ملخص
وصف الرئيس الجزائري في مقابلة تلفزيونية سابقة، اللغة الفرنسية بأنها "غنيمة حرب، لكن اللغة الإنجليزية لغة العالم".
شكّل تدريس اللغات الإنجليزية والفرنسية والأمازيغية في الصفوف التعليمية الأولى بالجزائر موضوعاً متكرراً للنقاش العام، وبعدما كانت نقطة خلاف تستغلها النخب السياسية في صراعها الأيديولوجي مع التيار العروبي خلال سنوات التسعينيات والعقد الأول من الألفية، صار الجدل حول مدى استعداد التلاميذ لاستيعاب هذا التنوع اللغوي وهم لا يزالون في مرحلة غضّة.
وواصلت وزارة التربية الجزائرية اعتماد تدريس أربع لغات للتلاميذ في طور التعليم الابتدائي ابتداءً من السنة الثالثة. وإلى جانب اللغة الأم العربية، هناك الفرنسية، والإنجليزية، والأمازيغية، التي يظل تعلّمها اختيارياً حتى قبل إقرارها كلغة رسمية منذ عام 2016، إذ فسرت السلطات إضافة "لغة شكسبير" (الإنجليزية) إلى المناهج التربوية في وقت مبكر، بأنه جاء استجابةً لمطالب متزايدة من الأكاديميين والطلاب الجامعيين الذين يقولون إن اللغة الإنجليزية يجب أن تُقدَّم كمادة في مرحلة متقدمة من مراحل التعليم لأنها لغة التدريس في الجامعات العالمية لأولئك الذين يدرسون الطب والهندسة.
"لغة شكسبير"
وبموجب المنهج التعليمي كان يتم تدريس الإنجليزية في المدارس للتلاميذ ابتداءً من سن 11 سنة، في حين كانوا يبدأون بتعلم اللغة الفرنسية عندما يبلغون الثامنة من عمرهم.
ويتحمس كثيرون من أولياء الأمور لجعل "لغة العالم"، كما وصفها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في وقت سابق، متاحة للأطفال في سن مبكرة، بل إن بعضهم يفضل دراسة اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية كلغة ثانية، إذا خُيّر أبناؤهم. وهذا رأي المهندس المدني عبد القادر سكروفي، الأب لثلاثة أطفال، الذي بيّن أن "مَن يسعى للحصول على وظيفة في أوروبا أو الولايات المتحدة عليه أن يتمكن من اللغة الإنجليزية، أما في الجزائر ما زالت الإدارات تحبذ من يتقن لغة موليير (الفرنسية) والتي يصعب التخلص منها على المدى القريب"، لذلك يمرّن أبناءه على التواصل ورفع مستواهم التعليمي في المراكز الخاصة.
فوائد ومحاذير
أما معلم التعليم الابتدائي المتقاعد مسعود برواق الذي عايش إصلاحات مناهج التدريس منذ بداية التسعينيات إلى غاية عام 2022، بعدما شابتها تغييرات جذرية في مواد عدة، فرأى أن التحدث باللغات الأجنبية خلال الأعوام الأولى يفسح في المجال أمام الطفل للتعرف إلى عوالم أخرى من خارج بيئته، لكنه من ناحية الاستيعاب قد يكون الأمر مشتتاً للذهن ومرهقاً للأستاذ في إيصال المعلومة.
ويتذكر الجزائريون تجربة تم تطبيقها في التسعينيات وأججت الصراع حول إدخال اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي، ففي حين تم تدريس اللغة الفرنسية بدءاً من السنة الثالثة، لم يتم تلقين الإنجليزية كلغة ثالثة إلا بدءاً من المرحلة المتوسطة. وبلغ الصراع ذروته، إذ رفض وقتها أنصار اللغة الفرنسية إدخال اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، حين سمح وزير التعليم، وهو من دعاة التعريب، للتلاميذ بالاختيار بين اللغتين. وبعد نقاش واسع أُجهض المشروع، وتم حذف اللغة الإنجليزية من التعليم الابتدائي قبل أن يعاد إحياؤه في عام 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
النواحي التربوية
وبالنسبة لأستاذ التعليم مصطفى خروس، فإنه يصعب على التلميذ في هذه السن من الناحية المورفولوجية والعقلية والنفسية تلقي الكثير من اللغات، قائلاً إن "التعليم التقليدي قديماً كان يعتمد التلقين والحفظ ويراعي التدرج في المواد في الكتاتيب والمساجد والزوايا".
وأشار خروس إلى ما ورد في كتب ابن خلدون من دعوات إلى مراعاة هذه النواحي التربوية، ففي مسألة اللغات التي هي وعاء الفكر وعن طريقها سيمكن بناء إنسان، يجب التريث"، داعياً إلى "الأخذ بآراء أهل الاختصاص في مجال الإصلاحات".
ويوضح رئيس المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية (مجال) بو جمعة شيهوب، أن "اللغة التي أضافتها الوزارة، كانت في برنامج رئيس البلاد، حيث تعتبر من اللغات المنتشرة في العالم بشكل كبير، وأغلب البحوث في المجال التكنولوجي تعتمد على اللغة الإنجليزية، ومن هنا رأت المصلحة الوطنية أنه يتعين التعمّق فيها، ومن خلالها يمكن للتلميذ النفاذ إلى مختلف العلوم".
وأكد شيهوب لـ"اندبندنت عربية" أن "الخطوة ليست بدعة في الجزائر فقط، وإنما عدة مدارس ومنظومات متطورة في العالم تدرّس عدة لغات في التعليم الابتدائي، وحتى لو تم تخفيف البرامج الدراسية كما وعدت الوزارة مستقبلاً لن يكون الأمر عائقاً في مسار التلاميذ التعليمي".
تراجع لغة فولتير
وبات في السنوات الأخيرة يُنظر إلى استبدال الفرنسية باللغة الإنجليزية على كونه دليلاً على تراجع القوة الناعمة لباريس وتقلص مجال انتشارها. ووصف الرئيس الجزائري في مقابلة تلفزيونية سابقة، اللغة الفرنسية بأنها "غنيمة حرب، لكن اللغة الإنجليزية لغة العالم".
ومع أن الجزائر تمكنت من الاستقلال عن فرنسا في عام 1962 بعد احتلال دام 132 سنة، ظل التيار الفرنكوفوني مهيمناً في المجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة التي تتعامل في غالب الوثائق الإدارية باللغة الفرنسية كجزء من إرث معقد من الحقبة الاستعمارية، قبل أن تبدأ في تقليص حيز التواصل بها لمصلحة اللغتين الإنجليزية والعربية.
ومن شأن التحول نحو توسيع استخدام الإنجليزية أن يكون مفيداً أيضاً لأنصار التعريب الذين لطالما تحدثوا عن تمييز في التوظيف بسبب ندرة الفرص في الشركات التي تستخدم اللغة الفرنسية فقط.
توجه عام
وسرّعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية بدورها اعتماد الإنجليزية كلغة تدريس رئيسة في جامعات البلاد، وهو قرار يندرج ضمن توجه عام للنهوض بها في الجزائر من خلال برنامج مكثف يتضمن تكويناً للأساتذة وطلبة الدكتوراه في هذه اللغة، في حين لا تزال التخصصات العلمية والطبية خصوصاً، رهينة اللغة الفرنسية.
ويُظهر مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية لعام 2024، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن مؤسسة "أديكيشن فيرست" السويسرية، احتلال الجزائر مركزاً متواضعاً في قائمة إتقان مواطنيها "لغة شكسبير" بعدما جاءت في المركز 78 عالمياً من بين 116 دولة شملها الإحصاء لتصنَّف ضمن خانة دول "الكفاءة المنخفضة" أو الضعيفة مع انخفاض رصيدها بأربع نقاط إلى 471 نقطة.