Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ساعة واحدة فقط" مع نساء سوريات في الحرب

مسرحية الشخصيات المنفردة بكلامها وسط الصراع بين الضحية والجلاد

من المسرحية السورية "ساعة واحدة فقط" (خدمة الفرقة)"

ملخص

"ساعة واحدة فقط" مسرحية سورية تأليف زيد الظريف وإخراج منتجب صقر وتقدم صورة قاتمة عن الصراع بين المرأة والرجل داخل الأسرة الواحدة وفي ظل الحرب.

يجسد عرض "ساعة واحدة فقط" لكاتبه زيد الظريف ومخرجه منتجب صقر نموذجاً لرواية مسرحية تبحث عن مسوغات تقديمها. فإذا كان الفن المسرحي محاولة لتحليل أسباب المأساة باستعادة ماضي الأحداث وإعادة تركيبها درامياً على الخشبة، فإن "ساعة واحدة فقط" لجأ إلى ما يسميه الباحث الفرنسي باتريس بافيس بـ"الكلام الانفرادي" للشخصيات، وهو هنا ليس المونولوغ بل رأي الشخصية بما فعلته أو ستفعله على الخشبة، وعليه بنى القائمون على العرض فرضيتهم وفقاً لمحادثات جانبية لشخصيات تقول رأيها في العرض وتوجه الجمهور نحوه، من دون الانتباه إلى مسألة أن المسرح في جانب منه هو إعادة تنظيم للواقع وليس حواراً مباشراً مع الجمهور.

وتحكي مسرحية "ساعة واحدة فقط" عن أخ يدعى سامح (زيد الظريف) يقوم بسجن شقيقته هالة (يارا مريم) في قبو البيت الذي يقيمان فيه بعد وفاة والدهما، إذ تعرضت الأخت لحادثة سير عندما كانت برفقة حبيبها في سيارتها الخاصة مما أدى إلى إصابتها بكسور بليغة في جسدها. الأخ الملقب بـ"الحردون" يستغل آثار حادثة شقيقته التي أوكل إليها والدهما المتوفى إدارة شركاته وكتب لها كميات من المصاغ الذهبي والعقارات باسمها، مما يجعل الأخ مصراً على انتزاعها من شقيقته إذ أنه أضاع نصف ثروة الأب ولا قبل له بتحمل مثل هذه المسؤولية.

 

يبدأ العرض بوصول صبا (نورهان حمد) إلى المكان بدعوة من سامح الذي قام بجلبها كجليسة لشقيقته، كي تقرأ لها قصصاً في قبوها المظلم. ونشاهد في تكرار رتيب وممل هبوط الأخ الضخم البنية درجات القبو مقاطعاً في كل مرة حديث كل من هالة وصبا، مرة بتفقده للضيفة الشابة ومرة ثانية بادعائه الاطمئنان على هالة ومدى رضاها عن جليستها الجديدة، وأخرى بجلب فنجانين من "الزهورات" الشامية للفتاتين.

 وحتى هنا لا يزال العرض يراوح في مكانه على مستوى تصاعد الأحداث وتطورها وفي انتظار أن يحدث شيء بين شخصيات العرض الثلاث. ويبذل الممثلون جهداً إضافياً في اجترار مونولوغات لا تشي بحبكة أو فعل أو حدث أو واقعة بل كل شخصية تروي عن حالها. فالجليسة تروي عن أبيها وزوجته المسترجلة وما فعلته بها، والفتاة تروي عن حبيبها الذي مات بسبب تهورها في قيادة سيارتها بينما نجت هي من الحادثة بأعجوبة، لتطاردها عقدة الذنب إلى الأبد.

زمن وأيام

واللافت هنا هو عدم قدرة مخرج "ساعة واحدة فقط" مع التقدم في زمن العرض على إظهار تعاقب الأيام، أو التفريق بين ليل ونهار إلا من خلال الإضاءة (إياد عساودة) ولكن هذا لم يكن كافياً لتمرير الزمن، فالحوارات الأقرب إلى محادثات عادية لم تكن لتؤدي هذه الوظيفة. صحيح أن العرض غير مقسم لفصول ثلاثة أو خمسة كما في المسرح الكلاسيكي لكن من الواضح أنه كان مقسماً إلى لوحات ومشاهد، بيد أن تعاقب هذه اللوحات والمشاهد لم يكن واضحاً، فالحيز الزمني لكل مشهد أو لوحة من العرض ظل متواصلاً بسبب غياب الفعل الدرامي، إضافة إلى حركة الممثلين المشتتة على الخشبة والتي حاول منتجب صقر أن يعوض بها قلة الأفعال، للإيحاء بتعاقب أوقات النهار والليل ومضي الأيام على الأخت السجينة.

 

وكان واضحاً عدم قدرة الإخراج على تحديد فضاء اللعب، فالأخ سامح يهبط بخطوات ثقيلة على سلم القبو وهو الباب الوحيد للمكان (السجن)، بينما تدخل صبا وتخرج من يمين الخشبة ويسارها وهذا ما زاد في تشويش الفضاء وأضعف من صدقية الحدث، وعليه فإن ديكور العرض (محمد زهيري) لم يراع هذه المسألة بل زاد في مراكمة ما يشبه عفشاً مسرحياً ثقيلاً تألف من عدة كراس وكنبة سوداء وملاءات بيضاء نشرت كيفما اتفق على يمين الخشبة ويسارها، بل من دون أن تشكل هذه الأشياء كتلة توحي بالمكان المقصود تجسيده على المسرح.

وبالعودة إلى الفرضية التي وضعها مؤلف العرض ولعب فيها دور البطولة يمكن ملاحظة الضعف في بناء القصة، فما الذي يدفع فتاة تمتلك مجوهرات وشركات وعقارات أبيها المتوفى لأن تخضع وتذعن لرغبة أخيها بأن يسجنها في قبو معتم؟ وهل الظرف الذي وضعت فيه الشخصية قابل للتصديق في العشرية الثالثة من القرن الـ21؟ أين الهواتف الجوالة؟ أين السوشيال ميديا؟ أين مفردات العصر كله؟ ولماذا لم تخبر الفتاة عن سجانها؟ في الأقل كان يمكنها أن تجعل جليستها تخبر الشرطة بما حدث لها. وكيف يمكن تصديق أداء هالة وهي تتوكأ على عصا من جراء الإصابات التي ألمت بها في حادثة السير، ثم نشاهدها بعد قليل تتراكض وتتقافز برشاقة على الخشبة؟ هل يمكن اعتبار ذلك مزجاً بين الواقعي والخيالي؟

ومن الواضح أن الحدود التي رسمها كل من صقر وظريف لعرض "ساعة واحدة وفقط" ضلت حيزها الزماني والمكاني معاً، لتبقي على مقولات اجترت عن تعنيف النساء وإلحاق الأذى بهن، فبعد أكثر من ثلثي العرض (70 دقيقة) يطرأ صراع طفيف عندما تحاول صبا إقناع هالة بالتمرد على جلادها الطريف وأن تهرب من قبوها المعتم إلى فضاء الحرية. لكن ما يحدث أن سامح يكشف نية شقيقته ويحاول خنقها ما لم تعطه المجوهرات وسندات ملكية العقارات التي ورثتها عن والدهما. وفي لحظة محاولة القتل تقفز صبا لتضرب سامح على رأسه بعصا وضعت خصيصاً لتقوم الشخصية بهذا الفعل، وهنا يتم إجراء إعتام لثوان كي يتفادى المخرج لحظة واقعية ضرب صبا لسامح بالعصا على أم رأسه ثم لينهض سامح بلا أثر يذكر للضربة التي تعرض لها، أما كيف ظهرت صبا في تلك اللحظة فلم نعثر على سبب مقنع إلا رغبة كل من مؤلف ومخرج العرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معالجة كارتونية تنتهي طبعاً بعدم موت سامح، وتفضيل هالة البقاء في سجن أخيها الذي تخبرنا بأنه مريض نفسياً ويجب مداراة وضعه، مما يترك خيبة أمل عند صبا من إذعان جليستها لحياة الذل ومؤاخاة القيود التي ترفل بها بسعادة، بينما نشاهد صبا في المشهد التالي تقوم بتوضيب حقيبتها للسفر.

وبينما كان يمكن احتساب ذلك خاتمة للعرض يطل علينا سامح بعد قليل ليخبرنا عن طفولته المعذبة بعد أن توفيت والدته وأودعه أبوه في بيت جارتهم، وهنا يسرد لنا ما يشبه قصة هندية. وهنا علينا أن نسأل، لماذا يضع الأب صاحب الشركات والعقارات والذهب ابنه لتربيه الجارة؟ هل هذا مقنع أيضاً لرب أسرة يملك المال والجاه؟

وفي كل الأحوال يمكن سوق أمثلة بالجملة عن لا منطقية الأحداث وتصرف الشخصيات في عرض "ساعة واحدة فقط"، والذي انتصر في خاتمته لنموذج المرأة المطيعة الذليلة في حين كان يريد أن يقدم لنا مسرح الحياة اليومية كمثال تحريضي لكسر المرأة قيودها الاجتماعية وخلاصها من ربقة التقاليد. إلا أن هذا أيضاً لم يحدث فالأخ في العرض لا يحتجز أخته بسبب أنها أحبت شاباً من غير دينها، بل هو يحتجزها من أجل أن يسطو على التركة التي ورثتها عن أبيهما مما بدد فرصة أخيرة للتعاطف مع هالة، التي اختارت أن تكون جارية لرجل مهووس بتجميع الأموال وتبذيرها.

 وعليه يمكن القول إن شخصيات "ساعة واحدة فقط"، (إنتاج مديرية المسارح والموسيقى) عانت خللاً جوهرياً في المعالجة الفنية، مثلما عانت عدم وجود مخرج قادر على تصويب كل ذلك ضمن الشرط الفني للمسرح.

 

   

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة