ملخص
يروي الكاتب تجربته الشخصية في التفاعل مع الرجال وتكوين صداقات، موضحاً كيف قامت إعلانات تجارية في الماضي بالترويج لصداقات سطحية، بينما تجارب الحياة الحقيقية مثل العلاج والتواصل الشخصي هي ما ساعده في بناء علاقات عميقة.
عندما كنت صغيراً نشأت في منزل دون تلفزيون وكان عدد أصدقائي محدوداً، بالتالي كانت نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة بالنسبة إلي عبارة عن ساعات مطولة من لعب الورق بمفردي، وجلسات استماع لا تنتهي لأغاني شاغي في غرفة نومي، وسطور أخطها في مذكراتي عن فتاة أسرت قلبي وكياني.
ومرت الأيام، ولا أزال أواجه حتى اليوم صعوبة في التعرف إلى أصدقاء جدد أو في التواصل مع رجال آخرين، بأية صورة تتجاوز تبادل أطراف الحديث مع كأس من البيرة، والنقاش حول تشكيلة لاعبي الهجوم في فريق ليفربول. لكن لو كان لدي تلفزيون خلال تلك الفترة، ولو شاهدت إعلان "شو؟" Whassup لبيرة "بدفايزر" خلال عام 1999، لكانت الأمور ستختلف كل الاختلاف.
ففي هذا الإعلان المرح، ترى رجلاً يشرب البيرة مستلقياً على الكنبة. وتسمع في الخلفية صوت معلق رياضي. وفجأة، يتلقى الرجل اتصالاً ويعرف هوية المتصل تلقائياً، فتفترض أنه صديقه الذي يتصل به على الدوام، من ثم لا يرى أية حاجة للتفسيرات أو المقدمات، فيكتفي الصديق بسؤاله، Whassup "ما أخبارك؟".
ويلي ذلك ما يذكر بعويل الذئاب، إذ ينضم إلى المكالمة أشخاص جدد، ممن سمعوا الحديث من طريق الخطأ، أو كانوا في خضم حديث هاتفي بثلاثة متصلين، أو حاولوا الاتصال باستعمال الهاتف الداخلي لإحدى الشقق. فتراهم يملؤون صدورهم بالهواء، ويعصفون في ما يشبه نعيق الضفادع وعويل الذئاب "ما الأخباااااااااااار!" ويواصلون على هذا النحو إلى أن ينفد الهواء من رئتيهم. فيتحول الإعلان إلى عرض لصداقة بلا قيود أو خجل، عنوانها المرح والسذاجة، بين رجال تربطهم علاقة ودية، فيتصل أحدهم بالآخر لمجرد الكلام ومد أطراف الحديث.
وكثيراً ما قيل للرجال إنه عليهم التحدث أكثر. لكن قبل أن يتمكنوا من الكلام في أي موضوع، يجب عليهم أولاً أن يتعلموا كيف يتكلمون من الأساس. وأنا في العشرينيات من عمري كنت ممن يفرطون في الكلام ويحبون التوغل في التفاصيل، ويشعرون بقلق مستمر. وكثيراً ما شعرت أنني لا أعرف كيف أبدأ أي حديث، وأجهل ما علي فعله لأرتبط بصداقة مع رجال آخرين.
وكان الإعلان المذكور ليعلمني أن الرجال في حاجة إلى عبارة بسيطة وساذجة للتواصل، على غرار "ما الأخبار؟" لكسر الجليد والبدء بالكلام. من خلال السؤال بصورة كاريكاتيرية أو ساخرة- "ما الأخبار؟"، يفتح الأمر الباب لصداقة أطول، ولإفشاء الشباب لبعضهم بعضاً، وربما يمهد السبيل للسؤال "هل هناك من أمور أعمق تود مشاركتها؟"
وخلال الأعوام التي تلت عرض الإعلان، قام آخرون بتصوير رابط الصداقة هذا بين الرجال، فكنا نرى رجالاً يجلسون جنباً إلى جنب على الكنبة بعيون شاردة وأفكار متقلبة كما دواليب الروليت، يتحركون بحيوية ويسأل أحدهم الآخر عما إذا كان لديه جانب مغامر في شخصيته، كما لو أنه تناول للتو كأساً من الفودكا.
وكم كنت أتوق لصداقة من هذا النوع، لكنني في الوقت نفسه اكتشفت أن الرفقة الرياضية بين الشبان المفعمة بالأدرينالين، ليست كافية. وبالطبع، كان بإمكاني الذهاب إلى حانة مع أحدهم لمشاهدة مباراة في كرة القدم. لكننا ما كنا لنذهب إلى أبعد من ذلك.
فالحال أن قطاع الإعلان ليس معنياً بالترويج لعبارات جديدة تسمح بتحسين الحوار بين الرجال، وبإنقاذنا من مشكلات في الصحة العقلية قد تؤدي إلى تدهور أحوالنا، أو حتى بإبعادنا من شعور متزايد بالوحدة. فجل ما يهم معظم شركات الإعلان هو كسب المال، فقط لا غير. وفي المقابل، تمنحنا الإعلانات شعوراً عابراً بالانتماء إلى المجتمع، من خلال تحديات تحثنا إما على شرب البيرة أو على حلق لحيتنا، حتى لو بقي كل منا قابعاً بمفرده في غرفته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ثم، لا! ما كان التلفزيون الصغير واكتشاف إعلان "ما الأخبار!" ليجعلاني أكثر معرفة بعواطفي في الكبر. وما ساعدني فعلياً على هذا الصعيد هو مزيج من العلاج ومن تجارب التواصل الشخصي وجهاً لوجه ضمن فرق كرة قدم، وخلال اجتماعات عمل وعبر تطوير العلاقات شيئاً فشيئاً.
وعلى رغم هذا كله وجدت أصدقاء. وبالفعل، ترانا نشاهد مباريات كرة القدم ونستعمل أصواتاً سخيفة للكلام عن البيرة وعن مواضيع مضجرة. لكننا نقوم أيضاً بما لن يظهره أي إعلان يوماً، كوننا نجيب عن السؤال "ما الأخبار؟".
ونتناول مواضيع صعبة... فكيف سيضطر أندي للذهاب إلى المستشفى الأسبوع المقبل، وكيف أترقب مولوداً جديداً، وكيف أن آنت هو من هواة فريق مانشستر؟ ويسأل أحدنا الآخر كيف الحال؟ ونظهر تعاطفاً وفي بعض الأحيان نطرح حلولاً، لكننا في غالب الأحيان نكتفي بالإصغاء إلى ما يقوله الشخص الآخر.
هل لديك مشكلة وتود طرحها تحت غطاء المجهول ضمن فقرة "عزيزي فيكس"؟ هل تعاني مشكلات في الحب، والعلاقات، والأسرة، والعمل؟ املأ هذا الاستطلاع وابعث رسالة إلكترونية على العنوان: [email protected]
لويس باكستون هو كاتب نشر كتابه الأول "صبي في أوضاع مختلفة" في مايو 2021.
© The Independent