Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملامح التقارب بين إيران والسودان... سياسة واقتصاد و"مسيرات"

ساعدت طهران القوات المسلحة على تحقيق تقدم بمواجهة قوات "الدعم السريع"

صادرات الطائرات المسيرة إلى القوات المسلحة السودانية ستكون منفذاً اقتصادياً لإيران (إيران برس)

ملخص

إذا ساعدت طهران القوات المسلحة على الانتصار على قوات "الدعم السريع"، فسيكافئها الجيش بالوصول إلى بورتسودان بإقامة قاعدة عسكرية هناك. ومن المرجح أن يظل السودان في قائمة أولويات العلاقات الخارجية الإيرانية، لا سيما مع عدم التقارب مع الغرب، وتحقيق إيران استراتيجية دول الجوار الإقليمي، والإسلامي، والجنوب العالمي، بما يخدم مصالحها الدبلوماسية.

اتفقت إيران والسودان خلال العام الماضي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاع دام ثماني سنوات. في البداية كان التصور لسير العلاقات بأنها ستكون أكثر سلاسة لو أن الرئيس السابق عمر البشير كان على سدة الحكم، فيمكن اعتبار سنوات القطيعة بين البلدين مرحلة وسحابة صيف عابرة بين نظامين ثيوقراطيين، تآلفا منذ بداية "الثورة الإيرانية"، واحتفى تنظيم "الإخوان المسلمين" بها، وكذلك رحب النظام الإيراني بانقلاب الإسلاميين في السودان على فترة الديمقراطية الثالثة. وعلى رغم أن النظام السوداني قاطع إيران بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع السعودية عام 2016 إثر الهجوم الإيراني على السفارة السعودية لدى طهران، وقنصليتها لدى مشهد، فإن القرار كانت له خبايا أخرى، وفسر بأنه ناتج من إحاطة البشير بمشكلات اقتصادية وسياسية وتنظيمية، جعلته ينتهز الفرصة في محاولة للتكسب من موقفه.

والجزء الآخر من التصور هو أن الاتفاق كان سيكون صعباً أو منعدماً لو أن الانتفاضة السودانية أفضت إلى نظام ديمقراطي وحكومة مدنية. وبما أن التصور الثالث هو الذي جسد الواقع السياسي في السودان، وتمثل في انقلاب الفريق عبدالفتاح البرهان، عام 2021، على حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، فإن إيران، الآن، تعتمد، بصورة كبير، على الحرس القديم في النظام السابق للتمهيد لعلاقات واسعة مع السودان. والآن بعد اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، يصعب الجزم بأن هناك دبلوماسية حقيقية تمارسها الدولة السودانية، وإنما ستكون العلاقات مع إيران قائمة على أسس تضمن بقاء الفئة الحاكمة عبر واجهة الجيش.

 

دلالات استراتيجية

ولا يبدو التقارب الحاصل الآن بين إيران والسودان مفاجئاً، بقدر ما هو مثير لعديد من علامات الاستفهام حول طبيعته، ودوافعه ودلالاته الاستراتيجية، وما يجمع البلدين من مصالح في الوقت الحالي، فما الذي تريده إيران من بلد في خضم حرب لا تتراءى نهايتها في القريب العاجل، إضافة إلى ما طاول هيكل الدولة السودانية من دمار للبنية التحتية؟ وما الذي يمكن أن يجنيه السودان من دولة مثل إيران ترزح تحت سيف العقوبات الدولية، أورثتها أزمات اقتصادية كبيرة؟ كما أنها في حالة خصومة دولية مستمرة مع الغرب والمجتمع الدولي، وعدم استقرار في العلاقات على المستوى الإقليمي بسبب التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وإدارة الصراعات داخل هذه الدول عبر وكلائها الإقليميين.

دوافع طهران للتقارب مع السودان، يمكن حصرها كالتالي:

أولاً: رغبة إيران في توسيع نطاقها في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، فإضافة إلى أن البحر الأحمر يعد مركزاً للمصالح الدولية وموقع قواعد عسكرية للقوى الدولية، ومطلاً كذلك على مصالح هذه الدول على دول الخليج وفي قلب الشرق الأوسط، كما يعد أحد أكثر ممرات الشحن التجاري العالمية أهمية. وساحل السودان الممتد على البحر الأحمر، والذي يبلغ طوله 670 كيلومتراً جعله هدفاً للتنافس الدولي، لا سيما القوى الساعية إلى نفوذ أكبر في المنطقة مثل روسيا والصين. ووجود إيران في السودان يكسبها نفوذاً إقليمياً كبيراً، بإحاطة إسرائيل من الجنوب الغربي، وخلق سور نفسي للحوثيين في اليمن، و"حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان.

ثانياً: الدعم العسكري والتجاري، فصادرات الطائرات المسيرة إلى القوات المسلحة السودانية، ستكون منفذاً اقتصادياً لإيران، لا سيما على رغم انتهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على طهران منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ولكن إيران لم تستطع أن تصل إلى مرحلة بيع وشراء الأسلحة بسبب قيود دولية على رأسها العقوبات الأميركية، لذلك سيكون تعاملها مع شركاء شبه حكوميين، ودول في حالة صراعات وحروب. وإضافة إلى الهدف التجاري الذي يمكن أن يحققه تسليح الجيش السوداني في الحرب الحالية، يمكن أن تحقق إيران هدفاً جيوسياسياً أوسع في ظل المنافسة الإقليمية.

 

وجهة جديدة

ويمكن حصر دوافع السودان لاستعادة العلاقات مع إيران كالتالي:

أولاً: أتاحت الحرب السودانية الفرصة لأعضاء النظام السابق، الذين يعتقد أنهم يسيطرون على علاقات السودان الخارجية حالياً، الرجوع إلى إيران بوصفها حليفاً قديماً لدعم الجيش عسكرياً واقتصادياً. وباستعادة الجيش السيطرة على الدولة وتثبيت أواصر العسكر، سيضمن لهم ذلك الرجوع إلى الحكم، خصوصاً أنه بعد اندلاع الحرب، راحوا يروجون إلى أن ضعف البشير في سنواته الأخيرة، ثم سقوطه، يمكن أن يستفيدوا منه في تصحيح مسار التنظيم.

ثانياً: يمكن أن يخلق وصول إيران للسودان وجهة جديدة للصادرات الإيرانية، والسماح باستغلال الموارد المعدنية مثل الذهب، والأراضي الزراعية. كما يمكن أن يسد هذا التحرك حاجة اقتصادية كبيرة، نتجت من التدمير الواسع لكل القطاعات الاقتصادية بما فيها النفط، إذ لا تزال دولة جنوب السودان مترددة في مواصلة مرور نفطها عبر أنابيب النفط السودانية إلى ميناء التصدير "بشائر" بشرق السودان، وهو التغيير الذي جاء بعد انفصال جنوب السودان إلى دولة مستقلة عام 2011، إذ فقد السودان ثلث أراضيه وخسر نحو 75 في المئة من نفطه.

ثالثاً: يعتقد قادة الجيش السوداني أنهم يمكن أن يشكلوا تحالفاً مع جنرالات منطقة الساحل الذين انقلبوا على نظم الحكم في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو ما يحقق مزايا استراتيجية يرون أنها متاحة حالياً. ويلاحظ أن الخطوات الملموسة التي بدأ القادة العسكريون السودانيون يتبعونها بإبعاد السودان عن القوى الغربية، وكذلك العربية في ترديد اتهامات طهران ودول الساحل بأن الغرب يستغل شعوب أفريقيا لمصلحته، وضرورة تحرير الجنوب العالمي من هذه القبضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ملامح التقارب

ويتبدى عدد من ملامح التقارب بين البلدين هي: توقع التحول نحو علاقات مربحة للطرفين، استراتيجياً، إذا ساعدت طهران القوات المسلحة على الانتصار على قوات "الدعم السريع"، فسيكافئها الجيش بالوصول إلى بورتسودان بإقامة قاعدة عسكرية هناك، إضافة إلى فوائد استراتيجية أخرى. ووجود قاعدة بحرية في السودان يضع القوات الإيرانية على بعد 320 كيلومتراً من السعودية. كذلك عندما زودت إيران الجيش بالطائرات المسيرة، وأشهرها طائرات "مهاجر-6"، ساعدته في استعادة أجزاء من أم درمان من "الدعم السريع" في المناطق الواقعة غرب الخرطوم.

واقتصادياً، البلدان في حالة أزمات اقتصادية متصاعدة، ويمكن لإيران التحايل على العقوبات الدولية بإبرام التعاون الاقتصادي والتجاري، وستستفيد من الموارد المتاحة في السودان، كما أن السودان في حاجة إلى إنشاء بنية تحتية صناعية، إذ إن الحرب قضت على المنظومة المتهالكة الموجودة من قبل.

ومع انشغال الاهتمام الدولي وتركيزه، إلى حد كبير، على الحرب في أوكرانيا، وإلى حد ما الحرب في غزة، فإنه لم يترك مجالاً للتركيز على السودان، وعلى رغم الإلحاح المتزايد للوضع الإنساني، فإن الآمال في حل وشيك للحرب تظل ضئيلة، وبما أن المجتمع الدولي لم يستطع إلى الآن الضغط على طرفي النزاع لإيصال المساعدات الإنسانية مع وصف الصراع بأنه "أكبر أزمة جوع في العالم"، فإنه لن يكون حريصاً على مساءلة السودان عن توجهها الدبلوماسي، أو أي نشاط مهدد ناشئ.

وتقديم المساعدة للقوات المسلحة السودانية، في الوقت الحالي، يتناسب، أيضاً، مع دينامية سبقت الحرب وترتبط، مرة أخرى، بصورة إيران التي تحاول تصديرها. وكذلك تأثرت طهران بتجربة مجموعة "فاغنر" وعلاقات روسيا الوثيقة بالسودان.

وسيمهد كل ذلك إلى ملامح شراكة استراتيجية بين السودان وإيران ستكون صورة محسنة عن الشراكة السابقة في عهد البشير، لا سيما مع تخفيف إيران حالياً من تشددها الطائفي، إضافة إلى تسامح السودانيين الذين يتبعون المذهب السني، مع المذاهب المختلفة، مما يعني أن أي وجود إيراني لن يكون مستهجناً، وسيسمح ذلك بتغلغل قوات "الحرس الثوري" داخل الأراضي السودانية، لإدارة شراكاتهم أو للحصول على إطلالة على العمق الأفريقي، وخلق مسرح آخر لـ"محور المقاومة" ضد خصوم إيران الدوليين والإقليميين. وكلما زاد القتال، سيكون الجيش أكثر استعداداً لتنفيذ طلبات إيران ومنها الطلب الذي رفضه من قبل بوجود حاملة طائرات هليكوبتر إيرانية على ساحله على البحر الأحمر.

مواقع بديلة

وستعمل طهران على الاستفادة من أراضي السودان المنبسطة في تطوير الأسلحة وكمخازن لها، فمن قبل مولت مصنع "اليرموك" جنوب العاصمة السودانية - الخرطوم لتزويد تنظيم "حماس" بالأسلحة، وكانت إسرائيل قد وجهت هجوماً صاروخياً على إنتاج هذه المصانع في مدينة بورتسودان عندما كانت في طريقها إلى غزة قبل عقد من الزمان. كما أن السودان هو الأقرب لمنطقة وسط وغرب أفريقيا، حتى تتمكن إيران من تزويد مصانعها باليورانيوم. وهناك، أيضاً، منظومتها الصاروخية التي تخضع لاختبارات عدة في حاجة إلى أرض بعيدة نوعاً ما من الأراضي التي تقع ضمن جغرافيا الحرب. ويعزز هذا الافتراض أن إيران، بالفعل، دخلت في حالة دفاع عن نفسها بأن تعهدت لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنها لن تستخدم الأراضي العراقية للهجوم ضد إسرائيل. وكان ذلك رداً على طلبه نتيجة لبداية إيران اتهام إسرائيل بأنها استخدمت الأراضي العراقية.

ويمكن لإيران أن تشيد منشآت لإنتاج وتخزين الصواريخ وإطلاقها من تحت الأرض، بمجهودها الذاتي أو بالتعاون مع بعض الدول، مثلما ساعدتها من قبل كوريا الشمالية في منشآتها داخل الأراضي الإيرانية. ومع تعثر إحاطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمنشآت النووية التي منع النظام موظفي الوكالة من الوصول إليها بغرض تفتيشها، ستكون الفرصة للاتفاق على التعاون بين الطرفين، إما بنقل هذه المنتجات إلى السودان، لا سيما مع قرب إيران من الوصول إلى تصميم رأس نووي، أو إنشاء مواقع نووية بديلة.

ومن المرجح أن يظل السودان ضمن قائمة أولويات العلاقات الخارجية الإيرانية، لا سيما مع عدم التقارب مع الغرب، وتحقيق إيران استراتيجية دول الجوار الإقليمي، والإسلامي، والجنوب العالمي، بما يخدم مصالحها الدبلوماسية.

المزيد من تحلیل