ملخص
هناك من يرى أن على الولايات المتحدة الضغط عبر تشكيل تحالف إقليمي يضم الدول المتضررة من نفوذ روسيا
برزت ليبيا كوجهة روسية لتعويض خسارة نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد بداية الشهر الجاري، عقب فقدان موسكو لقاعدة حميميم في محافظة اللاذقية السورية التي كانت تُعدّ نقطة ارتكاز للانفتاح الروسي على القارة السمراء عبر البوابة الليبية، إذ يتوزع النفوذ الروسي في عدد من القواعد العسكرية الجوية الليبية على غرار القرضابية والخادم والخروبة والجفرة.
ويبدو أن روسيا استغلت الفراغ الدبلوماسي الأميركي في ليبيا منذ عام 2014 لتتمدد في أفريقيا انطلاقاً من الشرق الليبي، معولة في ذلك على حليفها قائد قوات "الجيش الوطني" في الشرق الليبي خليفة حفتر، وهو خطر استشعرته الولايات المتحدة بخاصة هذا العام، وعمدت إلى تحريك جهودها الدبلوماسية في محاولة لاحتواء النفوذ الروسي المتزايد من خلال التقرب من حفتر وتكثيف لقاءاتها الرسمية معه ومع أبنائه وعلى رأسهم صدام حفتر، رئيس القوات البرية.
حرب نفوذ
وفي إطار سعيها إلى الحد من التمدد الروسي في ليبيا، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية إلى توقيع عقد إيجار عقار لتطوير عمل سفارتها مباشرة من العاصمة الليبية طرابلس، عوضاً عن العمل من تونس، وأكد القائم بالأعمال جيريمي برنت الأسبوع الماضي أن "هذا الأمر يأتي كخطوة مهمة لاستئناف العمليات الدبلوماسية الأميركية في ليبيا بصورة كاملة". وهذه الخطوة سبقتها تحركات دبلوماسية أميركية عدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، حين زار وفد أميركي يضم مساعدة وزير الدفاع الأميركي سيليست والاندر ونائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الفريق جون برينان والقائم بالأعمال لدى السفارة الأميركية جيرمي برنت بنغازي، حيث التقوا القائد العام للجيش الوطني الليبي (عن القطب الشرقي) المشير خليفة حفتر، وجرت بحسب سفارة واشنطن مناقشة تعزيز الشراكة المتنامية بين حكومة الولايات المتحدة والقوات العسكرية الليبية في جميع أنحاء البلاد، بهدف توحيد المؤسسات الأمنية وحماية سيادة ليبيا وتعزيز الاستقرار. وهذه التحركات كانت جاءت مباشرة بعد تكثيف روسيا زياراتها للشرق الليبي بشخص نائب وزير الدفاع يونس بك يفكيروف.
وقال مراقبون إن الولايات المتحدة تحاول لملمة جهودها للحيلولة دون التمدد الروسي في المنطقة الذي استغل حال الفراغ الدبلوماسي الأميركي في ليبيا مباشرة بعد مقتل سفيرها لدى شرق ليبيا كريستوفر ستيفنز عام 2012، للتغلغل في الساحل الأفريقي على حساب الدول الغربية، خصوصاً أن موسكو بدأت تتمدد نحو القارة الأفريقية علناً انطلاقاً من ليبيا، مما بدا جليّاً من خلال نقلها معدات عسكرية روسية من سوريا نحو شرق ليبيا الواقعة تحت سيطرة حليفها حفتر، وفق تأكيدات البنتاغون، في خطوة الهدف منها "تحقيق حلم بوتسدام" الذي كان يراود الزعيم السوفياتي السابق جوزيف ستالين عام 1945 (الحصول على قاعدة بحرية في ليبيا).
الشرق الأوسط أولاً
وقال العقيد ركن المتقاعد من القوات المسلحة الموريتانية البخاري مؤمل إن ليبيا تُعدّ بوابة نحو القارة الأفريقية سواء عبر موقعها البري المحاذي لدول أفريقية عدة أو باعتبارها دولة تقع ضمن البحر الأبيض المتوسط، مؤكداً أن البحر الأبيض المتوسط مهم جداً في التوازنات الدولية.
وللحد من التمدد الروسي في أفريقيا انطلاقاً من الشرق والجنوب الليبي الواقع تحت سيطرة معسكر الرجمة، اقترح مؤمل على الولايات المتحدة الأميركية "عدم إهمال ليبيا دبلوماسياً، إذ بلغ الغياب الدبلوماسي المباشر عنها 12 عاماً، مع مراعاة عدم تشتت جهودها باعتبار أن للولايات المتحدة مراكز نفوذ مهمة جداً في دول عدة ولكن لليبيا أولوية على مستوى التوسع الأوروبي - الأميركي في أفريقيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع أن واشنطن حققت انتصاراً من جهة الشرق الأوسط، حيث تتمركز حليفتها إسرائيل في دول عدة ومناطق نفوذ تربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وآخرها سوريا بعد سقوط نظام الأسد الموالي لعدوّتيها إيران وروسيا.
وأبرز الخبير في الشأن الأمني أن الولايات المتحدة الأميركية لديها جبهة أخرى كبيرة وهي الجبهة الأوروبية التي تواجه صراعاً مسلحاً بين روسيا وأوكرانيا.
وفي هذه الجبهة لا يبدو أن الحليف الأوكراني حقق ما كان يرجى منه ضد روسيا، وتابع مؤمل أنه "في حال انهزم الحليف الأوكراني أمام روسيا فسيشكل هذا ضغطاً مضاعفاً على الولايات المتحدة التي تتطلب مصالحها تحقيق أقل خسارة ممكنة في أوكرانيا إذا لم يكُن انتصاراً على روسيا".
الحليف التركي
وقال العقيد ركن المتقاعد من القوات المسلحة الموريتانية إن "إضعاف التوغل الروسي في أفريقيا عبر الواجهة الليبية يتطلب من أميركا استخدام أدوات التحالف وأولها تركيا التي يجب أن تستمر في دعم نظام رئيس حكومة ’الوحدة الوطنية‘ عبدالحميد الدبيبة في الغرب، مقابل عمل واشنطن على الضغط على حفتر للتخلص من دعم موسكو".
وأوضح أنه كما قامت تركيا بدعم المعارضة المسلحة السورية يمكنها أيضاً أن تضطلع بدور فاعل في ليبيا لمساعدة الولايات المتحدة في الحد من التوغل الروسي داخل البلاد، من خلال تشجيعها على مواصلة دعم الدبيبة مقابل استمالة الولايات المتحدة حفتر، وهي مهمة ليست صعبة عليها باعتباره يمتلك الجنسية الأميركية، وأميركا بإمكانها الضغط عليه من هذه الناحية وأيضاً عبر أبنائه، بخاصة صدام حفتر رئيس القوات البرية، لا سيما مع انتشار تسريبات من قبل الاستخبارات الأميركية أن هناك توجهاً للضغط عليه من خلال أبنائه.
ودعا مؤمل، الولايات المتحدة إلى عدم ترك فراغات في الساحة الأفريقية لمصلحة روسيا أو غيرها، خصوصاً أن الحلفاء التقليديين لأميركا في تراجع مستمر داخل أفريقيا ولا يمكن التعويل عليهم في الحد من تمدد روسيا في ليبيا وعلى رأسهم فرنسا. كما دعاها (الولايات المتحدة الأميركية) إلى تفادي فتح جبهات كثيرة لا يمكنها تغذيتها في ما بعد، مؤكداً أهمية اختيار محاور الجبهات الأساسية في الشرق الأوسط. ورأى أنه في الآجال البعيدة على واشنطن أن تركز على تمدد الصين، نقطة تتلاقى ورؤية الرئيس المنتخب دونالد ترمب الذي يطمح دائماً إلى الحد من الجبهات الخارجية ليجعل من الصين خصماً على المدى البعيد.
تفتيت التحالفات
وشدد رئيس منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام إبراهيم ناصر على أن روسيا فقدت مركزاً أساسياً وهو قاعدة "حميميم السورية"، باعتبارها قاعدة كانت تمثل نقطة انطلاق لكل التحركات الأساسية تجاه القارة الأفريقية، منوهاً بأن بنغازي الليبية تُعدّ الضفة الثانية التي تتحرك من خلالها موسكو ومنها إلى بانغي في أفريقيا.
ورأى أن روسيا كانت تخطط لوضع الخرطوم ضمن مسارها التوسعي في أفريقيا، لكن التغيير الذي حصل في السودان أضعف خطتها وتراجعت على أن تكون لها نقطة سودانية تنطلق منها في توسيع نفوذها وهي العاصمة الخرطوم، لافتاً إلى أن فقدان روسيا قاعدة "حميميم السورية" سيؤثر في نفوذها داخل ليبيا والقارة الأفريقية بصورة عامة، فأميركا وحلفاؤها كسبا نقطة مهمة إثر سقوط النظام السوري.
ولاحتواء النفوذ الروسي في ليبيا، قال ناصر إنه على الولايات المتحدة العمل على دعم الشرعية في طرابلس، مقابل عزل القوة المتحالفة مع الروس (حفتر) لأن روسيا بعد خسارتها للاذقية ستركز على بنغازي وستحاول تكثيف وجودها أكثر في ليبيا.
وتابع أنه يجب التنسيق مع مصر في التعامل مع المتغيرات التي قد تطرأ على المشهد الليبي، والعمل على تحييد القوى المحلية التي بدأت تتحالف مع الروس في المنطقة، بخاصة مع الفيلق الأفريقي- الروسي، عبر نزع الشرعية عنها لا سيما مع انتشار معلومات تفيد بأن بعض الجهات (قوات "الدعم السريع" وغيرها) يتم تدريبها تحت إشراف الفيلق الأفريقي- الروسي في ليبيا والذي تنحدر عناصره من جنسيات مختلفة كمالي وتشاد وبوركينا فاسو والعراق وسوريا.
كما دعا الولايات المتحدة إلى الضغط على القوى المحلية المتحالفة مع روسيا، مثل خليفة حفتر وقوات "الدعم السريع" في السودان، معتبراً أنه يجب التعامل مع النفوذ الروسي في أفريقيا بصورة كاملة وشاملة وليس بصورة جزئية لأن روسيا بعد تحييدها من سوريا ستركز على ليبيا ومنها ستتوسع نحو تشاد ثم بانغي في أفريقيا الوسطى لتحكم بذلك موسكو قبضتها على القارة السمراء.
مقاربة شاملة
وبيّن ناصر أنه في حال تعاملت واشنطن مع النفوذ الروسي بصورة جزئية سيكون هناك تنقل لمقارعته في كل بلد، مما سيشتت جهود أميركا في الحد من التوغل الروسي في المنطقة، موضحاً أنه يجب أن تتوافر مقاربة أميركية شاملة للحد من التمدد الروسي في أفريقيا، بمعنى أن هناك أنظمة سياسية تحالفت مع موسكو من باب الضرورة وتأتي في مقدمتها مالي التي لم يتوافر لديها غطاء روسي كما كان متوقعاً في عملية الدعم العسكري، فالنظام العسكري المالي منزعج من ضعف الدور الروسي في بلده. وتابع أن "الوجود الروسي في بوركينا فاسو أيضاً ضعيف جداً وذلك جلي من خلال تمرير الزعيم إبراهيم تراوري رسائل عدة إلى القوات الغربية لتحل محل روسيا في التعامل معها، إضافة إلى النيجر التي تبحث هي الأخرى عن خطوط عودة للتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية".
وختم المتخصص في الشأن الأفريقي أنه على الولايات المتحدة الضغط عبر تشكيل تحالف إقليمي يضم الدول المتضررة من نفوذ روسيا، وفي مقدمة هذه الدول أوكرانيا وبعض الدول الإقليمية الأخرى كالسودان وليبيا.