ملخص
في حين ينشغل الشارع السوري بارتباك الوضع الأمني والسياسي بعد سقوط نظام بشار الأسد، في مجال الترفيه هناك موجة من الاتهامات توجه لبعض المشاهير الذين عرفوا بولائهم التام للأسد ونظامه وعائلته بأنهم يحاولون تحويل دفة التأييد بصورة مفاجئة نحو القيادات الجديدة. وعلى رغم انتشار لفظ "التكويع" الذي يسخر من هذا التوجه، فإن هناك أيضاً سمة غالبة تطالب بنزع الروح الانتقامية، وتجاوز هذه الأمور ولم شمل الوسط الفني من دون نبش الماضي، وهو عكس ما حدث في مصر عقب ثورة يناير 2011 إذ غرق النجوم في تصنيفات وتحزبات خسروا على أساسها صداقاتهم الفنية وتعاقداتهم أيضاً.
منذ اليوم الأول للجوء رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد إلى موسكو إثر سقوط حكمه، انطلق نجوم وإعلاميون سوريون في التعبير عن مواقفهم، هذا يحتفل مشدداً على صدق نظرته بالانضمام إلى فيلق الثوار منذ اليوم الأول، وذاك يحذر من الفرقة والانشقاق، وآخر كشف للمرة الأولى أنه "كان معارضاً سرياً"، وفضل عدم الإفصاح خوفاً من البطش به وبمعارفه، فيما هناك من انتظموا في تبرير ولائهم السياسي لنظام عائلة الأسد، ووصل الأمر بهم إلى التبرؤ من مواقفهم السابقة.
يبدو الوضع السوري أكثر تعقيداً من مجرد تقسيم نخبته الفنية بين مؤيدين ومعارضين ومحاسبتهم على مواقفهم، بخاصة أن كثيرين منهم كانوا لا يزالون يعيشون في البلاد ولم يكن لديهم خيار، كما أن غالبية المعارضين أصحاب الصوت الأعلى اختاروا العيش في المنفى كي لا يضطروا إلى المهادنة، من ثم فالمعارضة من الداخل لم تكن مطروحة من الأساس إذ إن ثمنها باهظ للغاية، وفقاً لشهادات متوالية يفرج عنها أصحابها ممن اعتقلوا أو هددوا.
وعلى رغم وجود بعض المناوشات والاتهامات بالتضليل التي توجه للمشاهير ممن أيدوا نظام الأسد ودعموه وروجوا له، فإن هناك سمة غالبة تبدو مسيطرة وهي "التجاوز" وعدم نبش الماضي رغم اتهامات "التكويع" أي الانقلاب فوراً إلى تأييد السلطة الجديدة بعد انتهاء دور القديمة، في مقابل موجة الاعترافات أو "المراجعات" إن جازت التسمية، المتعلقة بقفز بعض النجوم سريعاً من سفينة النظام الساقط. كما هناك أيضاً رغبة في المسامحة، وغلق الباب أمام شقاق قد لا يلتئم بسهولة، لا سيما أن النظام السوري كان يحاول الاستفادة من شعبية الدراما ونجومها في تلميع صورته، فهل تعلم مجتمع الفن بسوريا الدرس مما حدث في مصر عقب ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، حينما تم تقسيم النجوم إلى مؤيدين ومعارضين وكانت هناك قوائم سوداء تضم عشرات من الفنانين والإعلاميين الذين وقفوا ضد التظاهرات الشعبية وخونوا ناشطيها، وهي التصنيفات التي أثرت بوضوح على العلاقة بين أبناء الوسط ونتج منها إلغاءات لأعمال درامية وسينمائية كثيرة وتوقف مشروعات واعدة نظراً لأن الفرق المتضادة اعتمدت على الولاء السياسي والشعارات الرنانة كأساس للتقييم. ولم يتعاف الوسط الفني في مصر إلا بعد أعوام عدة، بعد أن هدأ الزخم الثوري وتعلم الجميع أن يكونوا أكثر نضجاً، سواء في مواقفهم أو في قراراتهم التي يجب أن تبنى بحسب مصلحة العمل أولاً، ولكن بعد أن خسرت غالبيتهم جزءاً من الجماهيرية والسمعة وبالطبع الرصيد الفني.
صورة النظام اللامعة
في مارس (آذار) من العام الحالي اجتمع عدد من نجوم الدراما السورية وصناعها مع بشار الأسد حينما كان لا يزال في السلطة، بقصر الرئاسة بحي المهاجرين. الصور نشرت من قبل المؤسسات الرسمية مرفقة بوعود وتمنيات من قبل الأسد للفنانين بأن القادم أفضل، إذ استمع إلى مشكلاتهم واعداً بإصلاح الأوضاع لتزدهر مهنتهم. واللافت أن غالبية من ظهروا بالصور كانوا يعيشون خارج البلاد بسبب ضيق الأوضاع السياسية والاقتصادية وسقف الحريات المنخفض في سوريا الذي لم يكن يسمح لأعمالهم بالخروج للنور، إضافة إلى المقاطعات والعقوبات التي تعطل تصوير إنتاجاتهم.
وانتشرت وقتها أيضاً تصريحات إيجابية عن هذا اللقاء سردها المشاهير، ولكن عقب سقوط النظام كشف الفنان سامر إسماعيل في تصريحات بالفيديو عن أنه أجبر على الظهور بالصورة مع الأسد وكان يتمنى ألا تلتقط له، كما لمح إلى أنه أجبر وزملاؤه على نشرها عبر حساباتهم الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي. ولفت صاحب شخصية الخليفة عمر بن الخطاب في مسلسل "عمر" الذي عرض عام 2012، إلى أنه تلقى تهديدات مبطنة لحضور اللقاء.
وبحسب الشهادات المتوالية كان نظام الأسد يسعى إلى تجميل سمعته والحصول على الشعبية مستخدماً واجهته الفنية المتمثلة في مشاهير يتمتعون بجماهيرية وأعمالهم تحصد المشاهدات.
لكن على رغم أن الوضع كان معروفاً، فإن المؤلف البارز سامر رضوان، والمعروف بوقوفه في صف الثورة السورية منذ نحو 13 عاماً، مما جعله يختار العاصمة اللبنانية بيروت للعيش، لم يتردد في أن يبدي انزعاجه من تلك الصورة، إذ علق وقتها عبر "فيسبوك" قائلاً إن "الصورة التي جلس فيها الفنانون مع القاتل، مليئة بالدم، ملوثة بالمقابر الجماعية، وسياط القتل تحت التعذيب". وتابع "إنهم يبتسمون لمن قتل حاضر سوريا ومستقبلها، ببراعة القناص وحكمة (البرميل) المتفجر".
دعوات لغلق صفحات الماضي
رضوان المعروف بحسه اللاذع في انتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية المرتبكة علانية ومن خلال أعماله مثل "ابتسم أيها الجنرال" و"دقيقة صمت" و"لعنة الطين" و"ولادة من الخاصرة"، وغيرها هو نفسه الذي أبدى قلقه خلال الأيام الماضية من سيطرة العقلية الانتقامية والرغبة في محاكمة مؤيدي للأسد، وكتب تدوينة قال فيها، إن "العقل الثأري والانتقامي، وإعداد قوائم سوداء، ومحاكمة الناس وفق آرائهم (كما كان يفعل نظام القتل تحت التعذيب) يفسد اللحظة المنتظرة، ويجعل منا الوجه الآخر لنظام الأسد. على هذا البلد المجروح أن يستعيد كامل أبنائه".
وتابع، "فتح دفاتر الماضي يؤدي إلى احتقان لا مصلحة لأحد فيه، فلنغلق الصفحة العفنة البائدة بكل فروسية". وهي الرسالة التي تفسر على أكثر من مستوى، وتدعو إلى المصالحة والتسامح بين نجوم الدراما والسينما والأغنية السورية وصناعها اللامعين، ممن وقفوا في صف الأسد.
وترى الكاتبة والناقدة الفنية السورية لمى طيارة أنه "خلال الأعوام الـ14 الماضية كان الوضع أصعب، ومع ذلك تجاوز الفنانون السوريون فكرة الاختلاف بالمواقف وعملوا جنباً إلى جنب، وغالباً هذا ما سيحصل اليوم"، مشيرة إلى أنه "في عز الأزمة لم تكن هناك قوائم سوداء فما بالنا اليوم، إذ كانت مصلحة العمل الفني هي الأهم بالنسبة إلى الجميع". وتلفت طيارة الحاصلة على دكتوراه في الإعلام السياسي ودرجة الماجستير بالإعلام السينمائي، إلى أن "مواقف المثقفين وليس فقط الفنانين ارتبطت عادة بظروفهم ومكان إقامتهم، فهناك معارضون كثر لم يغادروا سوريا ولم يجاهروا بموقفهم خوفاً من النظام".
وتفسر طيارة الوضع بطريقة أكثر تفصيلاً بالقول، إن "هناك فريقاً آخر كان مضطراً لمجاملة السلطة، واليوم بعضهم تراجع عن موقفه المعلن الذي ربما كان مجبراً عليه بينما استمر بعضهم الآخر على موقفه". لتختتم رؤيتها بالتأكيد أن "هناك سوريا جديدة قادمة من دون انتقام أو محاسبة أو فرق وتحزبات".
الدراما قبل السياسة
أما الناقد الفني السوري عامر فؤاد عامر، فلديه من واقع قربه من الوسط الفني بالبلاد، تفسيرات على أكثر من مستوى، فمن أبرز عوامل خفوت صوت الاستقطاب بين الفنانين المؤيدين والمعارضين برأيه، هو أن "الحرب في سوريا لم تكن ذات اتصاف واحد، فلم يكن أمام السوري وضوح كامل لتعريف عدوه، وهذا ينعكس على الفنان السوري لأنه جزء فاعل بقوة في المجتمع، لا سيما أن الدراما السورية شغلت حيزاً وافياً في مساحة التأثير بالمتلقي المحلي والعربي على وجه العموم".
ويضيف عامر أنه "كان معروفاً أنه ليس من حكم الأرض وسيطر عليها هو الطرف الأقوى، أي إن مكوث نظام الأسد في الجزء الأكبر من سوريا لم يكن لأنه على حق أو لأنه الطرف الأقوى بل كان لأسباب باتت معروفة، ولا داعي للخوض فيها، وترتب على ذلك أن بات هناك اتفاق ضمني جمعي، أو في الأقل في اللاشعور الجمعي عند الفنانين السوريين بأن سيطرة نظام الأسد أمر موقت، حتى لو طالت لسنوات وسنوات، والبقاء هو للإنسان السوري، ودليلنا على ذلك هو أن عدداً من الفنانين كانوا يلتقون في أعمال سورية صورت خارج البلاد وجمعت بين ما تم تسميته المؤيدين والمعارضين، مثل (العراب) بجزأيه الأول والثاني، و(سنعود بعد قليل)، و(أوركيديا)، و(المنصة)، وغيرها من الأعمال. كما عرف أن فناني الداخل السوري، بأعمارهم المختلفة، كثيراً ما التقوا فنانين سوريين يقطنون في الخارج، واشتاقوا لهم وتفاعلوا معهم وتواصلوا بكل حب مع بعضهم بعضاً، ومن دون أن يكون هناك أدنى مساءلة أو معاتبة حول المواقف، وإن حصل بعضها فكان عابراً وغير ثابت".
التأييد الاضطراري
استيعاب فكرة الخوف، وتأثيراته على القرارات المعلنة للبعض، ربما يكون مدخلاً معقولاً لفهم ما يجري في الوسط الفني السوري، لا سيما أن المشاهد المنقولة من السجون وما تحمله من قصص صادمة، توضح ما كان يحدث للمعارضين من كل الفئات، مما تعززه شهادات فنية متعددة، وبينها ما قاله الفنان محمد آل رشي في تصريحات تلفزيونية بأنه تعرض للملاحقة الأمنية، وكان يمكن أن يكون معتقلاً في قبضة نظام الأسد، لولا تدخل بعض زملائه وبينهم الفنان محمد حداقي، إضافة إلى دعم نجوم مثل أيمن زيدان والمخرج الليث حجو، إذ تلقى منهم مساعدة في الخفاء. وخلال نفس المداخلة، وصف محمد آل رشي بلاده بأنها كانت تشبه "مملكة للرعب"، مطالباً بأن يبتعد زملاؤه عن خطاب التخوين والتقسيم كي لا يعيدوا إنتاج نفس مفردات وسلوك العهد الماضي.
ويرى الناقد عامر فؤاد عامر أن "مساعدة بعض الفنانين لبعضهم بعضاً في مواجهة موجة الاعتقالات في الفترة الأولى من نهوض الثورة، على رغم تمايز مواقفهم، تدل على أنه لم يكن هناك تمايز في محبتهم لبعضهم بعضاً بل هم إلى اليوم لا يزالون يتحدثون عن مواقف المساعدة وتأمين الطرقات لبعضهم بعضاً في سبيل النجاة كي لا يتعرض أحدهم لأي مواجهة مع أدوات النظام الوحشي السابق".
كما لفت إلى أن "تسمية مؤيد ومعارض روج لها لبث الشقاق بين الفنانين السوريين، من قبل النظام نفسه". وتابع، أن "النظام الأسدي منح ميزات لمكوث الفنانين في بيوتهم آمنين في حال تراجعوا عن مواقفهم، وعلى رغم كل ذلك كان هناك توازن وتقبل من قبل الجميع لما جرى ولم يؤد ذلك إلى شقاق، بسبب وعي ونضوج عدد من الفنانين، وكما أشرت بسبب الاتفاقات الضمنية في ما بينهم، وإن لم تجرِ كاتفاقات علنية، بل فقط من باب أن الإنسان لا ينسى العشرة والخبز والملح والمحبة التي جمعتهم في يوم من الأيام".
وجهة النظر هذه ملاحظة بقوة، فالفنان جمال سليمان المعروف بمعارضته الشديدة لنظام الأسد تمنى أيضاً "لم الشمل بين الفنانين"، معلناً أنه لن يرد الاتهامات لزملائه الذين خونه سابقاً. كذلك الفنان الكبير دريد لحام الذي كثيراً ما اتهم بموالاة الأسد على حساب الرغبة الشعبية، برر موقفه بأن المعتقلات كانت تمتلئ بسجناء الرأي في البلاد، معتبراً في تصريحات تلفزيونية أن "السجون كانت أكثر من المدارس في سوريا"، ولم يستبعد أن يكون ضمن نزلاء سجن صيدنايا سيئ السمعة، إذا ما جرؤ على انتقاد النظام. كما كشف الممثل باسل خياط أنه علم بالمصادفة أنه كان مطلوباً لدى الأمن السوري، كما منع من تجديد جواز سفره السوري من دون سبب واضح، فعاش منذ أعوام طويلة خارج البلاد.
تبدو التبريرات المقدمة واقعية تماماً وتزيد من توقعات التفاهم والتفهم بين المشاهير بعكس ما حدث في مصر إبان ثورة يناير، إذ تبدو فكرة القوائم السوداء في سوريا مستبعدة أو في الأقل لن تستمر طويلاً إذا حدثت.
ووفقاً للمذيع والصحافي السوري باسم سلوم فإنه "يمكن تفهم الخوف أحياناً الذي قد يجبر فنانين كباراً ومحبوبين على الوقوف إلى جانب الأسد طوال هذه الأعوام، لأن المعاناة والتهديدات التي عايشوها لم تكن معلنة حينها"، مشيراً إلى أن "تجاوز التقسيم هو الخطوة الأولى من أجل بناء سوريا جديدة تتعدد أطيافها وخياراتها السياسية"، لافتاً إلى أن "المرحلة المقبلة لا تتطلب تقسيماً آخر بل حواراً من جديد لشعب لم يستطع تبادل الآراء السياسية منذ أكثر من 50 عاماً، وبالطبع ستظهر اختلافات بالآراء وهذا شيء صحي"، متابعاً أن "الأمر لن يقتصر فقط على معارض وموال، وإنما يجب أن تكون هناك تعددية تضمن السير بالطريق الصحيح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"ابتسم أيها الجنرال"
وفي حين يحتفل كثر من مشاهير سوريا بسقوط الأسد سواء بالمشاركة في المسيرات بسوريا مثل كاريس بشار ومجد فضة، أو بفيديوهات يكيلون فيها الشتائم لعناصر النظام السابق مثلما فعل المخرج سيف الدين سبيعي أو بتدوينات متلاحقة مثل الفنانة أصالة التي تعيش بمصر منذ إعلان تأييدها الثورة السورية، والفنان مكسيم خليل المقيم في فرنسا منذ وقت طويل وعرف بأعماله التي انتقدت الأسد بصورة واضحة حتى لو لم يسمه مثل "ابتسم أيها الجنرال" عام 2023، كما هناك مشاهير عرف عنهم تأييدهم غير المشروط لبشار الأسد ونال زملاؤهم المعارضون منهم اتهامات واضحة، حاولوا أن يشرحوا موقفهم بعد التطورات الأخيرة ومن بينهم ميادة الحناوي التي فاجأت الجمهور خلال حفلها بالبحرين بتأكيد أنها مثل كثيرين لم تكن تعرف ما يجري في البلاد، ووصفت حقبة الأسد بأنها كانت مظلمة ووصفته بالطاغية، متمنية أن يسود السلام والمحبة بين الجميع.
وكانت الممثلة سوزان نجم الدين أكثر سرعة في إعلان مشاعرها بعدما جرى في بلدها، من خلال تدوينة أعقبت سقوط النظام بساعات، قالت فيها إنها منذ لحظة سقوط النظام أدركت كم كانت مخدوعة. وأضافت، "لقد زرعوا الخوف في أعماقنا لسنين طويلة من أن دماءنا ستستباح على قارعة الطريق". واختتمت تدوينتها بالتعبير عن نظرتها الإيجابية للقيادة الجديدة.
مواقف مرتبكة
وهي نفس الرسالة التي أوضحها دريد لحام صاحب أعمال "الحدود" و"كاسك يا وطن" و"سنعود بعد قليل" الذي وصف لجان "هيئة تحرير الشام" التي تقابله على الطرقات وتلتقط معه الصور بأنهم "ودودون للغاية ويتعاملون باحترام مع كل الطوائف". وفي سياق آخر، كان لدى الفنان فراس إبراهيم موقف مختلف إذ دعا إلى التروي، قائلاً إن "معظم المعارضين على عكس ما هو متوقع، كانوا أكثر هدوءاً واتزاناً وتواضعاً في التعبير عن فرحتهم بسقوط النظام وأكثر تحفظاً في التعبير عن حماسهم للنظام الجديد، من بعض المؤيدين للنظام السابق الذين كما يبدو أفقدتهم الصدمة صوابهم فانتقلوا نحو الضفة الأخرى بسرعة البرق ممجدين ومادحين وناصرين للقادة الجدد".
وبحسب ما يرى المذيع والصحافي السوري باسم سلوم فإن "هناك مبالغة في تغيير الآراء بهذه السرعة"، متمنياً أن "يخرج متبنو هذه الطريقة من عقلية النظام السابق الذي كان الكل مجبوراً تحت سلطته بالخوف ولا يعرف نجاته إلا من خلال مسايرة وتمجيد السلطة للبقاء في عمله". وأضاف، "يلزمنا بالطبع ووقت للتخلص من رواسب سيئة جداً عالقة في أفكارنا، فأنا لم أصدق هذا الالتفاف من قبل البعض وكأنهم يعيدون التاريخ مع تغيير الأسماء فحسب، وهذا يجب أن نعمل عليه لندرك فعلاً أننا أحرار، فهناك سرعة في تبديل مواقف البعض ممن طبلوا للنظام ولم يلتزموا الصمت، لأني أعتقد أنهم لم يكونوا مجبرين إلى هذه الدرجة أما من كان صامتاً فبإمكاني إيجاد عذر له".
"التكويع" يطارد المنقلبين
ومثلما أفرزت الثورة المصرية مفرداتها عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) 2011، وكان أبرز التعابير شهرة في ذلك الوقت هو "الفلول" الذي قصد به بقايا نظام مبارك والموالين له، ومن بينهم إعلاميون وفنانون كانوا يتحسرون على الأيام التي ولت، ويتمنون عودتها، كذلك أفرزت الثورة السورية ألفاظاً أصبحت رائجة بين رواد السوشيال ميديا على مدى الأيام الماضية وبينها "تكويع"، والمقصود بها سرعة التحول من تأييد الأسد إلى تأييد السلطة الجديدة، وكأنه "تطبيل" معتاد ولكن على الناحية المعاكسة، إذ استخدم التعبير للسخرية من المنضمين للمعسكر الجديد بعد أعوام من العداوات المعلنة لأي محاولة للتغيير.
لكن بين هذا وذاك كان هناك بعض المشاهير أكثر حيادية وعقلانية وبينهم، الممثلة سلاف فواخرجي التي أعلنت تأييدها الأسد وعائلته مراراً على مدى أعوام، ونشرت صوراً جمعتها بالسيدة أسماء الأخرس قرينة بشار الأسد، في صيف العام الماضي أرفقتها بعبارات الثناء والشكر والتدليل. وبين ما قالته عنها، "أميرة القصر في هذه الحكاية، خلقت بجينات الإمارة من دون أن ترثها، لم يكن الطريق إليها يوماً مسدوداً، نذرت نفسها لخدمة أبناء شعبها فاحتلت قلوبهم".
لذلك وعقب الأحداث الأخيرة، حرصت فواخرجي على أن تبعث برسالة مطولة تعلن فيها أنها لم تتنكر لما كانت عليه يوماً، ومن ضمن ما كتبته، "لم أكن خائفة ولن أكون، ولا أعتقد أن الحكم الجديد بما يظهره لنا سيكون ظالماً أو مستبداً ليخيفنا ويقمعنا، على عكس ما يروجه البعض من تهديد ووعيد وترهيب على صفحاتنا. طلب إليّ البعض أن أمسح صوراً لي، ولكن إن مسحتها هل ستنسى وكأنها لم تكن؟ وهل سأتنكر أنا لها؟". وتابعت، "لأني لست خائفة، لم أسارع لإعلان رجوعي من الخطأ إلى الصواب الذي لم أره بعد لكني أتمناه".
كما لم يفت فواخرجي أن تذكر بالانتهاكات الإسرائيلية المتوالية للأراضي السورية تزامناً مع سقوط الأسد تعاملت معها القيادات الجديدة بنفس طريقة النظام السابق، إذ لم تتحرك للدفاع عن الأرض. وأضافت نجمة أعمال "ولادة من الخاصرة"، و"أسمهان"، و"على طول الأيام"، و"ملوك الطوائف"، "أرجو ألا نحتفظ بحق الرد، وأن نستعيد جولاننا المحتل بعد كل تلك السنين، وخصوصاً أن إسرائيل المزعومة زامنت الوصول إلى دمشق مع احتلالها لعشرات الكيلومترات من أراضينا".
موعد مع دراما السجون؟
من جهته يتوقع الناقد الفني عامر فؤاد عامر، "مستقبلاً أفضل للتعاون الفني بين مختلف التيارات السياسية من مشاهير الدراما السورية، وذلك قياساً إلى فترة ما قبل بداية الحرب في سورية، إذ كنا نرى اجتماع الفنانين السوريين كعائلة واحدة قادرة على رفد حركة الفن العربي بما يليق بها من أعمال مؤثرة"، متمنياً أن "يتكرر هذا الوضع ولكن بصورة أكثر تجدداً وعصرية تتوافق مع ما تستحقه هذه الصناعة ذات التاريخ القيم".
وواصل، "سيتم على الغالب التركيز على حقبة نظام الأسد الوحشية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهناك مزيد من القصص المؤلمة والمؤثرة والغريبة والمدهشة للناس على مدة 54 سنة من الحكم القسري القهري المذل، أيضاً مساحة السجون وتعذيب المساجين ستكون مادة حية لا شك بأنها لن تموت، فأدب السجون بؤرة رافدة بقوة للدراما، وهناك مزيد من الرواية في هذا الميدان سيدعم السيناريو الدرامي كثيراً. كذلك سيكون هناك مساحة للوحات الكوميدية التي ستظهر من خلال سلاسل الأعمال الكوميدية التي عرفها الشارع العربي مثل 'بقعة ضوء'، و'ما اختلفنا' وغيرها، التي ستتناول تفاصيل الشخصيات التي حكمت واقع الشعب السوري بكل استبداد، وبوقاحة الشخصية العسكرية الغبية. وسيتسابق الفنانون السوريون الذين كانوا مصنفين بين مؤيد ومعارض لتقديم أبهى ما عندهم من أداء، وسيجتمعون من جديد في صورة العائلة الدرامية الواحدة، وسينسون أي شقاق تعمده النظام السابق، فالسينما والمادة الفيلمية السينمائية ستكون حاضرة مع ثقافة كل فنان سوري ابتعد قسراً عن بلده ليضيف شيئاً جديداً للدم الدرامي السوري".