أدخل الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون من اليمن باتجاه مركز إسرائيل الأسبوع الماضي، المؤسستين الأمنية والسياسية في حال انعقاد جلسات تشاورية مستمرة، للتحقيق في فشل أربع منظومات دفاع من بينها "حيتس" و"القبة الحديدية" بإسقاطه بتكلفة تجاوزت 10 ملايين دولار، إلى جانب ما ألحقه الصاروخ من دمار في البنى التحتية ومبنى وإصابة إسرائيليين. وشكل إطلاق هذا الصاروخ نقطة فاصلة في سياسة إسرائيل تجاه الحوثيين في اليمن، الذين لم يوقفوا قصف الصواريخ والمسيرات باتجاه مركز إسرائيل منذ بداية حرب "طوفان الأقصى" قبل 14 شهراً.
في سلسلة اجتماعات عقدت في مبنى وزارة الأمن في تل أبيب وفي قيادة الشمال وفي القدس، طرح أكثر من سيناريو واحتمال لمواجهة اليمن وسط خلاف في الرأي بين أمنيين وعسكريين حول طبيعة الرد، وإذا الأجدى أن تكون الضربة موجهة نحو أهداف للحوثيين في اليمن أو ضد إيران، بادعاء أن هذه الصواريخ تصل من إيران، لذا كانت هناك أصوات تدعو للعمل على تقويض قدرات إيران الصاروخية. وما بين هذين الرأيين، هناك من دعا إلى ما أسماه البعض "بيروت– صنعاء"، أي كما تعاملت إسرائيل مع لبنان بالتهديد باستهداف البنى التحتية لدولة لبنان طالما "حزب الله" يطلق الصواريخ باتجاه تل أبيب.
خلافات داخلية
ولكن حتى هذا الموقف شهد خلافاً في الرأي، وأشد الخلافات كانت بين شخصيتين أمنيتين بارزتين غيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، ويسرائيل زيف القائد السابق لوحدة العمليات في الجيش، الذي يرى أن أي هجوم على اليمن كدولة واستهداف البنى التحتية ومؤسساتها الحكومية تخدم الحوثيين الذين برأيه، ينتظرون إضعاف السلطات في اليمن. وحذر القيادة الإسرائيلية من خطوة كهذه قائلاً: "أن نهاجم اليوم حكومة اليمن يعني أننا نلعب لمصلحة الحوثيين الذين يريدون إضعاف هذه الحكومة، ربما الأفضل توجيه ضربات موجعة مباشرة للحوثيين أو ضربة استراتيجية ضد إيران وهذا كله بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة"، ومن دون ذلك، حذر يقول: "سندخل في حرب استنزاف مع إيران وهذا لن يساعدنا بتاتاً إنما قد يؤدي إلى تفاقم وضعنا".
أما غيورا أيلاند فيخالف زيف الرأي ويوصي بتوجيه ضربات قاسية وقوية ضد دولة اليمن: "يجب ضرب أهداف حيوية لدولة اليمن مباشرة وهذا بحد ذاته يشكل ضغطاً على دولة اليمن لتواجه بنفسها الحوثيين وتضيق عليهم إمكانية استمرار تهديد إسرائيل". وأضاف أيلاند: "لا أدري إلى أي مدى يمكن تقويض الحوثيين عبر ضرباتنا لإيران، ولكن بكل الأحوال لا بد من توجيه رسالة لإيران أنه طالما تتعرض إسرائيل لصواريخ من صناعة إيرانية فإن طهران ستكون معرضة لهجمات تستهدف منشآت حساسة بينها النفط، وهذا بحد ذاته يشكل ردعاً".
ضرب إيران
رأيان يعكسان وجهتي نظر في إسرائيل غير أن الموقف الذي كانت له انعكاسات قوية على المستوى السياسي هو موقف رئيس الموساد، ديفيد برنياع، الذي اعتبر ضرب إيران خطوة ضرورية وهامة، ويجب تنفيذها بأقرب وقت قبل إفساح المجال للحوثيين لتنفيذ ضربات باتجاه إسرائيل.
وفي خلال اجتماع للمجلس الوزاري الأمني المصغر الذي عقد في مركز قيادة الشمال لبحث مختلف التطورات الأمنية، والذي ركز على سوريا والحوثيين، قدمت الأجهزة الأمنية توصية للمستوى السياسي دعت إلى استكمال الجاهزية والاستعداد لتوجيه ضربة ضد إيران تستهدف قواعد الصواريخ الباليستية والمسيرات ومصانع إنتاجها إلى جانب منشآت النفط لتشكل رسالة من تل أبيب لوقف تزويد الحوثيين في اليمن بالصواريخ الباليستية والمتطورة التي تهدد إسرائيل.
ومن نقطة قريبة من الحدود مع لبنان هدد نتنياهو الحوثيين قائلاً: "تماماً كما تصرفنا بقوة ضد أذرع محور الشر الإيراني، سنعمل ضد الحوثيين بشن عمليات نوعية يتم تنسيقها مع الولايات المتحدة ودول أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر نتنياهو الحوثيين تهديداً ليس فقط على إسرائيل وإنما على دول أخرى، ولكن بالنسبة لإسرائيل، قال: "سنتصرف بقوة وعزم وحنكة، حتى لو استغرق الأمر وقتاً، في النهاية ستكون النتيجة مع الحوثيين كما هي الحال مع بقية الأذرع الإيرانية في المنطقة".
من جهته، اعتبر الباحث في البرنامج الإيراني في معهد أبحاث الأمن القومي والذي سبق وشغل مناصب في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، داني سترينوفتش، أن الوضعية الحالية تشكل فرصة لإسرائيل لمواجهة التهديدات خصوصاً بعد وقف النار في لبنان وتوقعات باقتراب صفقة أسرى وانتهاء المعركة في غزة. ومن الصواب التركيز على سبل مواجهة تهديد اليمن بالتنسيق مع الإدارة في الولايات المتحدة ومشاركة دول المنطقة، والدفع قدماً بمعركة متواصلة تؤدي إلى اسقاط النظام الحوثي". وبرأيه "وهذه ستكون ضربة للمحور بصورة عامة وإيران بصورة خاصة وستضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر في المستقبل. وغير ذلك أي خطوة أخرى لن تسهم بتغيير الوضع بل من شأنها أن تعزز قوة الحوثيين"، بحسب سترينوفتش.
ضرب قيادة الحوثيين
ووفق الباحث فإن الاستراتيجية الحالية لإسرائيل لا تنجح في خلق التغيير اللازم الذي يؤدي إلى وقف النار من اليمن نحو إسرائيل، ويقول: "وحدها معركة طويلة ومتواصلة، بمشاركة التحالف الدولي وبقيادة الولايات المتحدة، تضرب قيادة المنظمة وقدرة إنتاج وإطلاق السلاح الذي تحت تصرفها، يمكنها أن تغير الوضع من أساسه. في نظرة استشراف للمستقبل، ينبغي استثمار المقدرات اللازمة والعمل على إسقاط الحكم الحوثي في اليمن، وينبغي أيضاً"، يتابع "أن تعترف إسرائيل أنها بعد 14 شهراً من المواجهة المباشرة بين الحوثيين وإسرائيل فشلت في قدرتها على أن تفرض على الحوثيين وقف النار. فالميناء المهجور في إيلات والنار المتواصلة من اليمن بالمُسيرات والصواريخ نحو إسرائيل، بما فيها غوش دان، كلها تشكل دليلاً على هذا الفشل. فضلاً عن ذلك، فإن الحوثيين لم يضعفوا بل وأيضاً يرون أن عدم استسلامهم لإسرائيل أو لهجمات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضدهم إنجاز يعزز موقفهم في محور المقاومة ويجعلهم الجهة الإقليمية التي لا يمكن تجاهلها".
وحذر سترينوفتش من الاستخفاف بقدرة الحوثيين "ضعفهم بالذات هو الذي يجعل من الصعب خلق ميزان ردع تجاههم. وهذه الحقيقة تستوجب التفكير من خارج الصندوق، ولا بد من وقف الهجمات العشوائية ضد الحوثيين وتنفيذ معركة طويلة ومتواصلة بمشاركة التحالف الدولي هدفها المركزي تصفية القيادة الحوثية إلى جانب قدرات إنتاج وإطلاق الصواريخ والمُسيرات التي تحت تصرفها، بما في ذلك الدعم الإيراني لهذه الجهود".
في إسرائيل يتعاملون مع ملف الحوثيين كتحد جديد لكنه خارج حدود حرب "طوفان الأقصى"، أي أن وقف حرب غزة لا يعني أن يوقف الحوثيون هجماتهم ضد إسرائيل، وبحسب تقرير إسرائيلي فإن هذا الأمر يأتي ضمن ضغوطات يمارسها الحوثيون على الساحة الدولية والإقليمية للاستسلام إلى إملاءاتهم.
لكن في إسرائيل يرفضون أي استسلام أمام هذا كذلك يرفضون أن تتحول المعركة بين صنعاء وتل أبيب إلى حرب استنزاف، ومتوقع حتى نهاية الأسبوع أن تحسم إسرائيل موقفها وسط أصوات تدعو إلى الانتظار لحين دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، لتكون الضربة موجهة ليس فقط ضد اليمن إنما ضد إيران ومنشآتها النفطية والنووية أيضاً، بدعم وتنسيق كاملين بين تل أبيب وواشنطن.