ملخص
تعد النقاط الطبية الميدانية البديل المناسب للمستشفيات المنهارة في غزة، لكنها تواجه أزمات مركبة، في هذا التقرير ترصد "اندبندنت عربية" الأزمات التي تواجه عمل الأطباء هناك.
تسند إيناس ظهرها بيديها من شدة الوجع، وتسير متثاقلة نحو المستشفى الحكومي الذي ما زال يعمل في محافظة خان يونس جنوب غزة طلباً للعلاج، ووجدت كل شيء توقف عن العمل إلا استقبال الحالات الحرجة جداً وإصابات الحرب.
المستشفيات تتوقف
أخيراً حذرت وزارة الصحة الفلسطينية من توقف جميع مستشفيات قطاع غزة عن العمل أو تقليص خدماتها خلال الساعات الـ48 المقبلة وذلك بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل السماح بتدفق المحروقات للقطاع.
تحني إيناس ظهرها وتمسك بيديها خصرها وتشق طريقها نحو نقطة طبية ميدانية تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تزاحم السيدة طابوراً طويلاً من المرضى، لتصل إلى عامل صحي تستفسر منه حول إذا كان هناك علاجاً لها.
خلف طابور طويل من المرضى تصطف إيناس تنتظر الدخول للطبيب، وعلى رغم وجعها إلا أنها استبشرت بأن الألم سيزول، إذ ستقابل عاملاً صحياً في نقطة ميدانية بعد تعثر علاجها في المستشفيات التي دمرت إسرائيل غالبها في حربها على القطاع.
النقاط الطبية الأمل المتبقي
تقول إيناس "لولا النقاط الطبية الميدانية لما حصلنا على العلاج، نواجه أزمة كبيرة في سبيل التشافي، أعتقد أن النقاط الطبية الميدانية باتت بديلاً فعلياً عن المستشفيات، إذ لا تستطيع الأولى تقديم خدمات صحية لجميع المرضى".
نازحة إيناس ومن دون مأوى تعيش، لكنها تخطط إلى أن تنصب لها خيمة في منطقة قريبة من أية نقطة طبية ميدانية حتى يتسنى لها الوصول السريع إلى العلاج في حال الطوارئ، مضيفة "انهارت المستشفيات في غزة، والقطاع الصحي بات في أسوأ مراحله، الأمر البديل اليوم هو النقاط الطبية الميدانية المنتشرة في غزة".
قبل الحرب على غزة كان فيها 36 مستشفى، ولكن نتيجة القتال خرجت غالبها عن الخدمة، وتبقى منها ستة مستشفيات تعمل في جميع أنحاء القطاع وتخدم 2.3 مليون فرد، وتعاني تلك المرافق عجزاً مستمراً في تقديم الخدمات الصحية للمصابين والمرضى، ولتجاوز الأزمة برزت النقاط الطبية الميدانية كحل بديل وجد قبولاً من النازحين في المنطقة الإنسانية.
نقص الوقود
تقول المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارجريت هاريس "دمرت إسرائيل ما يزيد على 70 في المئة من الخدمات الطبية في غزة وتعرضت البنية الأساسية لأضرار جسيمة، اليوم تواجه المستشفيات نقصاً في الوقود وتدمير مولدات الكهرباء، مما يعوق استمرار عمل المرافق الصحية".
وتضيف "الوقود مشكلة يمكن أن تحل بسهولة كل ما على إسرائيل السماح بدخول المحروقات إلى المستشفيات، وهذا أمر يجب أن ينفذ بسرعة، توجه الناس للنقاط الطبية الميدانية ولكن هذه الأخرى تواجه أزمات كبيرة، ولا تستطيع علاج جميع المرضى".
خدمات رعاية أولية
مع نزوح سكان غزة وعيشهم في المنطقة الإنسانية الفقيرة من الخدمات الطبية، وبعد انهيار النظام الصحي وتدمير إسرائيل المستشفيات، اضطرت المؤسسات الدولية إلى افتتاح نقاط طبية ميدانية في أماكن تجمعات النازحين، في مسعى إلى التخفيف من معاناتهم، والاستجابة لاحتياجاتهم الطبية والعلاجية وفق الإمكانات المتاحة.
تمكنت الدول والمنظمات الدولية من افتتاح 12 مستشفى ميدانياً، خمسة فقط فعالة وتعمل بانتظام، والبقية معطلة بسبب ظروف الحرب، كما جرى تدشين 55 نقطة طبية في مختلف محافظات القطاع.
لجأ كثير من مرضى غزة وأصحاب الأمراض المزمنة والأوجاع العابرة وحتى الناجين من القصف والمصابين في الحرب إلى النقاط الطبية الميدانية، التي تقدم خدمات طبية مساندة للمستشفيات الحكومية، تمثل في غالبها خدمات رعاية أولية، وتعتمد على كوادر طبية محلية متخصصة.
حل مناسب لكنها تواجه مشكلات
يقول مدير المستشفيات الميدانية مروان الهمص "أحدثت النقاط الطبية والمستشفيات الميدانية أثراً طيباً في القطاع الصحي خصوصاً في ظل حال الانهيار التي تعانيها المستشفيات الحكومية جراء الاستهداف المباشر أو بالحصار والقيود، ومنع وصول الوفود الطبية الخارجية لإسناد الطواقم المحلية المنهكة، وكذلك منع إدخال الأدوية والاحتياجات الطبية".
ويضيف "تقدم هذه النقاط الطبية خدمات رعاية أولية، وهي بذلك تخفف الضغط على المستشفيات الحكومية أو الدولية، كما أنها تسهم في معرفة ورصد حالة مستوى الصحة العامة لدى سكان غزة".
على رغم مزايا النقاط الطبية الميدانية لكنها تواجه مشكلات كبيرة، يشرح الهمص "هذه المراكز بحاجة إلى تدعيمها في الأجهزة والكوادر، لإسناد المستشفيات الحكومية التي تعاني نواقص كثيرة، خصوصاً على صعيد الأجهزة الطبية الحديثة، وقطع غيار للأجهزة القديمة، وزيوت لمولدات الكهرباء المتهالكة".
نقص الدواء
ويقول رئيس لجنة إدارة النقاط الطبية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني محمد أبو رحمة "توافر النقاط الطبية في أوقات الأزمات والأوقات غير الطبيعية من شأنه التقليل من حدة الأزمة، والتخفيف من آلام النازحين وأوجاعهم، على رغم ضعف الإمكانات، وعدم توافر الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة بفعل الإغلاق الإسرائيلي التام للمعابر ومنع دخولها".
ويضيف "تقدم الفرق الطبية المتخصصة والمتطوعة في النقاط الطبية التابعة للجمعية الخدمات الطارئة والاستشارات الصحية وخدمات الغيارات للجرحى والتثقيف الصحي للسكان والنازحين وبصورة مجانية، مما جعل لها دوراً محورياً في تخفيف الضغط عن المستشفيات والمراكز الطبية الأخرى".
وعلى رغم الأثر الذي تقدمه النقاط الطبية الميدانية واعتبارها بديلاً فعالاً للمستشفيات لكنها تعاني نقصاً في الدواء، تشرح المنسقة الطبية لأطباء بلا حدود في غزة غييميت توما "تواجه فرقنا في النقاط الطبية الميدانية نقصاً حاداً في الأدوية والمعدات الأساسية، إذ لم تتمكن فرقنا من إدخال أي إمدادات طبية إلى غزة".
وتضيف "حتى الملاذ الآمن الذي شعر به سكان غزة في النقاط الطبية الميدانية قد يتوقف، قد تضطر أطباء بلا حدود إلى وقف بعض أنشطتها الطبية أو تقليصها بصورة كبيرة في حال عدم توفر كمية كافية من الإمدادات الطبية في الأيام المقبلة".
وتوضح توما أن مرضى حروق شديدة يزورون النقاط الطبية الميدانية ولا يجدون مسكنات، والأطباء اضطروا إلى تقليل عدد مرات تغيير ضمادات المرضى بسبب نقص الشاش المعقم، مما قد يؤدي إلى مزيد من الجراح الملتهبة".
ومن إسرائيل يقول منسق أنشطة الحكومة غسان عليان إنهم يسهمون في تخفيف الأزمة الإنسانية ويعملون على تسهيل عمل القطاع الصحي من دون عوائق، ورفض التعليق على نقص الدواء أو عدم السماح بدخول المحروقات.