ملخص
هناك حاجة إلى تمويل عالمي للمناخ ما بين 500 مليار وتريليون دولار سنوياً
سيجتمع نحو 50 ألف مسؤول حكومي وصانع سياسات ومستثمر وناشط هذا الأسبوع في أذربيجان، لمناقشة سؤال حاسم يتعلق بتخصيص الأموال لمساعدة الدول النامية في التعامل مع الكلفة المرتبطة بتغير المناخ، وهو سؤال قيمته تريليون دولار.
المحادثات التي ستعقد في مؤتمر الأطراف الـ29 (كوب 29) في باكو، والمعروفة بـ"مؤتمر الأطراف لتمويل المناخ"، تهدف إلى تحديد هدف سنوي جديد لتمويل المناخ لتحل محل التعهد الحالي الذي قدر بـ100 مليار دولار، والذي تحدد في عام 2009 وينتهي بنهاية هذا العام.
هناك توافق عام بأن التمويل المناخي المتاح للدول النامية لا يكفي على الإطلاق لمواجهة التأثيرات المناخية المتزايدة، إذ تحقق الهدف السنوي المحدد فقط مرة واحدة في آخر 15 عاماً، في عام 2022، ودعا الناشطون الحكومات الغنية إلى المساهمة في وضع هدف كمي جماعي جديد (NCQG) لتمويل المناخ.
وتتفاوت التوقعات في شأن حجم هذه الكلفة، لكن التقديرات تشير إلى أنها تراوح ما بين 500 مليار دولار وتريليون دولار سنوياً، أي أقل من واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما قد تصل بعض التقديرات إلى 5 تريليونات دولار.
ووفقاً لمعهد الموارد العالمية، فإن تحديد هدف أكثر طموحاً سيكون ضرورياً لمساعدة البلدان الأكثر ضعفاً على تبني حلول الطاقة النظيفة والحد من الكربون، إضافة إلى بناء القدرة على الصمود أمام التأثيرات المناخية المتزايدة.
والسؤال الذي يطرحه عديد من المراقبين هو من الذي ينبغي أن يتحمل عبء دفع الأموال اللازمة لمساعدة البلدان النامية في مواجهة تحديات المناخ؟ فحتى الآن، كانت المساهمات المالية التي تمكن البلدان النامية من متابعة النمو المنخفض الكربون وتعزيز قدرتها على التكيف مع المناخ تأتي من الدول "ذات الدخل المرتفع" وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ. وتشمل هذه الدول بريطانيا والولايات المتحدة واليابان وألمانيا، لكن في السنوات الـ30 الماضية، شهدت دول مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية زيادة كبيرة في قوتها الاقتصادية، إضافة إلى ارتفاع انبعاثاتها الكربونية.
القروض تفرض عبئاً مالياً على الدول النامية
ومن المتوقع أن تتضمن المحادثات في مؤتمر الأطراف دعوات لتوسيع قائمة البلدان المساهمة في تمويل المناخ لتشمل اقتصادات ناشئة كبيرة مثل الصين والهند، ومع ذلك، يرى مندوبون من عديد الدول الغنية أن المبالغ المطلوبة ستكون ضخمة للغاية بالنسبة إلى موازنات الحكومات وحدها.
وبدلاً من ذلك، تهدف المحادثات إلى إصلاح النظام العالمي للإقراض المناخي وتشجيع مزيد من رأس المال الخاص على لعب دور أكبر. وفي رسالة مفتوحة الشهر الماضي، قالت رئيسة مجموعة المستثمرين المؤسسين في شأن تغير المناخ، ستيفاني فايفر، إن عديداً من المستثمرين بدأوا في استكشاف طرق لإطلاق وتعبئة رأس المال الخاص لدعم هذه الجهود، مضيفة "الهدف المالي الطموح الذي يشمل رأس المال الخاص يمكن أن يساعد في تعزيز طموحات البلدان النامية للمساعدة في الحد من الاحتباس الحراري العالمي، وبناء الثقة في التمويل المتاح للتخفيف والتكيف، خصوصاً أن التمويل الموجه للتكيف شهد نقصاً تاريخياً".
لكن هذا النهج لا يخلو من الانتقادات، إذ حذرت المنظمات غير الحكومية المعنية بالمناخ والإنسانية من أن القروض، حتى بشروط ميسرة، قد تفرض عبئاً مالياً إضافياً على الدول النامية التي تعاني أصلاً عبء الديون، على رغم أنها تتحمل أقل قدر من المسؤولية عن أزمة المناخ، وبدلاً من تحميل الدول النامية مزيداً من الديون، دعت هذه المجموعات الشركات الكبرى الملوثة إلى تحمل حصتها العادلة في تمويل هذا التحول المناخي.
وتقول المسؤولة السياسية في منظمة "ميرسي كور"، ديبي هيلير، لصحيفة "الغارديان"، "تمويل المناخ لا يتعلق بالصدقة أو الكرم، بل بالمسؤولية والعدالة. إنه يستند إلى مبدأ المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة والقدرات الخاصة، أولئك الذين أسهموا أكثر في أزمة المناخ يجب أن يتحملوا وطأة الحل". ويعكس هذا التوجه الحاجة الملحة إلى تحقيق العدالة المناخية، خصوصاً في ظل التفاوت الكبير بين البلدان الغنية والفقيرة في مساهمتها في الأزمة وتحمل تبعاتها.
حلول تطرح في (كوب 29)
ومن ضمن الحلول المطروحة في المحادثات، من المتوقع النظر في إنشاء "صندوق عمل تمويل المناخ الجديد" الذي يهدف إلى الاستفادة من المساهمات الطوعية من البلدان والشركات المنتجة للوقود الأحفوري لدعم مشاريع المناخ في الدول النامية، ويطمح هذا الصندوق إلى توجيه الأموال حيث الحاجة أكثر إلحاحاً، أي إلى البلدان التي تعاني أضرار المناخ على رغم إسهاماتها المحدودة في التلوث.
وفي السياق نفسه، يدعو الناشطون إلى فرض "ضرائب المناخ" على الملوثين، وخصوصاً المليارديرات وعمالقة الوقود الأحفوري، وتقول منظمة "GO 350.org" البيئية غير الحكومية، إن "الأموال المتحصلة من فرض ضرائب على الأثرياء يمكن توجيهها نحو السياسات المحلية لخفض الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى تمويل المشاريع المناخية الدولية".
وتحظى هذه الأفكار بتأييد قوي بين الجمهور، إذ أظهرت استطلاعات الرأي دعماً واسعاً لفرض ضرائب أعلى على الطائرات الخاصة واليخوت الفاخرة، وأيضاً لزيادة الضرائب على أغنى الأفراد والشركات الكبرى في بريطانيا لتمويل جهود التصدي لتغير المناخ.
وفي نهاية المطاف سيكون التركيز على المساءلة هو العنصر الحاسم في أي صورة من صور تمويل المناخ، فمن دون آلية لضمان تحقيق الأهداف المالية والمناخية، لن يكون لهذا التمويل أي قيمة حقيقية.
كلفة الطقس المتطرف عالمياً
وأفاد تقرير جديد بأن الطقس العنيف كلف العالم نحو تريليوني دولار خلال العقد الماضي، وذلك في وقت يتوافد فيه الدبلوماسيون على قمة المناخ "كوب 29" التي من المتوقع أن تشهد جدلاً حاداً حول تمويل المناخ.
وشمل التحليل 4 آلاف حدث مناخي متطرف، بدءاً من الفيضانات المفاجئة التي تجرف المنازل، إلى الجفاف الطويل الذي يدمر المزارع على مدى سنوات، وبلغت الأضرار الاقتصادية نحو 451 مليار دولار في العامين الماضيين فحسب.
وتعكس هذه الأرقام الكلفة الكاملة للطقس المتطرف وليس الحصة التي يمكن للعلماء نسبها إلى التغير المناخي، وتأتي هذه البيانات بينما يتفاوض زعماء العالم حول المبالغ التي ينبغي على الدول الغنية تقديمها لمساعدة الدول الفقيرة في تنظيف اقتصاداتها، والتكيف مع مناخ أكثر حرارة، والتعامل مع الأضرار الناتجة من الطقس العنيف المتزايد.
وقال الأمين العام للغرفة التجارية الدولية، جون دنتون، "تظهر بيانات العقد الماضي بصورة قاطعة أن تغير المناخ ليس مشكلة مستقبلية، فخسائر الإنتاج الكبيرة الناجمة عن الأحداث المناخية المتطرفة تؤثر الآن في الاقتصاد الحقيقي".
أميركا الأكثر تضرراً
وكشف التقرير عن اتجاه تصاعدي تدريجي في كلفة الأحداث المناخية المتطرفة بين 2014 و2023، مع ذروة في عام 2017 عندما شهدت أميركا الشمالية موسم أعاصير نشطة، وكانت الولايات المتحدة الأكثر تضرراً اقتصادياً خلال هذه الفترة، بخسائر بلغت 935 مليار دولار، تليها الصين بـ268 مليار دولار، ثم الهند بـ112 مليار دولار، فيما تضمن الـ10 الأوائل كلاً من ألمانيا وأستراليا وفرنسا والبرازيل.
وعند قياس الخسائر لكل شخص، جاءت الجزر الصغيرة مثل سانت مارتن وجزر الباهاما في مقدمة الدول الأكثر تضرراً.
وتسببت الحرائق والمياه والرياح والحرارة في تكبيد الموازنات الحكومية مزيداً من الخسائر المالية مع ازدياد ثراء العالم، واستقرار السكان في المناطق المعرضة للكوارث، وتفاقم التلوث الناجم عن الوقود الأحفوري.
لكن حتى السنوات الأخيرة كان من الصعب على العلماء تقدير دور البشر في تضخيم الأحداث المناخية المتطرفة بفعل الغازات الدفيئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت دراسة نشرت الشهر الماضي إلى أن التغير المناخي كان مسؤولاً عن أكثر من نصف الوفيات البالغ 68 ألف شخص جراء الحرارة الشديدة في صيف أوروبا عام 2022، وضاعف من احتمال مستويات الأمطار الغزيرة التي اجتاحت أوروبا الوسطى في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وأوضح الاقتصادي في مجال الكوارث بجامعة "فيكتوريا" في ويلينغتون، إيلان نوي، الذي لم يشارك في دراسة مركز الأزمات الدولية، إن أرقام الدراسة تتوافق مع أبحاث سابقة أجراها، لكنه حذر من أن البيانات الأساسية لا تعكس الصورة الكاملة، مضيفاً "التحذير الرئيس هو أن هذه الأرقام في الواقع تغفل التأثير في المجتمعات الفقيرة والبلدان الضعيفة".
وقدر نوي في دراسة نشرها العام الماضي كلفة الأحداث المناخية المتطرفة المرتبطة بالتغير المناخي بـ143 مليار دولار سنوياً، وذلك بصورة أساسية بسبب خسائر الأرواح، لكنه أشار إلى محدودية البيانات المتاحة، خصوصاً في أفريقيا.
وقال نوي "إن معظم التأثير الذي يحسب يتركز في البلدان ذات الدخل المرتفع حيث تكون قيمة الأصول أعلى بكثير، وتعد الوفيات الناجمة عن موجات الحرارة أكبر"، وأضاف "من الواضح أن خسائر المنازل وسبل العيش في المجتمعات الفقيرة في الدول الفقيرة تكون أكثر تدميراً على المدى الطويل مقارنة بالخسائر في البلدان الغنية، إذ تكون الدولة قادرة ومستعدة للمساعدة في التعافي".
ودعت الغرفة التجارية الدولية قادة العالم إلى التحرك بسرعة لتوجيه الأموال إلى الدول التي تحتاج إلى المساعدة في خفض انبعاثاتها، والتطور بطرق قادرة على تحمل صدمات الطقس العنيف.
وقال دنتون "لا ينبغي أن ينظر إلى تمويل العمل المناخي في العالم النامي على أنه عمل من أعمال الكرم من قبل قادة الاقتصادات الأغنى في العالم. كل دولار ينفق هو في النهاية استثمار في اقتصاد عالمي أقوى وأكثر مرونة يعود بالنفع على الجميع".