Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من الحدائق إلى المولات... كيف تغيرت نزهات المصريين؟

يقول متخصصون إن المجتمع المصري يعيش حالاً من التخلي عن كثير من المظاهر المرتبطة بالثقافة والتراث لمصلحة قيم جديدة

خلال الأعوام الأخيرة لوحظ تغير الأماكن التي يعتمدها المصريون للنزهة (اندبندنت عربية)

ملخص

خلال الأعوام الأخيرة أصبح ملاحظاً أن هناك تغيراً في الأماكن التي يعتمدها المصريون كنزهة واختلافاً في الثقافة العامة التي كانت سائدة في هذا الأمر لفترات طويلة، يصحبه تخلٍ عن فكرة البساطة التي صاحبت نزهات غالب المصريين وانتشار اتجاه جديد يعتمد على الاستهلاك في المقام الأول

ذكريات عديدة عاشتها أجيال من المصريين داخل الحدائق والمتنزهات المختلفة التي تنتشر في كل أنحاء البلاد، وخلال عقود سابقة كان لدى كل عائلة ألبوم صور يضم لحظات سجلتها الكاميرات اجتمعت فيها العائلات داخل واحد من المتنزهات، إذ كانت الحدائق قاسماً مشتركاً بين تلك الصور وعلى رأسها الأورمان والأندلس وحديقة الحيوان في القاهرة، التي ربما لا يوجد طفل عاش داخل القاهرة أو المحافظات القريبة منها لم يذهب إليها مرة في الأقل بصحبة أسرته أو ضمن رحلة مدرسية. وكذلك من شمال مصر إلى أقصى جنوبها كان النيل دائماً متنزهاً رئيساً، فالجلوس على شاطئه عدَّه المصريون نزهة منذ أقدم العصور.

لكن، خلال الأعوام الأخيرة أصبح ملاحظاً تغيراً في الأماكن التي يعتمدها المصريون نزهة، مما يشير إلى اختلاف الثقافة العامة التي كانت سائدة في هذا الأمر فترات طويلة، مما يستتبعه من تخلٍ عن فكرة البساطة التي صاحبت نزهات غالب المصريين، وانتشار اتجاه جديد يعتمد على الاستهلاك في المقام الأول.

نداء متكرر: إلى المول

شهدت مصر خلال الأعوام الماضية انتشاراً كبيراً للمولات في طول البلاد وعرضها، إذ يكاد لا يخلو حي حالياً من وجود مول ولا يقتصر الأمر على المناطق التي توصف بالراقية فحسب، إنما امتد إلى كل المستويات والأحياء. ومع انتشار تلك المولات أصبحت اتجاهاً أساساً يعتمده المصريون للترفيه بصورة لا تقل عن اعتمادهم عليه في التسوق.

وفي جولة لـ"اندبندنت عربية" بعدد من المولات خلال عطلة نهاية الأسبوع كان لافتاً ازدحامها بالقادمين للأماكن الترفيهية المختلفة أو الجلوس داخل المطاعم والكافيهات وحتى ربما التجول من دون هدف، وبخاصة الأجيال الجديدة التي أصبحت توجهاتها مختلفة تماماً في ما يتعلق بالنزهات، ولها تفضيلات معينة ربما بدافع التجربة أو تقليد أقرانهم، إضافة إلى ما يشاهدونه على السوشيال ميديا التي أصبحت الأساس الذي تُبنى عليه اختياراتهم وتفضيلاتهم لكل شيء.

يقول المهندس خالد السيد (39 سنة) "لدي طفلان في السابعة والعاشرة ونزهتهما المفضلة التوجه إلى مدن الملاهي في المولات، إذ يرغبان في التوجه إلى المول بصورة دائمة سواء للعب أو حتى مجرد التمشية وتناول مشروب أو آيس كريم. وكثير من أصدقائهما وأسرهم يفعلون الشيء نفسه".

 

ويضيف الأب المصري "حاولت اصطحابهما إلى الأماكن التقليدية التي اعتدناها، تقبلا الأمر لكنهما يعلنان صراحة أن تفضيلهما الأساس هو مدن الملاهي في المولات. وهذه النوعية من الخروجات تتطلب مبلغاً كبيراً في كل زيارة، فهي مكلفة للغاية وتحتاج إلى موازنة ضخمة".

بينما تحكي دينا عمر (48 سنة) "كثير من الذكريات في طفولتي خلال فترة الثمانينيات متعلقة بالرحلات التي كنا نقوم بها بصحبة العائلة، وكان هذا طقساً رئيساً في حياتنا شهرياً، نزور واحدة من الحدائق العامة الشهيرة في القاهرة مثل حديقة الحيوان والأسماك والأورمان والأندلس، وكانت هذه نزهتنا الدورية إذ لم يكن لدينا اشتراك في ناد، ولم تكن مدن الملاهي منتشرة في مصر مثل الآن، ولدي كثير من الصور برفقة العائلة مجتمعة في مثل هذه الحدائق".

وتستكمل "الوضع الآن اختلف، فلا أذكر آخر مرة توجهت إلى حديقة عامة، أظن أنها كانت حديقة الأزهر منذ أعوام، أولادي وهم في المرحلتين الإعدادية والثانوية يفضلون الخروج إلى المولات أو في مناطق الألعاب المغلقة أو الذهاب إلى مناطق بها نشاطات، مثل الألعاب الإلكترونية أو حمامات السباحة. بالفعل ثقافة الخروج اختلفت تماماً خلال الأعوام الأخيرة".

النيل يفقد نزهته

يطلق مصطلح المساحة العامة أو الفضاء العام على المناطق التي يمكن لسكان منطقة أو مدينة معينة استخدامها بصورة مجانية، وهي من العناصر المهمة التي يجب مراعاتها عند تخطيط المدن. ويعرفها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بأنها المساحات المفتوحة والمتاح الاستمتاع بها من قبل جميع الناس من دون ربح، وأن تكون هذه المساحات متعددة الوظائف وتضمن التواصل المجتمعي والتبادل الاقتصادي وخلق تجارب ثقافية بين أطياف متنوعة وواسعة من البشر، ومن أنواعها الحدائق ومساحات اللعب والشواطئ العامة وضفاف الأنهار والواجهات المائية.

وخلال عام 2012، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن الحد الأدنى لنصيب الفرد من المساحات الخضراء يجب أن يكون تسعة أمتار مربعة على بعد 15 دقيقة سيراً على الأقدام من المنزل. وطبقاً لبيان صادر عن وزارة البيئة المصرية عام 2023 فإن نصيب الفرد داخل مصر من المساحات الخضراء 1.2 متر مربع، بينما طبقاً لمركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة فإن متوسط المساحات الخضراء لكل شخص في القاهرة هو أقل من 00.74 متر مربع.

وعن أهمية المساحات العامة وتأثيرها في المجتمع تقول أستاذ العمارة والتخطيط العمراني سهير حواس "المساحات العامة كانت دائماً جزءاً من ثقافة المصريين، وعلى رأسها النيل الذي كان الملاذ الأساس للناس للنزهة والتمشية والجلوس على شاطئه لتناول مشروب أو تناول المأكولات البسيطة مثل السميط، والسينما المصرية زاخرة بمشاهد لمصريين على النيل".

وتشير حواس إلى أنه بمرور الزمن "حُجب النيل عن العامة بظهور النوادي الفئوية التي تخصص لقطاعات معينة من الشعب دون غيرها، وبدأ الانتشار الكبير للمطاعم والمقاهي والبواخر التي تتطلب كلفة كبيرة للجلوس فيها فأصبح النيل غير متاح لعموم المصريين، وفقد كورنيشه دوره كمساحة عامة، وحتى عندما أنشئ ممشى على النيل في القاهرة أصبح يتطلب دفع تذكرة للتمشية على النيل".

 

وتضيف أستاذ التخطيط العمراني أن المصريين دائماً "يبتكرون في ابتداع المساحات العامة"، لافتة إلى ظواهر لم تعد موجودة الآن "بعض الجزر الوسطى في الشوارع الرئيسة مثل شارع جامعة الدول العربية (يقع بمنطقة المهندسين) كانت ملاذاً للبسطاء الذين كانوا يفترشون الأرض أو يجلسون على بعض المقاعد المتاحة كنزهة بسيطة ليس لها كلفة تذكر"، لافتة إلى أن هذه الطقوس المصرية "اختفت بعدما قضي على معظم هذه المساحات واستخدامها في توسعة الطرق، بحيث أصبحت الأولوية للمركبات لا الإنسان الذي أصبح يعانى حتى في عبور الطريق، أيضاً الكباري وبخاصة المطلة على النيل كانت ملاذاً لكثير من المصريين للتمشية أو الجلوس، لكنها أيضاً لم تعد مثل السابق".

وتشير دراسة بعنوان "كباري فوق النيل: ممرات المواصلات تتحول إلى مساحات عامة" أنجزها الباحث المصري في العمران المستدام أمير جوهر، إلى اتجاه قطاع من المصريين لاستخدام الكباري متنزهات.

وتلفت الدراسة التي أعدت على نموذجين هما كوبري قصر النيل الأشهر في منطقة وسط القاهرة وكوبري المنيب، إلى أنه بينما توجد مساحات واسعة من الحدائق والملاعب داخل المجتمعات المسورة على أطراف المدينة متاحة فقط لسكانها، فإن قطاعاً كبيراً من المصريين "ينتمون إلى مجموعة واسعة من مستويات الدخل، ويقطنون في مناطق متنوعة في المدينة اعتمدوا الجسور على النيل نزهة لقلة المساحات العامة المتاحة لهم".

وأظهرت الدراسة أن استخدام الناس الكباري "عفوي تماماً، ولم يكن مخططاً له عند إنشائها وجاء نتيجة للحاجة"، مشيرة إلى أن معظم عينة الدراسة كان هدفهم من هذه النزهة الاستمتاع بالمساحة المفتوحة والهواء النقي، دون احتياج إلى نفقات أو تذاكر تتطلبها الحدائق أو السينمات أو أماكن الترفيه الأخرى.

وهنا تشير حواس إلى أن "العامل الاقتصادي أصبح له دور كبير، فخروج الأسرة لواحد من المتنزهات ودفع عدة تذاكر للأسرة كلها إلى جانب كلفة المواصلات التي ارتفعت أصبح عبئاً عليهم، من ثمَّ يجري الاستغناء عنه لمصلحة بنود أكثر أهمية".

وبينما تأسف أستاذ التخطيط العمراني لأن "الطبقات المحدودة الدخل هي الأكثر تضرراً من فقدان المساحات العامة وتبتكر حلولاً محدودة الكلفة"، فإنها تلفت النظر إلى أن "المدن الجديدة أيضاً ليس بها أي اهتمام بمفهوم المساحة العامة في تخطيطها، فهي تعتمد على المولات والمناطق المنتشرة أخيراً لبيع المأكولات والمشروبات، لكن فكرة وجودة الحدائق أو المساحات العامة أو حتى أماكن للمشاة مفقودة تماماً، ففكرة الفراغ العام ثقافة أصبحنا نفتقدها تماماً خلال الفترة الأخيرة على رغم أنها اتجاه عالمي موجود في العالم كله".

كيف تغيرت ذائقة المصريين؟

طبقاً لمحافظة القاهرة فإن العاصمة المصرية تضم نحو 30 حديقة تتفرق بين الأحياء المختلفة من بينها حدائق شهيرة كانت ولا يزال بعضها من معالم المدينة، إضافة إلى بعض الحدائق التي ليس لها الشهرة ذاتها لكنها تمثل متنفساً للسكان القريبين منها في السكن.

وخلال الفترة الأخيرة تخضع عدة حدائق لمشروعات تطوير من بينها حديقة الحيوان المتنزه الأشهر في البلاد التي يعود إنشاؤها إلى عهد الخديوي إسماعيل، وحديقة الأورمان المجاورة لها، فكلتاهما مغلقة الآن لحين الانتهاء من مشروعات التطوير، وكذلك حديقة الأزبكية الجاري العمل فيها حالياً ضمن مشروع تطوير القاهرة الخديوية، وأخيراً افتتحت حديقة الأندلس الأثرية بعد مشروع تطويرها، وهي إلى جانب قيمتها كمتنزه في وسط القاهرة تعد أول حديقة تسجل أثراً في مصر.

وإلى جانب المناطق المفتوحة تزخر مصر بكثير من المواقع الأثرية والتراثية في كل أنحاء البلاد، من بينها المتاحف التي إلى جانب كونها تضم قطعاً أثرية فريدة فإنها تقدم نشاطات وفعاليات متنوعة للأطفال والكبار على السواء. وعلى رغم ارتفاع أسعار تذاكر دخول بعضها أخيراً ومطالبة بعض بخفضها للمصريين فإن كثيراً منها لا يزال بأسعار معقولة، لكنها ربما تحتاج إلى مزيد من الدعاية والتعريف بقيمتها وأهميتها، وبخاصة بالنسبة إلى الأجيال الجديدة وطلاب المدارس.

 

الاختلاف الكبير في نمط نزهات المصريين أصبح ظاهرة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة، فكيف يرى الخبراء هذا الأمر، وهل العامل الاقتصادي له تأثير أم تغير طبيعة وإيقاع الحياة وظهور اهتمامات مختلفة للأجيال الجديدة أصبح العامل الرئيس؟

تجيب أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس عزة فتحي بأن "ظاهرة المولات جاءت تأثراً بهجرات المصريين المتتابعة للعمل في الخليج، وانتشار ثقافة الأماكن المغلقة فيها للارتفاع الكبير في حرارة الجو فبدأت في الظهور تباعاً داخل مصر، حتى أصبحت حالياً تنتشر في كل مكان. وكانت نزهات المصريين قبلها تعتمد بصورة كاملة على الحدائق والأماكن المفتوحة. والأماكن المغلقة الوحيدة هي السينمات والمسارح التي كان يميزها أيضاً بعض الأماكن المفتوحة مثل السينما الصيفية".

وتضيف فتحي "المصريون دائماً حريصون على التنزه في الأماكن المفتوحة مثل شاطئ النيل والحدائق، وبخاصة في الأعياد وبعض المناسبات مثل شم النسيم، وكان هذا طقساً أساساً في حياتهم، ولم يعد الأمر كذلك الآن إذ أصبح الخروج في مثل هذه المناسبات حكراً على بعض الطبقات الريفية والشعبية، بينما الطبقات الأعلى أصبحت تنتقد الفعل ذاته، إذ نلاحظ حالاً من التخلي عن كثير من المظاهر المرتبطة بالثقافة والتراث لمصلحة قيم جديدة على المجتمع المصري".

وتشير أستاذ الاجتماع إلى أن "رحلات المدارس ذاتها أصبحت تتجه إلى المولات، فيتوجه الباص المدرسي إلى واحدة من مدن الملاهي بأحد المولات ليقضي الأطفال ساعات عدة وانتهى الأمر، بينما من المفترض أن تتجه هذه الرحلات إلى المتاحف والمواقع الأثرية، ومصر غنية بمواقع لا نهائية ويمكن أن يجري ربطها بالمناهج الدراسية التي يدرسها الأطفال، أو أن تتجه المدارس للذهاب بالأطفال إلى المصانع للتعرف على مراحل الإنتاج. مع الأسف لدينا حال عامة من الاستسهال بينما من المفترض أن يكون هناك دعوات واهتمام أكبر ببناء الإنسان وتعريفه بالثقافة والتراث، وبخاصة بالنسبة إلى الأجيال الجديدة".

إلى البنزينة: هيا نأكل

ويبدو ملاحظاً في مصر انتشار كبير للمطاعم والكافيتريات والأكشاك الكبيرة والصغيرة التي تبيع أنواعاً شتى من المأكولات والمشروبات داخل كل مكان، في الشوارع والمولات ومحطات البنزين وتحت الكباري، فعلى الطرق كافة حالياً يجدها الناس في كل مكان داخل القاهرة وخارجها.

وخلال الوقت ذاته هناك دعاية مكثفة للمطاعم والأكلات الغريبة مع الانتشار غير المسبوق للفود بلوغرز الذين يطالعهم الناس على كل منصات التواصل الاجتماعي، الذين يعملون جاهدين على إقناع الناس بتجربة مطاعم وأكلات غريبة، مما أصبح له أثر كبير وبخاصة على الأجيال الجديدة، فأصبح الخروج للمطاعم نزهة مستجدة عند قطاع عريض من المصريين.

وتوضح فتحي أسباب انتشار ذلك بأن "الثقافة تنتقل مثل العدوى، ودخول ثقافة جديدة على المجتمع يجعل بعض الناس وبخاصة من الطبقات الأقل فكراً وثقافة يرغبون في تجربتها بدافع التقليد، فهم يرون المولات والمتاجر الفاخرة والمطاعم وقد يسمعون أن شخصاً من جيرانهم أو عائلاتهم ذهب إلى المكان، فيرغبون أن يفعلوا الشيء ذاته ليتشبهوا بالطبقات الأعلى، وبالنسبة لهم يكون هذا هو السبيل لحياة أفضل فيمكن أن يذهبوا إلى المول للتجول بلا هدف على سبيل المحاكاة لغيرهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعبر أستاذ الاجتماع عن أسفها بأن "السلوك الاستهلاكي طغى على كل شيء في مصر، لماذا نعد الطعام في المنزل بينما يمكن شراؤه جاهزاً؟ بل أصبحت هي النزهة إذ يخرج الناس بهدف الأكل، وأصبح هذا شائعاً بالفعل عند قطاعات عريضة من الناس، ولدينا توجه عام نحو الاستهلاك في كل شيء والأجيال الحالية مستهلكة حتى للثقافة والقيم الدخيلة على مجتمعنا".

التحول الملحوظ في ثقافة المصريين في ما يتعلق بالنزهات وظهور اتجاهات جديدة واختفاء مواقع شهيرة كان دافعاً لمشروع أطلقته مدرسة خزانة للتراث تحت عنوان "هنا وسرور"، معني برسم وتوثيق خرائط التراث الترفيهي للمصريين، كيف كان ومدى التغير الذي طرأ عليه خلال الأعوام الأخيرة.

وتقول علياء نصار الباحثة في التراث الثقافي ومؤسسة مدرسة خزانة للتراث "البرنامج يهدف إلى توثيق التراث الترفيهي وتوعية الناس بأهميته، والمدينة تتغير بسرعة كبيرة ومواقع كثيرة تختفي منها، إضافة إلى انحسار كثير من الممارسات والعادات التي ارتبطت بأجيال سابقة، ولا تهتم بها الأجيال الجديدة فبدأت في الاختفاء، ونهدف إلى توثيق هذه الأشياء وتقديمها للناس بصورة جذابة تجعلهم يقبلون عليها مثل الحكي أو المشروعات الفنية أو تقديم خريطة للأماكن الترفيهية في موقع معين، ولدينا كثير من أماكن الترفيه تختفي وكثير من المساحات العامة تنحسر إما بفعل تغيير نشاطها أو بفعل هدمها والأمثلة عديدة".

وتضيف نصار "سابقاً كان هناك ترفيه متاح لكل الطبقات متفاوت في المستوى، أماكن مكلفة للطبقات الأكثر ثراءً، وخيارات متعددة للترفيه بإمكانات محدودة للطبقة المتوسطة، حتى التمشية في بعض الشوارع كانت نزهة والآن أصبح هذا غير متاح الآن بفعل عوامل متعددة من بينها اختلاف طبيعة الأماكن، واعتماد كثير من الناس في الترفيه على الموبيل، فهو ينظر في هاتفه ويتواصل مع عالم افتراضي ولا يهتم بالمكان المحيط به سواء كان حديقة أو كافيهاً، أيضاً انحسار الأنشطة التفاعلية مثل الألعاب الشعبية التي كان يلعبها الأطفال وكانت المتنزهات والحدائق مكاناً مثالياً لها، وكلها عوامل أدت إلى اختلاف ثقافة النزهات في مصر".

وتختتم الباحثة في التراث الثقافي بأنه من الملاحظ أن ثقافة الجلوس في المطاعم والكافيهات وانحسار مفهوم التنزه في الحدائق أو الأماكن المفتوحة "انتقل من المدن الكبرى إلى الشواطئ والأماكن الساحلية، إذ أصبحت الشواطئ في الإسكندرية والساحل الشمالي تعتمد المفهوم نفسه، وأصبح الناس حتى في المصايف يتجهون إليها، إلى أن أصبح فكراً وثقافة عامة آخذة في الانتشار ليس فقط في القاهرة والمدن".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات