ملخص
طريقة نهب المساعدات الإنسانية في غزة تثير شكوكاً حول وقوف الجيش الإسرائيلي وراء مساعدة المسلحين على ذلك.
بعد 10 دقائق من قيادة السائق ماهر العصار شاحنة مساعدات إنسانية انطلقت من معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، متجهاً بها نحو مخازن الأمم المتحدة، اعترض طريقه مكمن على الطريق إذ وجد حجارة كبيرة يصعب تجاوزها، ومباشرة خرجت عليه مجموعة مسلحين.
أطلق المسلحون النار مباشرة صوب ماهر ونجا بأعجوبة من الموت، وعندما اقترب منه الأشخاص الملثمون أيضاً أنزلوه من الشاحنة وقيدوا يديه، ثم وضعوه في المقصورة إلى جانب كراتين المساعدات الإنسانية.
قرب الجيش
يقول ماهر "عندما اعترض المسلحون طريقي كنت قريباً جداً من معبر كرم أبو سالم، أي لا أزال تحت عين الجيش الإسرائيلي، كما أن سماء المنطقة كانت ملبدة بطائرات الاستطلاع، والأغرب من ذلك أن الدبابات كانت بعيدة منا أقل من 100 متر".
قاد المسلحون الشاحنة إلى منطقة زراعية قريبة من الحدود بين غزة وإسرائيل، وأنزلوا المساعدات الإنسانية منها، ثم تركوا ماهر وشحنته وغادروا، ويؤكد السائق أن عملية النهب التي تعرض لها مدبرة ومنظمة، وجرت تحت أعين الجيش الإسرائيلي ولم يتم اعتراضها.
السطو على الشاحنة التي يقودها ماهر هو واحدة من عمليات نهب كثيرة للمساعدات الإنسانية التي تحدث بصورة يومية في غزة، إذ بعد انهيار النظام والقانون في القطاع بسبب الحرب التي دمرت هيكلية "حماس"، باتت المعونات الغذائية تتعرض للسرقة، ولكن من هذه القصة هل للجيش الإسرائيلي يد في عمليات نهب المساعدات الإنسانية؟
خرائط عسكرية للقوافل
في البداية تجب الإشارة إلى أن قوافل الشاحنات التي تنقل المساعدات الإنسانية أو البضائع التجارية تتبع خرائط محددة يتسلمها السائقون من الجيش الإسرائيلي، ويمنع عليهم طرقاً بعينها توضحها هذه الخرائط، وذلك على اعتبار أن هذه الممرات آمنة وخاضعة لسيطرة الجيش أو مراقبته.
وعلى رغم أن سائقي شاحنات المساعدات الإنسانية يتبعون التعليمات فإنهم يتعرضون لعمليات السرقة، وعادة ما يجري السطو عليهم في المنطقة الجغرافية القريبة من معبر كرم أبو سالم، أي قرب الحدود مع إسرائيل.
تتميز المنطقة التي يتم فيها نهب المساعدات الإنسانية بأنها شديدة الخطورة، ومصنفة منطقة قتال خطرة، وتقع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وهذا يعني أنه يمنع فيها وجود الفلسطينيين الذين يحملون أسلحة.
هجمات مسلحة
في شهادة السائق ماهر التي أدلى بها لـ"اندبندنت عربية" فإنه يؤكد أن عمليات السطو على قوافل المساعدات الإنسانية تتم بطريقة ممنهجة، وتحت أعين الجيش الإسرائيلي، إذ يمتنع الجنود الذين يراقبون الحدود ويشاهدون عمليات النهب عن إطلاق النار على الملثمين.
ما يتحدث حوله السائق ماهر، ينسجم مع ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، التي تقول إن "الهجمات المسلحة على المساعدات الإنسانية في غزة تتم تحت أعين قوات الجيش، وعلى مسافة مئات الأمتار قرب الجنود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الصحيفة العبرية جاء أيضاً أن الجيش الإسرائيلي ضالع في عمليات النهب، إذ يطلق الجنود النار إذا كان المسلحون تابعين لـ"حماس" أو شرطتها، ولا يتزحزحون من أماكنهم إذا كان الملثمون تابعين لعصابات تعرفها القوات الإسرائيلية، كما أن الجنود لا يمانعون جباية إتاوة من شاحنات المساعدات الإنسانية.
عمليات سطو متشابهة
في بيان للأمم المتحدة جاء أن مسلحين في غزة يوقفون نقل المساعدات ويطلقون النار على إطارات الشاحنات ويطلبون من السائقين دفع رسوم مرور بقيمة 5 آلاف دولار، ومن يرفض يتعرض للاختطاف أو نهب المساعدات الإنسانية.
حمدان إسليم سائق شاحنة معونات إنسانية قال بدوره "معظم حالات سرقة المساعدات الإنسانية متشابهة في روايتها، وتتم في منطقة واحدة وتحت أعين الجيش الإسرائيلي، أعتقد أنه يمكن تفادي هذه المرحلة إذا ساعدت إسرائيل في تأمين وصول المعونات بطرق مختلفة".
رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة جورجيوس بتروبولوس يقول "لقد تفاقمت أعمال النهب، إذ تمت سرقة ثلاثة أرباع البضائع الموجودة على الشاحنات التي دخلت المعبر، المعونات تباع بمبالغ باهظة في السوق السوداء في غزة".
ويقول المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة هشام مهنا، "يتم نهب المساعدات بصورة مستمرة، الأمر يتعلق بانهيار النظام المدني، قطاع الطرق واللصوص ينشطون في القطاع، لقد أصبح الوضع هناك مثل الغابة دون قوانين أو شرطة قانونية".
بحسب الأمم المتحدة فإن منظماتها الإنسانية اتصلت بالجيش الإسرائيلي في شأن هذه القضية، لكن جرى رفض التدخل سواء من طريق تقديم الحماية أو تغيير خريطة الطرق، أو نشر قوة شرطة في القطاع فلسطينية أو دولية.
المساعدات تباع
في ظل سرقة المساعدات لم تعد المعونات تصل إلى النازحين، وباتت تباع في الأسواق المحلية، ويظهر جلياً انتشار كراتين إغاثية مكتوب عليها مساعدات مقدمة من الأمم المتحدة وغير مخصصة للبيع، لكنها تباع بزيادة تصل إلى 1050 في المئة عن سعرها الأصلي.
وأكد أمين سر جمعية النقل الخاص في قطاع غزة جهاد إسليم، أن "هؤلاء المسلحين يعترضون الشاحنات ويجبرون السائقين على الدخول إلى المناطق الزراعية، ومن ثم الاستيلاء على المساعدات، إنهم يطلقون النار بصورة مباشرة على السائقين لإيقافهم، وقتل تسعة سائقين".
وقدّر المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة أن حجم المساعدات الإنسانية التي نهبت يفوق مئات ملايين الدولارات، ويقول "كل شيء تتم السيطرة عليه من قبل اللصوص في ظل غياب الأمن وعدم تأمين سلامة القوافل حتى الأدوية والمياه".
فيما أكد مدير ملتقى العشائر والإصلاح حسين أبو عيادة، أن عمليات النهب تقع تحت أعين الجيش الإسرائيلي وفي منطقة يسيطر عليها ومصنفة على أنها خطرة، نافياً علم العشائر القائم وراء عمليات النهب هذه.
نفي إسرائيلي
في المقابل، نفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري الوقوف وراء توفير غطاء لنهب المساعدات الإنسانية، قائلاً "هناك خطط مطروحة لتولي قواتنا عمليات تأمين قوافل المعونات".
يشير الجيش الإسرائيلي بأصابع الاتهام إلى "حماس" بالوقوف وراء سرقة المعونات، ويقول وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن "إسرائيل تحاول أن تكون متعاونة في شأن قضية المساعدات، لكن ’حماس‘ تواصل سرقة المساعدات وبيعها بأسعار أعلى، بينما تريد إسرائيل ضمان وصولها إلى السكان".
يشرح هغاري أن الجيش اتخذ خطوات كثيرة لتأمين المساعدات "فتحنا معبراً جديداً لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كما سهلنا مرورها في طرق جديدة وعملنا على تأمين الغذاء والمياه والإمدادات الطبية ومعدات المأوى إلى وسط وجنوب قطاع غزة".
بحسب كبير الدبلوماسيين الأميركيين المشاركين في المساعدات الإنسانية ديفيد ساترفيلد فإنه ينفي مزاعم إسرائيل بأن "’حماس‘ تسرق مساعدات وشحنات تجارية، لا يوجد حتى أدلة محددة على تحويل أو سرقة مساعدات من قبل الحركة".
حكومة غزة تصر على اتهام الجيش
وفيما تبرئ الولايات المتحدة "حماس" من هذه التهمة، يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة "الجيش الإسرائيلي يمارس عملية تضليل من خلال السماح بدخول مساعدات محدودة جداً للقطاع تحت ضغط من المجتمع الدولي، لكنه يعرقل وصولها".
ويضيف "الجيش يسهل عمل عصابات مسلحة خارجة عن القانون لسرقة شاحنات المساعدات والبضائع وفرض إتاوات دون تدخل منه، كما أنه يمنع في الوقت ذاته عناصر الشرطة الفلسطينية وشركات الحراسة الخاصة من تأمين شاحنات المساعدات وسط تهديدات باستهدافها".
وبحسب الثوابتة فإن تسهيل إسرائيل سطو العصابات على المساعدات يعزز سياسة التجويع المتعمدة ضد الفلسطينيين، مؤكداً أن الهدف هو دخول المساعدات لا وصولها.
للباحثة السياسية لما بركة رأي مختلف إذ تقول "يحاول الجيش الإسرائيلي إثبات أن انهيار النظام المدني في غزة يحتاج إلى تدخل مباشر منه لعودة الأمن، وهناك توجه آخر وهو إقناع دول العالم بأن عودة النظام تتطلب تدخلاً دولياً وإرسال بعثة موقتة إلى القطاع، لحل مشكلة تأمين المساعدات، وإيصالها للنازحين".