ملخص
ليست عملية صعبة مهمة البحث عن تاريخ بنيامين نتنياهو أو "بيبي" أو "بن نيتاي"، وسنعرف قصة هذه التسمية لاحقاً، عبر أثير الإنترنت أو في الكتب أو حتى مراكز الدراسات، فحتى المعلومات عن والديه متوفرة في أكثر من مكان، وهو الذي حمل من خصال والده "النفسية" كثيراً، بحسب مجموعة دراسات لخبراء في علم النفس.
ونتنياهو الساعي إلى إظهار نفسه على أنه "بطل" خارق على رغم الخرق الاستخباري الكبير والفشل الأمني الذي أكده هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يخفي في زاوية أخرى من الحكاية المنافع الشخصية من كل ما حصل ويحصل في المنطقة، فهو الذي يحكم لأنه "فاسد" يمتلك الحجة الأكبر للهرب من هذه المحاكمة أو أقله تأجيلها، كما أن مستقبله السياسي الذي كان مقبلاً على النهاية، انتعش اليوم وعاد للحياة.
إن ندهت لرجل في الشارع اللبناني أو العربي باسم "بيبي" سترتسم على وجهه بسمة سخرية أو ربما غاضبة، فهذه تسمية "ناعمة" أكثر من اللازم ولا تليق بهيئة الرجولة. لكن بين بيروت وتل أبيب اختلافاً كبيراً، فهناك التسمية ترمز إلى رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو، الرجل الذي أشعل في نحو سنة نار ثلاث جبهات في الشرق الأوسط، مطلوب "رأسه" خارجياً من المحكمة الجنائية الدولية لأنه مجرم حرب، وداخلياً لأنه "فاسد".
ليست عملية صعبة مهمة البحث عن تاريخ "بيبي" أو "بن نيتاي"، وسنعرف قصة هذه التسمية لاحقاً، عبر أثير الإنترنت أو في الكتب أو حتى مراكز الدراسات، فحتى المعلومات عن والديه متوفرة في أكثر من مكان، وهو الذي حمل من خصال والده "النفسية" كثيراً، بحسب مجموعة دراسات لخبراء في علم النفس.
قصة عائلة بين تسميتين
تذكر غالبية التقارير التي تناولت سيرة عائلة نتنياهو أن والديه هما يهوديان ولدا في قارتين مختلفتين، والدته تدعى تسيلا سيغال ولدت عام 1912 داخل متصرفية القدس التابعة للإمبراطورية العثمانية حينها، أما والده فاسمه بنتسيون نتنياهو ولد في وارسو عام 1910، وكان مؤرخاً متخصصاً في تاريخ اليهود "الأشكناز"، أي الذين سكنوا بجانب نهر الراين في ألمانيا وشمال فرنسا في العصور الوسطى.
وهنا تذكر التقارير الإسرائيلية أن والد نتنياهو، وبسبب آرائه المتشددة، واجه رفضاً من "الأشكناز"، فغير ولاءه من حزب العمل إلى حزب الليكود اليميني، وبعدما هاجر إلى إسرائيل قرر الانتقال إلى الولايات المتحدة، وكان عمر بنيامين نتنياهو يومها تسعة أعوام، فيما السبب الذي دفعه إلى ذلك فهو فشله في إيجاد مكان له في الحياة الأكاديمية في إسرائيل.
كما أن جد نتنياهو لأبيه فيدعى ناثان ميليكوفسكيو، كان حاخاماً وكاتباً صهيونياً.
بين ناثان ميليكوفسكي وابنه بنتسيون نتنياهو اختلفت تسمية العائلة تماماً، أما السبب فيعود كما تكشف مواقع إسرائيلية إلى أن والد نتنياهو عندما هاجر إلى إسرائيل حول لقبه من "ميليكوفسكي" إلى "نتنياهو"، أي "الله أعطى".
بين أميركا وإسرائيل
كان عمر "دولة" إسرائيل نحو سنة وخمسة أشهر وكذلك نكبة فلسطين، التي جاهر في أكثر من مقابلة بأنه لن تكون هناك دولة لها، حين ولد نتنياهو في الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1949 في تل أبيب، وهو بذلك أصبح أول رئيس وزراء لإسرائيل يولد فيها بعد قيامها. تقارب زمن تجذر وترسخ في وعيه وعمق تشدده تجاهها، كما أنه ينتمي إلى جيل "الصابرا"، أي الجيل الأول الذي ولد في إسرائيل عقب تأسيسها.
في جولة على أسلافه في سدة الحكم، نجد أن شمعون بيريز ولد في بولندا، وإسحق رابين ولد في القدس قبل نشوء دولة إسرائيل، وإسحاق شامير ولد في جزء من الإمبراطورية الروسية سابقاً قبل أن يصبح هذا الجزء ضمن بولندا.
مرحلة طفولته ومراهقته وثم دراسته الجامعية كانت منقسمة ومتقلبة بين أميركا وإسرائيل، مما ترك في شخصيته أثراً كبيراً ودفع كثيرين من حوله لأن يطلقوا عليه لقب "اليهودي الأميركي".
درس الابتدائية في القدس في مدرسة هنريتا سولد، قبل أن يسافر إلى أميركا حيث تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة شلتنهام بولاية فيلادلفيا. حينها آثر شقيقه الأكبر يوناتان الملقب بـ"يوني" البقاء في إسرائيل حيث التحق في صفوف الجيش الإسرائيلي، فيما كان يعرف عنه رفضه "الطاعة" الكبرى لوالده، ولذلك لم يلتحق بالعائلة في أميركا.
ولنتنياهو شقيق أصغر يدعى عيدو.
قرر "بيبي" أن يعود لإسرائيل عام 1967 لينضم إلى الجيش تأثراً بشقيقه الأكبر، الذي تكشف التقارير عن مدى تأثره وتعلقه به، فكان الأب وصديقه والأقرب إليه.
التحق بفرقة وحدة استطلاع يطلق عليها اسم "سايريت ماتكال"، وكانت تتركز مهماتها على الاستخبارات الميدانية وتخليص الأسرى، وكان يشار إلى أعضائها برقم الفرقة 269.
قصة شقيقه يوناتان
بالعودة لقصة شقيقه "يوني".
في نهاية يونيو (حزيران) من عام 1976، وحين كان نتنياهو عاد لأميركا بحثاً عن تخصصات عملية بعيدة من حياة العسكر، كان شقيقه الأكبر يخوض عملية إنقاذ يهود اختطفهم عناصر من منظمة التحرير الفلسطينية على متن طائرة أثناء رحلتها ما بين تل أبيب وباريس، واتجهت الطائرة نحو أوغندا في أفريقيا حيث استقرت بمطار عنتيبي.
بعدها انطلقت قوات إسرائيلية خاصة في عملية إنقاذهم، وخلال العملية التي استمرت لنحو 90 دقيقة، حررت الفرق الإسرائيلية جميع الرهائن، ولكن سقط قتيل إسرائيلي واحد، فكان هو "يوني".
لهذه الحادثة أثر مفصلي في حياة بنيامين انطلاقاً من العلاقة بين الشقيقين، إن كان في قراراته حينها أو حين استلم دفة الحكم في بلاده، وكذلك تركت أثرها و"عقدها" في تشكيل نسخة جديدة منه، وهو الذي أسس في مرحلة لاحقة مركزاً نشطاً في الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب باسم "يوناتان نتنياهو".
دخول السياسة من بوابة الأمم المتحدة
آثر حينها الرجل الثلاثيني العودة لإسرائيل ثم الترحال مرة جديدة إلى أميركا، وهناك عمل بعد تخرجه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بدرجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية ودرجة الماجيستير في إدارة الأعمال، كمستشار اقتصادي لمجموعة بوسطن الاستشارية، فيما تذكر تقارير أخرى أنه في تلك المرحلة عمل أيضاً في مجال التسويق، وكان بارعاً في تسويق المنتجات وكذلك الأفكار، وبعدها بعقود بات خبيراً في تسويق الحروب.
خلال وجوده في بلاد العم سام المتقدمة والمنفتحة، التي كانت تختلف جذرياً عن الدولة اليهودية في الشرق الأوسط، كان صعباً على ابن بنتسيون الأوسط أن يسوق نفسه باسم "بنيامين"، فقرر تغيير اسمه إلى "بن نيتاي"، وبعد سنوات، أوضح نتنياهو في مقابلة مع وسائل الإعلام أنه قرر اعتماد هذه التسمية ليسهل على الأميركيين نطق اسمه.
تسهيل تسمية تحول لاحقاً إلى اتهام رفع بوجهه من خصوم الداخل، بأنه تنكر لهويته الإسرائيلية اليهودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مرت السنوات حتى عام 1982 حين تولى بيبي إدارة التسويق في شركة ريم للصناعات في القدس، وفي تلك الفترة يقال إنه أجرى لبنة اتصالاته في عالم القيادات الديبلوماسية والسياسية التي ضمت الوزيرالإسرائيلي موشيه آرنز. سوق نفسه جيداً في العالم الجديد، فعينه لاحقاً آرنز نائباً لرئيس البعثة في السفارة الإسرائيلية في واشنطن. هناك لعب دوراً حيوياً في عرض قضية إسرائيل على وسائل الإعلام، بخاصة أنه كان يتقن اللغة الإنجليزية، ومتحدث جيد يعلم كيف يسوق لمنتوجه حتى وإن كان هذا المنتوج "كلاماً".
بعد سنتين تبوأ منصب سفير إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة، واستمر في هذا المنصب بين عامي 1984 و1988.
ثم تحول نتنياهو نحو السياسة المباشرة في الداخل الإسرائيلي مع توليه منصب نائب وزير الخارجية للوزير موشيه أرينز، ثم ديفيد ليفي، وبعدها نائب وزير في ديوان رئيس الوزراء، وعضو في الكنيست لولايات متلاحقة بين الثمانينيات والتسعينيات.
عالم رئاسة الوزراء
بعد سنوات من دخوله عالم السياسة الإسرائيلية انتخب بيبي رئيساً لحزب الليكود عام 1993 وأصبح حينها زعيماً للمعارضة، متغلباً على بيني بيغن، نجل رئيس الوزراء الراحل مناحيم بيغن وعلى ديفيد ليفي.
أتت انتخابات عام 1996 ففاز بها نتنياهو بعمر الـ46، وبات أصغر رئيس وزراء على الإطلاق متفوقاً على رئيس الوزراء حينها شيمون بيريز.
امتدت ولايته هذه بين عامي 1996 و1999، واجه خلالها سلسلة عمليات نفذتها حركة "حماس" مما أضعف حكومته وتسبب في أزمة داخل إسرائيل. كانت "النكسة" السياسية الكبرى التي تعرض لها عام 1999 حين هزم بصورة كبيرة في الانتخابات العامة على يد تحالف إسرائيل الواحدة بقيادة إيهود باراك، فقرر اعتزال السياسة بالكامل وعاد مرة جديدة لعالم الأعمال والتسويق، المهنة الأحب على قلبه والأقرب لشخصه.
وعلى رغم ابتعاده إلا أن السياسة دغدغت مشاعره مرة جديدة فعدل عن قراره وعاد في بداية الألفية الجديدة عبر منصبي وزير الخارجية ووزير المالية في عهد أرييل شارون، سجلت له حينها إصلاحات اقتصادية أسهمت في رفع اقتصاد إسرائيل، لكن بيبي عاد واستقال بسبب الخلافات في شأن خطة فك الارتباط مع قطاع غزة عام 2005، التي تم على إثرها إخراج مئات المستوطنين من القطاع.
بعد تنحي شارون عام 2005 عاد نتنياهو لقيادة الليكود، وكان زعيم المعارضة بين عامي 2006 و2009، ثم شكل بعد انتخابات عام 2009 حكومة ائتلافية مع أحزاب يمينية أخرى وأدى اليمين كرئيس للوزراء للمرة الثانية.
في يونيو 2021 وبعد أن شكل نفتالي بينيت حكومة مع يائير لابيد، أقيل نتنياهو من رئاسة الوزراء وعاد لصفوف المعارضة للمرة الثالثة، ثم عاد كرئيس للوزراء للمرة السادسة بعد تشكيل ائتلاف مع أحزاب اليمين بعد انتخابات 2022، وعاد لرئاسة الحكومة من حينها.
عبر سنوات حكمه المتقطعة، التي تفوق الـ17 عاماً، يعد نتنياهو أكثر رئيس وزراء بقي في المنصب، متجاوزاً الأب المؤسس للبلاد دافيد بن غوريون.
القضايا الملاحق بها داخلياً
لم تكن سنوات حكم نتنياهو "سلسلة" كما أراد، ولا بيضاء كما حاول أن يظهر، فقضايا الفساد لاحقته ولا تزال في أكثر من ملف، وهنا يسجل له رقم قياسي جديد، فهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يمثل أمام المحكمة كمدعى عليه وهو لا يزال في منصبه.
بعد تحقيق بدأ عام 2016 واستمر ثلاث سنوات، وجه الاتهام رسمياً له بتهم خيانة الأمانة والرشوة والاحتيال وإنفاق الأموال العامة في القضايا المعروفة باسم 1000 و2000 و4000.
وزوجته سارة نتنياهو، "المغضوب" عليها وغير المحبوبة شعبياً، تواجه أيضاً اتهامات بسرقة 100 ألف دولار من الأموال العامة.
وفي تفاصيل التهم التي أنكرها الزوجان، القضية التي تحمل الرقم 1000، وفيها وجهت اتهامات إلى بنيامين وسارة وابنهما يائير بتلقي هدايا من أرنون ميلكان، رجل الأعمال الإسرائيلي، تشمل مجوهرات وزجاجات من النبيذ تقدر بـ125 ألف دولار. في المقابل تقول الدعوى إن ميلكان تلقى تسهيلات في الاستثمار في إحدى الشركات الإعلامية الإسرائيلية، وتسخير مرافق الجيش للاستخدام الشخصي.
بالأرقام يكشف تقرير أعده مراقب الدولة يوسف شابيرا عن تضمن سجلات الإنفاق الجنوني من رئيس الوزراء وزوجته في مقر إقامتهما الرسمي، إنفاق 18 ألف دولار على طلبات الوجبات الجاهزة خلال عام واحد، كما يشمل التقرير ادعاءات بعض موظفي الحكومة الذين طلب منهم دفع مبالغ من جيوبهم لتغطية عدد من النفقات الشخصية لرئيس الوزراء، ولم تسدد بعدها.
وبيبي يعرف جيداً خطورة الملاحقات القضائية في حقه وأنه قد يسجن بسببها، وبالتالي هي مسألة مصيرية بالنسبة إليه فإذا بات خارج سدة رئاسة الحكومة فإن ملاحقته ستكون أسهل، وعلى العكس بقاؤه في الحكم سيعني حكماً المماطلة في المحاكمة.
القضايا الملاحق بها خارجياً
نتنياهو "الفاسد" بنظر جزء كبير من الشعب الإسرائيلي، ملاحق في الخارج كما في الداخل، والأسباب هنا مختلفة تماماً حيث يتهم بأنه "مجرم حرب".
في التفاصيل ومع اشتداد القصف الإسرائيلي على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، رفعت دولة جنوب أفريقيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. والقنبلة وقعت على رأس نتنياهو عندما أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان عن نيته التقدم بطلب للحصول على مذكرة اعتقال في حقه وفي حق أعضاء آخرين في حكومته وقادة من "حماس"، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وقال خان إن نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت يتحملان المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة، وأضاف أن الأدلة خلصت إلى أن مسؤولين إسرائيليين حرموا بصورة ممنهجة فلسطينيين من أساسيات الحياة.
والقنبلة نفسها انفجرت عندما أصدرت المحكمة نفسها في الـ21 من نوفمبر (تشرين الثاني) مذكرتي توقيف ضد نتنياهو وغالانت، مما يعني أنهما سيكونان معرضين للاعتقال إذا غادرا إسرائيل للسفر إلى أو عبر أي من الدول الـ124 التي وقعت سابقاً على نظام روما. وفي هذا السياق كانت خرجت دول كبرى، ومنها بريطانيا وكندا، لتؤكد أنها ستنفذ تعهدها وفق النظام، أي ستعتقل نتنياهو إن داس أرضها.
إلا أن دولاً أخرى لا تعترف بسلطة المحكمة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، مما قد يصعب تنفيذ مذكرات الاعتقال.
هنا انفرد بيبي مرة جديدة بأنه أضاف نقطة قياسية جديدة إلى سجله، إذ أصبح أول رئيس حكومة إسرائيلي تلاحقه الجنائية الدولية.
حياته الشخصية وخياناته المتكررة
يعلق كثيرون على حياة بيبي العاطفية، ويقولون إن شائبة كبرى تشوبها، وهي أنه "خائن".
قصة زواجه الأولى بدأت عام 1972 حين تزوج من صديقته ميريام وايزمان التي تعرف عليها في إسرائيل، لكن سافرا لاحقاً إلى أميركا حيث تزوجا، وبعد ست سنوات قبل ولادة طفلته انفصلت عنه بسبب اكتشافها خيانته لها، مع بريطانية غير يهودية تدعى فلور كيتس.
انتهى زواجه الأول وبدأت حكاية زواجه الثاني مع كيتس نفسها، التي تحولت من المسيحية إلى اليهودية، لكنهما انفصلا بعد ثلاث سنوات.
أما زوجته الثالثة سارة بن أرتسي، فتعرف عليها عندما كانت تعمل مضيفة طيران وتزوجا عام 1991، وله منها ولدان، هما يائير وأفنير. وفي حكاية زواجه الثالث خيانة أيضاً، لكنها خرجت إلى العلن في الإعلام عام 1993 بصورة فاضحة.
حينها تكشف وسائل إعلامية عن أن سارة تلقت اتصالاً هاتفياً علمت فيه عن شريط فيديو فيه تأكيد علاقته العاطفية مع مستشارته للعلاقات العامة التي تدعى روث بار، وليس هذا فقط بل في المكالمة تهديد بأنه إن لم ينسحب نتنياهو من سباق زعامة الليكود سيوزع الشريط للصحافة. فما كان من بيبي، العاشق للسلطة والنساء معاً، إلا أن خرج عبر التلفزيون الإسرائيلي ليعترف أنه بالفعل خان زوجته واعتذر منها، فكاد رد زوجته بأن "روث بار امرأة فاسدة وأن نتنياهو كان ضحية لها".
وافقت سارة على البقاء بجانب بيبي، في المنزل كما في السياسة، لكن بقبضة حديدية مع شروط مشددة تتضمن اتفاقاً ينص على أنه لا يمكنه الاتصال أو لقاء نساء أخريات من دون علمها، وأن لها حق مرافقته في أية رحلة عمل، فباتت لاعباً أساسياً في السياسة الإسرائيلية.
ماذا تكشف الدراسات النفسية عنه؟
كثيرة هي الدراسات التي حاولت فك لغز شخصية نتنياهو لأسباب عدة، ومن بينها دراسة أجراها أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب شاؤول قمخي، اعتمدت على تحليل السلوك الذي أبلغ عنه نتنياهو علناً مثل الكتب التي كتبها والأخبار والمقابلات والتصريحات وغيرها.
يعتبر معد هذه الورقة البحثية أن بيبي سجل درجة مرتفعة في نقطة الالتفاف حول الذات، إذ يعد النجاح الشخصي أكثر أهمية بالنسبة إليه من الأيديولوجيا التي يقول إنه يسعى إلى تحقيقها، وبالتالي فإنه يرى من لا يتفقون معه على أنهم لا يفهمون السياقات التاريخية أو السياسية فهماً صحيحاً، كما تتوقف الدراسة عند سعيه المستمر إلى الوصول إلى القمة مهما كان الثمن، وهو ما قد يفسر استمراره لأطول فترة في منصبه. وفي الدراسة نفسها أيضاً خلاصة بأنه شخص لا يرى في التلاعب أية سمة غير أخلاقية، بل يرى لعبة السياسة محكومة بـ"قوانين الغابة"، إذ يبقى الأقوياء ويسقط الضعفاء. وهنا يربط كثيرون هذه النقطة في شخصيته بشخصية والده بنسيون، الذي كثيراً ما اعتبر نفسه "ضحية" وغير مرغوب فيه داخل المجتمع الخاص به، مما عزز لدى ابنه النزعة نحو الوصول إلى هدفه بأي ثمن كان.
في الوقت عينه تتوقف دراسات أخرى عند مهارات نتنياهو الإعلامية والخطابية والتسويقية، وهو الذي عرف كيف يسوق في السابق بضائع تجارية بحرفية تامة، ثم كان خبيراً في تسويق بلاده ومشاريعها داخل أروقة مجلس الأمن عندما كان سفيراً، وبات اليوم يسوق للحروب ولسياساته بسهولة تامة داخل إسرائيل.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وهو مؤسسة دراسات واستشارات مستقلة، تأسس في بيروت عام 2004، أصدر بدوره ورقة علمية تضمنت دراسة شخصية نتنياهو استناداً لعدد من الدراسات النفسية الإسرائيلية والغربية.
وتتوقف هذه الدراسة عند عناصر شكلت سلوكه العام والخاص، لعل أبرزها والده الذي كان يردد على مسامع أولاده بأن الجميع كان يكرههم (اليهود)، وهو كان جاهر علانية بأن "لا حل سوى القوة والحكم العسكري القوي"، بحسب الدراسة.
ثانياً قصة وفاة شقيقه الأكبر يوناتان، وترك الحدث الأثر الأكثر وقعاً على بنيامين الذي كان حينها يدرس في الولايات المتحدة، وهو استثمر مقتل أخيه عبر الاستغلال السياسي للحدث لتحقيق أهداف ذاتية في مجال الارتقاء في السلم السياسي، وتعميق الشعور بكراهية العرب، وتأكيد فكرة المنظور الدارويني لديه، أي أن البقاء للأقوى.
علاقته بقيادات الحليف الأكبر: أميركا
جمعت نتنياهو علاقات كانت أشبه بالمد والجزر برؤساء أميركا، انطلاقاً من العلاقة التاريخية بين الدولتين، مستثمراً علاقات جده وأبيه وكذلك قدراته التسويقية، لتسويق نفسه في الكواليس الأميركية ومع الطبقة السياسية.
وللمفارقة أنه وخلال وجوده في الولايات المتحدة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كان على صلة وثيقة بوالد الرئيس دونالد ترمب، أي فريد ترمب.
امتدت هذه الصلة في ولاية ترمب بين عامي 2016 و2020، وخلالها نقلت السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس عام 2017، واعترفت الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان عام 2019، فكانت المكاسب كثيرة بالنسبة إلى نتنياهو.
لكن العلاقة بين الرجلين اهتزت عام 2020 بعد تهنئة نتنياهو لجو بايدن الفائز بالانتخابات الرئاسية حينها، واتهمه ترمب بعدم الولاء.
أما العلاقة مع أوباما سلف ترمب فكانت متوترة باعتراف الجميع، بخاصة لما حملته ولايته من توقيع اتفاق نووي بين الدول الكبرى وإيران عام 2015، وانتقاد أميركي وأوروبي لسياسة نتنياهو القائمة على توسيع المستوطنات.
كذلك كانت علاقته متوترة مع بايدن، بخاصة بعد هجوم السابع من أكتوبر، إذا على رغم دعم إدارة بايدن في المواقف وفي إمدادات السلاح، لكنها انتقدت بصورة متكررة نهج نتنياهو في التعامل مع الصراع في غزة، وأرجعت الخسائر الكبيرة في صفوف الفلسطينيين إلى تكتيكاته.
بعيداً من بلاد العم سام، نجد أن علاقة جيدة وصداقة شخصية تجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي كتابه الصادر عام 2022 وصف نتنياهو بوتين بأنه "ذكي ومتطور، ويركز على هدف واحد وهو إعادة روسيا لعظمتها التاريخية".
هجوم السابع من أكتوبر
السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، لم يكن مجرد اليوم الذي تعرضت فيه إسرائيل لهجوم غير مسبوق من حركة "حماس" ترك مئات القتلى والجرحى الإسرائيليين، واشتعلت من بعده الحرب في غزة ثم في لبنان، وبعدها بسنة ونيف سقط نظام الأسد في سوريا.
في هذا اليوم، وما تلاه، وجد نتنياهو نفسه وقد تبوأ صدارة المشهد في لحظة من أخطر اللحظات في تاريخ إسرائيل. فلم يجد الإسرائيليون أنفسهم في مأزق خطر كهذا، منذ حرب يوم الغفران عام 1973.
تطورات مهولة من دون شك تلت هذا اليوم في الشرق الأوسط، لكن بيبي الذي اتهم بأنه مسؤول عن أكبر خرق استخباري شهدته إسرائيل ويواجه معركة إعادة الأسرى المختطفين لدى "حماس" وسط غضب شعبي ومظاهرات معارضة له، بدا وكأنه جالس في منصبه "مطمئن".
فهو اليوم بنظر كثيرين يخوض معركة "مصيرية" لإسرائيل بوجه هجوم دموي أثبت فعلاً "وحشية" الحركة، كما يكررون، وهو الساعي من خلال حربه إلى تخليص إسرائيل والمنطقة من مقاتليها، ولعلها مفارقة تثبت هذا الكلام أن استطلاعات الرأي كانت خلال الفترة الماضية متقلبة، تراجع حيناً التأييد له وتقدم في حين آخر، على رغم كل ما شهدته غزة من قصف لم يرحم الصغار والكبار وعدم تحرير الأسرى لدى "حماس"، ناهيك بالحصار الذي جعل هذه البقعة الصغيرة من العالم كسجن والسجناء فيه مقبلون على مجاعة حقيقية.
ونتنياهو الساعي إلى إظهار نفسه على أنه "بطل" خارق على رغم الخرق الاستخباري الكبير والفشل الأمني الذي أكده هجوم "حماس"، يخفي في زاوية أخرى من الحكاية المنافع الشخصية من كل ما حصل ويحصل في المنطقة، فهو الذي يحكام لأنه "فاسد" يمتلك الحجة الأكبر للهرب من هذه المحاكمة أو أقله تأجيلها، كما أن مستقبله السياسي الذي كان مقبل على النهاية، انتعش اليوم وعاد للحياة.
مواقفه من القضايا الكبرى
عبر سنوات حكمه المتقطعة التي امتدت لـ17 عاماً، لم يخف نتنياهو معارضته اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الذي وصل إلى سدة رئاسة الحكومة عام 1993 في زمن توقيعها بخط يد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات والرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس حكومة إسرائيل إسحق رابين، الذي سيقتل في مرحلة لاحقة على يد يهودي متطرف، وسيتهم نتنياهو بأنه من المحرضين على قتله.
في كتابه "مكان بين الأمم" الذي صدر عام 1993، يعتبر بيبي أن السلام يجب أن يكون وفق "سلام الردع"، ويمكن التوصل إليه فقط عندما يقتنع العرب أنهم غير قادرين على إزالة إسرائيل، بسبب قوتها، من دون تقديم تنازلات للعرب والفلسطينيين.
عندما جلس على كرسي رئاسة الحكومة للمرة الأولى عام 1996، كان سلفاه إسحاق رابين وشمعون بيريز تركا له اتفاق أوسلو الذي يقتضي إنشاء حكم مستقل للفلسطينيين، لكن في عقل بيبي كان الرفض راسخاً لإقامة دولة فلسطينية، وحينها اتهمه خصومه بانه أدار حملة تحريض قوية على إسحاق رابين واتهمه بخيانة مصالح إسرائيل الأمنية عبر اتفاق عام 1993. وبعدها بسنوات قليلة قام شاب يميني متطرف يدعى إيجال عامير بإطلاق النار عليه خلال مهرجان مؤيد للسلام في تل أبيب عام 1995، فأرداه قتيلاً.
ولاحقاً احتج على أي اتفاق مع الفلسطينيين، وتبنى سياسة الاستيطان بصورة واسعة، وصادق على بناء وحدات سكنية للمستوطنين في القدس والضفة الغربية، كما تزايدت خلال سنوات حكمه الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى وتهجير الفلسطينيين من القدس ومناطق أخرى.
وهذا الرجل الذي أيد في يوم من الأيام حل الدولتين، لم يكن بإمكانه أن يخفي حقيقة موقفه طويلاً، فقال في تصريحات إعلامية إن "إسرائيل لا تريد أن يكون العرب مواطنين أو رعايا فيها"، و"لن تنشأ دولة فلسطينية على عكس ما يتحدث الناس".
من أبرز الحروب التي شنت خلال وجوده في رئاسة الحكومة وتحديداً باتجاه غزة حرب "عمود السحاب" عام 2012، وحرب "الجرف الصامد" عام 2014، ومعركة "حارس الأسوار" عام 2021، وحرب "الفجر الصادق" عام 2022، وأخيراً حرب "السيوف الحديدية".
في الداخل الإسرائيلي يحسب عليه المحللون أنه وخلال سنوات حكمه الأخيرة أسهم بإبراز التناقضات الداخلية، وهنا الحديث عن التناقض بين تياري المتدينيين والعلمانيين، بخاصة بسبب تعزيز التحالف بين اليمين القومي والديني، وصعود دور المستوطنين الأيديولوجيين في السياسة الإسرائيلية، ومحاولة تعزيز طابع إسرائيل كدولة يهودية على حساب طابعها كدولة علمانية.
بين نتنياهو وأسلافه
يصف الكاتب الإسرائيلي أنشيل فيفر بنيامين نتنياهو في مارس (آذار) عام 2024 بأنه أسوأ رئيس وزراء مر على إسرائيل في تاريخها، وقال "يدرك معظم الإسرائيليين أنه الأسوأ بين 14 رئيس وزراء عرفتهم إسرائيل خلال 76 عاماً، ولكن في المستقبل ربما يتذكره اليهود باعتباره الزعيم الذي ألحق أكبر قدر من الضرر بالشعب اليهودي خلال القرون الـ21 الماضية".
وفيفر، الذي يكتب في صحيفة "هآرتس"، كان نشر كتاباً عن نتنياهو عام 2018 اعتبر خلاله أن هوس نتنياهو بمصيره كحام لإسرائيل كان سبباً في إلحاق أضرار جسيمة بها.
وفي ما يتعلق بمن حكم إسرائيل في السابق، يعتبر الكاتب أن غالبية التقييمات تضع ديفيد بن غوريون في الأعلى في إشارة إلى الأفضل، في المقابل يرى أنه حتى وإن كان غالب الإسرائيليين ينظرون إلى غولدا مائير بأنها الأسوأ، لكن نتنياهو يتفوق على الجميع بأضعاف مضاعفة، قائلاً إنه جلب المتطرفين اليمينيين إلى التيار الرئيس للحكومة وجعل نفسه والبلاد مدينة لهم.