ملخص
البعض يعد ما قامت به الشرطة يبرئ الحركة من السرقة ويعزز فرضية أن الجيش متهم بتسهيل عمليات السطو على قوافل المساعدات
تتكرر عمليات سرقة المعونات الغذائية في شمال غزة، وآخرها الاستيلاء على 98 شاحنة محملة بالغذاء تابعة للأمم المتحدة، لكن الحادثة استدعت تدخل شرطة "حماس" التي داهمت مركزاً تابعاً لتلك العصابة وقتلت 20 غزاوياً متهماً بتشكيل عصابة لسرقة المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، لكن هذه العملية استوقفت الحكومة الإسرائيلية باعتبار أنها كشفت عن وجود قوة نظامية باقية في القطاع تابعة لحكومة غزة التي تديرها "حماس"، وتعمل بطريقة منظمة على رغم الحرب.
منذ نحو شهر استأنفت إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بعد تعطيل استمر قرابة 40 يوماً على خلفية الأعياد اليهودية، ولكن مع عودة تدفق المعونات للقطاع برزت ظاهرة سرقة الشاحنات المحملة بالغذاء من قبل لصوص وقطاع طرق.
ظاهرة بآثار كارثية
لا تعد سرقة قوافل المساعدات أمراً حديثاً في غزة، إذ انتشرت هذه الظاهرة مع بداية الحرب قبل 13 شهراً، ولكنها في هذه الفترة تفاقمت كثيراً، وباتت هذه العصابات تسطو على كل المعونات تقريباً بعدما تدخل القطاع، وذلك وفق طريقة منظمة للغاية.
وفي أخطر حادثة سجلت في الآونة الأخيرة، سرق لصوص المعونات 98 شاحنة محملة بالغذاء تابعة للأمم المتحدة من أصل 105 شاحنة، وتمكنت سبع سيارات فقط من الوصول إلى المستودعات، وتمت عملية النهب بعد دخول القافلة إلى القطاع وفي منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
ولهذه التعديات آثار كارثية على سكان غزة الذين يعتمدون بالأساس على المعونات في غذائهم، وسببت هذه الظاهرة في انتشار المجاعة في جنوب القطاع، أي في المنطقة الإنسانية، وذلك بعد عرقلة توزيع الغذاء، كما أنها أدت إلى رفع الأسعار كثيراً بنسبة وصلت إلى 1050 ضعفاً لبعض المنتجات وبات المواطنون عاجزين عن شراء حاجاتهم الأساسية.
اتهامات متبادلة
توجه إسرائيل اتهاماً مباشراً لـ"حماس" بالوقوف وراء عمليات نهب المساعدات وبيعها بأسعار أعلى في السوق السوداء، ولكن الحركة تنفي ذلك، وتشير بأصابع الاتهام إلى الجيش الإسرائيلي بأنه يسهل عمليات سرقة المعونات التي تتم تحت أعينه وفي منطقة خاضعة لسيطرته.
وتتهم "حماس" الجيش الإسرائيلي بتسهيل عمليات سطو العصابات على المساعدات، بينما تؤكد منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة أن عصابات منظمة تسرق المساعدات في غزة وتعمل بحرية في مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي، وأن ذلك يجري بسبب رفض الجيش تأمين القوافل وحمايتها.
وفي تقارير منفصلة كشفت "واشنطن بوست" الأميركية وصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن معلومات حول عمليات سرقة المساعدات من قبل عصابات مسلحة تستولي على القوافل في مناطق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وعلى رغم ذلك لا تتدخل القوات الإسرائيلية التي ترفض وجود غزاويين في مناطق سيطرتها وفي الوقت نفسه تمنع إطلاق النار أو انتشار السلاح من الأساس، وهذا ما يثير اتهامات للجيش بمشاركته في تلك الظاهرة أو تسهيلها.
تدخل شرطة غزة
في أية حال مع تصاعد أعمال سرقة المساعدات والاستيلاء عليها بقوة السلاح تذمر سكان غزة كثيراً، خصوصاً أنهم باتوا يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على الغذاء وبأسعار خيالية، وثار المواطنون واشتكوا من هذه الظاهرة التي تعززت في ظل حالة الفراغ الأمني وغض الطرف الإسرائيلي، مما شجع شرطة غزة على التدخل لمجابهة اللصوص.
منذ فترة طويلة تعطل عمل الشرطة في غزة، إذ تتهمها إسرائيل بأنها ضمن أذرع "حماس"، الحركة التي بالأساس تسيطر على القطاع وحكومته، وبسبب تلك الاتهامات إلى جانب الاستهداف المتكرر الذي يشنه الجيش ضد قوات الشرطة، أوقف رجال الأمن عملهم، وهذا أسهم في انتشار الفوضى وانعدام الأمن وانهيار النظام المدني والقانون.
وعلى غير العادة، وفي عملية نوعية، باغت عناصر الشرطة بالتعاون مع لجان عشائرية، قاعدة يستخدمها اللصوص لسرقة المساعدات، وهناك جرت اشتباكات وقتل خلالها مسلحون غزايون، بمن فيهم زعيم تلك العصابة.
العصابات على تواصل مع إسرائيل
وفي عملية أخرى تمكنت الشرطة من القضاء على متهمين يسرقون قوافل الغذاء، وبالمجمل وبحسب وزارة الداخلية في غزة، قتل 20 عنصراً من العصابة المتورطة في سرقة شاحنات المساعدات.
يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، "العملية الأمنية مستمرة، وستعمل الشرطة على ملاحقة أو قتل كل متورط في سرقة شاحنات المساعدات، بخاصة العصابات المسلحة، وذلك بهدف القضاء على هذه الظاهرة التي تسببت في بوادر مجاعة جنوب قطاع غزة". ويضيف، "غالب العصابات تعمل بالتنسيق مع إسرائيل، لقد رصدت الأجهزة الأمنية اتصالات بين عصابات اللصوص وقوات الجيش الإسرائيلي، من أجل الحصول على تغطية أعمال النهب، كما أنهم تلقوا توجيهات مهام، وتوفير غطاء أمني"، مؤكداً أن "إسرائيل تزود اللصوص خريطة وموقع تحرك شاحنات المساعدات وأنواعها وموعدها، من أجل السطو عليها وسرقتها تحت نظر الطيران الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "أفراد العصابات هم من أصحاب السوابق الجنائية، وفي سجلهم قضايا سابقة وأحكام صادرة في حقهم تدينهم من قبل الجهات القضائية في قطاع غزة".
أبعاد متعددة
لهذه العملية المعقدة أبعاد ورسائل كثيرة، إذ تقول أستاذة العلوم السياسية تمارا حداد، "لقد برأت 'حماس' نفسها من سرقة المساعدات الإنسانية، واستغلت اتهامات الأمم المتحدة وحاولت إثبات أن إسرائيل متورطة في إحداث فوضى". وتضيف، "للقضاء على لصوص المساعدات لا بد من وجود قوة شرطية لحماية المساعدات من السرقة، وهنا أثبتت 'حماس' أنها تستطيع فعل ذلك". وتوضح أن عملية القضاء على لصوص المساعدات جاءت في وقت شهدت فيه هذه القضية اهتماماً دولياً كبيراً، ولهذا استغلت "حماس" الفرصة، لكن أستاذة السياسة تتوقع أن يبادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتقديم حلول لا تشمل "حماس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اهتمام وخطط في إسرائيل
بالفعل، وجدت عملية "حماس" في القضاء على لصوص المساعدات اهتماماً في إسرائيل، إذ يقول منسق الحكومة في الأراضي الفلسطينية غسان عليان "نعمل على معالجة الوضع الإنساني منذ بداية الحرب، المشكلة الرئيسة التي تعوق تسليم المساعدات تتمثل في تحديات التوزيع التي تواجه الأمم المتحدة".
وفي اجتماع أمني تناول نتنياهو ما فعلته شرطة "حماس"، وقال "لقد ضربنا 'حماس' عسكرياً، لكننا لم نضرب ما يكفي من القدرات الحكومية المدنية للحركة، أعطيت أمراً بتقديم خطة بحلول الخميس المقبل، لتنفيذ بديل لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة من أجل منع سرقتها من قبل 'حماس'، وضمان توزيعها".
انتقاد دولي
أما على الصعيد الدولي تقول مسؤولة الطوارئ في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لويز واتريدج إن "نهب المساعدات يؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالشاحنات، وفي بعض الأحيان خسارة كاملة للبضائع واقعة سرقة 98 شاحنة في غزة كانت الأسوأ من حيث حجم المساعدات التي فقدت". وتضيف، "تخضع المنطقة التي يتم فيها نهب المساعدات إلى رقابة من القوات الجوية الإسرائيلية باستخدام طائرة مسيرة، وهناك جنود وقادة يعملون في غزة، لكنهم لا يتدخلون لوقف حوادث النهب".
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، "هناك حاجة إلى زيادة هائلة في المساعدات الموجهة إلى قطاع غزة، الوضع مروع بصراحة بما يفوق التصور، وهو من سيئ إلى أسوأ، بخاصة مع انتشار سرقة المعونات، حل الشتاء والمجاعة وشيكة وبعد مرور 400 يوم على هذه الحرب من غير المقبول بتاتاً أن يكون إيصال المساعدات إلى غزة أصعب من أي وقت مضى".