Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التوتر جسر مرير يعبره سكان الأرض من عام إلى عام

من حروب وصراعات وكوارث طبيعية إلى تعثر مفاوضات سلام وأزمات اقتصادية متفاقمة يبقى العالم محاطاً بحالة من اليأس والمراهقون يدخلون الدائرة

مراهقو العالم عانوا نفسياً وعصبياً جراء متابعة الأخبار والتغطيات والتحليلات الخاصة بالصراعات (رويترز)

ملخص

حالة العالم النفسية في 2024 لم تكن على ما يرام وصحته العقلية لم تكن في أفضل حالاتها وتطلعات الأمس القريب حول تقليص هامش المكتئبين في الكوكب أو كسر وصمة المرض النفسي والمجاهرة بالحاجة إلى علاج للروح أصبحت برؤى العين رفاهية فكرية لا طاقة لغالبية سكان الأرض بها والإبحار في عوالم اضطرابات ما بعد الكرب وأثناءه وثنائية القطب والهوس وغيرها بدت في عام 2024 وكأنها مقبلات خفيفة لما قبل الوجبات الرئيسية

حالة العالم النفسية في 2024 لم تكن على ما يرام، وصحته العقلية ليست في أفضل حالاتها، وتطلعات الأمس القريب حول تقليص هامش المكتئبين في الكوكب، أو كسر وصمة المرض النفسي والمجاهرة بالحاجة إلى علاج للروح أصبحت برؤى العين رفاهية فكرية لا طاقة لغالبية سكان الأرض بها. والإبحار في عوالم اضطرابات ما بعد الكرب وأثنائه، وثنائية القطب، والسلوك الفوضوي، والاكتئاب، والهوس بدت في عام 2024 وكأنها مقبلات خفيفة لما قبل الوجبات الرئيسة.

وجبات العالم الرئيسة من اعتلالات نفسية واضطرابات عصبية في 2024 كانت عامرة بتشكيلة غير مسبوقة من الضغوط والأحمال والأثقال غير المرئية، بعضها توارى أمام هول الحروب والصراعات وتحدي البقاء على قيد الحياة، والبعض الآخر يحمله أصحابه معهم أينما ذهبوا، من دون أن يدروا بها، وأحياناً من دون أن تتوافر لهم رفاهية التوقف والتفكر وإدراك أنهم ليسوا بخير.

عشرة أرقام تعرضها منظمة "بروجكت هوب" الخيرية التي تعنى بالأعمال الصحية الخيرية حول العالم تلخص حال سكان الكوكب العصبي والنفسي على مدار عام مضى. الرقم الأول هو أن واحداً بين كل أربعة أشخاص في شتى بقاع الأرض يعاني مرضاً نفسياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والثاني ثلثا من يعانون اضطراباً نفسياً لم يحصلوا على الرعاية الطبية المناسبة، لنقص الموارد المالية والبشرية، وكذلك استمرار شيوع الوصمة المتعلقة بالمرض النفسي. والثالث يتعلق بوصمة المرض النفسي العالمية، إذ لا تقتصر على ثقافة أو مجتمع من دون غيره، فواحد بين كل أربعة أميركيين يخضع للعلاج النفسي أو العقلي يشعر بالقلق حول صورته، وما قد يظنه به الآخرون، وأن المرض النفسي مدعاة للخجل والعار.

والرابع هو أن من يعانون أمراضاً عقلية خطيرة أكثر عرضة بمرتين من غيرهم للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. والخامس يتعلق بالاكتئاب، إذ 280 مليون شخص حول العالم مكتئبون، ويصيب الاكتئاب امرأة واحدة بين كل ثلاث نساء ورجلاً بين كل خمسة رجال. والسادس موضوعه الانتحار، إذ احتمالات موت الأطباء منتحرين تزيد بمعدل الضعف عن بقية المهن، فالأطباء أكثر عرضة للموت منتحرين، ويزيد المعدل بين الطبيبات.

والسابع يشير إلى أن 15 في المئة من مراهقي العالم يعانون اضطراباً عقلياً، والثامن يتعلق بفجوة كبيرة بين عدد المرضى النفسيين، ونسبة من يتلقون الرعاية والعلاج النفسي. فمثلاً نصف الأميركيين فقط ممن يعانون اضطراباً أو مرضاً نفسياً أو عقلياً يتلقون العلاج، والتاسع يقدر كلفة الأمراض والاختلالات المتعلقة بالصحة العقلية والنفسية في العالم بنحو 16 تريليون دولار في عام 2030.

أما العاشر، فيشير إلى أن 22 في المئة من الأشخاص الذين شهدوا صراعات وحروباً سيصابون باضطراب عقلي. في عام 2024، ربع سكان العالم يعيشون في صراعات أو أماكن متأثرة بالصراعات.

الشرق الأوسط ومكانة متميزة

وقبل أيام من نهاية العام، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى دعم دولي عاجل، مع وصول عدد النازحين قسراً إلى 123 مليون شخص، مع استمرار الصراعات في لبنان والسودان ومناطق أخرى ما يعني مزيداً من النزوح يومياً. وهذا يعني، المزيد من التأثير السلبي على الصحة العقلية للملايين من سكان الأرض.

تحتل منطقة الشرق الأوسط مكانة بارزة في قائمة اللاجئين والنازحين. وبحسب "مصدر رصد النزوح الداخلي"، حققت أعداد النازحين داخلياً في العالم رقماً قياسياً في السنوات الخمس الماضية، إذ زادوا بنسبة 50 في المئة. وتشكل النزاعات في السودان وفلسطين وجمهورية الكونغو الديمقراطية ما يقرب من ثلثي حركات النزوح الجديدة. ويشكل النزوح الداخلي في غزة منذ بدء حرب القطاع حركة نزوح غير مسبوقة.

نصيب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نسبة النزوح في العالم 11 في المئة. ويقدر عدد من نزحوا بسبب الحروب والصراعات بنحو 4.1 مليون شخص، ومن نزحوا بسبب كوارث وأزمات طبيعية نحو 1.3 مليون شخص.

هؤلاء النازحون في منطقة الشرق الأوسط، ويضاف إليهم اللاجئون من المنطقة وتقدر أعدادهم بنحو 2.5 مليون شخص، إضافة إلى نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني تحت ولاية منظمة "أونروا" هم الأكثر عرضة للاعتلالات النفسية والعصبية، وذلك قبل وأثناء وبعد النزوح واللجوء.

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن المهاجرين واللاجئين يتعرضون لضغوط نفسية مختلفة تؤثر سلباً في صحتهم ورفاهم النفسي قبل الشروع في رحلة الهجرة، وأثناء توطينهم ودمجهم. وترتفع معدلات انتشار الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية اللاحقة للصدمة بين المهاجرين المعرضين للشدائد واللاجئين مقارنة بسكان الدولة المضيفة. ويفاقم من هشاشتهم النفسية، افتقار أغلبهم للخدمات الصحية النفسية اللازمة لتقليص هامش الضرر العميق وغير المرئي لما رأوه وعايشوه من أهوال.

 

ليس من رأى كمن سمع، لكن من سمع أيضاً وشاهد على الشاشات ما جرى على مدار عام لم تنج الملايين من سكان الأرض في 2024 من صدمات المتابعة والمشاهدة. فمن حروب وصراعات، إلى كوارث طبيعية من زلازل وفيضانات وأعاصير وحرائق، إلى تعثر مفاوضات سلام ووقف إطلاق نار على حساب ملايين المدنيين، إلى أزمات اقتصادية متفاقمة وحلول سياسية تمثل مزيداً من تجاهل الفئات الأكثر هشاشة وغيرها من محتوى التغطيات الخبرية.

"تروما الأخبار" أو "صدمة الأخبار" لدى المتلقين، سواء بسبب تمضية الأمسية بمشاهدة قتل الأطفال وتشريد المدنيين، أو عناد الساسة وصلف المصالح، أو التضييق على الغالبية من أجل مصلحة الأقلية وغيرها أدى بشكل متزايد إلى ما بات يعرف بـ"التجنب الاختياري للأخبار".

بحسب التقرير الرقمي للأخبار السنوي الذي يصدره "معهد رويترز"، ارتفعت معدلات التجنب الاختياري للأخبار في 2024. أربعة بين كل عشرة أشخاص في دول عدة قالوا إنهم يتجنبون الأخبار أحياناً أو كثيراً. وتراوحت أسباب الممتنعين والمتجنبين الأخبار بين حرب أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط، إضافة إلى تكرار عبارة "نشعر بأننا مثقلون أو مهمومون بالكم الخبري، وليس المحتوى "المروع" فقط.

نظرة سريعة إلى حال الصحة النفسية في المنطقة العربية في 2024، التي تأثرت سلباً بقدر هائل بسبب أهوال الصراعات المتمددة سواء في غزة أو لبنان أو السودان وأخيراً سوريا، تشير إلى أن الحديث عن طرق تجنب الأخبار السيئة عبر إغلاق التلفزيون أو التحول من محطة إلى أخرى تشوبه شبهة عدم مراعاة الآخرين ممن هم أبطال الصراع نفسه.

عام 2024 شهد مكوناً إضافياً في قائمة الصدمات النفسية والعصبية الناجمة عن متابعة الأخبار. فإذا كان الإعلام التقليدي ما زال يفعل قواعد ومواثيق أخلاقية في شأن ما يمكن غرضه وما يتوجب إخفاؤه مراعاة لحقوق الضحايا وأخلاقيات العمل الإعلامي، فإن التغطيات الإخبارية "المستقلة" التي تزخر بها منصات الـ"سوشيال ميديا"، وبعضها يجري بثه على الهواء مباشرة من دون حذف أو تدقيق، ألقى بظلال أكثر قسوة على المتلقين.

مراهقو العالم

شهد العام المنصرم انضمام فئة غير تقليدية إلى قوائم المعرضين للاعتلالات النفسية والعصبية بشكل أكبر بسبب ما يجري على ظهر الكوكب من حروب وصراعات. مراهقو العالم عانوا نفسياً وعصبياً الأمرين جراء متابعة الأخبار والتغطيات والتحليلات الخاصة بالصراعات، لا سيما ما يجري في المنطقة العربية، تحديداً في غزة ولبنان تسببت في تنامي مشاعر الارتباك والغضب والخوف واليأس والوحدة بين هذه الفئة العمرية من سكان الأرض، بشكل تفوق الفئات العمرية الأخرى.

مؤسسة "يونغ مايندز" الخيرية المعنية بالصحة النفسية للصغار والمراهقين أشارت في تقرير لها نشر قبل أسابيع إلى أن هذه المشاعر السلبية لدى هذه الفئة العمرية، بسبب ما يجري في العالم ردود فعل طبيعية وإنسانية للأشياء المروعة التي تحدث في أنحاء عدة في العالم.

يشير التقرير الذي يحمل عنوان "ماذا تفعل إذا كان الصراع في الشرق الأوسط يؤثر في صحتك العقلية؟" إلى أن المراهقين لا يدركون بالضرورة أنهم يمرون بهذه الانفعالات والمشاعر، لكنهم قد يشعرون بها في أجسادهم من دون أن يدروا سببها. "صدر ضيق، قلب ينبض بقوة زائدة، رعشة، عقل تتسارع فيه الأفكار من دون قدرة على التركيز. وربما شعور بالفراغ التام، أو الخدر تجاه كل شيء. قد تجد أنك منهك طيلة الوقت، سريع الانزعاج، أو تنتابك رغبة جارفة بأنك تحتاج أن تكون بعيداً من الجميع". النصيحة هي: كن لطيفا ورؤوفاً بنفسك، وراقب جسدك ومشاعرك، مع العلم إنك لست مضطراً لتمر بما تمر به أو أن تعاني وحدك. ابحث عمن تحكي له أو تطلب منه المساعدة النفسية. 

التصاق ملايين أو مليارات الأفراد بهواتفهم المحمولة وشاشاتهم بشكل شبه دائم يعتبره اختصاصيو الصحية النفسية والعقلية أحد مسببات القلق والاكتئاب واليأس، لا سيما بين الأصغر سناً. والغالبية من الخبراء والاختصاصيين تنصح بأخذ فترات راحة من منصات الـ"سوشيال ميديا"، باعتبارها أمراً ضرورياً لحماية الصحة العقلية والمستخدم من الأذى النفسي.

 

تقرير "يونغ مايندز" مثلاً ينصح بالتفكير في الدور الذي تلعبه الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، ومدة فائدتها للمستخدم، لعله يتخذ قراراً بالترشيد أو الابتعاد حفاظاً على الصحة النفسية. في المقابل، تنامت أصوات على مدار عام 2024 مطالبة بالاحتكام للمنطق في توجيه الاتهامات الخاصة بالاضطرابات النفسية.

الغالبية تتفق على أن الهواتف الذكية التي تبقي مليارات البشر في حال "اتصال دائم" بالأخبار عبر منصات السوشيال ميديا مضرة، لكن ماذا عن عقود من التدهور الاقتصادي وتزايد الفروق وعدم المساواة بين الطبقات والجنسين؟

شهد العام المنصرم مطالبة عقلانية بالتوقف عن الرؤية الضيقة التي تربط بين تدهور الصحة النفسية لسكان الأرض والتكنولوجيا، ودراسة إمكانية إدخال متهمين آخرين قفص الاتهام، مثل السياسات الفاشلة، والنظريات الاقتصادية الظالمة، والتوازنات التي تضع مصالح القوى الكبرى والدول العظمى على رأس الأولويات بديلاً عن الإنسان، لا سيما أن الضحايا الأبرز هم الأطفال والمراهقون.

قبل نهاية العام بأسابيع، جاء في دراسة مشتركة بين منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن واحداً بين كل سبعة أطفال ومراهقين في الفئة العمرية بين عشرة و17 عاماً، وأن ثلث اعتلالات الصحة العقلية تظهر قبل سن الـ 14 سنة، ونصفها يظهر قبل سن الـ 18 سنة. وعلى رغم أن هذا يلقي الضوء على أهمية تقديم خدمات الرعاية الصحية النفسية في سن مبكرة، فإن الوصول لهذه الخدمات، لا سيما لهذه الفئة العمرية، ما زال غير متاح إلى حد كبير.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تسلّط الأمم المتحدة الضوء على ظاهرة صحية نفسية في غزة، وهي أن الخوف والقلق الناجمين عن الحرب المستمرة في القطاع تسببا في تفاقم مشكلات تتعلق بالكلام، وعلى رأسها التأتأة بين الصغار. وتقدر اختصاصية تخاطب تعمل في مخيمات النازحين في غزة أن ستة بين كل عشرة أطفال تقريباً ممن نزحوا إلى المخيمات يعانون مشكلات في التخاطب، وذلك لأسباب نفسية بحتة.

رفاهية الصحة النفسية

وعلى رغم أن الحديث عن بيئة عمل صديقة للصحة النفسية تبدو رفاهية في ظل افتقاد بيئة بقاء على قيد الحياة تضمن حداً أدنى من الصحة النفسية، فإن هذا لا ينفي الاهتمام بالصحة النفسية للعاملين.

في عام 2024، جرى اختيار العمل ليكون جوهر الاحتفاء بالصحة النفسية في يومها العالمي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. بيئة العمل الصحية والآمنة خير وقاية للصحة النفسية، في المقابل، فإن الوصم والتمييز وأخطار التحرش وظروف العمل المتردية تشكل توليفة ضامنة للاضطرابات النفسية شبه المؤكدة.

ولمّا كان 60 في المئة تقريباً من سكان العالم منخرطين أو يمارسون عملاً بشكل ما، بدت الإشارة إلى بيئة العمل الصحية أمراً مهماً. وعلى رغم تأكيد جامعة الدول العربية، في مناسبة اختيار العمل موضوعاً لليوم العالمي للصحة النفسية هذا العام، على أن الصحة النفسية في أماكن العمل العربية حق من حقوق الإنسان، وأنه حان الوقت لإعطاء الصحة النفسية الأولوية في أماكن العمل، وأهمية تضافر الجهود للعمل على جعل النظم الصحية تستجيب بشكل كافٍ لحاجات المصابين بالاضطرابات النفسية وخلق بيئات عمل تشجع على تعزيز الصحة النفسية، فإن الحديث غاب عن الصحة النفسية لـ "الآخرين" في نطاق العمل أيضاً.

الصحة النفسية للعمالة غير المنتظمة في الدول العربية وللعاطلين من العمل لا تدرج في الحسبان. تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن 63 في المئة تقريباً من عمالة الرجال و58 في المئة من عمالة النساء في الدول النامية غير نظامية أو غير رسمية، أي أنها منزوعة الحقوق لكن كاملة الواجبات.

على سبيل المثال، الصحة النفسية للعمالة غير النظامية مثل عمال البناء والباعة الجائلين والعمالة المنزلية وغيرهم، التي تشكل 62.5 في المئة في مصر، و77.3 في المئة في المغرب، و43.9 في المئة في تونس من مجموع العمالة غير مدرجة في المنظومات الصحية أو التصريحات الرسمية.

كذلك الحال بالنسبة إلى المتعطلين من العمل ونسبتهم تقدر بين عشرة و12 في المئة عربياً. المتعطلون من العمل، أو أولئك الذين يجري تسريحهم بسبب الأوضاع الاقتصادية أو موجات الترشيد أو سياسات التقشف، إذ يتعرضون وأفراد أسرهم لتأثيرات نفسية وعصبية بالغة من قلق واكتئاب وغضب ويأس.

 

في بداية عام 2024، جرى تسليط الضوء على حفنة من التوجهات المتوقعة في عالم الصحة النفسية. دور الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمات الصحة النفسية، تزايد استخدام المواد المخدرة الطبيعية في العلاجات النفسية بشكل رسمي، توسع مفهوم الرعاية المستنيرة للصدمات النفسية، وبدلاً من سؤال الطبيب أو المعالج النفسي للمريض: ماذا ألمّ بك؟ يسأله عما حدث وأدى إلى الصدمة، وذلك للدلالة على أن الصدمات تبقى آثارها مع الأفراد لعقود وليس أشهر أو سنوات قليلة، وتوقع استخدام تحاليل الدم لتقفي أثر الاعتلالات النفسية والعصبية مثل الاكتئاب، وتصاعد المطالبات بترشيد استخدام السوشيال ميديا مع الإقرار بصعوبة، وربما استحالة الفصل بين الشخص وهاتفه الذكي.

يرحل عام 2024 رافضاً لملمة كل متعلقاته. يخلف وراءه ما استهل به فترته من حروب وصراعات ومصادر رئيسية للقلق والصدمات والاكتئاب، ويخلف قدراً غير قليل من إرث يحمله عام 2025.

جردة "إبسوس" (المتخصصة في بحوث المجتمعات والأسواق) النفسية لعام 2024 تشير إلى أن معظم سكان الأرض يشعرون بالتوتر. ثلاثة بين كل خمسة أشخاص يقولون إنهم شعروا بتوتر للدرجة التي أثرت في حياتهم اليومية لمرة واحدة في الأقل خلال 2024. تتراوح معدلات التوتر بين الدول وبعضها، لكنها تظل السمة الأممية، وتتفوق النساء قليلاً (66 في المئة) على الرجال (58 في المئة) في معدلات التوتر.

أما جيل زد، المولود بين عامي 1997 و2012 تقريباً، فكان الأكثر عرضة للمعاناة النفسية والعصبية على مدار العام، لا سيما الإناث. أبناء هذا الجيل أيضاً كانوا الأكثر تغيباً عن العمل بسبب التوتر، مع العلم، بحسب إبسوس، إنه من غير المرجح أن تتحدث الأجيال الأكبر سناً عن شعورها بالتوتر بانفتاح كما تفعل الأجيال الأصغر سناً.

وتحذر مؤسسة "سابيان لابز" (مقرها واشنطن) المتخصصة في دراسة العقل البشري في تقريرها السنوي عن "حالة العالم النفسية" من أن العالم في أزمة نفسية حقيقية. وتؤكد بناء على دراسات ورصد للحالة النفسية لعدد من المجتمعات حول العالم على مدار العام، أن صحة البشر العقلية ورفاههم النفسي يتضاءلان مع تواتر الأجيال، أي أن الصحة النفسية للأجيال الأصغر في تدهور مستمر، وهي ظاهرة بدأت قبل نحو عقدين، وأكثر تجلياً في الدول المتقدمة.

كما تحذر من علاقة تبدو غريبة، لكن مؤكدة بين الصحة النفسية والمأكولات المصنعة. فعلى رغم تركز التحذيرات الصحية من الآثار السلبية لتناول هذه المأكولات، مثل الإصابة بالسمنة والسكري وأمراض القلب وغيرها، فإن العلاقة بين هذه المأكولات والاكتئاب باتت في حكم المؤكد.

في قائمة أسعد دول العالم لعام 2024 التي تعدها "وولد بوبيولاشون رفيو" المتخصص في الإحصاءات والدراسات الدولية، تبوأت فنلندا مركز الصدارة في قائمة الدول الأكثر سعادة، تلتها كل من الدنمارك وأيسلندا والسويد وإسرائيل وهولندا والنرويج بالترتيب. أما الأقل سعادة، فقد جاءت أفغانستان في المرتبة الأولى، تلتها لبنان ثم ليسوتو وسيراليون وجمهورية الكونغو الديموقراطية.معايير قياس السعادة أو التعاسة تعتمد على الناتج المحلي الإجمالي للفرد، والدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر، والصحة، والحرية في اتخاذ القرارات الشخصية، والكرم، والتصورات الشخصية عن مستويات الفساد المحلي والخارجي. أما معايير الرضا بالقليل، والسعادة بما قسِم، والإيمان بأن السعادة وراحة البال إما في الدنيا أو في الآخرة، فلم تؤخذ في الحسبان في حسابات السعادة والتعاسة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات