Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قصر الشعب" أصدق أنباء من الصناديق

الخارجية الأميركية لـ"اندبندنت عربية": اللقاء بالشرع وإسقاط البلاغ عنه لا يعني الإقرار به رئيساً لجمهورية سوريا... "لكننا ندعم مساءلة المتورطين في جرائم نظام الأسد"

الشرع مع وزير الخارجية التركي في ثصر الشعب (رويترز)

حتى مع سيطرة القائد العام في سوريا أحمد الشرع على العاصمة دمشق واستقبال ساحة الأمويين له بالأهازيج والتأييد؛ فإن طريق تثبيت أركانه في الدولة المحورية في المنطقة، مرهون بتوافق دولي، بدأت الوفود التي تقاطرت على دمشق تنسج ملامح خيوطه الأولى، بفضل رسائل طمأنة وانفتاح وبرغماتية استطاع توزيعها على الآفاق كافة، بما فيها إسرائيل.

وبعد نجاح الفصائل المسلحة في إسقاط نظام بشار الأسد وطرده منها في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، تصدّر الشرع قائدها، المعروف أيضاً بأبي محمد الجولاني، المشهد السوري كقائد للإدارة الجديدة، ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى أصبحت دمشق محط أنظار العالم، وسط تتابع الوفود الدولية للقاء القادة الجدد، في خطوة تُظهر اهتماماً متزايداً بالتحول الذي كان تعبير "قصر الشعب" عنه أصدق أنباء من أي صناديق اقتراع منتظرة، لطالما كانت رهن إشارة الجالس على الكرسي في الجمهوريات العربية.

يأتي ذلك على رغم تساؤلات كثيرة حول مدى شرعية الشرع كزعيم مستقبلي لسوريا، في ظل مواقف دولية متباينة، رأى بعضها فتح أبواب "القصر" قبل تشكيل حكومة تمثل أطياف البلد المختلفة، أظهرت استعجال الشرع فرض نفسه زعيماً لسوريا، حتى قبل الانتخابات التي لم يحسم أمر ترشيح نفسه فيها، وهو طموح قيل إنه تعزز بالوفود الدولية التي اعترفت به رمزياً قبل الصناديق.

ليس شيكاً على بياض

لكن الناشط السياسي السوري غسان إبراهيم يرى أن الانفتاح نحو دمشق مهما بدا متسارعاً ليس شيكاً على بياض، مشيراً إلى أن الدعم العربي الذي يعول عليه "له مقابل، يتطلب مرونة بالسماح للسوريين بتشكيل حكومة أكثر واقعية تمثل التوازنات السورية من غير محاصصة أو استحواذ على السلطة من جماعة الجولاني، ومن دون الدعم العربي السياسي والدبلوماسي ومشروع الإعمار فإن سوريا لن تستقر".

أما إذا حدث العكس "وتعنت الجولاني ولم يسمح بتشكل حكومة انتقالية احترافية، فقد يجد فصائل تنشق عنه وربما تتجه البلاد نحو حرب أهلية واقتتال مع فصائل أخرى على السلطة"، بحسب تقديره.

وتؤكد الخارجية الأميركية في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية" أن مبادرتها برفع المكافأة المفروضة عن الجولاني، لا تعني الاعتراف به زعيماً شرعياً لسوريا حتى الآن.

وقال المتحدث الإقليمي باسمها سامويل وربيرغ إن "الولايات المتحدة لم تعلن عن أي دعم لأي شخص كقائد مستقبلي لسوريا". ولفت إلى أن أي اعتراف دولي بشخصية قيادية جديدة "سيعتمد بشكل أساسي على مدى التزام هذه الشخصية بمتطلبات الانتقال السياسي، والعمل نحو المصالحة الوطنية، وضمان مستقبل يحقق العدالة والسلام لجميع السوريين".

وفي نهاية المطاف بحسب المسؤول الأميركي "أي شخصية ستتولى الحكم يجب أن تكون منتخبة بشكل حقيقي ونزيه من قبل الشعب السوري، وبالتالي الشعب السوري هو الذي سيقرر وهو الذي عليه أن يختار بناء على دستور يضمن تحقيق كل تطلعاتهم".

في أحد أبرز اللقاءات، استقبل الشرع وفداً من الخارجية البريطانية، أبدى اهتماماً كبيراً بإعادة بناء العلاقات الثنائية. خلال المحادثات، ركز الجانب البريطاني على أهمية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ما قد يُسهم في تسهيل عودة النازحين وإعادة بناء الاقتصاد المنهار. وقال الوفد عقب اللقاء، إنه "تحدث مع السيد الشرع عن أهمية ضمان الاستقرار في سوريا، وقد لمسنا رغبة حقيقية في بناء مستقبل جديد يقطع مع الماضي."

وفي قصر الشعب بدمشق، استقبل الشرع وفداً سعودياً رفيع المستوى كذلك بقيادة مستشار من الديوان الملكي. بدا اللقاء أكثر دفئاً، إذ أكد الشرع تطلعه لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي مع المملكة، مشيراً إلى أن هناك تقاطعات واضحة في الرؤى التنموية بين الطرفين. ووصف مسؤول سعودي الاجتماع بأنه "خطوة إيجابية نحو شراكة تعود بالنفع على الشعبين، وتعزز الاستقرار في المنطقة"، وهي زيارة أعقبتها أخرى مماثلة لوفد قطري وآخر تركي.

الطريق وعر طويل

أما على الصعيد الإقليمي، فكشف وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن رغبة بلاده في تعزيز العلاقات الثنائية مع دمشق خلال زيارته لها، مشدداً على أهمية التنسيق الأمني بين البلدين، وأن استقرار سوريا يُعتبر عاملاً حاسماً للأمن الإقليمي. وقال الصفدي في تصريح بعد اللقاء: "الطريق طويل وصعب، لكننا نؤمن أن استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة بأسرها، ويجب أن نعمل معاً لتحقيق ذلك." وتحدث عن موقف عربي جامع على "دعم سوريا في هذه المرحلة من دون التدخل في شؤونها الداخلية".

 

في المقابل، كانت زيارة الوفد الأميركي إلى دمشق تحمل ملامح مختلفة، إذ على رغم أنها خطوة غير مسبوقة، خصوصاً مع استمرار إدراج اسم الشرع على قوائم الإرهاب الأميركية، إلا أن واشنطن بدت أكثر حذراً في التعامل مع القيادة الجديدة. وضع الأميركيون شروطاً واضحة لدعم الإدارة الانتقالية، شملت محاربة الإرهاب وعدم إقصاء أي من مكونات الشعب. وأشار مسؤول أميركي ضمن الوفد إلى أن "التعامل مع أي قيادة جديدة في سوريا يتطلب ضمانات واضحة بشأن حقوق الإنسان ومحاربة التطرف."

العهد الجديد أولى بالفرصة

ورفض القيادي في المعارضة السورية يحيى العريضي، محاصرة بلاده بالإملاءات والشروط في مرحلتها الانتقالية، معتبراً أن الموقف المتوقع من العرب، هو "مناصرة التوجه الجديد الذي أنهى حقبة الأسد ووكلاءه الإيرانيين، وإذا كان صانع القرار العربي أعطى الأسد فرصة على رغم العقوبات عليه من أجل إنقاذ الدولة السورية، فإن القيادة الجديدة أولى بالثقة والفرصة، بعد فشل النظام السابق، الذي لا يقارن في جرائمه بأي أحد".

كانت اللقاءات في دمشق كشفت عن تباين المواقف الدولية تجاه القيادة السورية الجديدة. فبينما أبدت دول مثل بريطانيا والسعودية استعدادها للعمل مع الشرع، بدت الولايات المتحدة أكثر تحفظاً، مشددة على تحقيق معايير محددة لضمان شرعية الإدارة الجديدة.

ومع ذلك، فإن استقبال هذه الوفود في دمشق في "قصر الشعب" يُعد مؤشراً على أن الشرع، على رغم كل التحديات، أصبح رقماً صعباً في المعادلة السورية، وسط مرحلة انتقالية قد تعيد رسم مستقبل البلاد والمنطقة بأسرها.

أميركا: هذه مطالبنا

إلى ذلك، حذرت الخارجية الأميركية في حديثها مع "اندبندنت عربية" من تحميل زيارة وفدها إلى سوريا أكثر مما تحمل، فهي بحسبها لا تعكس سوى "التزامنا المستمر بالتفاعل مع الأطراف المعنية لدفع عجلة الحلول السياسية، مع التأكيد على ضرورة مساءلة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال فترة حكم نظام الأسد، وأي تطورات مستقبلية يجب أن تتضمن خطوات ملموسة نحو تحقيق انتقال سياسي مستدام يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254".

أما في ما يتعلق برفع المكافأة عن الشرع، فإن "الولايات المتحدة تؤكد أن هذا الإجراء لا يعكس تغييراً فورياً في موقفها تجاهه أو تجاه أي شخصية محددة"، وإنما تعهدت وفق تصريحاتها الخاصة إلى "دعم عملية سياسية يقودها السوريون أنفسهم وتؤدي إلى تشكيل حكومة تمثل جميع الأطياف السورية، وتحترم حقوق الإنسان والأقليات، وتعمل على ضمان استقرار طويل الأمد في البلاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت أن رؤيتها لسوريا تتلخص في أن "تحقيق الاستقرار فيها يتطلب جهوداً شاملة تتضمن تفكيك الشبكات الإرهابية، وضمان تقديم المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وإعادة بناء البنية التحتية، وتعزيز المؤسسات الوطنية التي يمكن أن تدعم دولة مدنية تحمي حقوق شعبها"، وهو ما قالت إنها ستواصل العمل مع شركائها الدوليين والإقليميين من أجل ترجمته إلى واقع ملموس، عبر "دعم الشعب السوري في تحقيق تطلعاته نحو مستقبل أفضل".

الموقف العربي ليس موحداً

وفي اتصال هاتفي مع مساعد الأمين العام للجامعة العربية السفير حسام زكي، قال أيضاً في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" إن الحدث في سوريا "جلل، لا بد فيه من استمزاج رأي دول كثيرة، ولا سيما الدول المعنية أكثر من غيرها مثل الجوار"، جاء ذلك رداً على التهم القائلة بأن الجامعة تجاهلت التغيير في دمشق ولم تواكبه، مثل المتوقع.

وهل هناك توجه بعقد قمة عربية استثنائية؟ أضاف "لم أرصد أي توجه لعقد قمة عربية طارئة. هناك أحداث كبيرة تحصل أمامك لها تداعيات، ثم تحصل تطورات جديدة، وبالتالي التسرع في الحكم ليس محموداً، تحتاج للتروي من دون بطء في اتخاذ القرار، كي لا تضطر لاتخاذ قرار تتراجع عنه".

وأظهر التفاعل مع سقوط دمشق في يد الثوار، تفاعلاً متسارعاً من دول عربية عدة، مثل السعودية وقطر والأردن والبحرين وبشكل أقل الإمارات، فيما كانت تركيا الدولة الأكثر اتصالاً بقادة دمشق الجدد، وإن أكدت أنها على تنسيق وثيق في ذلك مع الرياض وحلفائها في الإقليم والعالم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير