Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السورية "المقنّعة" رشا ناجح تكشف وجهها

قدمت برنامج "عنزة ولو طارت" وتوقفت عن إنتاج حلقاته منذ نحو 10 سنوات وتأمل ألا يضطر الناس إلى لبس القناع

خصت رشا "اندبندنت عربية" بحوار عفوي حدثتنا من خلاله عن تجربتها وكواليس عملها (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

تلخص مقدمة برنامج "عنزة ولو طارت" حديثها عن سوريا المستقبل التي تجسد صورة الحرية التي تؤمن بها بعبارة "سوريا المستقبل هي التي يكون فيها الحاكم موظفاً لدى الشعب، من حق الناس أن ينتقدوا، وأنت تتحدث من دون خوف ومن دون أقنعة، سوريا المستقبل هي سوريا لا يضطر فيها الناس إلى لبس قناع ليوجهوا كلمة لهذا الموظف".

لم تتوقع رشا ناجح أن يأتي هذا اليوم الذي تستطيع فيه أن تكشف عن هويتها، فقدمت برنامج "عنزة ولو طارت"، وتوقفت عن إنتاج حلقاته منذ نحو 10 سنوات مكتفية بـ13 حلقة، وبعدها أصبح البرنامج بالنسبة إليها من الماضي، لكن الحدث المفاجئ وما تبعه من تطورات جعلها تسقط قناعاً وضعته مجبرة لكي تقول من خلاله ما لم يكن من الممكن قوله من دونه.

من داخل سوريا، ومن حلب تحديداً، استطاعت رشا أن تقول كثيراً مما تريد أن تقوله، لتكون صوت من لا صوت له في وقت كان فيه مجرد التعبير عن الرأي عقوبة توصل صاحبها إلى "سابع أرض"، بعد نحو 13 عاماً كشفت رشا ناجح عن شخصيتها كمقدمة لبرنامج "عنزة ولو طارت"، وخصت "اندبندنت عربية" بحوار عفوي حدثتنا من خلاله عن تجربتها وكواليس عملها وكيف استطاعت أن تقوم بهذه المهمة في واقع صعب للغاية.

 

"عنزة ولو طارت"

صورت الحلقة الأولى من البرنامج في يونيو (حزيران) 2011، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من اندلاع الحراك في سوريا، والبرنامج عبارة عن مبادرة فردية كان نواتها ثلاثة أشخاص تسميهم رشا بـ"المجانين الذين يسيرون بحمى الله"، وهم الشريكتان رشا ناجح ورشا عبدالكريم والمخرج أسامة موسى، ويقدم البرنامج نقداً لأفكار برمج عليها المجتمع السوري من قبل النظام الحاكم، بقالب شبابي يحمل قدراً من التوعية بغرض وضع النقاط على الحروف.

وتدين رشا بالفضل أولاً للإعلام الحكومي الذي أعطاها فكرة البرنامج على طبق من فضة، بسبب حالة الاستفزاز التي أثارها هذا النهج الإعلامي الذي ترى فيه نوعاً من الكذب "البواح"، أي الإتقان في تأليف الأكاذيب حتى يمكن خداع الناس ودفعهم لتصديقها، وبذلك اعتقدت رشا، وفريقها، أنهما يسدان ثغرة من خلال هذا البرنامج، إذ لم يكن هناك برامج من هذا النوع منطلقة من مبادرات فردية مستقلة، و"عنزة ولو طارت" عبارة عن مثل شعبي مرتبط بقصة رجلين ذهبا للصيد، وهناك شاهداً من بعيد كائناً أسود اللون، قال أحدهما وهو الأشد بصراً إنه غراب، بينما اعتقد الآخر أنها عنزة، وعندما اقتربا طار الكائن إلى السماء، وبذلك تأكد ظن الأول بأن ما شاهده كان غراباً، لكن الشخص الثاني، وعلى رغم رؤيته للغراب بأم عينه بقي مصراً كل الإصرار على أن ما رآه هو "عنزة ولو طارت"، وهذا المثل يطلق عادة لوصف حالة العناد والتشبث بالرأي للحظة الأخيرة على رغم أن المنطق والدلائل تثبتت خطأه.

وتوقف البرنامج عام 2014، وعن سبب إيقافه تقول رشا "الهدف من وجوده لم يعد موجوداً، إذ أنتج البرنامج بهدف سد ثغره ليكون أول برنامج شبابي غير ممول من أي جهة أو تابع لأي جهة، وناقداً حقيقياً لكل الأطراف وداعماً فقط للشعب السوري، وفي ما بعد أصبح هناك كثير من البرامج، وبدأت ترتفع الأصوات للحديث عن هذا النوع من المواضيع"، وثانياً تضيف رشا، "دخلنا في مرحلة مختلفة، بالتالي لم تعد هناك أهمية للدور الذي كنا نقوم به، كانت مرحلة نزاعات ليس لنا دور بها، إضافة إلى أنه بعد 13 حلقة أصبح الاستمرار شبه مستحيل واحتمال الانكشاف أكبر بكثير وبدأ يشتد الخطر علينا داخل البلد".

لغة الترميز

وبخصوص التحديات تعتقد رشا التي تحب أن تعرف نفسها بأنها شخص بسيط لديه رسالة بالحياة هي الجمال وكل ما يتصل به من معانٍ وقيم وأدواتها الإعلام والغناء، أن البرنامج، بحد ذاته، كان عبارة عن مجموعة من التحديات، وكل خطوة في العمل كانت مغامرة تحتاج إلى ستر من الله، فالعمل حرفياً محفوف بالصعوبات، بدءاً من تصوير البرنامج ومنتجته في الداخل السوري، إذ كان التصوير في المرحلة الأولى في دمشق، ثم انتقل إلى حلب وبقي المونتاج في دمشق، بالتالي تولدت صعوبة كبيرة في إرسال ملفات الحلقات إلى دمشق بسبب انقطاع الإنترنت من جهة، وخطورة هذا النوع من الملفات في حال كشف عنها من جهة أخرى.

ولهذا اعتمد الفريق على لغة خاصة مرمزة للتواصل في ما بينهم، فأطلقوا على ملفات الحلقات المرسلة إلى دمشق على شكل أقراص ليزرية اسم "البرازق" بداية، ومن ثم وجدوا نوعاً من عدم المنطق أن يرسل "برازق" من حلب إلى دمشق وهي موطن "البرازق"، فاستقرت مع فريق العمل على الصيغة التالية، أرسلنا إلى دمشق "كبة" (التي تتميز بها حلب) ووصلنا من دمشق "برازق"، ليصبح التراسل على شكل "البرازق طلعت" و"البرازق ع الطريق" و"البرازق وصلت" و"استلمت البرازق".

أما البرنامج فرمزه المكياج، وعلى نفسها كانت تطلق رشا اسم "هديك البنت"، وتعبر رشا هنا قائلة، "كنت أحاول إقناع نفسي أولاً بأنني لست هي ذاتها مقدمة البرنامج لأستطيع العيش نوعاً ما من الإحساس بالأمان".

العلاج بالمواجهة

أما عن اللحظة التي قررت فيها نزع القناع فتعرب رشا عن مشاعرها الخاصة بأنه لم يكن لديها أية نية للكشف عن شخصيتها بعد سقوط النظام، منطلقة من فكرة مرور زمن طويل على إطلاق البرنامج، ولا فائدة من كشف الحقيقة، لكن في ما بعد أصبح الناس يتداولون إشاعات قديمة تتحدث عن مقتل المقدمة أو اعتقالها أو وفاتها بصورة طبيعية، وحين طرح بعض المشاهير هذا الأمر تدخل أشخاص من فريق عملها وصرحوا بمشاركتهم في هذا البرنامج، وأحدهم قال إنه من تولى مهمة التعديل على الصوت، وإن هذا صوت رشا ناجح، فوجدت رشا هنا أن من الصعب إخفاء هذا السر أكثر من ذلك، وأن عليها أن تظهر لتقول بنفسها الحقيقة بدلاً من أن يتم تداول إشاعات في هذا الموضوع، لأن الداعي المنطقي لإخفاء هذا السر انتفى، ولأنها لا تستطيع منع الأشخاص الذين يريدون أن يكشفوا عن مساهماتهم في هذا العمل.

إضافة إلى ذلك أعربت رشا عن سبب نفسي عميق قائلة، "يكفي، لقد عشت سنوات طويلة في ظل الخوف، وهل يعقل أن يستمر هذا الخوف حتى بعد سقوط النظام؟"، لكنها لا تخفي أيضاً ترددها "بقيت طوال الأسبوعين الماضيين أفكر وأستشير: هل أعلن أم لا؟ ثم توصلت إلى نقطة أن هناك أفعالاً تتماشى مع المرحلة، ومن المهم إزالة القناع لكي أعرب عن أفكاري على الصعيدين الشخصي والوطني، على الصعيد الوطني لتكريس وتعزيز فكرة أنه لم يعد هناك خوف ولم يعد هناك من مانع من الحديث والتعبير عن الآراء، وعلى الصعيد الشخصي نوع من العلاج بالمواجهة، أن أقول من أنا لكي ينكسر عندي أنا أولاً هذا الخوف، إنها لحظة تحرر على الصعيد الوطني لمقدمة البرنامج كرمز من رموز الثورة، وعلى الصعيد الشخصي للتحرر من هذا الخوف".

وعن سؤال هل تحملين اليوم مسؤولية أكبر في الحديث من دون قناع تقول رشا بثقة مطلقة، "لا بالتأكيد، كان الحاكم لديَّ في كل الأحوال ضميري، بالتالي مسؤوليتي مع قناع هي ذاتها من دون قناع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سوري حقيقي ونظام جديد

واستخدمت رشا في الفيديو الذي كشفت فيه القناع عبارة "سوري حقيقي"، وأردنا أن نعرف من رشا كيف يكون السوري سورياً حقيقياً من وجهة نظرها "سوري حقيقي يعني سورياً مرتبطاً بهذه الأرض ومتجذراً فيها، وأن يكون متجذراً ليس في المكان على قدر ما هو متجذر في الهوية والانتماء، وبأن تكون خدمه سوريا هي قبلة أساسية في حياته وهدفاً حقيقياً بالنسبة إليه".

وعن كيفية مشاركتنا كمواطنين في العمل على إرساء نظام جديد، طرحت رشا مفاهيم تعدها أساسية في هذا السياق أهمها المسامحة والمحبة "ألا نكون ظالمين بعد ظلم وقع علينا، وألا نرسي نظام ظلم جديداً بعد كل هذا الظلم الذي عانيناه من النظام السابق، إذ لا يجوز أن تعتقل السلطة الجديدة معارضيها كما كان يفعل النظام السابق"، وهنا تحدد رشا الأشخاص الذين لم يكن لهم موقف واضح أو الخائفين من الإعلان عن موقفهم، وترى أن هؤلاء يجب أن يحاطوا بالتفهم "أن نتفهم كسوريين هؤلاء الأشخاص الذين في الداخل والذين في الخارج، والذين شاركوا في الثورة والذين لم يشاركوا". وتتابع، "أنا شخصياً كانت لديَّ شخصيتان، شخصية شاركت لأنها تلبس قناعاً، وبذلك استطاعت حماية نفسها، وشخصيه لم تشارك لأنها تعيش داخل سوريا ومعرضة للخطر"، بالتالي هي تتفهم جميع المواقف ولا تستطيع أن تقسو على أي شخص في هذا السياق "يؤلمني أن أسمع أحداً يقول للذين في الداخل لا يحق لكم أن تتحدثوا الآن، ويوجه لهم أسئلة من نوع لماذا لم تتحدثوا من قبل؟ أو لماذا لم تتركوا البلد"، وهنا تجيب رشا "لا لن نترك البلد، هذا بلدي وهذا بيتي، لن أترك بيتي للديكتاتور، وأنا أعلم تماماً لماذا لم يتحدث من هو في الداخل وأستطيع تفهم موقفه، لأن من كان سيتجرأ ويتحدث كانت ستخرج جثته اليوم من سجن صيدنايا". وتشير رشا هنا إلى أهمية أن "نتحدث من البداية وألا نقمع حرية التعبير عند الآخر، وأن نغير معتقداتنا باتجاه سوريا القديمة غير القادرة على التعبير، ما كان يحدث في سوريا القديمة انتهى ولا يمكن إرجاعه مرة أخرى".

الديمومة والاستحقاق

توسعت رشا في شرح وجهة نظرها بعبارة "الديمومة هي للعادل الرحيم، ولمن يثبت تفوقه الأخلاقي ولمن يثبت بعد النصر أنه استحق نصر الله"، وتقول أيضاً، "قد يتحول المظلوم إلى ظالم جديد، إذا لم يستعمل العدل والرحمة، اللذين هما قانونان إلهيان للديمومة، وبذلك لا بد من أن يحدث للظالم الجديد تماماً ما حدث لسابقه، ولو بعد حين، والذي يريد الديمومة في النجاح والتوفيق عليه أن يحمل صفة الديمومة أيضاً في العدل والرحمة، هذا على صعيد الأمم وعلى الصعيد الفردي"، وهنا تستشهد رشا بقول للداعية محمد راتب النابلسي "غير يغير عليك"، وعلى مبدأ الحديث "لا توكي فيوكى عليك".

وترى ما حصل اليوم فرصة تاريخية للسوريين، واختباراً على المستوين الفردي والجماعي "فكما نختبر بالظلم نختبر كذلك بالسلطة والقوة، فمن كان في موقف ضعف ثم تمكن، قد يظن أن هذا استحقاق أو تبادل أدوار للبطش بالآخرين، لكن الحقيقة أن الظلم اختبار لمدى إيمانك واستنادك إلى الله واليقين به، والقوة أيضاً اختبار لمدى إقامة ما يرضي الله وهل تستعمل هذه القوة وفق إرادة الله؟".

وتلخص مقدمة برنامج "عنزة ولو طارت" حديثها عن سوريا المستقبل التي تجسد صورة الحرية التي تؤمن بها بعبارة "سوريا المستقبل هي التي يكون فيها الحاكم موظفاً لدى الشعب، من حق الناس أن ينتقدوا، وأنت تتحدث من دون خوف ومن دون أقنعة، سوريا المستقبل هي سوريا لا يضطر فيها الناس إلى لبس قناع ليوجهوا كلمة لهذا الموظف".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات