Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مرافق سفير بريطانيا لدى لبنان أنقذ الأميركيين من كارثة كبرى (1-3)

مراسلات سرية تكشف كيف أن هذا الشخص أوقف مهاجم ملحق سفارة الولايات المتحدة شرق بيروت عام 1984

تقارير ومراسلات سرية من الأرشيف الوطني البريطاني تحدثت عن دور إيران و"حزب الله" في استهداف المصالح الأميركية في لبنان (اندبندنت عربية)

ملخص

تنفرد "اندبندنت عربية" بنشر سلسلة مقالات بعنوان "استهداف الوجود الأميركي في لبنان بين 1983 و1984"، تكشف خلالها تفاصيل للمرة الأولى عن محطات أساسية في تلك المرحلة المصيرية من تاريخ البلاد والمنطقة، بعد اطلاعها على الأرشيف الوطني البريطاني الذي رفعت عنه السرية.

في الجزء الأول من هذه السلسلة، ندخل في تفاصيل ملف يحمل رقم التصنيف FCO 93/3814 ضمن وثائق الأرشيف الوطني البريطاني، ويتضمن تقارير ومراسلات سرية تحدثت حينها عن دور إيران و"حزب الله" في استهداف المصالح الأميركية، ونتوقف عند الإحراج الكبير الذي سببته هذه الاستهدافات للإدارة الجمهورية في واشنطن حينها بقيادة الرئيس رونالد ريغان.

منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان شكلت المصالح الأميركية، أفراداً ومؤسسات، أهدافاً لضربات واستهداف أمني مباشر، لأسباب عدة أهمها أن بعض الميليشيات المقاتلة كان يعد الوجود الأميركي في لبنان مرفوضاً باعتباره تدخلاً مباشراً في الشأن اللبناني ودعماً  للإسرائيليين.

وعلى رغم أن الاستهدافات الأميركية في لبنان لم تكن محصورة في مدن زمنية محددة، لكنها شهدت خلال بداية ثمانينيات القرن الماضي ارتفاعاً ملحوظاً، ولعل أبرز هذه الهجمات نفذ بين عامي 1983 و1984، أي بعد نحو سنة من الاجتياح الإسرائيلي الثاني للبنان، الذي وصل إلى العاصمة بيروت، مما أدى إلى خروج منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات من لبنان. كذلك كانت تلك الفترة المرحلة التي تأسس فيها ما يعرف اليوم بـ"حزب الله"، وهو بدأ العمل على نواته عام 1982 بدعم مباشر من إيران والحرس الثوري قبل أن يبصر النور رسمياً عام 1985.

يعد الأميركيون اليوم، الذين خاضوا حروباً كبرى عبر التاريخ، أن أكبر ضربتين أمنيتين تلقتهما دولتهم كان التفجير الذي نفذه انتحاري مستهدفاً ثكنة مشاة البحرية الأميركية في بيروت في 23 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1983  والذي أودى بـأكثر من 240 شخصاً، وعملية سبتمبر 11 (أيلول) عام 2001 والتي أطلقت الحرب على الإرهاب، التسمية التي تحبذ الإدارة الأميركية استعمالها.

كما أن السفارة الأميركية لدى لبنان كانت هدفاً لعمليتين دمويتين خلال الحرب اللبنانية، الأول في 18 أبريل (نيسان) 1983 عندما هز انفجار انتحاري مبنى السفارة التي كان تقع حينها في غرب بيروت، وقتل في الاستهداف 63 شخصاً، من ضمنهم أميركيون ولبنانيون.

بعدها نقلت واشنطن سفارتها في لبنان إلى شرق بيروت وتحديداً منطقة عوكر حيث كان مبنى ملحق السفارة، معتبرة أن المنطقة هناك أكثر أماناً من غرب العاصمة، لكن في 20 سبتمبر 1984، وقع انفجار بسيارة مفخخة في المبنى مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، من بينهم أميركيون.

تنفرد "اندبندنت عربية" بنشر سلسلة مقالات بعنوان "استهداف الوجود الأميركي في لبنان بين 1983 و1984"، تكشف خلالها تفاصيل للمرة الأولى عن محطات أساسية في تلك المرحلة المصيرية من تاريخ البلاد والمنطقة، بعد اطلاعها على الأرشيف الوطني البريطاني الذي رفعت عنه السرية.

في الجزء الأول من هذه السلسلة، ندخل في تفاصيل ملف يحمل رقم التصنيف FCO 93/3814 ضمن وثائق الأرشيف الوطني البريطاني، ويتضمن تقارير ومراسلات سرية تحدثت حينها عن دور إيران و"حزب الله" في استهداف المصالح الأميركية في لبنان، ونتوقف عند الإحراج الكبير الذي سببته هذه الاستهدافات للإدارة الجمهورية في واشنطن حينها بقيادة الرئيس رونالد ريغن. 

وضع سفيري أميركا وبريطانيا

في هذه الوثائق، وصف لما حدث يوم 20 سبتمر أي يوم تفجير ملحق السفارة في منطقة عوكر، وفي نصها تفاصيل عن وضع السفير البريطاني في لبنان حينها ديفيد ميرز الذي كان يجتمع بنظيره الأميركي ريغينالد بارثولوميو في المبنى المستهدف.

وهنا تكشف المراسلات بين سفارة بريطانيا لدى لبنان ولندن أن السفير البريطاني ديفيد ميرز، كان في اجتماع داخل مكتبه في الطابق الرابع الذي يقع مباشرة فوق مكان الانفجار، مع نظيره الأميركي ولم يصب إصابات خطرة، لكنه تعرض لصدمة نفسية. فيما تم إنقاذ السفير الأميركي من تحت الأنقاض.

وتضيف، "لم يتعرض السيد ميرز لإصابات خطرة. وهو الآن في مستشفى في شرق بيروت حيث خضع لعملية خياطة فوق عينه، وقد يكون أصيب في إصبع يده. كما يعاني من صدمة نفسية".

وفي السياق تكشف الوثائق "تأكدت بشكل مباشر بعد الهجوم إصابة العشرات من بينهم عدد من موظفي الخدمة الخارجية الأميركية، فيما السفير البريطاني وفريق حمايته المكون من خمسة أشخاص الذين كانوا في الموقع لم يتعرضوا لإصابات خطرة. وبسبب الإشاعات حول خطط لشن هجوم آخر في المنطقة، تم إخلاء كل من السفارة البريطانية الرئيسية في غرب بيروت وملحقها في شرق بيروت". 

من نفذ الهجوم؟

خلال تلك المرحلة، برز اسم حركة "الجهاد الإسلامي" التي تبنت استهداف المصالح الأميركية في بيروت، لكن كانت هناك قناعة تامة لدى واشنطن ومؤشرات إلى أن المجموعات المنتمية لإيران في لبنان حينها هي التي خططت ونفذت هذه الهجمات، وعلى رأسها "حزب الله" الذي كان في سنواته الأولى.

وفي هذا السياق تكشف الوثائق البريطانية كيف أن حركة "الجهاد" أعلنت مسؤوليتها عن هجوم ملحق السفارة في عوكر، لكن التحقيقات الأمنية كشفت في ما بعد أن الذين شنوا هذا الهجوم والهجمات السابقة يُعتقد على نطاق واسع من قبل الخبراء في المنطقة وواشنطن أنهم من عناصر "حزب الله" المدربين والممولين من قبل إيران. 

وفي نص إحدى البرقيات ذكر "بعد ساعة من الانفجار، اتصل متصل مجهول بوكالة أنباء أجنبية وأعلن أن وحدة انتحارية من ’الجهاد الإسلامي’ هي التي نفذت الهجوم. وقد كانت نفس المجموعة مسؤولة عن تدمير السفارة الأميركية في غرب بيروت، وعن الهجمات على القوات الأميركية والفرنسية التابعة لقوات متعددة الجنسيات في عام 1983، التي أسفرت عن خسائر بشرية كبيرة".

وفي سياق آخر، تؤكد الوثائق أن العملية تمت من دون علم النظام السوري الذي وصف الوضع بالمؤسف، مضيفة أن السياسة الإيرانية في لبنان أصبحت موضع حرج للقيادة السورية في تلك الفترة، بقيادة الرئيس السابق حافظ الأسد.

تساؤلات حول أمن السفارة

الهجوم على السفارة الأميركية في بيروت أثار حينها تساؤلات عديدة حول أمن الدبلوماسيين الأميركيين وسط الفوضى السياسية والأمنية في لبنان في أصعب أيام الحرب الأهلية.

هنا تكشف المراسلات التي رفعت السرية عنها أخيراً أنه في تمام الساعة 11:45 صباحاً بتوقيت بيروت، اصطدمت سيارة كان يقودها مهاجم غير معروف، ببعض الحواجز الخرسانية ودخلت بوابات ملحق السفارة الأميركية في شرق بيروت. وقد تم إطلاق النار على السيارة من قبل أحد حراس السفارة الأميركية قبل الحادثة. 

وتضيف، "عندما اقتربت السيارة من المبنى، أصابها أحد أفراد فريق حماية السفير البريطاني وانفجرت. وتسبب الانفجار في أضرار شديدة في واجهة المبنى... كان السفير الأميركي لفترة قصيرة عالقاً تحت الأنقاض وتم إنقاذه بواسطة السيد ميرز. السفير الأميركي في بيروت، السيد بارثولوميو، يعالج في نفس المستشفى حيث يوجد السيد ميرز، ويُعتقد أنه لم يتعرض لإصابات خطرة".

وكذلك نقلت هذه المراسلات ما ورد من إشاعات في بيروت حينها حول وجود خطط لشن هجوم آخر، وتتابع، "تم إغلاق المباني الرئيسة للسفارة البريطانية في غرب بيروت وملحقها في شرق بيروت. من المقرر أن يُفتح الملحق في شرق بيروت في 21 سبتمبر لأغراض التواصل، لكنه لن يكون مفتوحاً للجمهور وسيتم اتخاذ كل الاحتياطات الأمنية اللازمة".

مقابلات إعلامية والإحراج الأميركي

ضمن هذا الملف الذي تكشف تفاصيله "اندبندنت عربية"، تبرز برقية بشكل خاص وهي تحمل 599 ومرسلة بتاريخ 21 سبتمبر، أي بعد يوم من وقوع التفجير، من السفارة البريطانية في بيروت إلى مرجعيتها في لندن.

وفي تفاصيلها أنه كانت هناك رغبة من قبل الصحافي كيث غريفز من "بي بي سي" لإجراء مقابلة مع السفير البريطاني. رفضت طلب إجراء مقابلة تلفزيونية وتمت الموافقة على إجراء مقابلة مسجلة للإذاعة حول تجربة السفير في الانفجار.

لكن السفارة في لبنان كانت "قلقة" من أن تلك المقابلة ستفتح باب طلبات  صحافية عدة لإجراء مقابلات أخرى من وسائل إعلام بريطانية مرموقة مثل "التايمز" و"صنداي تايمز" و"رويترز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن نص البرقية المتعلقة بهذا الجانب:

"لا يزال غريفز مصراً على إجراء مقابلة... سيكتفي بمقابلة مسجلة للإذاعة تتناول تجربة السفير في الانفجار وما إلى ذلك.

إذا تم السماح لغريفز بإجراء مقابلة مع السفير، فإن مراسلي بريطانيا البارزين الآخرين مثل "التايمز" و"صنداي تايمز" و"رويترز" سيرغبون أيضاً في إجراء مقابلات".

من الواضح أن مثل هذه المقابلات مهمة لإظهار ما نقوم به. نقدر الرد السريع على ما إذا كان ينبغي للسفير أن يوافق على المقابلات وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كان هناك خط معين يجب اتباعه. سنبتعد بالطبع عن التعليق على الترتيبات الأمنية الأميركية".

لكن هذه المقابلات التي قاربتها لندن حينها بـ"إيجابية" انقلب إلى إحراج مباشر بين أميركا وبريطانيا.

كشف اسم حرس السفير البريطاني

وما تكشفه هنا الوثائق السرية، وتحديداً البرقية الفورية رقم 2843 المرسلة من السفير البريطاني لدى واشنطن بتاريخ 24 سبتمبر إلى وزارة الخارجية البريطانية في لندن، هو الإحراج الذي سببته مقابلة مع محطة "ITN" البريطانية لإدارة الجمهوريين في البيت الأبيض.

إذ كشفت المحطة البريطانية من دون قصد عن اسم الحارس الشخصي للسفير البريطاني لدى بيروت الذي قيل إنه هو من أطلق النار على الانتحاري سائق الشاحنة وعرقل مساره، وبسبب ذلك نسبت وسائل اعلام أميركية إلى البريطانيين الفضل في تجنب كارثة أكبر بالنسبة للأميركيين في لبنان، وتسبب هذا الخبر بالإحراج لإدارة الرئيس رونالد ريغان، حيث استغل "الديمقراطيون" هذا الخبر عشية انتخابات أميركية لضرب "الجمهوريين" ومرشحهم الرئيس.

وفي نص البرقية "لقد سبق لوسائل الإعلام الأميركية أن تحدثت عن الدور الذي لعبه فريق حماية السفير البريطاني... في مقالة نشرت على الصفحة الأولى في "نيويورك تايمز" تحت عنوان "البريطانيون هم السبب في تجنب كارثة أكبر في السفارة الأميركية"، أفاد جون كيفنر من بيروت أن الحرس البريطاني، الذي يُعتقد أنه من أفراد القوات الجوية الخاصة، أطلق النار، ووفقاً لمصادر دبلوماسية غربية، يُفترض أنهم قتلوا الانتحاري الذي فجر سيارته المفخخة... لقد تم أيضاً نشر تقرير كامل عن الدور الذي لعبه السفير البريطاني نفسه في المساعدة في انتشال السفير الأميركي من تحت الأنقاض.

هذا الكلام أكدته برقية ثانية ضمن الوثائق السرية تحمل رقم 610 وهي تتضمن تقريراً سرياً من السفارة البريطانية لدى بيروت موجه إلى وزارة الخارجية البريطانية، يشير إلى أن الفريق الأمني التابع للسفارة البريطانية قد أسهم في إيقاف الشاحنة المفخخة وإعاقة السائق، مما منع وقوع أضرار أكبر بالقرب من المبنى. رغم هذا الإنجاز، يتحفظ الجانب البريطاني على كشف دور الفريق علناً نظراً لعدة اعتبارات. وجاء في الوثيقة ما نصه:

على الرغم من الأداء الرائع لفريقي (فريق السفير البريطاني) في ذلك اليوم الذي لا يمكن الإشادة به بما يكفي، وأنا أتابع بشكل منفصل كيفية إيصال هذا الأداء للجهات المعنية، فإنه ليس من مصلحتنا أن يتم التركيز بشكل كبير على أن نيرانهم وحدها هي التي حالت دون وقوع كارثة أسوأ، وذلك لأن (أ) كفاءتهم هنا تعتمد على الحفاظ على مستوى منخفض من الظهور، (ب) الإعلان عن أسماء الأفراد قد يعرض سلامتهم للخطر هنا، (ج) قد يكون الأمر محرجاً للأميركيين، خصوصاً إذا تم التركيز بشكل أكبر على أمان المبنى الأميركي في سياق الانتخابات".

وفي سياق متصل، أعرب مراسل الشرق الأوسط في محطة "ITN" ديفيد سميث، عن استيائه في رسالة إلى السفير البريطاني بعد أن قامت القناة بتحديد هوية أحد حراس السفير الشخصيين على أنه مطلق النار على سائق شاحنة في السفارة الأميركية. وقد حدث هذا من دون استشارة المراسل في بيروت، وبما يتعارض مع اتفاق مسبق بعدم كشف الهوية، اتفق عليه سميث مع رؤسائه في لندن. ويضيف سميث:

"أود أن أعلمكم أنه طوال يوم الجمعة، مورست ضغوط كبيرة على بعض المراسلين البريطانيين لتسمية الرجل المعني من قبل مكاتبهم في لندن، لقد جادلت بقوة مع بعض زملائي المراسلين ضد القيام بذلك، وفزت بهذه الحجة".

اقرأ المزيد من الحلقات:

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير