Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القنابل العنقودية والألغام... "موت مؤجل" ينتظر اللبنانيين

يقدر عدد ضحايا هذه الأسلحة المحرمة دولياً بـ749 شخصاً معظمهم من الأطفال بين عامي 1975 و2024

لبنان يستعيد تجربة حرب يوليو 2006 في ما يتعلق بمشكلة القنابل العنقودية والألغام (المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام)

ملخص

تشكل القنابل العنقودية والألغام عقبة إضافية أمام عودة النازحين إلى قراهم المدمرة في جنوب لبنان والبقاع. ويستعيد لبنان معاناته في أعقاب حرب يوليو 2006، واستهدافه بنحو 5 ملايين قنبلة عنقودية.

تتوالى أخطار الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حزب الله" بوجوه متعددة، منها مشكلة الذخائر غير المنفجرة بفعل لجوء إسرائيل المتكرر إلى القنابل العنقودية المحرمة دولياً في نطاق استهدافاتها مناطق عدة في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، فضلاً عن الألغام التي يتركها الجيش الإسرائيلي بعد انسحابه من المناطق التي يدخل إليها برياً. وتسود مخاوف من سقوط مئات الضحايا المدنيين بسبب انتشارها في أماكن مختلفة، ويستغرق علاجها جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً، فضلاً عن تأمين الموارد البشرية والمالية الكافية، وصعوبة حصول لبنان على خرائط نشرها ومناطق توزعها من أجل تفكيكها.

 

خطر مستمر

يؤدي استخدام القنابل العنقودية إلى خطر مستمر نظراً إلى تناثرها في نطاق واسع عقب قصف منطقة ما بواسطتها.

ويتطرق المتخصص في الشؤون العسكرية والقانون الدولي العقيد المتقاعد أكرم سريوي إلى أخطار هذه المشكلة مشبهاً القنبلة العنقودية بالخزان الذي يحوي مجموعة من القنابل الصغيرة الحجم، تسقطه الطائرة الحربية، وينفجر عدد منها قبل ملامسة الأرض بهدف قتل عناصر المشاة الخصوم والموجودين في العراء، "وتكمن المشكلة في قنابل كهذه بعدم انفجار قرابة النصف من أجزائها، والتي تتحول إلى ألغام وأفخاخ للأفراد إذ تنفجر فور ملامستها. من هنا، تبقى الآثار الخطرة، فترات طويلة، بعد قصف الأهداف بها". ويضيف سريوي، "يعود حظر وتقييد بعض الأسلحة إلى إحداث ضرر عشوائي بالمدنيين، فيما تستمر الدول الكبرى المصنعة للسلاح، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا في إنتاجها".

 

وتلقى مزارعو الزيتون في النبطية (جنوب) تحذيرات بعدم التوجه إلى البساتين لقطاف الزيتون، تجنباً لخطر القنابل العنقودية والذخيرة غير المنفجرة، والتي يمكن أن تنتشر في الأرجاء. وينوه العميد سريوي إلى مواصفات الأجسام المشبوهة قائلاً، "يمكن أن يضم الخزان مئات القنابل صغيرة الحجم، وتصمم بصور مألوفة وتندمج مع الأرض بحيث لا يمكن تمييزها إلا من قبل الخبراء، كما يمكن أن تبقى فعالة سنوات، وتقتل الأفراد ممن يلامسونها".

يعيد استهداف المناطق في جنوب لبنان ذكرى حرب يوليو (تموز) 2006، عندما ألقى الجيش الإسرائيلي قرابة 4,6 مليون قنبلة عنقودية، ولوثت 37 كيلومتراً مربعاً من الأراضي، واحتاجت إلى أعوام لمعالجتها من خلال إطلاق برنامج تعاونت فيه الأمم المتحدة، والجيش اللبناني، والدول الصديقة، واستغرق لبنان 15 عاماً من أجل تنظيف مناطق الجنوب والبقاع الغربي من هذه القنابل. ويقدر عدد ضحايا هذه القنابل المحرمة دولياً بـ749 شخصاً معظمهم من الأطفال في الفترة الممتدة بين عامي 1975 و2024.

ويؤكد المتخصص العسكري هشام جابر أن "القابل العنقودية المحرمة دولياً تفتك بالمدنيين لأن العسكريين مدربون على مواجهتها وعدم المساس بها"، منوهاً، في الوقت نفسه بجهد سلاح الهندسة في تنظيف المساحات والحقول المتضررة.

ويتحدث العقيد سريوي عن مساهمة بعض الدول مثل أوكرانيا وروسيا والصين وفرنسا وإسبانيا في برنامج نزع الألغام من أجل التخلص من آثار الحرب، آسفاً أن "لبنان عاد لمواجهة المشكلة عينها"، كما يتطرق سريوي إلى استخدام سلاح الفوسفور الأبيض الممنوع استخدامه في الأماكن السكنية، "ويمكن أن تستمر مخاطره، فترات طويلة، ناهيك بتسمم الأراضي الزراعية، بسبب الأشكال المختلفة من الذخائر المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي، وهي عبارة عن مواد كيماوية سامة، ويمكن أن تؤدي إلى تسمم المياه الجوفية، والأنهار، وتلوث الهواء والنبات والتربة بفعل وجود بقايا من المواد غير المنفجرة".

اليورانيوم المنضب

تؤكد أوساط الجيش اللبناني عبر “اندبندنت عربية” أن الفرق المتخصصة بالكشف عن القنابل العنقودية والألغام تقوم الآن بالتعاون مع شركائها بتجميع المعلومات، ووضع الخطط اللازمة للكشف، وإجراء المسح الضروري للتأكد من طبيعة التلوث ومعرفة حجمه"، وذلك في ما يخص المعلومات عن التلوث الذي ينتج من العدوان والقصف في عدد من المناطق اللبنانية.

لا تقتصر الأخطار على القنابل العنقودية، وإنما تتجاوزها إلى استخدام اليورانيوم المنضب في لبنان بواسطة القنابل الخارقة للتحصينات والدروع. ويشير العقيد أكرم سريوي إلى وجود نوعين من اليورانيوم، "اليورانيوم المشع، ويستخدم في تكوين السلاح النووي، واليورانيوم غير المشع – المنضب، وهو المادة التي نزعت منها الإشعاعات". ويضيف، "اليورانيوم المنضب يستخدم في إنتاج الأسلحة لتقوية رؤوسها وتعزيز القدرة على الخرق، لكنه لا يكون خاوياً بالمطلق من الأشعة، من هنا، فإن الاصطدام الشديد يؤدي إلى تحويل بعض الجزئيات إلى يورانيوم مشع، وينتج منها أشعة ألفا وبيتا وغاما، ويمكن أن تشكل خطراً على حياة البشر وسلامة البيئة".

ويذكر سريوي بتداعيات استخدام اليورانيوم إبان الغزو الأميركي للعراق، "حيث أثبتت الفحوص تعرض الجنود الأميركيين لمشكلات بسبب التعرض لها، وتقدمت مجموعة منهم بطلبات تعويض عن الضرر الناجم عنها"، مؤكداً أن "اليورانيوم المنضب غير محظور، وتلجأ بعض الشركات لإدخاله في الأدوات المنزلية نظراً إلى صلابته، لكنها تراجعت بفعل وجود احتمال الإشعاع وإلحاق الضرر بالمستخدم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الألغام وإخفاء الخرائط

كما يشيع استخدام الألغام خلال الحروب بين الدول، وتلجأ الحكومات، خلال المفاوضات، لإلزام خصومها بتقديم خرائط الألغام من أجل تفكيكها بموجب القانون الدولي.

ويشدد المتخصص العسكري العميد هشام جابر على خطورتها المتفاقمة في لبنان، "لأن الجيش الإسرائيلي ترك حقولاً بعد حرب 2006، ولم يتجاوب مع المطالب المتكررة بتزويد لبنان و(يونيفيل) بالخرائط إلا بعد جهد جهيد"، علماً أن "اللغم يمكن أن يعيش مدة غير محدودة، وقد تفوق حياة الإنسان الطبيعي، إذ ما زالت الشعوب الأوروبية عرضة لانفجار ألغام عائدة إلى الحرب العالمية الثانية". كما ينبه إلى أثر العوامل الطبيعية في انتشار الألغام، وإصرار الجيوش والحكومات على تضمين أي اتفاق لإنهاء النزاعات المسلحة على معالجة موضوع الألغام وإزالتها درءاً لأخطارها.

من جهته يحذر سريوي من التقنيات المستحدثة لنشر الألغام بصورة عشوائية، بالتالي لم تعد الجيوش تقوم بزرع الألغام وفق خريطة مصممة وثابتة المعالم، إذ تلجأ إلى آلات مدرعة تنثر الألغام، وتنشئ حقل ألغام عشوائياً، وتزداد أخطاره باستمرار، كاشفاً عن "قيام الجيش الإسرائيلي بنشر الألغام والأفخاخ في المناطق التي ينسحبون منها".

الذخائر غير المنفجرة

ولا تتوقف الأخطار على القنابل العنقودية والألغام، وإنما تتجاوزها إلى الذخائر غير المنفجرة، التي تلجأ بعض الجماعات المسلحة إلى إعادة استعمالها. ويعلن الجيش اللبناني في بياناته عن تفجير بعض الصواريخ والقنابل الناجمة عن القصف في مختلف المناطق المستهدفة، وتحديداً في الغبيري (ضاحية بيروت الجنوبية)، وبعض بلدات البقاع (شرق).

ويقدر العميد سريوي نسبة الذخائر غير المنفجرة بـ10 في المئة، والبعض منها توصف بالضخمة "تلجأ حركة (حماس) في غزة أحياناً إلى تفكيك تلك الصواريخ على رغم أخطارها، والاستفادة من مكوناتها، أو استخدامها كألغام ضخمة، ويعزى الأمر إلى محدودية الموارد وإمكانية استيراد الأسلحة". أما على الضفة اللبنانية، فلا يخاطر الجيش بحياة أفراده والمواطنين، ويبادر لتفجيرها لأن أي خطأ يؤدي إلى نتائج كارثية، كما أنه لا يمكن إعادة تخزينها أو الاستفادة من المكونات.

جرائم دولية

ويتعامل القانون الدولي مع القنابل العنقودية انطلاقاً من كونها أداة للقتل الجماعي. وتضع اتفاق الأمم المتحدة لعام 1980 قيوداً في شأن أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، انطلاقاً من قاعدتين عامتين للقانون الدولي الإنساني، وهما حظر استعمال الأسلحة العشوائية الأثر، وحظر استعمال الأسلحة التي تسبب معاناة لا مبرر لها أو إصابات مفرطة. وفي عام 2008، صدرت اتفاق خاصة بالذخائر العنقودية بغية الحد من معاناة آلاف المدنيين، وقد وقعت 107 دول في مايو (أيار) 2008 على معاهدة تحظر تلك الأسلحة، ودخلت مرحلة التطبيق في الأول من أغسطس (آب) 2010.

ويؤكد المحامي بول مرقص رئيس مؤسسة "جوستيسيا" إلى خطورة الاستخدام المخالف للأصول لبعض الأسلحة في الحروب نظراً إلى الأضرار الجسيمة على المدنيين والبيئة، "فعلى سبيل المثال، يخضع استخدام بعض المواد على غرار الفوسفور الأبيض لضوابط وحدود مرسومة دولياً، مثل اتفاقات جنيف واتفاق منع انتشار الأسلحة الكيماوية. كما يمكن أن يصنف استخدامه كجريمة حرب في حال استخدم ضد المدنيين أو بصورة مفرطة، وتترتب على استخدامه مسؤولية جنائية على العسكريين والأفراد المشاركين"، كما يشير مرقص إلى عدم وجود آلية خالصة لبدء الملاحقات بالانتهاكات الإسرائيلية إلا من خلال تقدم الدولة المعنية، أي لبنان، بشكوى بسبب انتهاك السيادة وخرق القرار الدولي 1701، والتشديد على سوء استخدام القنابل الارتجاجية، بواسطة مجلس الأمن.

ويرى مرقص وجوب أن يطلب لبنان انعقاد المجلس باستمرار وإن لم يستجب لدعوته، مشيراً إلى عدم التزام مجلس الأمن بتبني قرار تحت الفصل السابع، أي الإجراءات القسرية في معرض استجابته للشكاوى، "إذ تتحكم السياسات الدولية بالأمر، بفعل امتلاك الدول الخمس الدائمة العضوية حق النقض (الفيتو)، بالتالي إهمال وإسقاط أي دعوى مخالفة لمواقفها". ويتابع مرقص، "في الحرب الدائرة راهناً، لم يتجاوب مجلس الأمن مع شكاوى لبنان، ولكن يمكن الضغط بصورة أكبر عبر تكثيف الشكاوى أمام اللجان الثماني في الأمم المتحدة أسوة بالقرار الذي حصل عليه لبنان من اللجنة الاقتصادية بالطلب من إسرائيل تعويضه بمليار دولار أميركي عن الأضرار الناجمة عن البقعة النفطية التي تسببت فيها في حرب يوليو 2006، عندما قام الجيش الإسرائيلي بقصف محطة الجية (جبل لبنان) للطاقة الكهربائية، وهو ما أدى إلى تسرب كميات من النفط إلى البحر وتلويث المياه"، مؤكداً "صحيح أنها لم تدفع التعويض فعلياً إلا أنه تسبب بإحراج كبير لإسرائيل على المستوى الدولي وتجاه دول العالم".

المزيد من تقارير