Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلامة الأميركيين على المحك حال تبوؤ روبرت كينيدي وزارة الصحة

لو لم يقرر سليل عائلة كينيدي خوض السباق الرئاسي - ولو لم يستفد دونالد ترمب من دعم أنصار كينيدي وأصوات قاعدته الانتخابية ـ فهل كان من الممكن أن يفكر أحد في تكليف هذا الرجل الجدلي مسؤولية الحفاظ على صحة الشعب الأميركي وسلامته؟

انسحب روبرت كينيدي الابن من السباق الرئاسي وقرر دعم دونالد ترمب (غيتي)

ملخص

احتمال تعيين روبرت كينيدي الابن وزيراً للصحة في إدارة دونالد ترمب يحمل أخطاراً على صحة الأميركيين بسبب مواقفه المثيرة للجدل وتبنيه نظريات المؤامرة

يتناول الفيلم الكلاسيكي "دكتور سترينجلوف" Dr Strangelove - وهو من إخراج ستانلي كوبريك عام 1964 ويقدم فيه الممثل البريطاني بيتر سيلرز أفضل أداءٍ له - قصة جنرال أميركي مختل عقلياً يخرج عن السيطرة، ويتسبب باندلاع حربٍ نووية مع روسيا.

ومع إعادة أرماندو إينوتشي إحياء هذه القصة على خشبة المسرح في عرضٍ حقق نجاحاً كبيراً وحظي بإعجاب الجمهور اللندني، أصبحت الحبكة أكثر أهمية وصِلةً بالواقع من أي وقتٍ مضى. فالجنرال جاك د. ريبر، الذي يطغى عليه هوس نظريات المؤامرة في شأن مخططاتٍ شيوعية مزعومة، يخوض الحوار الآتي مع الكابتن ليونيل ماندريك، وهو ضابط في "سلاح الجو الملكي" البريطاني، الذي يجد نفسه في حالٍ من الذهول:

الجنرال ريبر: "ماندريك، هل تدرك أنه بعد إضافة الفلورايد إلى الماء، هناك دراساتٌ تُجرى لإضافة هذا المعدن إلى الملح والدقيق وعصائر الفاكهة والحساء والسكر والحليب... وحتى المثلجات يا ماندريك - مثلجات الأطفال!".

قائد المجموعة ليونيل ماندريك: "يا إلهي، جاك".

ريبر: "هل تعلم متى بدأت عملية إضافة الفلورايد للمرة الأولى؟".

ماندريك: "لا ... لا أعرف جاك".

ريبر: "في العام ألف وتسعمئة وستة وأربعين. عام 1946. كيف يمكن أن يتزامن ذلك مع مؤامرتك الشيوعية التي تلت الحرب؟ الأمر واضحٌ للغاية، أليس كذلك؟ إنه شديد الوضوح، ألا ترى؟ إنهم يقومون بإدخال مادةٍ غريبة إلى سوائل أجسامنا الثمينة من دون علم الفرد. وبالتأكيد من حرية الخيار. هكذا تعمل شيوعيتك المتشددة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غالباً ما تتداخل السخرية مع السياسة، وتؤثر إحداهما على الأخرى. ويبدو أن الولايات المتحدة ستكون لديها قريباً نسختها الخاصة من "الجنرال ريبر" التي تتمثل في روبرت أف. كينيدي جونيور، الذي يستعد لتولي منصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية.

فروبرت جونيور المتمرد - الذي هو سليل شخصيتين أميركيتين مرموقتين في المجال السياسي [والده روبرت كينيدي، وعمه الرئيس جون كينيدي] - يتوجس من الفلورة ويرى أنها "سم عصبي خطير". وقد نشر على حسابه عبر منصة التواصل الاجتماعي "إكس" التي يملكها زميله المؤيد لترمب إيلون ماسك، ما يأتي: "في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، ستُصدر إدارة دونالد ترمب توجيهاً إلى جميع أنظمة المياه الأميركية، يدعوها إلى إزالة مادة الفلورايد من المياه العامة. فالفلورايد هو نفايات صناعية مرتبطة بمشكلات صحية عدة مثل التهاب المفاصل وكسور العظام والسرطان والتدهور المعرفي واضطرابات النمو العصبي وأمراض الغدة الدرقية". الرئيس ترمب وزوجته السيدة الأولى (@realDonaldTrump و@MELANIATRUMP) يريدان جعل أميركا صحيةً من جديد".

وعلى رغم أن فلورة الماء تسهم في الحد من تسوس الأسنان، إلا أن بوبي [مختضر اسم روبرت] يتجاهل هذه الحقيقة. وتبقى النقطة المضيئة الوحيدة في ما يتعلق بصحة الأسنان والفم لدى الأميركيين - أقله من منظورٍ حكومي - أن هذه المسألة لا تندرج في العادة ضمن صلاحيات الحكومة الفيدرالية، ما لم يقرر روبرت كينيدي جونيور تصنيف مادة الفلورايد على أنها سمٌ. وإذا ما قام بذلك، فسيواجه فريقه معضلاتٍ أخلاقية صعبة، بحيث يتعين على أفراده تقديم أدلةٍ على مثل هذا الادعاء وإثباته. أما دونالد ترمب، فتمثل رد فعله على هذا التحول في سياسة الصحة العامة، بنهجه غير المبالي المعتاد، الذي يفتقر للاستجابة المدروسة القائمة على الأدلة، ولا سيما عندما قال: "يبدو الأمر مقبولاً بالنسبة إلي".

هذا الهراء بالطبع مخالف للبيانات العلمية، لأن تركيزات الفلورايد الموجودة في مياه الشرب ومعاجين الأسنان شائعة الاستخدام، هي منخفضةٌ للغاية بحيث لا تسبب ضرراً للصحة. لكن متى كانت الأدلة العلمية تعيق نظريات المؤامرة؟ دعونا نطرح المسألة من هذا المنظور: لو لم يدخل روبرت أف. كينيدي الابن السباق الرئاسي - ولو لم يتعاون معه دونالد ترمب للاستفادة من دعمه، وربما حصل منه على نحو 4 في المئة من الأصوات الإضافية - فهل كان أحد ليقرر بجدية تكليف هذه الشخصية الغريبة المعروفة بنظرياتها المؤامراتية، مهمة رعاية الشعب الأميركي؟

كذلك عُرف كينيدي بمواقفه الصريحة المناهضة للقاحات، ولديه تاريخ مثير للقلق من الادعاءات في هذا المجال. من الأمثلة على ذلك تصريحه المثير للجدل عن عدوى "كوفيد-19"، عندما أشار إلى أن الفيروس صُمم عمداً لاستهداف مجموعاتٍ عرقية معينة وإيذائها، مثل البيض والسود، فيما قال إن اليهود الأشكناز والصينيين هم الأقل عرضةً للإصابة بالعدوى، والأكثر مناعة تجاهها.

لا يسعنا هنا إلا أن نأمل في أن يدرك كينيدي مدى خطورة طرحه المرعب وغير المسؤول، المتمثل في تشجيع الأهالي على التوقف عن تطعيم أطفالهم.

في مقابلةٍ أجراها أخيراً مراسل شبكة "أن بي سي" الأميركية مع روبرت كينيدي، واجهه فيها بأسئلة محرجة، جاء رده: "إذا كانت اللقاحات فعالة لشخصٍ ما، فلن أقوم بحرمانه منها. يجب أن يتمتع الناس بحرية الاختيار، وأن تستند خياراتهم إلى أفضل المعلومات المتاحة. سأحرص على أن تكون هناك دراساتٌ علمية حول سلامة اللقاحات وفعاليتها، كي يتمكن الأفراد من اتخاذ قرارهم بأنفسهم، في شأن ما إذا كان هذا المنتج مناسباً لهم أم لا".

وكان دونالد ترمب قد أدلى قبل بضعة أسابيع بتعليق مشابه (نعم، هو الشخص نفسه الذي قال إن حقن المطهرات قد يساعد في التغلب على عدوى "كوفيد-19") جاء فيه: "سأتحدث معه (كينيدي) وأناقش الأمر مع آخرين، ثم أتخذ قراري. لكنه شخصٌ موهوبٌ للغاية وصاحب آراء قوية".

من هنا، فإنه عند مواجهة الأميركيين أي جائحة مقبلة - وكذلك في ما يتعلق بالتطعيمات الروتينية مثل لقاحات الحصبة - سيظل لديهم خيار تلقي اللقاحات. لكن هذا الخيار سيكون وسط بيئةٍ تميل إلى تضخيم الأخطار في كثيرٍ من الأحيان، والتقليل من شأن الفوائد المنقذة للحياة. وعلى رغم أنه يمكن أن يكون الوضع أسوأ، إلا أنه لا يبعث كثيراً على الثقة.

في المقابل، يعبر روبرت كينيدي عن وجهات نظر معقولة في قضايا مثل رعاية الحيوان، وأخطار المبيدات الحشرية، والمواد المضافة الضارة التي تستخدمها شركات صناعة الأغذية الأميركية وقطاع الوجبات السريعة - وهي من الأسباب الرئيسة المساهمة في أزمة السمنة في البلاد. وهذه قضايا جدية تستحق الاهتمام بمعالجتها بكل تأكيد. لكن، لا يمكن لهذه المواقف أن تعوض العواقب الخطيرة المترتبة عن تقويض مبدأ "مناعة القطيع" وعدم تأمين اللقاحات لسكان الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح.

في هذا السياق، وفي كثير من الجوانب الأخرى، يبدو أن إلإدارة الثانية لدونالد ترمب ستؤدي إلى تدهورٍ تدريجي في المعايير التي من المفترض أن تسود في حضارةٍ ديمقراطية متقدمة ومزدهرة.

فالتعيينات المثيرة للجدل مثل مات غايتس [عضو الكونغرس عن ولاية فلوريدا وصاحب تاريخ من الفضائح، الذي اختاره ترمب ليكون المدعي العام المقبل]، والأوامر التنفيذية الطائشة، والتكتيكات كدفع الكونغرس إلى العطلة لتجنب الرقابة، وفكرة الحصانة الرئاسية شبه المطلقة من الملاحقة القضائية، وقمع الناخبين، وترهيب الإعلام، والحكم الذي يخدم في المقام الأول الأثرياء وأصحاب النفوذ فقط - كل ذلك ليس من قبيل نظرية المؤامرة، بل هو سيناريو واقعي ورؤية لأميركا دونالد ترمب.

© The Independent

المزيد من تحلیل