ملخص
من المعروف أن آبار الصخري تعاني من معدلات نضوب سريعة تتراوح بين 40 و60 في المئة سنوياً. هذا يعني أنه كلما ارتفع الإنتاج، زادت الحاجة إلى استثمارات أكبر للتعويض عن النضوب فقط لإبقاء الإنتاج على ما هو عليه. لهذا سيتم حفر المزيد من الآبار، ومقولة "احفر يا عزيزي احفر" ستطبّق بفوز ترمب أو عدمه، ولكن أي زيادة في الإنتاج ستكون محدودة.
يقدم المرشحون للمناصب السياسية وعوداً كثيرة للناخبين، بعضها وعود لا يمكن تحقيقها إطلاقاً، وبعضها يمكن تحقيقه بشروط معينة، ولكن الوعود التي يتم تحقيقها قليلة جداً. وكان أكثر المنتخبين وعوداً دونالد ترمب، والذي وعد الناخبين بأشياء كثيرة لا يمكن تحقيق أغلبها إما لأسباب قانونية أو تقنية.
وكان ترمب قد وعد صناعة النفط بأنه سيقدم لها خدمات عدة مقابل أن يتم دعمه مالياً ومعنوياً، وحقيقة الأمر أن صناعة النفط كانت ستصوت له على كل الحالات، حتى لو لم يقدم لها شيئاً، وذلك لوقف الحرب التي يشنها الديمقراطيون على صناعة النفط. وبشكل عام فإن صناعة النفط جمهورية وتصوت عادة للجمهوريين.
حقيقة "احفر يا عزيزي احفر"
وعد ترمب بأنه سيلغي العديد من القوانين البيئية التي تحجّم نمو صناعة النفط من جهة، وأنه سيسهّل عمليات الحصول على التراخيص لحفر آبار النفط والغاز والتي يمكن تلخيصها بمقولة "احفر يا عزيزي احفر"، وأن هدفه زيادة إنتاج كل منهما بتحقيق استقلال الطاقة للولايات المتحدة، وأنه سيخفض أسعار الطاقة إلى النصف. أخذ البعض، للأسف، ما قاله المرشح ترمب على محمل الجد من دون أي تمحيص، واستنتجوا أن هذا سيؤثر سلباً في دول الخليج و"أوبك+".
الحقيقة أن إنتاج النفط والغاز ارتفع في عهد جو بايدن بشكل كبير حتى وصل إلى أعلى مستوى له في التاريخ! كما ارتفعت أسعار النفط في عهد بايدن بشكل كبير حيث اقتربت من 130 دولاراً للبرميل في عام 2022، وحتى عندما انخفضت الأسعار، كان المتوسط السنوي فوق 80 دولاراً للبرميل. وعلى رغم وعود بايدن الانتخابية بخنق صناعة النفط إلا أن ذلك لم يحصل. وذكرت في مقال سابق أن بايدن ثعلب سياسي لعب على الحبلين، وحقق ما يريد. ويبدو أن ترمب يعيش في قوقعة الماضي لأنه جاء إلى البيت البيض في بداية 2017 بعد انهيار أسعار النفط في عامي 2015 و2016 وانخفاض إنتاج النفط الأميركي بنحو مليون برميل يومياً. وارتفع الإنتاج على إثر ذلك في عهده بشكل كبير، فظن الآن أنه يستطيع تكرار ذلك. الوضع مختلف الآن: ليس هناك انهيار في أسعار النفط وليس هناك انخفاض في إنتاج النفط الأميركي، وشركات النفط تحقق أرباحاً شبه تاريخية.
من المعروف أن آبار الصخري تعاني من معدلات نضوب سريعة تتراوح بين 40 و60 في المئة سنوياً. هذا يعني أنه كلما ارتفع الإنتاج، زادت الحاجة إلى استثمارات أكبر للتعويض عن النضوب فقط لإبقاء الإنتاج على ما هو عليه. لهذا سيتم حفر المزيد من الآبار، ومقولة "احفر يا عزيزي احفر" ستطبّق بفوز ترمب أو عدمه، ولكن أي زيادة في الإنتاج ستكون محدودة.
حقيقة نوعية النفط
لا يمكن لترمب أن يحقق الاكتفاء الذاتي من النفط للولايات المتحدة بسبب نوعية النفط. تاريخياً تم بناء المصافي، بخاصة في خليج المكسيك، لتكرير النفط المستورد من أميركا الجنوبية والشرق الأوسط، وهو نفط متوسط حامض أو ثقيل. المشكلة أن النفط الصخري خفيف حلو، ووصلت المصافي الأميركية إلى أعلى نسبة تشغيل لها باستخدام هذا النوع من النفط، لهذا فإن أي إضافة يتم تصديرها. ولكن المصافي ما زالت بحاجة للنفط المتوسط والثقيل الذي يتم استيراده على كل الحالات. هذا يعني أن الولايات المتحدة تصدّر النفط الخفيف وتستورد النفط المتوسط والثقيل، لهذا لا يمكن أن تكتفي الولايات المتحدة ذاتياً، ولا يمكنها تحقيق استقلال الطاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الولايات المتحدة مستورداً صافياً للنفط، بمعنى أن استهلاكها أعلى من إنتاجها بكثير، وعلى رغم تصديرها للنفط، إلا أن وارداتها أعلى من صادراتها. هذا الأمر تغير في الأعوام الأخيرة حيث أن إجمالي الصادرات من كل من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية أعلى من الواردات، لهذا فهي الآن مصدّر صاف للنفط. كونها مصدّراً صافياً للنفط لا يعني الاكتفاء الذاتي نفطياً، ولا يعني تحقيق استقلال الطاقة.
مشكلة المكثفات والسوائل الغازية
لأسباب تاريخية ما زالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية تحسب المكثفات والسوائل الغازية المستخرجة من آبار النفط على أنها نفط خام. هذه الطريقة سبّبت مشكلات كثيرة منذ عام 2017. وكانت الإدارة قد أشارت في آخر تقرير لها أن إنتاج النفط الأميركي ارتفع في أغسطس (آب) ووصل إلى أعلى مستوى له في التاريخ. ولكن نظرة فاحصة للبيانات توضح أن أغلب هذه الزيادة هي سوائل غازية محسوبة على أنها نفط. وتشير البيانات إلى أن الآبار المحفورة في الأراضي الفيدرالية في حوض برميان تحتوي على كميات أكبر من السوائل الغازية من الآبار في الأراضي الخاصة. كما أن تقادم عدد كبير من آبار الصخري يزيد من إنتاج كميات الغاز والسوائل الغازية مقارنة بكميات النفط المستخرج. لهذا إذا قام ترمب بإعطاء المزيد من التصاريح في الأراضي الفيدرالية، فإن الشركات قد لا تتجاوب بالشكل الذي يريده ترمب لأن الأرباح في النفط وليس في الغاز أو السوائل الغازية.
التعارض بين أسعار النفط المنخفضة وزيادة الإنتاج
وعد ترمب بأنه سيخفض أسعار الطاقة إلى النصف في الوقت نفسه الذي وعد بزيادة الإنتاج. الحقيقة أنه لا يمكنه أن يحقق الاثنين معاً. تخفيض أسعار النفط بشكل كبير يعني توقف الشركات عن الاستثمار، ومن ثم، في الأقل، عدم زيادة الإنتاج. وكما ذكرت أعلاه يبدو أن ترمب يعيش في قوقعة الماضي، ففي عام 2017 كان أغلب إنتاج الصخري يأتي من شركات مستقلة صغيرة ومتوسطة الحجم. الآن، بعد عمليات الشراء والاندماج، عمالقة شركات النفط مثل "إكسون-موبيل" و"شيفرون" تسيطر على إنتاج الصخري، وتجاوبها مع ترمب سيكون مختلفاً عن تجاوب الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وكانت أسعار الفائدة وقتها قرابة الصفر، مكنت الشركات من تمويل عملياتها بتكاليف بسيطة جداً، أما الآن فقد ارتفعت أسعار الفائدة بشكل كبير، ومن ثم فإن ما حصل في عامي 2017 و2018 لن يتكرر.
أسعار الغاز منخفضة جداً وأحياناً يباع الغاز بسعر سالب، لهذا لا يستطيع أن يفعل ترمب شيئاً في مجال الغاز.
أما في مجال الكهرباء، فالأسعار تحكمها إدارات محلية ولا علاقة لترمب فيها إطلاقاً.
خلاصة القول إن ترمب لا يستطيع أن يفي بوعوده ولا يستطيع التحكم بأسعار الطاقة، والمضحك في الأمر أنه يستطيع تخفيض أسعار النفط بتقليد بايدن: السحب من المخزون الاستراتيجي!