Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيفن روبرتس... عراب ولاية ترمب الثانية

أنكر الرئيس العائد للبيت الأبيض معرفته بمؤلف "ضوء الفجر المبكر" لكن سرعان ما ظهرت الحقائق المغايرة لاحقاً

ترمب وكيفن روبرتس... العقل السري (وسائل التواصل)

ملخص

ليس سراً القول إن روبرتس كان من بين ملايين الأميركيين الذي يؤمنون إيماناً حاسماً، بأن انتخابات الرئاسة الأميركية في 2020 زورت، وأن الفائز الحقيقي بها هو دونالد ترمب وليس جو بايدن، ذاك الذي حصد هذا المقعد بتلاعب النخب اليسارية وبالشراكة مع الدولة الأميركية العميقة.

في الطريق إلى ولاية الرئيس المنتخب دونالد جون ترمب الثانية، يتساءل المراقبون "كيف ستمضي سفينة الرجل؟ وهل ستشابه إدارته الثانية مع ما عرف عنه في السنوات الأربع التي قضاها سابقاً في البيت الأبيض، أم ستختلف عنه بصورة جذرية"؟

المؤكد أن الجميع يتطلع إلى أسماء ترشيحات ترمب لإدارته، وفيها من العجب العجاب شيء كثير، لا سيما مرشحه لوزارة الدفاع مذيع قناة "فوكس" بيت هيجسيث، وروبرت كيندي جونيور الديمقراطي المتحول، ناهيك عن الفتى المعجز إيلون ماسك، الذي يبدو أنه سيد البيت الأبيض الجديد الذي يتخفى ترمب في ظله.

غير أن الواقع يشير إلى وجود شخص آخر غير ظاهر للعيان، قد يكون هو قلب وعقل هذه الإدارة، بل راسم خطوطها ومخلص خيوطها من تنازعات أميركا اليمينية مع تلك اليسارية، بعد أربع سنوات من سطوة التيار الديمقراطي اليساري المتشدد إلى حد التطرف، والمتطرف إلى حد زوال معالم أميركا البيوريتانية.

والحديث يشير إلى شخصية تبدو في الظاهر هادئة ولا تمت بصلة لعالم الأصوات الزاعقة أو الرايات الفاقعة، لكن في واقع الأمر يبدو الرجل قابضاً على جمر ربما أخطر مشروع في تاريخ أميركا في القرن الـ21، هذا إن قدر له الوصول إلى غايته ولم تقطع المقادير عنه سبل الحياة، وربما لا يقل هذا المشروع أهمية عن نظيره الموضوع في نهايات تسعينيات القرن الماضي، ذاك الذي عرف باسم "مشروع القرن" أو الـPNAC أو Progect for the New America Century، أي "مشروع القرن الأميركي الجديد".

إنه كيفن روبرتس الرجل الخفي الذي يحلم على ضوء الفجر، بحسب مؤلفه الأخير والخطر، إذ تبدو لديه رؤى لحرق واشنطن الحالية، والسعي في طريق واشنطن مغايرة من حيث العقل والنقل، في الطريق إلى أميركا أخرى.

روبرتس... والبدايات في لوزيانا

ولد كيفن روبرتس في مدينة لافاييت بولاية لويزيانا عام 1974، وتلقى تعليمه في جامعتها حيث حصل على بكالوريوس الآداب ثم الماجستير من جامعة "فيرجينيا" للتكنولوجيا، والدكتوراه لاحقاً من جامعة "أوستن".

عمل روبرتس كأستاذ مساعد للتاريخ في جامعة ولاية نيومكسيكو من عام 2003 إلى عام 2005، كما شغل منصب رئيس كلية "وايومنغ" الكاثوليكية من عام 2013 إلى 2016. وستظهر أفكار روبرتس الاستقلالية عن دوائر الاستقطاب الرأسمالي تالياً، وذلك عندما يترأس كلية "وايومنغ"، إذ قاد المؤسسة الجامعية إلى رفض صريح لسياسة القروض المتبعة في جامعات الولايات المتحدة كافة، التي تسهل حياة الطلاب الأميركيين.

اعتبر روبرتس أن تلك القروض تمثل ضغوطاً أيديولوجية ودوغمائية لاحقاً، وتحد من الحرية الدينية للطلاب في قادم حياتهم العملية، وجعل هذا القرار جامعته في مقدم عدد قليل من الكليات التي رفضت مثل هذا التمويل، مما دعا صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن تصف روبرتس وطلابه بأنهم " كاثوليك رعاة بقر" لاستقلالهم.

في سبتمبر (أيلول) 2021، سيعلن اختيار روبرتس ليحل محل كاي كولز جيمس رئيساً لمؤسسة "هيرتاج فاونديشن" أو مؤسسة التراث، تلك المؤسسة البحثية المحافظة إلى حد وصفها باليمينية، وذراعها للضغط في الحياة العملية فرع "هيرتاج أكشن".

ولعله من المثير معرفة أن روبرتس وقبل هذا المنصب كان يشغل منصباً آخر هو الرئيس التنفيذي لمؤسسة بحثية محافظة أخرى هي مؤسسة "تكساس" للسياسة العامة.

بعد وقت قصير من انضمام روبرتس إلى "هيرتاج فاونديشن"، أخذت المنظمة في إنشاء هذا المشروع الإشكالي الكبير المعروف باسم مشروع 2025، وهو خطة توسعية لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة وتعزيز السلطة التنفيذية بعد تولي ترمب الرئاسة في الـ20 من يناير (كانون الثاني) المقبل.

يعن للمرء أن يتساءل "هل كانت النشأة الصعبة والمؤلمة التي وجد الفتى روبرتس ذاته فيها هي التي دفعته في طريق الصمود والتحدي، وخلقت في نفسه نقمة على التحلل الليبرالي الأميركي، ما سيدفعه هو وشركاؤه من بعده في طريق وعالم ما بعد الليبرالية؟".

الشاهد بحسب سيرته الذاتية أن والداه انفصلا عام 1979، أي عندما كان في الخامسة من عمره، وعانى والده إدمان الكحول، وانتحر شقيقه في سن الـ15، وعلى رغم تلك المآسي مضى باحثاً عن تحقيق ذاته، محققاً نجاحات في عالم الدراسة الأكاديمية، وتالياً في السياقات البحثية التي يمكنها أن تغير الأوضاع وتبدل الطباع في الداخل الأميركي برمته.

هل يقدم روبرتس للأميركيين اليوم تفسيراً لما جرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة قبل الولوج إلى عالم ترمب الثاني وخطة مشروع 2025؟

فوز ترمب في أعين روبرتس

ليس سراً القول إن روبرتس كان من بين ملايين الأميركيين الذي يؤمنون إيماناً حاسماً، بأن انتخابات الرئاسة الأميركية في 2020 زورت، وأن الفائز الحقيقي بها هو دونالد ترمب وليس جو بايدن، ذاك الذي حصد هذا المقعد بتلاعب النخب اليسارية وبالشراكة مع الدولة الأميركية العميقة.

يعتبر روبرتس أن نتيجة انتخابات 2024 تعني أن الأميركيين العاديين أعلنوا استقلالهم عن النخب، وفي تقديره أنها لم تكن انتخابات عادية، إذ تغلب ترمب على أربع لوائح اتهام جنائية، فيما وصفها بأنها "محكمة للمهرجين"، وفاز على مرشحين رئاسيين، بايدن بداية وهاريس تالياً، عطفاً على تحديه لرصاصة في الأذن لا يزال سرها غامضاً وقد يبقى كذلك طويلاً.

يقدم روبرتس وجهة نظر مثيرة، إذ يعتبر أن النتيجة لا تتعلق بترمب، الذي أصبح كياناً معروفاً في السياسات الأميركية منذ عام 2015، كما أنه لم يكن متعلقاً بكامالا هاريس أو جو بايدن، إذ إن قابلية التبديل بينهما جعلت من الواضح بصورة أكبر أن كليهما كانا مجرد بدلات فارغة لآلة الحزب الواحد.

يكتب روبرتس عبر الـ"واشنطن بوست" بعد فوز ترمب يقول "لقد جاءت هذه الانتخابات الاستثنائية لتشير إلى أمر أكثر جوهرية، إذ كانت تتعلق بانتفاضة الأميركيين وإعلان استقلالهم عن السلطة المركزية في واشنطن العاصمة".

 

هل أدت انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى لطمة على وجه النخب الأميركية عامة، والديمقراطية منها بنوع خاص؟

يبدو بالفعل أن شيئاً ما حدث على هذا الصعيد، إذ صدعت تلك النخب الرؤوس بأن معدل الجريمة انخفض، وأن التضخم لم يعد مشكلة كبيرة، وأن الوفيات الناجمة عن المواد الأفيونية آخذة في الانخفاض، وأن الهجرة أصبحت تحت السيطرة.

جاء هذا النصر الكبير ليعني أن الشعب الأميركي – الذي يشعر كثير منهم بعدم الأمان في الشارع، ويكافحون من أجل تحمل كلف السلع الأساسية، ويحزنون على أحبائهم الذين تناولوا جرعة زائدة من الفنتانيل أو تعرضوا للأذى من الأجانب غير الشرعيين – لا يصدقهم.

أكان ما جرى في ذلك الثلاثاء نوعاً من أنواع الانقلاب السياسي الهادئ على النخب الأميركية الفاشلة؟

غالب الظن أنه كذلك، إذ أخبرت النخب أن أميركا تأسست على العبودية، وأنها لا تزال تمارس العنصرية بصورة منهجية، غير أن ذلك النصر يعني أن الشعب الأميركي لا يصدقهم.

أخبرت تلك النخب المغرقة في ليبرالية منحولة أن الرجال يمكن أن يصبحوا نساء، وأن النساء بدورهم يمكن أن يصبحن رجالاً، وجاء فوز ترمب الذي يرفض ومن معه هذا التوجه المخالف للنواميس الربانية ليظهر كيف أن الشعب الأميركي بات ناقماً عليهم.

يتوقف روبرتس عند وصف بايدن لمؤيدي ترمب بأنهم "قمامة" ويمكن الاستغناء عنهم، وأنهم أشخاص مثيرون للشفقة، وشعب مرير، ومتمسكون بأسلحتهم وإيمانهم، غير أن الفوز الكاسح يعني أن المواطنين الأميركيين لم يعودوا يؤمنون بتلك النخب.

هل حان وقت الفجر الأميركي ليشرق على أميركا، حتى ولو أدى الأمر إلى إحراق واشنطن؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضوء الفجر المبكر وحرق واشنطن

هل يسعى روبرتس إلى حرق العاصمة الأميركية واشنطن؟

الشاهد أن التعبير مثير ويستدعي أصداء ما جرى في الـ24 من أغسطس (آب) 1814، وذلك حين دخل البريطانيون بقيادة روس وكوكبورن واشنطن بقوة قوامها 4500 رجل "متمرس في المعارك".

كانت خطة الهجوم على واشنطن وضعها الأدميرال البحري كوكبورن الذي توقع أنه "خلال فترة قصيرة من الزمن وبقوة كافية سيتمكن البريطانيون من الاستيلاء على العاصمة، وكانت وصيته أن تحرق المدينة بأكملها، بينما روس ذهب إلى تدمير المباني العامة فقط.

على رغم ذلك سيقدر بالفعل حرق واشنطن حرفياً، واليوم يتساءل ملايين من الأميركيين الذين طالعوا كتاب روبرتس الحديث الذي جرت حفلة توقيعه نهار السابع من نوفمبر الجاري، أي بعد أن تأكد من الفوز الساحق لترمب "هل ينتوي الرجل حرق واشنطن بالمعنى الحرفي؟".

في كتابه المعنون Dawn Early Light "ضوء الفجر المبكر"، يقول كيفن روبرتس "الهدف من هذا الكتاب هو مواجهة وضعنا الحالي، وإلهام الحركة المحافظة الجديدة لإعادة إشعال نار التقاليد الأميركية وتمكين الأميركيين الحقيقيين من استعادة بلدنا".

هنا يبدو واضحاً أن حريق روبرتس من نوع مختلف عن حريق البريطانيين، حريق معنوي يسعى في مواجهة اليسار الديمقراطي، ذاك الذي غير وجه ومعالم الولايات المتحدة الأميركية منذ دخل باراك أوباما البيت الأبيض عام 2008، وحتى هزيمة جو بايدن الساحقة الماحقة.

تكشف أسطر الكتاب روحاً شديدة الحماسة لتغيير أميركا تغييراً جذرياً، ذلك أنه يقتبس من الشاعر الروماني الأشهر فيرجيل كلماته "تشتعل روحي بالنار وترتفع في غضب للانتقام لأرضي المحتضرة".

يقتبس كذلك من مغني الراب المعروف أيضاً باسم مارك توماس جريفين "كل شخص لديه سر صغير يحتفظ به / أشعل النيران بينما المدينة نائمة".

لكن روبرتس يقر بأنه "لا يمكنك إشعال النيران من دون تضحية".

على رغم صمته إزاء أحداث السادس من يناير (كانون الأول) 2021 "واقعة الكابيتول"، فإن روبرتس يتبنى فكرة "الحرية المنظمة" كبديل لحكم القانون والاستقلال الشخصي، وهو ينتقد وسائل منع الحمل، ويسخر من تطبيقات المواعدة، ويعادي الإجهاض، ويقول إن "الحرية المنظمة تتطلب من كل مواطن أن يزرع في نفسه أخلاق المسؤولية عن حريته وحريات الأمة".

ما الذي يدعو إليه روبرتس في مؤلفه المثير هذا؟

أميركا والطريق إلى ثورة سياسية

من الواضح للعيان أنه يدعو إلى ثورة سياسية، ويشرح لماذا تفوز النخب دائماً، غير أنه يقطع بإمكان الإطاحة بها في نهاية الأمر، وإبعاد الطبقة الحاكمة. كيف؟

يقدم روبرتس ما يمكن أن نصفه بالخلطة السحرية، فبعيداً من الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين، هناك في تقديره ثنائية أكثر أهمية: الحزب الواحد في مقابل الشعب الأميركي. ماذا عن ذلك الحزب الواحد؟

في رؤيته يتألف الحزب الواحد من أعضاء من كلا الحزبين السياسيين الرئيسين، ويتبنى معتقدات بعيدة كل البعد من قيم المواطنين العاديين، أولئك الذين دفعوا إلى حروب لا نهاية لها، وفرضوا الحكومة المركزية في الحياة الأميركية، وزعموا أن مصالح الأميركيين تتوافق بطريقة أو بأخرى مع مصالح النخب العالمية. والأسوأ من هذا كله أنهم يؤمنون بالفكرة التي يراها روبرتس متخلفة والقائلة إن الحرية والاستقرار من الكماليات التي لا يملكها إلا المستنيرون. وعلى النقيض من ذلك يعطي غالبية الأميركيين الأولوية لكسب الحروب التي تستحق القتال، ويقدسون الأسرة باعتبارها باختصار تمثل توق الأميركيين إلى العودة لأميركا الطبيعية.

يزعم روبرتس في كتابه أنه إذا حكم أمة حزب واحد في القمة فلابد من تدميره واستبداله، وينبغي أن تدمر المؤسسات التي تدعم سلطة الحزب الواحد. ويتعين على جميع الأميركيين أن يتفقوا كمجتمع على وضع حد لكل كلية من جامعات ما يعرف بـ"رابطة اللبلاب"، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وصحيفة الـ"نيويورك تايمز"، والمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، ووزارة التعليم، وشركة "بلاك ووتر"، ونظام المدارس العامة في مقاطعة "فيرفاكس"، وجميعة الكشافة الأميركية، ومؤسسة "بيل وميليندا غيتس"، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وصندوق الديمقراطية الوطني، ويطرح روبرتس قضية إصلاح المشهد السياسي الحالي واستبداله بنظام أكثر تمثيلاً واستجابة، وضمن الإصلاحات التي يتحدث عنها القيام بتفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى التي أحدثت ضرراً كهربائياً في الأنظمة العصبية لأطفال أميركا، ونشرت الدعاية الصينية، ودفعت ملايين من الأميركيين لإدمان المواد الإباحية.

 

إن حكومة روبرتس المثالية التي يقدم لها في هذا الكتاب "تشجع وتروج للفضيلة" من أجل "المواطنين المستقيمين"، ولكنها "تعاقب وتصحح الرذيلة" التي تسكن من يسميهم "المجرمين والأوغاد"، وهو يدعو إلى تشريع الأخلاق، ويسخر من المعارضة من اليمين باعتبارهم "محافظي متحف الشمع" الذين يسهل ذوبانهم على الأرجح.

وفي الخلاصة فهذا العمل الذي يعد دعوة إلى ثورة أميركية على الأميركيين مختلفة تماماً عن الثورة على البريطانيين قبل الاستقلال يطرح رؤية للتحدي في مدار إعادة النظر في الديناميكات السائدة في الولايات المتحدة، ويقدم رؤية جريئة لمستقبل البلاد، وفي الترويج له أخيراً في الداخل الأميركي يقول بعض منهم إنه كتاب يتوجب على كل مواطن أميركي يسعى إلى فهم أعمق للقوى التي تشكل السياسة الأميركية والمسارات المحتمة للمضي قدماً أن يقرأه.

يعن لنا في هذا المقام التساؤل "هل يعد هذا الكتاب بمثابة المقدمة التي كان لا بد منها قبل أن يسعى روبرتس وشركاؤه في مؤسسة التراث (هيرتاج فاونديشن) إطلاق مشروعهم الأهم، الذي يعتبر الموازي لمشروع القرن الأميركي في التسعينيات، ذاك المعروف بمشروع 2025؟

هيرتاج فاونديشن ومشروع 2025

يحتاج الحديث عن هذا المشروع إلى ورقة بحثية قائمة بذاتها وحبر كثير يراق على الأوراق، غير أنه من دون تطويل ممل، يمكن القول وبحسب ما هو قائم في مواقع ومواضع مؤسسة التراث، المرئي والمسموع والمقروء، أن مشروع 2025 هو حركة تاريخية جمعت أكثر من 100 منظمة محترمة من مختلف أنحاء الحركات المحافظة في الداخل الأميركي.

الهدف الرئيس لهذا المشروع هو إسقاط الدولة الأميركية العميقة وإعادة الحكومة للشعب. لم يخرج مشروع 2025 إلى النور دفعة واحدة، إذ بدأ العمل عليه عام 2021، إذ كانت جائحة "كوفيد-19" دافعاً لتعميق التفكير في ما ورائيات مشهد الحوكمة الأميركي.

في أبريل 2023 أصدرت مؤسسة "هيرتاج" كتابها المعروف باسم "تفويض القيادة: الوعد المحافظ"، وهو نتاج أكثر من 400 باحث وخبير سياسي من جميع أنحاء العالم، الذي يقدم قائمة من الاقتراحات السياسية لمواجهة أعمق التحديات التي تواجه أميركا وإعادتها لما يرونه المسار الصحيح، فهل من أمثلة في هذا الطريق؟

إليكم ما يأتي: "تأمين الحدود، وإكمال بناء الجدار، وترحيل الأجانب غير الشرعيين، ونزع سلاح الحكومة الفيدرالية من خلال زيادة المساءلة والرقابة على مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، وإطلاق العنان لإنتاج الطاقة الأميركية لخفض أسعار الطاقة".

وفي الوقت نفسه في القلب من أهداف هذا المشروع نجد الحديث عن جعل البيروقراطيين أكثر مسؤولية أمام الرئيس المنتخب ديمقراطياً والكونغرس، وتحسين التعليم من خلال نقل السيطرة والتمويل للتعليم من البيروقراطيين في العاصمة واشنطن مباشرة إلى الآباء وحكومات الولايات والحكومات المحلية، ومنع الذكور البيولوجيين من المنافسة في الرياضات النسائية.

هل هذا المشروع هو خريطة طريق الرئيس ترمب في ولايته القادمة؟

يمكن النظر إلى مشروع 2025 باعتباره مقترحاً للانتقال الرئاسي يتألف من أربعة ركائز: دليل أساسي للإدارة الرئاسية القادمة، قاعدة بيانات على غرار موقع LINKEDIN للأفراد الذين يمكن أن يخدموا في الإدارة القادمة، تدريب مجموعة المرشحين التي يطلق عليها أكاديمية الإدارة الرئاسية، ودليل للإجراءات التي يجب اتخاذها خلال أول 180 يوماً من تولي المنصب.

قاد المشروع اثنان من المسؤولين السابقين في إدارة ترمب: بول دانس، الذي كان رئيساً لمكتب إدارة الموظفين ويعمل مديراً للمشروع، وسبنسر كريتيان المساعد الخاص السابق لترمب، والآن هو المدير المساعد للمشروع.

هل خلقت تصرفات السياسيين الليبراليين في واشنطن حاجة ماسة إلى ظهور مثل هذا التوجه السياسي الانقلابي في عالم السياسات الأميركية؟

المؤكد أن جنوح الديمقراطيين اليساريين أعطى فرصة هائلة، كما خلق حاجة ماسة إلى المحافظين للبدء في التفكير بإصلاح الضرر الذي أحدثه اليسار، والبحث عن طرق بناء أفضل لجميع الأميركيين بدءاً من عام 2025، أي مع تنصيب الرئيس ترمب في البيت الأبيض بوصفه الرئيس الـ47 في تاريخ البلاد.

ويرى القائمون على المشروع أن فوز المحافظين في الانتخابات ليس كافياً، وعليه فإذا كان الأميركيون المستقيمون راغبون في إنقاذ البلاد من قبضة اليسار المتطرف، فإنهم سيكونون في حاجة ماسة إلى أجندة حاكمة وأشخاص مناسبين في المكان المناسب، وعلى استعداد لتنفيذ هذه الأجندة منذ اليوم الأول للإدارة المحافظة.

هل يخلو مشروع 2025 من الانتقادات؟

حكماً وجه وسيوجه الديمقراطيون نصال سهامهم إلى قلب هذا العمل الثوري ومشروعه الواقع في نحو 900 صفحة، فيما الانتقاد الموجه إليه بالدرجة الأولى ويتعلق بركيزته الأساسية هو الحديث عن فكرة تفويض القيادة انطلاقاً من أن الأمر يكاد يلامس سقف الأفكار الشمولية، التي لا تتسق بحال من الأحوال من أميركا الديمقراطية الليبرالية، مما يخيف كثيرين من أن يكون رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر لمكارثية جديدة مثل تلك التي عرفتها البلاد في خمسينيات القرن الماضي بداعي مواجهة الشيوعية ومحاصرتها قبل أن تنفلش في الداخل الأميركي.

هل لرؤية لترمب ومستشاريه علاقة بهذا المشروع؟ وهل من علاقة بين المشروع والرئيس المنتخب حديثاً قولاً وفعلاً؟

ترمب ينكر لكن الصور والأحداث تؤكد

في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي في الخامس من يوليو (تموز) الماضي، كتب ترمب "لا أعرف شيئاً عن مشروع 2025، ليس لدي أية فكرة عمن يقف وراءه، أنا لا أتفق مع بعض الأشياء التي يقولونها، وبعض منها سخيفة تماماً. أياً كان ما يفعلونه، أتمنى لهم التوفيق، لكن ليس لي بهم أية علاقة".

جاء رد فعل ترمب هذا على المبادرة بعد أن قال كيفن روبرتس في مقابلة "بودكاست"، إن "الأمة في طور الثورة الأميركية الثانية، التي ستظل بلا دماء، إذا سمح اليسار بذلك".

وواصل ترمب أثناء حملته الانتخابية التبرؤ من المبادرة في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصر على أنه لا يعرف شيئاً عن مشروع 2025، وكرر هذه الرسالة في مناظرته ضد نائبة الرئيس كامالا هاريس في الـ10 من سبتمبر (أيلول) الماضي، وليلتها قال ما نصه "ليس لي أية علاقة بمشروع 2025. لم أقرأه، ولا أريد أن اقرأه عمداً. ولن أقرأه".

هل كان ترمب صادقاً بالمطلق في إنكار معرفته بمشروع 2025 والقائمين عليه؟

من الواضح أن وسائل الإعلام الأميركية تكفلت بفكرة التقصي ومعرفة ما إذا كان هذا الإنكار حقيقياً أم لا، ماذا كانت النتيجة؟

في الثامن من أغسطس الماضي، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن ترمب شارك بالفعل في رحلة خاصة مع رئيس مؤسسة الفكر اليمينية كيفن روبرتس، ونشرت صورة للرجلين في مقاعد الطائرة وهما يبتسمان.

كان الرجلان في طريقهما بالطائرة من منزل ترمب في "بالم بيتش" بولاية فلوريدا إلى جزيرة أميليا في الولاية نفسها لحضور المؤتمر السنوي لمؤسسة التراث.

وقالت الصحيفة إن ترمب قال للحاضرين في المؤتمر "لقد التقطت صوراً مع بعض من أكثر الأشخاص وسامة وجمالاً الذين رأيتهم على الإطلاق"، وكان كيفن والموظفون في التراث من بينهم.

الصحيفة عينها المقربة من البيت الأبيضن التي تعتبر لسان حاله نقلت في أبريل (نيسان) الماضي عن روبرتس قوله "لقد تحدثت شخصياً مع الرئيس ترمب حول مشروع 2025، لأن دوري في المشروع كان التأكد من أن جميع المرشحين الذين استجابوا لعرضنا للحصول على إحاطة حول مشروع 2025 حصلوا عليها مني".

لاحقاً وفي يوليو (تموز)، قال روبرتس لحليف ترمب الوثيق واللصيق الصلة ستيف بانون "نحن في خضم الثورة الأميركية الثانية، التي ستظل بلا دماء".

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل إن شبكة "CNN" للأخبار وجدت في بعض تحقيقاتها أن ما لا يقل عن 140 شخصاً عملوا مع ترمب على علاقة وثيقة بمشروع 2025.

لقد ساعد ستة من وزراء حكومته السابقين في كتابة أو التعاون في إعداد دليل السياسات المكون من 900 صفحة كما سبقت الإشارة، كما شارك أربعة أفراد رشحهم ترمب كسفراء إلى جانب عديد من منفذي حملة الهجرة المثيرة للجدل، ونحو 20 صفحة منسوبة إلى نائب رئيس الأركان الأول.

هل خشي ترمب في وقت السباق الانتخابي من أن تتخذ هاريس من المشروع منصة مضادة لبث الخوف في نفوس ملايين من الأميركيين، لا سيما غلاة الليبراليين واليسارين ومن المثليين والمتحولين، ناهيك عمن يتبع الدولة الأميركية العميقة، القادرين على تغيير الأوضاع وتبديل الطباع؟

قطعاً هو فعل ذلك ضمن سياق اللعبة الانتخابية.

يتساءل المفكرون في الداخل الأميركي عن مستقبل مشروع 2025، وهل سيكون له نصيب من التحقق على الأرض أم لا؟

 يتحدث روبرتس "عن استعادة المؤسسات التي يمكننا استعادتها، وتدمير تلك التي لا نستطيع استعادتها، وبناء مؤسسات أفضل في مكانها، إنها الخطوة التالية لحركة ترمب الجديدة".

من هنا يمكن القطع بأن الفوز بالبيت الأبيض أمر يشكل نقطة انطلاقة ممتازة، ولكنه ليس سوى نقطة انطلاق أولى في معركة شرسة واختبارات حقيقية لم تأت بعد.

لكن يظل هناك باب سري في حياة كيفن روبرتس، ربما يكشف لنا عن مفاجآت قادمة في عهد ترمب.

الباب السري يتمثل في العلاقة شبه الخفية بين روبرتس ومنظمة "أوبس داي" الكاثوليكية العالمية شبه السرية، فهل مشروع 2025 هو مشروع ديني بثياب مدنية تستدعيها ظروف التنكر؟ هل أميركا الطهرانية التي طردها الديمقراطيون واليساريون والمتحللون أخلاقياً من الباب تعاود الظهور الآن من الشباك مرة جديدة؟

المزيد من تقارير