Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تستعيد الجزائر علماءها المهاجرين؟

ينصح متخصصون بإنشاء شبكات موضوعاتية وتأطير طلبة الدكتوراه وتوظيفهم في مراكز البحث

تجاوب ملحوظ من بعض العلماء الجزائريين المقيمين بالخارج مع العودة للوطن (أ ف ب)

ملخص

شهد عام 2023 حراكاً وزارياً ودبلوماسياً في الجزائر ضمن سياسة نفض الغبار عن ملف "استعادة العلماء"، فإلى جانب مجهودات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أكدت وزارة الخارجية أن "السلطات العليا للبلاد حريصة على استقطاب الكفاءات الجزائرية بالخارج باعتبارها رأس المال الأعظم والمصدر الذي تنهل منه البلاد لنقل العلم والخبرات والمعرفة".

عاد ملف الكفاءات بالخارج ليشكل صداعاً في رأس الحكومة بالجزائر، وبات استقطاب هؤلاء "العلماء" يشغل بال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي يبدو أنها لم تجد الطريقة المثلى التي تحقق لها أهدافها، على رغم أن هناك بعض التجاوب لدى هذه الفئة من الجزائريين المقيمين بمختلف مناطق العالم.

وعلى عكس أعوام ما قبل 2019، يتداول عدد لا بأس به من الكفاءات الجزائرية بالخارج على زيارة بلدهم في سياق تقديم الدعم أو المساعدة أو الاستجابة إلى طلبات السلطات، غير أن الحال تبقى غير كافية وفق ما ترجوه الحكومة، وهو ما كشف عنه وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري، في رده على سؤال لأحد نواب البرلمان حول الموضوع، بالقول إنه تم اتخاذ جملة من الإجراءات لاستقطاب الكفاءات بالخارج، من بينها إنشاء شبكات موضوعاتية، وإدماج هذه النخبة ضمن مشاريع البحث، إلى جانب تشجيعها على المساهمة في تأطير طلبة الدكتوراه، وتوظيفها في مراكز البحث.

وتسعى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر إلى اعتماد عدد من السياسات والتحفيزات للاستفادة من خبرات الباحثين المقيمين بالخارج بغية إشراكهم في التنمية الاقتصادية للبلاد، إذ سبق وقال الوزير بداري، على هامش إشرافه على انطلاق السنة الجامعية 2022/2023، إنه سيتم تحفيز القدرات العلمية لاستقطاب أفضل الطاقات والكفاءات وأنشطة البحث، والسعي نحو الاستفادة من خبرات الكفاءات والباحثين الجزائريين المقيمين بالخارج، وجرى فتح حوار مع هذه الفئة من أجل إسهاماتهم في التنمية الاقتصادية للبلاد.

حراك رئاسي دبلوماسي وزاري

كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أمر عام 2023 باعتماد إجراء جديد لتسهيل عودة الكفاءات المهاجرة إلى الجزائر، وذلك عبر إطلاق "بطاقة مرجعية" للتخصصات العلمية لمعادلة شهادات الجامعات الأجنبية بصفة آلية لحامليها من الجزائريين، وهي الخطوة التي قابلتها ردود برلمانية بضرورة تتبعها بإجراءات كثيرة لا سيما في ما تعلق بتحسين ظروف العمل.

 

 

وقال رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي في البرلمان الجزائري جغلول صالح، إن البطاقة المرجعية لتخصصات معادلة الشهادة الجامعية خطوة أولى لتسهيل استعادة الكفاءات العلمية ولكن يجب أن تتبع بخطوات كثيرة في جانب تحسين ظروف العمل، مبرزاً أن هذا الإجراء وإن بدا عملياً فإنه يظل غير كاف.

وشهد عام 2023، حراكاً وزارياً ودبلوماسياً في سياق نفض الغبار عن ملف "استعادة العلماء"، فإلى جانب مجهودات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جاء الدور على وزارة الخارجية التي أكدت أن "السلطات العليا للبلاد حريصة على استقطاب الكفاءات الجزائرية بالخارج باعتبارها رأس المال الأعظم والمصدر الذي تنهل منه البلاد لنقل العلم والخبرات والمعرفة".

وكشفت الخارجية الجزائرية عن التحضير لإطلاق مشروع تعاون يجسد مشاركة الكفاءات في الخارج ميدانياً بحسب اختصاص كل فئة ليتولى بذلك المجتمع المدني مكانته الحقيقية في التعاون مع الجهود الرسمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم المجهودات التي تبذلها الجزائر منذ أعوام، والمحاولات التي تنفرد بها في سياق تحقيق أهدافها بخصوص استعادة علمائها، تبقى "دار لقمان على حالها" (عنوان قصيدة شهير للحديث عن بقاء الوضع من دون تغيير) ما عدا بعض التقدم الذي يظهر أنه يأتي في إطار المبادرات الشخصية في كثير الأحيان، إذ يزور عدد من الكفاءات بلدهم الأم، إذ يشرفون على دورات تدريبية وتأطير أبحاث وتقديم محاضرات وندوات، وإجراء آخرين عمليات جراحية دقيقة، لتبقى إقامتهم الدائمة بعيدة المنال لعدة اعتبارات وأسباب.

توفير البيئة المناسبة

يقول الحقوقي الباحث في القانون الدولي آدم مقراني، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن الوزارة الوصية تبذل جهوداً كبيرة من أجل استقطاب الكفاءات الجزائرية المقيمة بالخارج، مدركة الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه هذه النخب في تعزيز البحث العلمي وتطوير التعليم العالي، وفي ذلك أطلقت عدة مبادرات تهدف إلى ربط الكفاءات المهاجرة مع المؤسسات البحثية المحلية، وأبرز هذه الخطوات إنشاء منصة رقمية متطورة تعنى بتسهيل التواصل بين الباحثين في الداخل والخارج، مما يمنح فضاء للتعاون في مشاريع علمية مشتركة.

ومن بين الاستراتيجيات الجديدة أيضاً، يضيف مقراني توفير برامج تكوينية عالية المستوى مصممة خصيصاً لأفراد الجالية الجزائرية في الخارج، إذ ترتكز على مجالات استراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والطاقة المتجددة، مما يسهم في رفع كفاءة الباحثين والمتخصصين الجزائريين، ويمكنهم من متابعة أحدث التطورات العلمية والتكنولوجية التي تتماشى مع الحاجات المحلية.

ونبه مقراني إلى أنه على رغم من الجهود المبذولة يبقى التحدي الأكبر أمام الجزائر متمثلاً في توفير بيئة عمل محفزة وجذابة للعلماء العائدين، تضمن لهم فرصاً حقيقية للتطور والإبداع. أضاف أن تحقيق هذا الهدف يتطلب التزاماً أكبر بتطوير البنية التحتية للبحث العلمي، مثل إنشاء مراكز أبحاث مجهزة بأحدث التقنيات، وتخصيص موازنات مستقلة للبحث، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية وإزالة العقبات البيروقراطية التي تعوق قدرتهم على الإبداع.

 

 

إلى جانب ذلك، تعمل وزارة التعليم العالي على تعزيز التعاون بين الجامعات المحلية والمؤسسات البحثية في الخارج من خلال اتفاقات شراكة تهدف إلى نقل المعرفة والتكنولوجيا، وهو ما يمكن أن يسهل على الكفاءات الاندماج في سوق العمل الجزائرية بحسب مقراني، الذي أبرز أن توفير امتيازات وإعفاءات ضريبية وتقديم دعم مالي لمشاريع البحث العلمي تعد من بين الخطوات التي يمكن أن تشجع هؤلاء على العودة والاستثمار بمهاراتهم ومعارفهم. وختم "يمكن للجزائر أن تستعيد علماءها، ليس فقط عبر توفير الحوافز، ولكن أيضاً من خلال إرساء ثقافة تقدر البحث العلمي والإبداع".

ثقافة الابتكار

من جانبها، ترى الباحثة في الشؤون الاستراتيجية والأمنية نجاة زروقي، أنه بإمكان الجزائر استعادة الكفاءات الموجودة في الخارج من خلال توفير البيئة المناسبة لذلك، مشيرة إلى ضرورة تثمين المنتجات البحثية وإرساء ثقافة الابتكار والمقاولاتية وريادة الأعمال لدى الباحثين، إضافة إلى توفير الورشات التكوينية التي تربط الباحث بالجانب التطبيقي.

وتؤكد زروقي، أن ما يعوق الكفاءات هو التهميش الناتج من غياب بيئة استراتيجية فعالة لتطبيق كل ما هو كائن أو يكون على أرض الواقع، موضحة أن الوزارة الوصية ومن أجل تحقيق أهدافها، عمدت إلى إرساء المقاولاتية في الجامعة الجزائرية حفاظاً على علمائها.

المزيد من تقارير