ملخص
لا شك أن مقتل خليل الرحمن حقاني أحدث فراغاً في منظومة "طالبان" لكن هذا الفراغ سيتم ملؤه بشخصيات أخرى، علاوة على ذلك، لعب خليل حقاني دوراً مهماً في جهود عائلة حقاني لإرضاء قبيلة زدران التي كانت غاضبة من "طالبان" أثناء الحرب، كما استخدم حقاني لإنهاء العداوات القديمة بين الناس في إقليم باكتيا.
قتل وزير شؤون اللاجئين وإعادة التوطين الأفغاني خليل الرحمن حقاني في هجوم انتحاري الأسبوع الماضي، وبحسب بيان المتحدث الرسمي باسم حكومة "طالبان" فإن حقاني قتل في كابول على يد "من يعدون أنفسهم مسلمين ويعدون كل من سواهم كفاراً".
وكان حقاني من القادة الكبار من حيث الأهمية والعمر والخبرة في حكومة "طالبان"، إذ كان مشاركاً في صفوف القتال منذ حرب السوفيات قبل أن يصبح أحد الوجهاء في منظومة "طالبان".
ويقول قادة حركة "طالبان" الأفغانية إن وزير اللاجئين وإعادة التوطين خليل الرحمن حقاني كان رجل التفاهمات القبلية "جيرغا"، وهذا الموقف صحيح تماماً كما شهدت عليه بنفسي عندما كنت في أفغانستان. في سبتمبر (أيلول) 2021، "ذهبت إلى كابول للمرة الثانية خلال أقل من شهر في مهام صحافية واستمعت إلى خليل الرحمن حقاني وهو يخاطب جمعاً من ممثلي مختلف الدول، وكان يؤمن الناس في كلمته ويؤكد أنه لا يوجد خطر عليهم".
وكان خليل حقاني من بين عدد قليل من كبار قادة "طالبان" الذين دخلوا المدينة بعد سيطرة الحركة على كابول برفقة قادة ومقاتلي فصيل حقاني، إذ كانت حال عدم اليقين تخيم على المدينة في ظل وجود عديد من القادة السياسيين الذين كانوا جزءاً من النظام السابق، لكن خليل الرحمن حقاني عقد اجتماعات عدة في مبنى وزارة المصالحة واجتمع به ممثلو مختلف الدول وأظهروا دعمهم للإدارة الجديدة.
ويقول أحمد الله أحمدزاي الذي عمل مع خليل الرحمن حقاني لأعوام عديدة إنه بعد دخول "طالبان" كابول، لم يفهم المواطنون ما يجب عليهم فعله، وكان خليل الرحمن حقاني يطمئن الناس في هذا الوضع الحرج ويؤكد لهم أنهم آمنون.
يضيف أحمدزاي الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس جامعة "أفغانستان الإسلامية العالمية" في كابول "كان خليل الرحمن حقاني يزور الناس بنفسه، والتقى القادة الذين يعيشون في المدينة، من بينهم الرئيس السابق حامد كارزاي والمشرف الأعلى الدكتور عبدالله عبدالله ورئيس الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار للاطمئنان على سلامتهم".
ووفقاً لأحمد الله أحمدزاي فقد اعتاد كبار الشخصيات في أفغانستان بمن فيهم المحافظون وقادة الفيلق ورؤساء الشرطة في حكومة الرئيس السابق أشرف غني على الاتصال بخليل الرحمن حقاني للحصول على ضمانات في شأن سلامتهم حتى قبل سقوط كابول، كما أن حقاني ذهب ليقابل حشمت غني شقيق الرئيس السابق أشرف غني الذي بقي في كابول لمقابلته في منزله لتعلن "طالبان" في وقت لاحق أن حشمت غني أعلن دعمه الحركة، وقد مهد هذا الدور الذي لعبه خليل حقاني الطريق إلى حد ما أمام قادة "طالبان" الآخرين للقدوم إلى كابول.
"عندما كان النظام ينهار، كان كثير من الناس يتصلون بخليل الرحمن حقاني ويعلنون استسلامهم، وظل حقاني من جانبه يؤكد لكل من اتصل به من قندهار وهيرات ومزار الشريف ومناطق أخرى أن من يستسلم سيكون آمناً، كان الرجل موضع ثقة من قبل الناس، ولم يكن يعلن أن الحاكم الفلاني أو قائد الفيلق أعلن استسلامه"، وفق ما قال المتحدث.
المثير للاستغراب أن خليل الرحمن حقاني كان لا يزال ضمن المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وأعلنت مكافأة خمسة ملايين دولار في فبراير (شباط) 2011 مقابل القبض عليه.
ماذا خسرت طالبان بمقتله؟
من الناحية القومية والحكومية كان خليل الرحمن مهماً لوزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني لأنه كان على تواصل دائم مع قبيلة "زاردان" التي ينتمي إليها ومع القبائل الأخرى أيضاً، وتعتقد "طالبان" أن دعم العشائر المختلفة مهم لحكومتهم، وكان خليل الرحمن يقوم بهذه المهمة بسبب سهولة الوصول إليه مقابل سراج الدين حقاني الذي يتجنب اللقاءات بسبب المخاوف الأمنية.
لذا، لا شك أن مقتل خليل الرحمن حقاني أحدث فراغاً في منظومة "طالبان" لكن هذا الفراغ سيتم ملؤه بشخصيات أخرى، علاوة على ذلك، لعب خليل حقاني دوراً مهماً في جهود عائلة حقاني لإرضاء قبيلة زدران التي كانت غاضبة من "طالبان" أثناء الحرب، كما استخدم حقاني لإنهاء العداوات القديمة بين الناس في إقليم باكتيا.
وبينما كان خليل الرحمن حقاني يمتاز بشخصيته الشعبية التي أضفت له أهمية كبرى بين قادة "طالبان" فإن هذه الميزة عرضته للخطر وسهلت الهجوم عليه إذ تقول التفاصيل، إن الانتحاري أعرب عن رغبته في مقابلة الوزير لمناقشة بعض مشكلاته، وما إن استدعاه إلى المقابلة حقاني وعانقه حتى فجر نفسه.
وفي مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ظهر الانتحاري وهو يمشي بحذر عبر "بوابة المرور" حاملاً المتفجرات ويضع ضمادة على يده اليمنى لإعطاء الانطباع بأنه مصاب، ولم يوقفه أفراد الأمن عند البوابة، ويبدو الانتحاري مريباً في الصور وهو يسير عبر البوابة ويجلس لاحقاً في المسجد، لكن لم يلاحظه أحد وتمكن من استهداف الوزير بعد الصلاة.
إضافة لدور الوزير الراحل في لم شمل القبائل تحت راية "طالبان"، فإنه كان أيضاً نشطاً حيال قضية المهاجرين، وشكلت ترتيبات عودة اللاجئين الأفغان الذين لا يحملون وثائق سفر من باكستان وإيران وإعادة توطينهم في أفغانستان تحدياً له لكنه ظل مهتماً بهذا الأمر حتى وفاته وزار ننكرهار مرات عدة للاطلاع على الترتيبات الخاصة بعودة اللاجئين، كما لعب دوراً نشطاً في شؤون مجلس شورى المهاجرين في بيشاور.
يضيف رفيقه أحمدزاي عن شخصيته أن أميركا أعلنت خمسة ملايين دولار مكافأة عليه لكنه لم يشعر بالخوف قط، متابعاً "كان المقربون من خليل حقاني يخشون تعرضه لهجوم بطائرة من دون طيار، لكن حقاني نفسه لم يأبه بذلك على الإطلاق".
ووفقاً لموقع حكومي أميركي، كان خليل الرحمن زعيماً بارزاً في شبكة "حقاني" التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية في فبراير (شباط) 2011 وعرضت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار مقابل معلومات عنه، وفي التاسع من فبراير، أضافت الأمم المتحدة أيضاً خليل الرحمن حقاني إلى قائمة العقوبات واتهمته بدعم تنظيم "القاعدة" وأسامة بن لادن و"طالبان"، كما اتهم بجمع الأموال للحركة وشبكة "حقاني" ودعم عمليات "طالبان" في أفغانستان.
واعتقلت باكستان عديداً من قادة "طالبان" الأفغانية بمن فيهم خليل الرحمن حقاني إثر انضمام قائد الجيش الباكستاني السابق برويز مشرف إلى التحالف الأميركي، وحكى حقاني في مقابلة مع قناة "شمشاد" التلفزيونية العام الماضي أن مؤسس حركة "طالبان" الباكستانية بيت الله محسود نجح في إطلاق سراحه من السجن الباكستاني مقابل إطلاق سراح جنود باكستانيين.
"داعش" تتبنى و"طالبان" تحقق في مقتل حقاني
وأعلن وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي خلال تشييع جنازة وزير اللاجئين وإعادة التوطين خليل الرحمن حقاني بخوست في 12 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أنه سيتم التحقيق في الهجوم على الوزير وسيتم الكشف عن النتائج وسيتم محاكمة كل من شارك فيه.
من جانبه أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هجوم 11 ديسمبر الجاري على خليل الرحمن حقاني داخل مبنى وزارة اللاجئين، وحمل المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأفغانية الموقتة ذبيح الله مجاهد مسؤولية الهجوم من سمّاهم "الخوارج"، علماً أن "طالبان" تطلق على "داعش" اسم "الخوارج".
وينفي زعماء حركة "طالبان" وجود تنظيم "داعش" في أفغانستان، لكن الهجوم الذي أسفر عن مقتل أحد كبار الوزراء في الحكومة على يد انتحاري أثار تساؤلات حول النظام الأمني لـ"طالبان".
من ناحية أخرى أثبت تنظيم "داعش" من خلال هذا الهجوم أن لديه القدرة على استهداف شخصيات مهمة في مناطق حساسة، وبالمناسبة، فقد استهدف "داعش" ثماني شخصيات مهمة خلال ما يقارب ثلاثة أعوام ونصف العام من حكم "طالبان"، لكن الشخصية الأهم بينهم كان خليل الرحمن حقاني وزير اللاجئين وعم وزير الداخلية سراج الدين حقاني.
ومن بين الشخصيات التي راحت ضحية هجمات تنظيم "داعش في الأعوام الثلاثة الماضية، حاكم إقليم بلخ ونائب حاكم بدخشان وقائد فيلق كابول ورئيس شرطة إقليم بغلان ورئيس شرطة إقليم بدخشان واثنان من أبرز العلماء المنتمين لـ"طالبان"، مولوي رحيم الله حقاني ومولوي مجيب الرحمن الأنصاري، إضافة إلى ذلك تبنى "داعش" أيضاً مسؤولية الهجمات التي استهدفت حاكم الشؤون الباكستانية والسفارة الروسية ومقر ورئيس الحزب الإسلامي حكمتيار والفندق الذي كان يقيم فيه مواطنون صينيون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم تبني تنظيم "داعش" مسؤولية الهجوم وإلقاء المتحدث باسم "طالبان اللوم على التنظيم فإن التحقيق لا يزال يشكل تحدياً لمسؤولي الحركة، إذ ينبغي على السلطات معرفة هوية الانتحاري وجهة قدومه، ولماذا لم يتم إيقافه؟ ولماذا لم يتم التعرف عليه لاحقاً؟ وكيف وصل بسهولة إلى الوزير؟
وقال وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي خلال حضور جنازة خليل حقاني، إن "داعش نفذت سبع هجمات في الأشهر السبعة الأخيرة للإمارة الإسلامية"، وقد "تم التخطيط لهذه الهجمات خارج أفغانستان بناء على التحقيقات التي أجرتها وكالات الاستخبارات التابعة للإمارة الإسلامية"، محذراً من أن "نتائج التحقيقات ستتخرج وسينكشف من كان يقف وراءها". وناشد متقي "جميع الدول ألا تغض الطرف عن هؤلاء الظالمين لأن ذلك يضر بمصالحكم وبمصالحنا، وألا تعطي قواعد لمثل هؤلاء المجرمين ولا تسمح لهم بالحركة في دولهم".
وعلى رغم أن وزير الخارجية متقي يحاول في هذه التصريحات إلقاء لوم مقتل خليل الرحمن حقاني على الدول الأخرى فإن الأسئلة ستثار حول المنظومة الأمنية لـ"طالبان" ويبدو أن "داعش" لا تزال تمثل تحدياً لإدارة كابول.
قصة اعتقال حقاني في باكستان على لسانه
وفي فيلم وثائقي بثته قناة "شمشاد" التلفزيونية، قال زعيم "طالبان" الراحل خليل الرحمن حقاني، إنه كان من بين أكثر من 30 سجيناً أطلق سراحهم مؤسس حركة "طالبان" الباكستانية بيت الله محسود مقابل جنود باكستانيين.
وبحسب التقرير فقد تم إطلاق 35 سجيناً من بينهم شقيقان لمولوي أختر محمد عثماني، وهو قائد مهم في "طالبان" وشريك مقرب من الملا عمر، وابن شقيق خليل الرحمن حقاني الدكتور نصير الدين حقاني، وعمه حاج مالي خان إلى جانب خليل الرحمن حقاني بعد أن أمضو في السجون الباكستانية أربعة أعوام في صفقة تبادل الأسرى بين الجيش الباكستاني وحركة "طالبان" الباكستانية في منطقة محسود بجنوب وزيرستان.
وحكى خليل الرحمن حقاني قصة مفاوضات تبادل الأسرى قائلاً، "أطلق أمير بيت الله محسود سراح الجنود مقابل إطلاق سراحنا من السجون الباكستانية، لقد أوضح للجانب الباكستاني أنه إذا لم يتم إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص فلن يتم إطلاق سراح الجنود أيضاً، واستغرقت هذه المفاوضات كثيراً من الوقت".
وقال حقاني، "وصلتني تقارير تفيد بأن محسود هدد بقتل عدد كبير من الجنود في حال لم يتم إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص، وفي وقت لاحق، قام بيت الله محسود بتشكيل مجلس استشاري (جيرغا) وطني للمفاوضات وتمت عملية التبادل بوساطة هذا المجلس، وتم نقلنا إلى منطقة فانا على متن طائرة".
أضاف، "بينما كنا نتحدث مع بعضنا البعض على متن الطائرة طلب منا الجنود أن نكون هادئين، وتم رفع الحجاب عن أعيننا ثم صلينا، وتمت عملية التبادل على جسر في منطقة محسود حيث أحضر الجنود الأسرى إلى هناك أيضاً، وكان رجال القبائل يقفون إلى جانب الجسر للترحيب بنا".
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"