس سهلاً، لذلك نتمنى أن يتحقق وقف لإطلاق النار بأسرع وقت".
الميدان في طقس المطر
وفي سياق متصل، تحدث رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد الركن المتقاعد هشام جابر عن وضع الميدان فيما لو حل الشتاء، فقال إن "هذا يعود إلى طبيعة الأرض، فالأرض عندنا في الجنوب ترابية ومن جبال وأودية. وإذا كانت الأرض رطبة في الطقس الماطر والسيئ والعواصف والضباب فسيتسبب ذلك بمشكلة لآليات الجيش الإسرائيلي، من ثمَّ فإن المواجهة تكون أكثر لمصلحة المدافع، بينما الجيش الغازي لديه مشكلتان في الأقل، مشكلة تتعلق بالآليات وأخرى تتعلق بعناصر الجيش من المشاة، في ظروف مناخية صعبة وأرض لا يعرفها".
وعن إمكانية عودة النازحين وتوقف الحرب قبل حلول فصل الشتاء يشير جابر إلى أن "الأجواء ضبابية، لكنني شخصياً متفائل ونحن أمام احتمال أن تمتد الحرب إلى يناير (كانون الثاني) 2025 إلى حين تسلم دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة. وأنا متفائل وأرى أن المدة ستكون أقل من شهر، فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو غير قادر على الحسم، فمرة يقولون سنواصل العمليات العسكرية في الجنوب وأخرى يقولون الحرب انتهت وأوقفنا العمليات. ومن الممكن أن يقدم وقف الحرب كهدية للرئيس المنتخب ترمب، ولن يقدمها للرئيس المنتهية ولايته جو بايدن".