Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مكتبة لورين غروف تتحدى حظر الكتب في أرض الحرية

قراء من جميع الأجيال يجدون ملاذاً آمناً من الرقابة الرسمية التي لا تقرأ

الروائية الأميركية لورين غروف في مكتبتها التي تواجه الرقابة (صفحة الكاتبة - فيسبوك)

ملخص

لا تزال المكتبة التي أسستها الروائية الأميركية المعروفة لورين غروف قبل أشهر في وسط مدينة غينزفيل في فلوريدا، وسمتها "لينكس"، تشهد إقبالاً كبيراً من جمهور متعدد الأجيال والهموم، يبحث عن الكتب التي منعتها الرقابة أو تم تحظيرها. فهدف المكتبة هو كسر السلطة الرقابية الاميركية التي تعمل علناً وسراً.

عندما صدرت رواية "فهرنهايت 451" للروائي الأميركي راي برادبري عام 1953 قوبلت بالحظر في كثير من البلدان باعتبارها ديستوبيا أوغلت في المبالغة، لكن كاتبها الذي كان أكثر واقعية، اضطر إلى تغليفها بمادة مقاومة للاحتراق، تحسباً للمصير الذي رصده في روايته، التي يتنبأ فيها بحال المجتمع الأميركي في مستقبل غير معروف، تتجرأ فيه السلطات على إعدام الكتب عند درجة 451. وهي الدرجة التي يبدأ فيها الورق بالتحول إلى رماد. غير أن تلك الرواية الديستوبية أثبتت بعد سبعة عقود من نشرها مدى قدرتها على استقراء المستقبل.

في مارس (آذار) 2022 ظهر حاكم ولاية فلوريدا على منصة إلى جوار صفحة من كتاب الأطفال "نادني بمكس" Call Me Max، للكاتب الأميركي كايل لوكوف، وفيها يستلقي طفل سانداً خده بيده، وهو في حالة تأمل وإلى جانبه كلب نائم مع هذا النص: "عندما ولدت، قال والدي: 'إنها فتاة!'، وعندما نظرت في المرآة، رأيت فتاة. ونظراً إلى طبيعتي المتحولة، أردت أن أرى صبياً".

لم يمض وقت حتى تصدر مشروع قانون "حقوق الوالدين في التعليم" عناوين الصحف في ولاية فلوريدا، وهو يسمح للآباء بالاعتراض على المحتوى المقدم لأطفالهم. وسرعان ما انتقل الشرر إلى عديد من الولايات الأميركية. عرف هذا القانون بين منتقديه باسم قانون "لا تقل مثلياً"، نظراً إلى أنه يمنع التعريف بالجنس والهوية الجنسية من رياض الأطفال حتى الصف الثالث، وهو ما تم توسيع نطاقه لاحقاً، ليشمل جميع المراحل الدراسية. غير أن الأمر لم يقتصر على الجنس كما تبين لاحقاً، فقد أجريت تغييرات كبيرة على الطريقة التي يتم فيها تدريس العرق وتاريخ الملونين في الفصول الدراسية، مما أدى إلى تفريغ رفوف المكتبات من محتواها واندلاع موجة من الغضب بين الأدباء والمفكرين.

القوة الناعمة لها أسنان

كثيراً ما حلمت لورين غروف بإنشاء مكتبة مستقلة على رغم مما حققته أعمالها الروائية من نجاح. غير أن حلمها لم يكن ليتحقق لولا هذه الاستفزازات المتلاحقة في شأن حظر الكتب التي بلغ عددها نحو 6000 كتاب على مدار عامين، ومنها رائعة ميلتون "الفردوس المفقود"، "أنقذ العظام" لجيسمين وارد، و"العين الأكثر زرقة" لتوني موريسون. تتهكم غروف ضاحكة على حظر "الفردوس المفقود"، وتتوقف عند حظر "العين الأكثر زرقة" قائلة: "إذا كنت تحاول حظر توني موريسون، فأنت لا تكترث بالأدب، أو لا تهتم بروح البلاد. فكل ما يعنيك هو منع الناس من رؤية أنفسهم في الكتب، وبالأحرى، منع الناس من فهم التاريخ بأجمل طريقة يمكن بها استعراضه. أليس هذا سخيفاً؟".

استلهمت غروف اسم مكتبتها "لينكس" التي تعني الوشق (حيوان لاحم مفترس من فصيلة السنوريات) من حادثة طريق، حين اندفعت قطة برية قصيرة الذيل، منتفخة الأذنين، أمام سيارتها ذات مساء، فشعرت أنها إشارة. لذلك رسمتها على واجهة المكتبة مع رسالة: "انظروا كيف نعض"، لكن التورية في منطوق الاسم تجعله مناسباً تماماً للأحداث الجارية، وتقول في حوار معها: "لقد أصبحنا بالفعل بمثابة الروابط بين عديد من المجتمعات".

حظيت المكتبة بدعم هائل من جميع الأطراف، بداية من المكتبات المستقلة التي انطلقت نحو الهدف نفسه، ومروراً بالأصدقاء الذين تكفلوا بتنفيذ الشعار والتصميم الداخلي للمكتبة. والأهم من ذلك كله، حملة التبرعات التي جمعت 116 ألف دولار من مواطني سياتل، وويسكونسن، وتكساس، ووليات أخرى. هذا فضلاً عن الطلاب والأهالي الذين لم يدخروا جهداً في حمل علب الكتب وتوزيعها على الرفوف، مما جعل غروف تنفجر في البكاء أكثر من مرة، وهي تردد: "يا إلهي الجميع يريدون المساعدة. أليس هذا دليلاً على رغبة الناس في صد هذه السحابة الرمادية المهددة من الحظر والتقييد".

تقع المكتبة في مبنى قديم وسط مدينة غينزفيل التاريخية، على بعد ميل واحد فقط من جامعة فلوريدا، ويعكس الديكور ودكنة الجدران الخضراء، مدى ارتباط غروف ببيئتها، مع أنها ليست من أهالي فلوريدا، فقد وفدت إليها من نيويورك عام 2006، لكن مجموعتها القصصية المعنونة باسم الولاية تعكس مدى انتمائها إلى المكان الذي أحبته، لكنه خيب آمالها في الفترة الأخيرة، لا سيما عندما قامت الجامعة بطرد جميع موظفي التنوع والمساواة والشمول (DEI)، بعدما تحركت الولاية لحظر مكاتبهم من الجامعات العامة. وفي السنوات الأخيرة، أغلقت معظم المكتبات المستقلة في غينزفيل، إذ تقيم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

افتتحت غروف مشروعها هذا العام وسط حشود مؤلفة من الناس لدرجة أن المبنى الواسع اكتظ عن كامله، واضطر الباقون إلى الانتظار في طابور طويل، امتد عبر الفناء الخلفي وداخل ساحة انتظار السيارات على مدار اليوم. وتضم لينكس أكثر من 8000 نسخة من الإصدارات الجديدة، والكلاسيكيات، والمسرحيات، والدواوين الشعرية، وكتب الطبخ، وكتيبات الصحة، إضافة إلى رفوف كاملة تعرض الكتب المحظورة في شكل بارز في مكان مخصص للكتب الـ10 الأكثر إثارة للجدل في البلاد، والتي سجلت الأكثر مبيعاً يوم الافتتاح. تصيح غروف بدهشة: "لقد نفد عديد من الطبعات، كتبي كلها نفدت، كنت قد قمت بتخزين كميات هائلة منها. ولكنها نفدت جميعها بحلول الساعة 11 صباحاً".

كان من ضمن الحضور والداها وجيرانها وأطفالهم الصغار، وناشرها من نيويورك، والطلاب المتطوعون الذين أسهموا في الحملة، حتى هارفي وارد الابن، عمدة غينزفيل، كان حاضراً. وعندما حان وقت القراءة، صعدت غروف المنصة وقرأت قصة قصيرة من مجموعتها "فلوريدا"، التي كانت مصدر إلهام لأغنية تايلور سويفت "فلوريدا".

"الفردوس المفقود" في أرض الحرية

لم تكن غروف أول من تبنى فكرة توفير ملاذ آمن للكتب المطرودة من رحمة النظام، فقد سبقها عدد من المؤلفين، منهم جودي بلوم، وآنا باتشيت، وإيما ستراوب، وميشيل كابلان صاحب سلسلة مكتبات Books & Books المستقلة في ميامي، والذي أعرب عن سعادته بانضمام غروف إلى صفوف المقاومة، طامحاً أن يتمكنوا من نقل أرض المقاومة بين الناس، وكتب يقول: "كانت هناك دائماً جيوب تحاول الحد من توزيع الكتب، لكنهم يأتون عادة من عناصر هامشية حقيقية. والآن، لسوء الحظ، تسللت هذه العناصر الهامشية إلى حكومتنا". وهو ما يستدعى تضافر الجهود للتصدي لما سمته غروف بـ"التسلل الاستبدادي" الذي لم تجد أفضل من كلمات الشاعر الألماني هاينريش هاينه للتعبير عنه: "أينما يحرقوا الكتب، فإنهم في النهاية سيحرقون الناس".

على الجانب الآخر يصف دي سانتيس، حاكم فلوريدا مقاومة الأدباء لحظر الكتب وتضخيم وسائل الإعلام بأنه "خدعة"، "فلوريدا لا تحظر الكتب، بل بدلاً من ذلك، مكنت الآباء من الاعتراض على المواد الفاحشة في الفصل الدراسي". وهي الإشكالية التي تعكس صراعات أكبر حول القيم الاجتماعية والسياسية. فبينما يرى المدافعون عن حرية التعبير أن الأدب يمكن أن يساعد الطفل على فهم العالم من حوله في شكل أفضل، بدلاً من أن يتفاجأ به، أو يتقوقع داخله نهباً للأمراض، يتمسك البعض بضرورة حماية الأطفال من المحتوى غير المناسب لعمرهم، لكن بعض ولايات أميركا اتخذت من الأطفال ذريعة لتطويق حرية التعبير. فقد رصد تقرير صادر عن منظمة "أميريكن بن" حظر أكثر من 5000 كتاب بين يوليو (تموز) 2021 وديسمبر (كانون الأول) 2023، في فلوريدا وحدها، بعدها تأتي تكساس في الترتيب الثاني، وهذا ما زادت وتيرته في 2024.

تعتقد غروف أن هذه الكتب التي تم حظرها، لم تقرأها الرقابة من الأساس، لذا تسعى من خلال مشروعها إلى تحدي الجهل عبر طرق تشجع الانفتاح الثقافي والتسامح، لا من طريق وضع الكتب المحظورة في محمية طبيعية فحسب، بل أيضاً من خلال ورش العمل والقراءات العامة، كوسيلة لتوسيع دائرة النقاش حول نوعية الكتب التي تختصها الرقابة بالعداء. وتستأنف في حوارها: أنا متحمسة للغاية لأن هذا ليس متجري، بل أنا من يدفعه إلى العالم. أريد أن يكون متجراً للجميع، الفتاة الصغيرة المتحولة جنسياً في نهاية الشارع، والتي أحبها كثيراً، لكنها تشعر بالتهديد. أريد أن يكون لجميع الناس الذين أسهموا في تحقيق ذلك، للموظفين، لكل من يحتاج إليه. سنفعل كثيراً لإيصال الكتب إلى أيدي الناس. إن المكتبة هي أكثر مكان مبهج على هذا الكوكب، وقد أردت أن أشيد فردوساً صغيراً في غينزفيل".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة