ملخص
يحاول "حزب الله" استباق اليوم التالي للحرب عبر شن حملة على الجيش اللبناني للتأكيد أن الأخير غير قادر على ضبط الحدود وحده، وذلك للإصرار دائماً على معادلة "الشعب والجيش والمقاومة".
يتعرض الجيش اللبناني لحملة يشنها "حزب الله" والتيار الوطني الحر كلٌّ لاعتباراته الخاصة، بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن تتحول إلى مباشرة عندما طالب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الجيش بتوضيح، حمل اتهاماً مبطناً، على خلفية عملية إنزال بحرية إسرائيلية في البترون وخطف أحد مسؤولي الحزب.
ولعل أخطر ما في هذه الحملة خلال المرحلة الحالية الدقيقة من تاريخ لبنان أنها موجهة ضد المؤسسة العسكرية ولم تعد محصورة بقائدها، ولم تعد مقتصرة على اتهامات سياسية وإنما تتضمن اتهامات "سيادية"، ولم تعد مقتصرة على التهديد بتغيير قيادة الجيش وإنما ذهبت في بعضها إلى حد التهديد بفرط الجيش وتأليب ضباط فئة معينة، وبخاصة الشيعة، وتكرار تجارب سابقة أيام الحرب.
ولا يمكن فصل الحملة التي تشن على الجيش وقائده عن موضوعين أساسيين، الأول الحديث عن دور المؤسسة العسكرية في التسوية الآتية وخلال "اليوم التالي" بعد وقف إطلاق النار لجهة تطبيق القرارات الدولية المتعلقة ببسط سيادة الدولة ومنع وجود السلاح إلا الشرعي منه، وهو دور محوري وأساسي بدعم دولي. واتخذت الحكومة اللبنانية قرار تجنيد 1500 عسكري لنشرهم في الجنوب، لكن القرار عدَّه بعض مجرد مناورة خصوصاً أن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أكد أن نشر الجيش في المواقع الحدودية يحتاج إلى أكثر من 8 آلاف جندي، ولأن الصورة العامة لليوم الثاني ما بعد الحرب لم ترسم بعد وسط انشغال أميركي بين التسلم والتسليم الرئاسي.
أما الموضوع الثاني فيرتبط بالصراع السياسي المحتدم، وتحديداً حول معركة رئاسة الجمهورية إذ لا يزال العماد جوزيف عون المرشح الأبرز. فـ"حزب الله" يرى في قائد الجيش تجسيداً لمشروع أميركي يعمل على محاصرة الحزب والتضييق عليه، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يعد عون خطراً على زعامته إذا تحول "الرئيس" جوزيف عون مركز استقطاب وجذب للتيار العوني برمته. وترتبط الحملة على قائد الجيش أيضاً بالتمديد القسري الثاني له قبل انتهاء فترة التمديد الأولى خلال الـ10 من يناير (كانون الثاني) 2025، مما يبقيه في السباق الرئاسي.
التمديد مطلب داخلي وخارجي
وتوقعت مصادر نيابية في حديثها لـ"اندبندنت عربية" أن يتكرر سيناريو التمديد الأول في مجلس النواب وأن يحدد رئيس البرلمان نبيه بري جلسة يقر فيها التمديد للعماد عون، وبتصويت لن يتخطى الـ63 كما حصل في التمديد الأول حين اضطر نواب المعارضة المعترضين على التشريع في غياب رئيس الجمهورية إلى الدخول إلى القاعة استثنائياً، لإكمال النصاب القانوني لاستمرار الجلسة وإقرار التمديد.
ويتوقع بعض النواب أن يتخطى الحضور النيابي 80 عضواً وأن يُحضر التيار الوطني الحر نوابه من دون أن يصوتوا لمصلحة التمديد، إذ سيسعى المعترضون على قائد الجيش إلى عدم حصوله على الـ65 صوتاً (النصف زائد واحد في الدورة الثانية من جلسة انتخاب الرئيس) حتى لا يحتسب هذا الرقم لصالحه في السباق الرئاسي.
وكان حزب القوات اللبنانية قدم الأسبوع الماضي مقترح قانون معجل مكرر ينص على التمديد عاماً للقادة الأمنيين من رتبة عماد، تجنباً لخطر حصول فراغ في قيادة الجيش مع تعذر تعيين قائد جديد في ظل حكومة تصريف أعمال، وعدم وجود رئيس للجمهورية، وذلك في ظروف الحرب القائمة التي تزداد اتساعاً وعمقاً، فيما تكبر تداعياتها الداخلية وأخطارها على الأمن والاستقرار في ضوء أزمة النزوح الكبير.
وطالب عدد من النواب أن يشمل التمديد كل القادة الأمنيين وسط اعتراض شيعي على التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي السني اللواء عماد عثمان. وكشف النائب ميشال ضاهر في تصريح خاص أن خمس كتل نيابية ستتقدم بخمسة اقتراحات قوانين للتمديد، وقد يحصل الاتفاق على أن يتضمن النص التمديد لمدة أقصاها الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2025 وتستعد كتلة الاعتدال ذات الغالبية السنية لتقديم اقتراح قانون يشمل التمديد لقائد قوى الأمن الداخلي اللواء عثمان.
ودخلت الولايات المتحدة على خط التمديد لقائد الجيش ونقلت السفيرة الأميركية لدى بيروت ليزا جونسون إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومن ثم إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري مطلب واشنطن حول ضرورة التمديد للعماد جوزيف عون. وحرصت جونسون بحسب ما سرب على وجوب عدم ترك المؤسسة العسكرية في فراغ، وطلبت التمديد لعون وتأمين الجلسة والنصاب المطلوب له.
"أنا الأقوى"
تتسم العلاقة بين "حزب الله" والجيش اللبناني بالتعقيد، إذ تتداخل فيها الأبعاد الأمنية والسياسية والاجتماعية، مما يجعلها موضوعاً دائم النقاش في الساحة اللبنانية. ويرى كثر أن نفوذ "حزب الله" يعزز من ضعف مؤسسات الدولة، ومن بينها المؤسسة العسكرية اللبنانية، المؤسسة الوطنية الوحيدة الصامدة، وأن وجود "حزب الله" كميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة، يضع الجيش في موقف صعب ويسبب انقساماً في الرأي العام.
ويؤكد الكاتب السياسي منير الربيع أن "حزب الله" أراد من الهجوم على الجيش إرسال أكثر من رسالة، الأولى وهي التي كان يرددها دوماً بأن الجيش غير قادر على ضبط الحدود وحده، وذلك للإصرار دائماً على معادلة "الشعب والجيش والمقاومة"، ولكن هذه المعادلة باتت من المرحلة السابقة ولا بد من الانتقال إلى مرحلة جديدة وهذا أمر يعرفه "حزب الله" جيداً ولكنه يحاول أن يمانع قراءة التطورات بمعنى فعلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الرسالة الثانية من الضغط على الجيش فهي بحسب الربيع أن "حزب الله" يريد سنداً فعلياً في الداخل وهو لا يجده لأنه وضع نفسه في معركة اختارها عن كل اللبنانيين. ثم الرسالة الثالثة هي أن الحزب يحاول القول بصورة أو بأخرى إنه في المرحلة اللاحقة هو القوة الوحيدة الموجودة في الداخل وليس الجيش اللبناني، وهو يحول الجيش إلى "فشة خلق" تحسباً للمرحلة المقبلة التي سيعود فيها الحزب ليفرض سطوة معينة بالمعنى المعنوي أو بالمعنى السياسي أو محاولة تكبيل الجيش، والقول "أنا ما زلت قوياً وقادراً على التحكم بالمفاصل وبكل المسارات ولم أتعرض لضربة أو هزيمة".
ويضيف الربيع "محطة اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله طوت صفحة أساس من تاريخ لبنان ومن تاريخ الشيعية السياسية في البلاد، وهناك فتح لمسار ومسعى جديد في إطار التركيبة السياسية الداخلية وتأثير الشيعية السياسية فيها، إلا أن السؤال الأهم والذي لا إجابة حالياً عنه فهو المدة الزمنية لهذا المسار وكيف سينتهي".
للحزب والتيار أسباب مختلفة
ومن جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي جيرار ديب أنه يجب التمييز بين من يصوب وعلى من التصويب إن كان على قيادة الجيش بشخص العماد جوزيف عون أم على المؤسسة العسكرية التي لا تزال تحظى بإجماع وطني حولها، موضحاً أن الحملة على قيادة منظمة ومدروسة من قبل التيار الوطني الحر هي لاعتبارات سياسية تندرج في إطار عرقلة الجهود الدولية لإيصال عون إلى الرئاسة من ناحية، ولقطع الطريق على المقترح المقدم من كتلة القوات اللبنانية والذي يسعى إلى التمديد لقائد الجيش عاماً إضافياً لحاجة البلد والظروف الأمنية التي يمر بها، وهذا في الأقل ما يظهر من خلال المقاطعة "الباسيلية" لجلسات التمديد وتعديل الدستور.
وبحسب ديب فإن أساس المشكلة بين قائد الجيش ورئيس التيار الوطني الحر يعود إلى تراكمات الحراك الاجتماعي خلال الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما وجد الوزير باسيل أن شخصية قائد الجيش غير مطواعة لتنفيذ ما يطلب منها، والمناكفات بين وزير الدفاع موريس سليم المحسوب على التيار وقيادة الجيش في أكثر من موقف ومناسبة هي انعكاس لسوء العلاقة بين العماد عون وباسيل، وآخرها رفضه التوقيع على مرسوم التجنيد بسبب تخطي قائد الجيش قرار الوزير.
أما في ما يخص المساءلة التي وجهها الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم لقيادة الجيش حول حادثة الإنزال في البترون، فهي تدخل وفقاً لديب ضمن مسار قديم جديد يعتمده نواب الحزب وجماهيره لتعزيز سردية أن الجيش عاجز وغير قادر على المواجهة العسكرية مع إسرائيل لتكريس معادلة رددها الأمين العام للحزب في كلمته التلفزيونية الأخيرة (شعب وجيش ومقاومة). وهنا يذهب المحلل السياسي إلى أن التوجه الإيراني العام لحرب لبنان أن يكون قرار الحرب والسلم ممسوكاً من قبل طهران وهذا ما قاله رئيس مجلس النواب الإيراني محمد باقر قاليباف في إحدى مقابلاته.
هل يبلغ الضغط حد انقسام الجيش؟
رداً على هذا السؤال، يستبعد الكاتب السياسي منير الربيع أن يبلغ الضغط على الجيش مرحلة انقسامه أو فرطه من خلال انسحاب الضباط والجنود الشيعة منه، ولا يرجح أن ينجح هذا السيناريو حتى لو كان مطروحاً. واعتبر أن التطورات العسكرية سواء مع إسرائيل وانعكاسها على الوضع الداخلي إما ستنتج تسوية يجتمع حولها اللبنانيون ويقتنعون بالدولة والدولة وحدها، وإذا لم يحصل ذلك وذهبنا إلى انقسام عمودي كما حصل عام 2006 فهنا تصبح الخيارات سيئة جداً وتنعكس على وحدة الدولة وكيانية لبنان، وكل فريق يمكن حينها أن يطالب بقيام منطقته وبيئته، وفي هذه الحال قد يكون الجيش معرضاً للخطر والتهديد.
ويرى الكاتب السياسي أنه من دون حدوث سيناريو جهنمي من هذا النوع لن يقدم أحد من داخل المؤسسة العسكرية على تركها بغض النظر عن رتبته وذلك حرصاً على عدم خلخلة الجيش، خصوصاً بعدما شهدناه من دمار وانهيار في كل المؤسسات الخارجة عن الدولة. وإذا كانت طرحت خلال السابق فكرة انضمام بعض الضباط أو العناصر إلى "حزب الله" كان ذلك لأن الحزب وقتها أضحى شبه دولة قائمة بذاتها ولديها مؤسساتها ودورتها الاقتصادية ودخولها الخاصة، وقادر على تلبيتهم. واليوم هذا الأمر لم يعد موجوداً من ثمَّ فإن السؤال سيكون ترك الجيش للذهاب إلى أي بديل؟