ملخص
-ممارسة التعذيب محرّمة أخلاقياً ومجرّمة حقوقياً لذلك تجري في أماكن سرية للغاية وفي معتقلات وسجون معزولة تماماً عن العالم الخارجي
-في الثمانينيات حدث أول إقحام للتكنولوجيا الحديثة في التعذيب من خلال التعذيب بالكهرباء
حتى القرون الوسطى ظلّت وسائل وأدوات التعذيب ضمن حالتها البدائية والتقليدية. لكن فترة ذروة عصر العلم والمعرفة والتطوّر التكنولوجي مطلع القرن الـ20، شهدت نقلة لافتة في استخدام وتجارة أدوات التعذيب النوعية. إذ تدخلت بعض التقنيات الحديثة ووسائل النقل والاتصال لتسهم ولو بشكل غير مباشر، في استحداث بعض أدوات التعذيب التي تميزت بنوعيتها وتكتيكاتها غير التقليدية.
ووفق مراجع عدة منها موقع منظمة العفو الدولية وبعض وسائل الإعلام العربية والعالمية، فإن من أهم وسائل التعذيب في وقتنا هذا وسائل التعذيب المعنوي والنفسي، وما عرف بالتعذيب بالإنابة، إضافة إلى قيام بعض شركات البرمجة العالمية بيع أنظمة قمعية ومنظمات إجرامية أجهزة تجسس وتنصت حديثة للغاية، أفضت بدورها إلى وقوع جرائم تعذيب.
الهروب من الجريمة
حاول الإنسان على مر التاريخ الهرب من جريمة التعذيب والفرار من العقاب المترتب على هذا السلوك. ونظراً لكون ممارسة التعذيب محرمة أخلاقياً ومجرّمة حقوقياً فإن ممارسة التعذيب تجري في أماكن سرية للغاية وفي معتقلات وسجون معزولة تماماً عن العالم الخارجي. لذلك تتجنب الأنظمة الديكتاتورية والمنظمات الإجرامية في العالم الحديث عن إقحام التكنولوجيا في أدوات التعذيب.
أدوات قديمة
وفق تقارير على موقع الموسوعة العلمية الأوروبية وبيانات صحافية لمنظمات حقوق الإنسان، فإن أدوات التعذيب التي اعتمدها الإنسان منذ القدم وحتى يومنا هذا كانت محصورة في فئتين محددتين وهما: أدوات تعذيب مادية تقليدية يمكنها أن تكون قادرة بحد ذاتها على إنزال ألم مبرح بالإنسان، وأشهر هذه الأدوات هي الأغلال والهراوات والنار والأدوات الحادة مثل المسامير والمناشير وغيرها. في المقابل شهد العالم على مر العصور ظهور موجات جديدة من أدوات وسلوكيات التعذيب غير التقليدية، أشهرها التعذيب النفسي والمعنوي الذي يمتاز بكونه يواكب تطورات العصر، ويساء فيه استخدام التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال لتحقيق أغراض سياسية وربحية في هذا المجال الإجرامي العنيف.
أدوات تعذيب معاصرة
تقسم أدوات التعذيب المعاصرة بكل أنواعها إلى قسمين رئيسيين وهما: أدوات تعذيب تقليدية وبدائية مصنفة بأنها مسيئة بذاتها، مثل الهراوات المسننة وأغلال الرقبة وأحزمة الصدمات الكهربائية وغيرها. وشاع استخدام هذه الأدوات في القرن الـ13 الميلادي وحتى العصور الوسطى (1500-1700م). أما القسم الثاني من أدوات التعذيب فهو يمثّل شريحة أوسع بكثير ظهرت منذ القرن الـ19 ميلادياً وشملت أدوات عادية ونافعة يساء استخدامها بشكل متعمد، ومنها الغاز المسيّل للدموع ورذاذ الفلفل.
كانت كل أدوات التعذيب التقليدية التي انتشرت قديماً من الفئة الأولى، ولكن مع دخولنا عصر العلم والمعرفة والتطوّر التقني والذكاء الاصطناعي، طرأ تطوّر محدود على بعض أدوات التعذيب من النوع الثاني والتي انتشرت بفضل العولمة في جميع أرجاء العالم الحديث والمتحضر.
لا يقتصر مصطلح أدوات التعذيب حديثاً على تلك الممارسات التي تستخدم الأدوات البدائية المذكورة فحسب، إذ ظهرت في مطلع القرن الـ20 أدوات تعذيب غير مادية، كما استخدمت بعض الدول المتقدمة تكتيكات معينة لممارسة التعذيب ومن أهمها التعذيب بالإنابة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أسباب أمنية
لأسباب أمنية بحتة، وخوفاً من الملاحقة الجنائية، ما زالت الأنظمة الديكتاتورية والمنظمات الإجرامية حول العالم تستخدم أدوات تعذيب بدائية في سجونها ومعتقلاتها حتى يومنا هذا. وذلك على رغم التطور التقني والعلمي الهائل الذي وصل له الإنسان المعاصر في وقتنا الراهن.
ويمكن القول إن صناعة التكنولوجيا الحديثة التي تمكنّت من الدخول إلى جميع مناحي الحياة الحديثة واكتساحها كافة جوانبها، أحجمت عن الدخول بكل قوتها في عالم صناعة وتطوير أدوات التعذيب المظلم والشنيع. وذلك نظراً لوجود تشريعات دولية وتحالفات عالمية كبيرة وقوية ما زالت تعمل وتكافح بشكل يومي من أجل حظر تجارة أدوات ومعدات التعذيب.
سياق تاريخي
أقدم وسائل التعذيب لدى الإنسان هي المرتبطة بفكرة إخراج الشيطان من الإنسان التي كانت تسود قديماً. وكانت تتمثل في وضع عصبة على العين وإجبار المتهم بأن يمشي على الجمر وفحص قدمي الشخص بعد 3 أيام فإذا كانت هناك آثار للحروق فإن التهمة تكون مؤكدة، أو إجبار الشخص على استخراج حجر مستقر في قاع ماء مغلي وفحص اليد بعد ذلك، فإن كانت محترقة فإن احتراقها كان كفيلاً بإلصاق التهمة أيضاً.
في القرن الـ13 تمثلت إحدى الوسائل المشهورة في التعذيب أثناء هذه الفترة بتعليق المتهم بواسطة حبل مربوط بالسقف في أوضاع غير مريحة كانت تؤدي إلى خلع مفاصل الجسم حتى قبل الشروع في عملية التعذيب. وفي العصور الوسطى (1500-1700م) سادت فكرة التعذيب بواسطة النار، إذ أسهم دور السحر في نشر الأمراض والأوبئه والشرور، لذلك اعتبرت الساحرات مصدر أغلب الشرور وأحرقن أمام الملأ، وكان هناك عديد من الأبرياء الذين لقوا حتفهم بسبب تهمة السحر.
التعذيب بالكهرباء في الثمانينيات
في ثمانينيات القرن الماضي حدث أول إقحام للتكنولوجيا الحديثة في التعذيب من خلال التعذيب بالكهرباء، وبدأ حينها العمل لتطوير بعض الأدوات الصاعقة لاستعمال الشرطة والتي وصلت كذلك لأيدي الأنظمة القمعية وبعض المنظمات الإجرامية. وفي عام 1996 ظهر على السطح مصطلح جديد وخطير ألا وهو وسيلة التعذيب بالإنابة: Torture by proxy أو إرسال متهمين غير محاكمين بحسب القوانين المحلية في دول متحضرة إلى دول أخرى ليست ملتزمة باتفاقية مناهضة التعذيب لغرض الاستجواب، وكانت أهم وسائل التعذيب وقتها الاعتداء الجنسي.
بعد سبتمبر 2001
تقول الموسوعة العلمية الأوروبية "بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والحرب على الإرهاب وغزو العراق عام 2003، ظهرت تقارير متعددة عن استعمال وكالة الاستخبارات الأميركية التعذيب بصورة روتينية، وكان أول التقارير ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" بتاريخ 26 ديسمبر 2002 عن استعمال وسيلة الغمس داخل حوض مائي لحد الاختناق وإزالة كل المؤثرات الحسيّة للمسجون بوضع عصبة على العينين وصم الأذنين تحديداً في سجن أبو غريب ومعتقل غونتانامو.
إضافة إلى ذلك مورس في تلك الحقبة التعذيب من خلال غسل الدماغ، كما أن هناك الكثير من التجارب العلمية المؤلمة التي أجريت في القرن الـ20 على الحيوانات الأليفة.
قد لا يصدق كثيرون أن هناك تجارة علنية لهذه الأدوات البشعة في وقتنا الراهن. لكن أكثر من تقرير وتصريح صحافي لمنظمة العفو الدولية نشرت أخيراً، أشارت بوضوح إلى تضاعف حجم هذه التجارة رغماً من كل التحذيرات الدولية. إذ لم تعد هذه التجارة التي ينتظر العالم الحر موقفاً حاسماً منها بأسرع وقت ممكن، مقتصرة على تصنيع وبيع الهراوات المسننة، وأغلال الرقبة، وأحزمة الصدمات الكهربائية، بل تجاوز الأمر ذلك إلى إدخال أدوات تعذيب إلكترونية حديثة إلى هذه الصناعة والتي تتميز بكونها أكثر ذكاء من حيث عدم ترك آثار واضحة للتعذيب على جسد الإنسان.
تشريعات عالمية
انتهى العمل رسمياً بعقوبة التعذيب في العالم المتحضر منذ عام 1948 تزامناً مع إعلان المبادئ العامة لحقوق الإنسان، وفي عام 1987 شكلت لجنة مراقبة ومنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة والتي تضم في عضويتها 141 دولة. وعلى رغم ذلك استمرت تجارة أدوات التعذيب. وفي القرن الـ20 تحديداً ظهرت جهود عالمية وتشريعات دولية حاولت القضاء على شرعية تجارة أدوات التعذيب وكان أضخمها التحالف العالمي لإنهاء تجارة السلع المستخدمة في عقوبتي الإعدام والتعذيب (التحالف من أجل التجارة الخالية من التعذيب) وهي مبادرة يقودها كل من الاتحاد الأوروبي ومنغوليا والرأس الأخضر والأرجنتين، والتي أطلقت في سبتمبر 2017.
أخيراً، يشير موقع منظمة العفو الدولية في هذا السياق إلى أنه في 24 سبتمبر 2018، في الاجتماع الوزاري الأول للتحالف من أجل التجارة الخالية من التعذيب، التزم الأعضاء بتعزيز ورعاية مشروع قرار، تعتمده الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال دورتها الـ73، بعنوان "نحو تجارة خالية من التعذيب: الجدوى والنطاق والعناصر من أجل المعايير الدولية المشتركة الممكنة"، علماً أن هناك 62 دولة عضواً في التحالف، وهناك العديد من الدول الأخرى التي تضيف دعمها للقرار.