Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جويس كارول أوتس تروي استغلال مهاجري أميركا في تجارب الأطباء "البربرية"

ذكرت أن جراحي القرن الـ19 ما كانوا يدرون ماذا يفعلون ولم يكن ثمة أشعة إكس ولا تحاليل للدم بل كثير من التخمين والحدس

جويس كارول أوتس تشارك في حفل خاص بنيويورك (أ ف ب)

ملخص

قالت إن زوجها الطبيب كان يقرأ لها كثيراً من الأمور المثيرة للرعب. على سبيل المثال، كان ثمة فكرة رائجة مفادها أن انعدام التوازن الذهني لدى المرأة يرتبط كلياً برحمها، لذا كان يستحسن استئصالها لتستعيد المرأة توازنها.

لمناسبة صدور روايتها "جزار" في ترجمتها الفرنسية، هذا العام (2024) عن دار فيليب راي، وترجمة كلود سيبان، قدمت الروائية الأميركية الشهيرة جويس كارول أوتس (1938) إلى باريس، فأجرى الكاتب توماس سيلاندر حواراً معها، لمصلحة مجلة "ليبراسيون"، صدر السبت في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري... في السطور التالية اقتباس لأهم ما ورد فيه، مع الإشارات التوضيحية إلى مضمون الرواية وما تثيره من مسائل مرتبطة بالتحولات السياسية والفكرية والاجتماعية التي أصابت المجتمع الأميركي الحديث، على امتداد الـ150 عاماً الماضية.

قبل المباشرة بعرض تفاصيل المقابلة، لا بد من إيجاز حبكة الرواية الجديدة للكاتبة أوتس بالآتي: كان ثمة طبيب أميركي، من منتصف القرن الـ19، ويدعى سيلاس واير، كان مجبراً، لأسباب شتى على القبول بمنصب في إحدى المصحات للنساء المختلات عقلياً في مدينة نيوجرسي، وكان متاحاً له أن يؤدي عمله الطبي من دون أي مراقبة. وكان إلى جانب ادعائه لنفسه الريادة في علم النفس الجيني، جعل يخضع النساء لأشكال من التجارب الأكثر فظاعة، وبربرية. وقد جعل من مساعدته، بريجيت الصماء البكماء، أنموذجاً لهذا الاستغلال الدنيء، حمله على إجراء أكثر من 30 عملية جراحية لها.

قبل 11 عاماً، قلت عن رواية "امرأة الوحل" إنك استوحيتها من حلم راودك، عن امرأة غطى الوحل وجهها، أي من هاتين الروايتين ناتج من حلم، برأيك؟

كانت تلك الرواية (امرأة الوحل) خارجة عن المألوف، ويندر أن يوحي الحلم إليَّ برواية أو بشخصية. وغالب الظن أن الأمر كان أشبه بسر وجداني كان يجب عليَّ فك رموزه. على أن لرواية "جزار" أصولاً مختلفة كلياً. إنها رواية أكثر استغراقاً في الأفكار. وإن صح أن الكتاب غالباً ما يكونون مفتونين بما يحفزهم، فإنه لا يمكن إجبارهم على الاستلهام. وسواء كنت صحافياً أو مؤرخاً، أو إن كنت تكتب نصاً غير متخيل، يسعك أن تختار موضوعاً وحقلاً بحثياً معيناً. وهذا بالضبط ما جرى لي، إذ اخترت موضوعاً وأجريت أبحاثاً حوله.

أحد الأمور التي تحفزك بعامة، هو ميلك إلى التجديد، فما الجديد في الرواية هذه؟

كنت قد كتبت عن مضار الطب في الماضي. إنه أمر يهمني لأن زوجي المتوفى، شارلي غروس، كان مؤرخاً للعلوم، وقد بين في أبحاثه أن جزءاً كبيراً من تاريخ الطب كان مجبولاً بالأخطاء الطبية، وبالتجارب على البشر من كل نوع. علماً أن كثيراً من هذه التجارب سلك بها فاعلوها مسلكاً سيئاً، إذ كانت كثير من العلاجات تتصف بالبربرية. ولما كان زوجي يملك مكتبة كاملة من الأعمال الطبية الفاتنة، تولد لديَّ الميل إلى التماهي مع هؤلاء النساء تماهياً طبيعياً، إذ كن موضوعاً للتجارب الآنفة، وعلى يد الرجال.

من هو "جزار" في الرواية؟

إنه هو نفسه، يقدم نفسه على أنه جزار. على أن الطبيب سيلاس واير، الشخصية الرئيسة في الرواية، هو وجه متعدد السمات، اختلق بناءً على ثلاثة علماء أميركيين، كانوا موجودين فعلاً في القرنين الـ19 والـ20، وكان لكل منهم نظرياته في المرض العقلي والجسماني، ولا سيما تلك الخاصة بالنساء، وحول مختلف الأجوبة التي يفترض أن تكون عن هذين المرضين. وكان هذا الطبيب، سيلاس واير، يطمح أن يكون طبيباً مختصاً بالأبحاث طمعاً بالشهرة، لكنه حصل على دورة في الطب النسائي ما دام أحوج إلى ذلك لتحقيق طموحه. وعلى غرار عديد من أطباء عصره، ما كان ليختار العمل مع النساء لو أمكنه تجنبهن. ومن جهتي، كنت أجهل أن هذه المهنة لم تكن معتبرة في حينه، إلا في حال كان المرضى من بيئة اجتماعية راقية.

هل يمكن القول إن الكتاب يتألف من صوته، على نحو أساسي؟

هذه الرواية كناية عن سيرة طبيب تسهم وجهات نظر مختلفة في تكوينها، غير أن صوته هو الحاضر الرئيس فيها. ثمة سيرة ذاتية (اقتبست منها الكاتبة) لأحدهم يدعى ج ماريون سيمز، وهو جراح أميركي من القرن الـ19، اشتهر لكونه استخدم عبيداً سوداً بمثابة أدوات للتجريب (كوباي)، كنت قد وجدتها في مكتبة هارفرد، وقرأتها. وأوردها في مواضع عديدة. كان هذا الطبيب مؤمناً جداً، وكان ينسب كثيراً من الأمور إلى الله تعالى، ومنها أمور من صنع يديه. وكان ذلك أمراً شائعاً في ما مضى، ولا سيما عند رجال السلطة، إذ كان لديهم الشعور بأن الله يسدد خطاهم، ويعينهم على أعمالهم. ولربما كان بعضهم يؤمن بذلك.

ليست المرة الأولى التي نجد فيها طبيباً في أعمالك الروائية، ولا سيما تلك المثيرة للرعب، ما الذي يجعل من صورة هذا الطبيب شيطاناً طيباً؟

في حالة الدكتور واير صور على أنه باحث يتقصى ما يظنه حقيقة موضوعية، باستخدامه أشخاصاً أفراداً (بشريين). وهذا يبدو مريعاً للغاية، لكن ثمة مزيداً من التجارب الأخرى التي أجريت على البشر في تاريخ العلم، على سبيل المثال تجربة ستانلي ميلغرام الذي سعى إلى دراسة السلوك البشري حيال السلطة ومقدار الخضوع لها، والتي كانت منافية للأخلاقيات المهنية. وأفكر أيضاً في دراسة توسكيجي (وهي دراسة أعدتها الحكومة الأميركية في ولاية ألاباما بين عامي 1932 و1972، على 400 رجل زنجي مصابين بمرض السفيليس، لم يخضعوا لأي علاج، بل رفض كل علاج لهم)، أو عديد من التجارب المتصلة بالتفجيرات النووية، واهتممت بعامة بالطريقة التي اعتمدتها الحكومة أو الإدارة الأميركية لاستغلال الناس المصابين بالسرطان، وأحياناً من بين المواطنين المشمولين في مؤسسات المعالجة النفسانية من أجل استخدامهم كأفراد، على سجية المسؤولين في الإدارة أو كما يحلو لهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الماضي، كم من النساء والفتيات المستعبدات خضعن للاستغلال، وخادمات شابات مثل بريجيت (الشخصية النسائية الأبرز في الرواية، وهي الصماء البكماء التي يقع عليها عبء الاستغلال الأكبر)، المتحدرات غالباً من أوساط المهاجرين الإيرلنديين؟ أنا نفسي من أصول هؤلاء الإيرلنديين الذين قدموا إلى أميركا في القرن الـ19، وكانوا فقراء معدمين. وأتصور أن بعضهم كان "خادماً بعقد". توقع على العقد، فيصير واجباً عليك أن تعمل طوال سبع سنوات لمصلحة سيدك الضامن لعقدك. وقد تضطر العائلة المشمولة بالعقد، وذات أفراد كثر أن تبيع أحد أبنائها، في حال العوز والفقر المدقع.

تلك هي حالة بريجيت؟

هي حالة بريجيت وأمها، في الرواية. كان ثمة خدام بعقد يأتون من ألمانيا وإنجلترا وإيرلندا. ولا أدري إن كان ثمة خدام أتوا من فرنسا.

بريجيت ليست سوى ضحية. وقد تمكنت من الفرار، والبقاء على قيد الحياة، وكتابة الشعر لاحقاً.

كان ثمة عبيد نجحوا في الخروج من عبوديتهم، لكن أحداث الرواية تدور قبل ذلك، وبعد حرب الانفصال. وكانت تلك حقبة للانقسام كبرى في الولايات المتحدة الأميركية. أما واقعة أن تتحرر بريجيت من العبودية فأمر يتلازم مع انتهاء مرحلة العبودية في أميركا.

ثمة شخصية أخرى مهمة في الرواية، هي القابلة القانونية غريتل، وهي مساعدة الطبيب، التي كثيراً ما كانت ظلاً له، وتحمل في ذاتها جانباً مثيراً لضحك الجمهور.

بل إنها أي الشخصية غريتل، تنتمي إلى الفكاهة السوداء، فالطبيب لا يفهم أن هؤلاء النساء يحمينه بصورة ما، فهو غير كفء، وهن مجبرات على الإيحاء له بعناية شديدة، بما لا يثرن غيظه، من مثل أمور تافهة، ربما القول له إن كان ثمة حاجة إلى مخدر في هذه العمليات المريعة التي كان يقترفها، هذا الطبيب، والطامة الكبرى أن الأطباء في القرن الـ19 ما كانوا يدرون ماذا يفعلون. ولم يكن ثمة أشعة إكس، ولا تحاليل للدم، بل كان ثمة كثير من التخمين والحدس.

كثيراً ما كان يقرأ لي زوجي كثيراً من الأمور المثيرة للرعب. على سبيل المثال، كان ثمة فكرة رائجة مفادها أن انعدام التوازن الذهني لدى المرأة يرتبط كلياً برحمها، لذا كان يستحسن استئصالها لتستعيد المرأة توازنها. وكان الدافع إلى كل التجارب التي قام بها الطبيب سيلاس واير علمياً محضاً. ولهذا كانت هذه التجارب بربرية بأشد ما تكون البربرية، كأن يضعوا طفلاً في خزانة، وسط الظلمة الحالكة، وينتظروا ليروا ردود فعله.

ومع ذلك نبهته بريجيت إلى تصرفه، إذ أشارت له بما مفاده:

"دكتور واير، هل أنت جاد في ما تقوم به؟".

فأجابها بأنها عاطفية، لأنها امرأة.

في ما خص د. واير، نشعر حياله بالقرف، فما رأيك؟

يركز الدكتور واير على القروح لأنه يريد أن يشفي النساء منها ومن جنونهن. وهو إذ يقوم بذلك، يظن أنه يحدث تأثيراً في صحتهن العقلية، فضلاً عن ذلك، كان ثمة نسبة كبيرة من النساء ينتحرن في مصحة المختلين عقلياً، واللاتي لم يقوين على تحمل معاناتهن تحت مبضع الطبيب المداوي. وأنا سبق لي أن ازددت توثيقاً بهذا الشأن. وكنت أجهل أن ظاهرة الانتحار كانت شائعة في حينه، ما دامت النساء لا يتكلمن عن تلك الأمور. ولعل هذا ما أصاب عديداً من العبيد الذين لم يكونوا سوى فتيات، وقد اغتصبن اغتصاباً ظاهراً من قبل أسيادهن، أو آخرين، وكن فتيات بعمر الـ11 والـ12. وعندئذ أمكن د. واير أن يجد علاجاً لهن، في آخر مطاف عذابهن. والحال هذه، توصف أعماله بالجيدة.

 

ولو عدنا إلى الوقائع التاريخية المثبتة، والتي تقول لنا إن ج ماريون سيمز كان قد أجرى 30 عملية للمرأة الشابة نفسها، وهي امرأة سوداء البشرة. وكانت هذه مساعدته التي وثقت به، وأحبته. وكان يمكن أن تهرب منه، وخلص آخر الأمر إلى شفائها مما هي فيه. أما الطبيب واير فلا نحسب أنه أجرى 30 عملية في الرواية.

يبدو لي أنها 12 عملية فقط

وهذا أمر مرعب بحد ذاته. كما في روايتي "شقراء" عن مارلين مونرو، لا يجري الحديث عن كل مرات الحمل المجهضة. إنما أجري نوعاً من الانتقاء، فالحياة تفيض اضطراباً واختلاطاً وتشويشاً.

قالت إحدى الناقدات الأميركيات عن "جزار" إنها من أكثر رواياتك قساوة وعنفاً، فما تقولين؟

تنتهي هذه الرواية بحكاية حب، كما في تقليد النوع الرومنطيقي لأواخر القرن الـ19: بعد كل الآلام يحدث تعلق عاطفي بين ابن الطبيب، وهو محام، وبريجيت. يطلبها للزواج، ومعاً يجسدان أمل جيل جديد. لا أقول إنها رواية عنيفة ما دمنا نرى فيها إمكانات رومنطيقية في الحياة وما ينتج منها من علاقات سعيدة بين الناس.

في عام 2017 أصدرت رواية بعنوان "كتاب الشهداء الأميركيين" وكان له صداه واتفاقه مع الأحداث الجارية في زمن كان المعارضون لمنع الإجهاض في أميركا يكسبون المعركة. وكانت محكمة العدل العليا قد أبطلت حكماً قضائياً في عام 2022، فهل ترين أية صلة بين روايتك "جزار" وقرار المحكمة؟

إنه لأمر مهم، ينبغي لي أن أفكر في الأمر. على أية حال، ثمة ترابطات، فالأطباء جميعهم ذكور، في مقابل جسد النساء، والشهداء الأميركيون، من حيث هم، لوثر، المناضل المعادي للإجهاض، يقابله الطبيب واير الذي كان يمارس عمليات الإجهاض. وكنت عاينت أميركا منقسمة فريقين، لكل شهداؤه، ولكل مثالاته. ورأيتهم جميعاً يسعون إلى خير أمتهم. د. واير من جهته كانت تحفزه الرغبة في إعلاء اسم عائلته، وفي اكتساب المكانة لدى الجمعيات العلمية. ولا أحسب أنه كان مسخاً أو وحشاً، وإنما كان غير كفء، فحسب.

وللتذكير، فإن للكاتبة الأميركية أوتس، ذات الشهرة العالمية والمرشحة الدائمة لنوبل الآداب، العشرات من الأعمال الروائية والمجموعات القصصية، وقصص الفتيان، وغيرها. ومن تلك الأعمال المترجم منها إلى العربية وغير المترجم الآتي: بسقوط مرتعش، وحديقة الملذات الأرضية، ووهم، وأرض العجائب، وابن الصباح، وبيلفلور، وأن تتذكر هذا، ومقبلات أميركية، ولأنه مر ولأنه قلبي، ونار الثعلب، واعتراف فتاة عصابات، وزومبي، وكنا عائلة مولفاني، والمجنون، وقلبي استلقى عارياً، وغيرها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة