Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير مجهول لثروات وتماثيل نظام الأسد في لبنان

استخدم النظام السوري البلد كواجهة لتجاوز العقوبات الدولية من خلال مجموعة كبيرة من رجال الأعمال في عهد الرئيس السابق ميشال عون

بشار الأسد مجتمعاً بالرؤساء اللبنانيين إميل لحود (الأول على يمينه) ونبيه بري (الثاني) ورفيق الحريري (الثالث) (غيتي)

ملخص

كثيراً ما كانت العلاقة بين سوريا ولبنان معقدة، وتجلت أبرز مظاهرها في النفوذ السوري أثناء الوصاية، وعكست تسمية الشوارع والنصب التذكارية لكل من حافظ وبشار الأسد، رمزاً للهيمنة، ومع سقوط النظام تتزايد الدعوات لإزالة هذه الرموز وإعادة تسمية الشوارع، في خطوة تعكس طي صفحة الهيمنة.

كثيراً ما شكلت العلاقة بين سوريا ولبنان مجالاً للنقاشات والتكهنات، خصوصاً في ظل النفوذ الذي مارسه النظام السوري على لبنان خلال فترة الوصاية التي امتدت بصورة مباشرة إلى عام 2005، وما تلاها من استمرار هذا التأثير عبر العلاقة مع "حزب الله" وأحزاب وعائلات سياسية حليفة، ومن أبرز الملفات التي تثير الجدل هو ما يتعلق بممتلكات وأموال النظام السوري وعائلة الأسد في لبنان.

وكثيراً ما كان لبنان مسرحاً لتأثيرات سياسية وجغرافية متشابكة مع سوريا، ومن مظاهر هذا التأثير الباقية حتى اليوم أسماء الشوارع والنصب التذكارية لرئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد وابنه بشار الأسد، إذ أطلق عدد كبير من الأسماء المرتبطة بالنظام السوري على شوارع ومرافق عامة في لبنان.

 

وتؤكد تقارير استخباراتية دولية ومحلية امتلاك عائلة الأسد وأركان نظامه ثروات وممتلكات في دول مختلفة، بما في ذلك لبنان حيث استفادوا منه كملاذ لممتلكاتهم وأموالهم، إضافة إلى المعلومات التي تؤكد أن النظام السوري استخدم لبنان كواجهة للنظام لتجاوز العقوبات الدولية من خلال مجموعة كبيرة من رجال الأعمال ومنهم سوريون أُعطوا الجنسية اللبنانية في عهد الرئيس السابق ميشال عون.

إلا أن المعلومات الدقيقة والموثوقة حول هذه الأصول نادرة وغير متاحة بصورة علنية، يعود ذلك إلى استخدام أساليب معقدة لإخفاء الملكية، إذ يُلجأ إلى استخدام وسطاء وشركات واجهة لتسجيل الممتلكات بأسمائهم، مما يجعل من الصعب تتبع الملكية الحقيقية، وكذلك قانون السرية المصرفية في لبنان مما يعقد عملية الكشف عن الأصول المالية.

في كلمته بعد أداء اليمين الدستورية لولايته الرابعة، قال الرئيس السوري السابق بشار الأسد إن "العائق الأكبر حالياً" أمام عودة الحياة إلى الاقتصاد هو الأموال السورية المجمدة في لبنان، التي تراوح ما بين 40 و60 مليار دولار أميركي، مشدداً على أن أياً من الرقمين (الأدنى والأقصى) هو كاف "لإحباط اقتصاد بحجم اقتصادنا".

تبييض أموال

مصادر أمنية لبنانية كشفت عن أن أركان النظام السوري يمتلكون عقارات في لبنان، خصوصاً في بيروت وجبل لبنان والبقاع. وتتنوع هذه العقارات بين شقق فاخرة وفيلات وأراض زراعية، ضمنها شقق فاخرة في منطقة "سوليدير" وسط بيروت، وعقارات في الضاحية الجنوبية، سجلت بأسماء وسطاء لبنانيين مقربين من النظام، أما في البقاع فتستخدم بعض الأراضي الزراعية كواجهة لاستثمارات زراعية، وغالباً ما تكون هذه الأراضي قريبة من الحدود اللبنانية - السورية. وأشارت المصادر نفسها إلى أن المعلومات الأمنية تتابع شركات تعمل في قطاع السياحة والتجارة سجلت بأسماء لبنانيين لكنها تعود فعلياً للنظام السوري، وهي تستخدم كواجهة لتسهيل حركة الأموال.

 

ولفتت إلى أنه مع اندلاع الحرب السورية وفرض العقوبات الدولية سعى النظام السوري إلى تهريب أموال كبيرة إلى لبنان. وحسب تقارير دولية استخدم بيروت كمركز لتحويل الأموال وغسلها، ولا سيما بعد إصدار قانون "قيصر" الأميركي، ومنها تقارير تشير إلى أن أفراداً من عائلة الأسد استخدموا السوق السوداء اللبنانية لتحويل الأموال عبر تعاملات مالية كبيرة تتم عبر شركات صرافة غير مرخصة.

الضياع أو الاستيلاء

وتربط لبنان مع سوريا علاقات معقدة، تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية. وبعد سقوط نظام الأسد، ستواجه السلطات اللبنانية تحديات قانونية وسياسية للتعامل مع هذه الأصول. فمن جهة، هناك الالتزامات الدولية التي قد تفرض تجميد أصول مرتبطة بالنظام السوري أو استخدامها لدعم إعادة إعمار سوريا. ومن جهة أخرى، هناك الحسابات الطائفية والسياسية الداخلية في لبنان التي قد تؤدي إلى انقسام حول هذه القضية.

ومن المرجح أن تضغط الجهات الدولية والمنظمات الحقوقية لتجميد أصول النظام السوري في لبنان، بخاصة إذا صُنفت كأموال حصل عليها بطرق غير مشروعة، كذلك يمكن للحكومة الانتقالية في سوريا أن تطالب لبنان بتسليم هذه الأصول للسلطة الجديدة، إلا أن الخطر في الأمر، في ظل الفوضى السياسية والقانونية التي يشهدها لبنان، قد تهدر هذه الثروات أو يُستولى عليها من قبل جهات نافذة داخل لبنان، في غياب الرقابة والمحاسبة وكذلك "غموض" الواجهات المالية للنظام السوري في لبنان مما يعوق تعقبها، في بلد يعاني فساداً مزمناً، ونفوذاً سياسياً لحلفاء النظام السوري.

غسل الأموال وتمويل الإرهاب

وفي هذا السياق كشف المحامي أنطونيو فرحات عن "أنه إضافة إلى المعاهدات الدولية التي وقع عليها لبنان، هناك قوانين في لبنان تنظم موضوع الممتلكات بصورة عامة، من خلال القوانين المدنية والتجارية، ولكن لا توجد قوانين خاصة تستهدف بصورة مباشرة الشخصيات السياسية الأجنبية"، وعلى رغم ذلك، أشار إلى أنه يمكن تطبيق القوانين المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على هؤلاء الأشخاص في حال كان مصدر ممتلكاتهم مشبوهاً أو إذا كانت مرتبطة بجرائم مالية.

وتابع أنه حتى اليوم، لا يوجد أي دليل على أن السلطات اللبنانية قد اتخذت أي إجراءات قانونية أو غير قانونية لاستعادة أموال تخص أو لها علاقة بعائلة الأسد، كما لم يصدر أي قانون جديد من مجلس النواب يتناول هذه القضية.

وفي ما يتعلق بالقطاع المصرفي اللبناني، شدد فرحات على أن السرية المصرفية تعد من أهم ميزات لبنان، "إذ يعتمد هذا القطاع على حماية خصوصية الحسابات المصرفية. ولكن، في حال تم التأكد من ارتباط هذه الحسابات بتبييض الأموال أو أنشطة غير قانونية، فإن المصارف اللبنانية يحق لها تجميد الحسابات أو التبليغ عنها إلى وزارة الخزانة الأميركية أو الجهات المعنية، التي قد تفرض عقوبات مباشرة على المؤسسات اللبنانية في حال عدم تعاونها أو إذا كانت تقوم بحماية هذه الشخصيات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أموال تونس في لبنان

من ناحيته، أوضح المتخصص في مجال القانون والسياسات الخارجية في باريس محيي الدين الشحيمي، "أنه لا توجد أرقام دقيقة لحجم ثروات النظام السوري في لبنان، سواء من جهة الحسابات البنكية أو العقارات"، مشيراً إلى أن لبنان تحول إلى سوق لصناعة "الكبتاغون" التي تدر سنوياً نحو 3 مليارات دولار، وكان هذا جزءاً من الثروات التي يصعب تحديد قيمتها بدقة بسبب تعدد مصادرها واستخدام حسابات وهمية وأشخاص واجهة لحماية وتهريب الأموال.

أضاف "أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال مخفي في حسابات بنكية وعقارات وشركات، مع استخدام أسماء مستعارة عبر شركات شرعية تهدف إلى غسل الأموال المكتسبة من أنشطة غير قانونية مثل تهريب الأسلحة والهيمنة السياسية والابتزاز، بخاصة في لبنان، في فترة الهيمنة السورية"، وتابع الشحيمي أن "التحقيقات ستتزايد بعد سقوط نظام بشار الأسد لملاحقة الأموال والأصول التي تعود إلى أفراد وشركاء العائلة، التي ربحوها نتيجة القمع والحكم الديكتاتوري، وتتعدد أنواع هذه الثروة ما بين العقارات الفخمة الموزعة في العالم، والأصول الجامدة والحسابات المصرفية والمال الورقي المخفي، إذ تشبه هذه العملية عينها التي نفذت إبان سقوط نظام صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا وزين العابدين في تونس، كل ذلك يجتمع على أمل إعادتها إلى الدولة السورية، لكنها عملية معقدة جداً في القانون لأنها تتطلب خبرة في كشف الجرائم المالية المستمرة المخفية في ملاذات ضريبية محصنة جداً، إذا يصار إلى التعاون مع دعاوى قضائية دولية لتحقيق نجاحات محددة".

وأشار الشحيمي إلى أنه في البداية ستتم عملية تجميد بعض الأصول والحسابات من قبل السلطات القضائية من خلال تدابير آمرة دولية تفرض الاسترداد. وأوضح أن استعادة الأموال من "الملاذات" الآمنة سيكون صعباً، بخاصة في روسيا حيث لجأ بشار الأسد بعد سقوطه. ومع ذلك، أكد أن التعاون الدولي هو المفتاح لتحقيق النجاح، مشيراً إلى سابقة في لبنان مع تونس التي استردت من لبنان دفعات من حسابات أموال نظام زين العابدين السابق، إذ تسلم الرئيس السابق المنصف المرزوقي حينها صكاً بـ28 مليون دولار من حساب ليلى طرابلسي زوجة الرئيس التونسي المخلوع من خلال التعامل البناء والشفاف مع الجهات التونسية الانتقالية حينها والجهات الدولية المتخصصة.

وأكد أن الملاحقات يفترض أن تشمل كل من تعاون مع النظام السابق وارتكب جرائم أو اختلس أموالاً، مع إعطاء الأولوية لأولئك الذين عليهم مذكرات توقيف قانونية "ومرتكبي المجازر والجرائم، الذين استعملوا النفود والسلطة". وأكد ضرورة أن تعمل السلطات الأمنية اللبنانية والدولية وأجهزة الاستخبارات، بصورة وثيقة، بموجب الاختصاصات القانونية الدولية لضمان المحاكمات والملاحقات القانونية، مع التزام الاتفاقات الثنائية التي تسهل تسليم المطلوبين.

سقوط النصب التذكارية

وتمثل أسماء الشوارع والنصب التذكارية للنظام السوري في لبنان إرثاً ثقيلاً يعكس حقبة من الهيمنة السياسية، إذ خلدت بعض الشوارع والساحات والنصب التذكارية أسماء شخصيات من النظام السوري، أبرزها، طريق "حافظ الأسد" الذي يمتد من مطار "رفيق الحريري الدولي" إلى منطقة الكولا، و"مسلة" "حافظ الأسد" التي نصبت عند مستديرة السفارة الكويتية في منطقة بئر حسن ببيروت، إضافة إلى تمثال باسل في منطقة شتورا بالبقاع، إلا أنه أُزيل بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، إضافة إلى عشرات الأحياء والنصب في بلدات عدة.

ومع سقوط النظام، تصاعدت الأصوات في لبنان لإزالة هذه الرموز، ويرى المطالبون بإزالتها أن بقاء هذه الأسماء والنصب يشكل إهانة للذاكرة الجماعية للبنانيين، بخاصة أولئك الذين عانوا الانتهاكات خلال فترة الهيمنة السورية. ولفت هؤلاء إلى أنه يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى مرت بمراحل مشابهة. ففي أوروبا الشرقية، بعد سقوط الأنظمة الشيوعية، أزيلت تماثيل وأسماء قادة شيوعيين واستبدلت بها أسماء تعكس هوية وطنية جديدة. وقد تكون هذه التجارب مصدر إلهام للبنان في كيفية التعامل مع هذه القضية.

مسؤولية البلديات

وأشار المحامي أنطونيو فرحات إلى أن البلديات هي الجهة الرئيسة المسؤولة عن تسمية الشوارع ضمن نطاقها الجغرافي، إلا في بعض الحالات النادرة، قد يكون لوزارة الداخلية الحق في إقرار أو تعديل أسماء الشوارع إذا كان لهذا الشارع أهمية وطنية أو أثر قومي كبير. ومع ذلك، في معظم الحالات لا يتطلب الأمر موافقة الحكومة على تسمية الشوارع.

أضاف فرحات أنه لا يوجد ما يمنع أي مواطن أو مجموعة من أبناء البلدة من طلب تغيير اسم شارع، شرط أن يتم تقديم الطلب وفق الأصول والقوانين المرعية الإجراء. ويجب أن يكون الطلب رسمياً، معللاً بالأسباب الموجبة، إما من خلال عريضة أو عبر اقتراح من مجلس البلدية.

وتابع أن من أبرز الأسباب التي قد تدفع إلى تغيير أسماء الشوارع هي أن تصبح الشخصية التي تحمل الاسم مثيرة للجدل، أو أن تتغير الظروف السياسية في مكان ما. فمع سقوط الأنظمة أو التغييرات السياسية الكبرى، قد يصبح من غير الجائز استمرار تسمية الشوارع بأسماء ترتبط بتلك الأنظمة أو الشخصيات إن داخل بلدها أو البلدان الأخرى التي تربطها علاقة، كمثال على ذلك، الوضع القائم في سوريا ولبنان.

بلدية صوفر

من ناحيته قال محيي الدين الشحيمي إن مسألة تسمية الشوارع في لبنان تخضع للقانون الذي يحدد سلطة البلديات، التي تندرج تحت إشراف وزارة الداخلية المسؤولة عن المحافظات والأقضية والبلديات واتحاد البلديات. "ويحدد أسماء الشوارع بناءً على اقتراحات البلديات، التي تقوم بإحالتها إلى وزارة الأشغال. وتنص المادة الأولى من قانون البلديات على أن تسمية الشوارع والساحات والمرافق العامة وإقامة النصب التذكارية والتماثيل هي من اختصاص البلديات. ولتكون قرارات التسمية قانونية، يجب أن تصدق من قبل وزير الداخلية، الذي يمتلك السلطة المباشرة على البلديات وفقاً للمادة 63 من قانون البلديات، التي تنص على ضرورة إرسال مقررات الجلسات البلدية إلى وزير الداخلية بالتسلسل"، وأضاف أن السلطة التي تمنح قرارات التسمية هي ذاتها التي تملك سلطة الحجب أو إلغاء هذه التسمية، "لذا فإن القرار في النهاية يعود إلى السلطة التنفيذية المتمثلة بوزارة الداخلية والبلديات ووزارة الأشغال"، مؤكداً ضرورة تغيير الأسماء المرتبطة بنظام الأسد بعد سقوطه، ومشدداً على أنه لا ينبغي أن تشكل هذه الأسماء نقاطاً خلافية في السياسة اللبنانية.

بدوره، اعتبر الكاتب السياسي جوني منير أن البداية كانت في منطقة صوفر اللبنانية (جبل لبنان)، إذ شهدت المنطقة تغيير اسم أحد الشوارع التي كانت تحمل اسم أحد أفراد عائلة الأسد. ومع ذلك، أبدى تساؤله حول ما إذا كانت هذه العملية ستطاول مناطق أخرى، بخاصة أن بعض المناطق مثل الضاحية الجنوبية لبيروت قد لا تشهد أي تغيير في أسماء شوارعها على رغم سقوط نظام الأسد في سوريا، مشيراً إلى أن هذا الموضوع سيظل قيد المتابعة، ومن المتوقع أن يتضح أكثر في الأيام والفترة المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير