ملخص
بينما كان سيف ينزح قسراً من بيته كان جنود الجيش يجهزون أسلحتهم ودباباتهم لبدء عملية عسكرية داخل مستشفى كمال عدوان الذي لا يزال يضم نازحين ومرضى ومرافقيهم وأطباء يأكلهم القلق، إذ يجهلون مصيرهم.
عند منتصف الليل جهزت القوات الإسرائيلية روبوتات مفخخة وأرسلتها إلى سور مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، وأطلقت طائرات مسيرة من نوع "كواد كابتر" تحمل مكبرات صوت لتحوم في أرجاء المنطقة وتبث رسائل تحذيرية.
"على الموجودين في المنازل بمحيط مستشفى كمال عدوان الإخلاء الفوري وإلا سيتم نسف البيوت، عليكم التوجه جنوباً نحو مدينة غزة". كانت هذه الرسالة التي بثها الجيش الإسرائيلي عبر الـ"كواد كابتر" إلى السكان القريبين من المرفق الطبي.
نزوح المحيط
أصاب الهلع قلب سيف، فكر قليلاً "الإخلاء يعني التخلي عن البيت، من الأساس الجيش يهددني بنسف المنزل فوق رأسي"، بسرعة حمل حقيبة الظهر المخصصة للطوارئ وغادر منزل باكياً في عتمة الليل وبرد الشتاء.
في الشارع وجد سيف مئات النازحين الجدد يسيرون في طابور طويل متجهين عبر ممرات محددة إلى مدينة غزة، يقول، "كانت الدبابات توجه مدافعها نحونا، الجنود يصوبون أسلحتهم على الرؤوس مباشرة، ويأمروننا بعدم التلفت إلى اليمين أو اليسار".
سار سيف مسرعاً كما يفعل النازحون، وتعثرت قدمه بحجر ملقى على الطريق، حينها دق قلبه كثيراً، وخاف أن يطلق الجنود عليه النار، صرخ بصوتٍ عالٍ، "أنا أسقط، لقد تعثرت بحجر"، وواصل مسيره.
مشى النازحون نحو ساعتين في الليل حتى وصلوا مشارف مدينة غزة، وطوال الطريق كان جنود الجيش يرافقونهم. يضيف سيف، "تحلق طائرات (كواد كابتر) فوق رؤوسنا، كان الجيش يصورنا أثناء النزوح القسري، لم يتعرض أحد للضرب، لكن الجنود شتمونا بألفاظ نابية".
بينما كان سيف ينزح قسراً من بيته كان جنود الجيش يجهزون أسلحتهم ودباباتهم لبدء عملية عسكرية داخل مستشفى كمال عدوان، الذي لا يزال يضم نازحين ومرضى ومرافقيهم وأطباء يأكلهم القلق، إذ يجهلون مصيرهم.
بدء الاقتحام
انفجرت الروبوتات العسكرية في محيط مستشفى كمال عدوان ودمرت غالب البنايات القريبة ونسفت سور المرفق الطبي وحولت المكان إلى كومة من الركام والحجارة المتناثرة، حينها أدرك الموجودون داخل المؤسسة الصحية أن ذلك الحدث إشعار ببدء العملية العسكرية.
تقدمت الدبابات الإسرائيلية بسرعة نحو المستشفى وانتشر الجنود في المكان وحاصروا المرفق الطبي من جميع الاتجاهات، وتقدم ضابط يحمل مكبر صوت وأخذ يتحدث، "بعد قليل سنقتحم المستشفى، على الجميع الوجود في قسم الاستقبال، من يخالف التعليمات يعامل على أنه عنصر حمساوي ويعرض نفسه للخطر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم تنته التعليمات العسكرية، إذ أمر الضابط المرضى بالتجمع في زاوية معينة، والأطباء وحدهم في زاوية أخرى، أما المرافقون والنازحون فعليهم التجمع في وسط قسم الطوارئ، كان الجيش يكرر هذه التعليمات مرات كثيرة.
بقدمه دفع جندي الباب، وخلفه كان يقف عشرات الجنود مدججين بالأسلحة في وضعية إطلاق النار، لم يوجه الجيش أية تعليمات، بل اقتحمت القوات الإسرائيلية جميع مرافق المستشفى، وبعدها طلبت من الموجودين الخروج إلى الساحة الخارجية بمن فيهم المرضى والمصابين.
يعد مستشفى "كمال عدوان" أكبر المرافق الصحية في شمال غزة، ويخدم نحو 400 ألف نسمة، وتعرض لعمليات اقتحام عديدة خلال حرب القطاع مما أفقده قدرته الطبيعية على العمل، وبعد هذا الهجوم أعلنت منظمة الصحة العالمية خروجه من الخدمة بصورة نهائية، وانهيار منظومة الصحة في شمال غزة بصورة كاملة.
تفتيش وإهانات
على مرأى من الأطباء والمرضى استهدفت دبابة قسم العناية المركزة وأطلقت النيران تجاهه مما تسبب في خروجه عن الخدمة، ثم قصفت أقسام الأطفال والحضانة، واستهدفت مسيرة مولدات الكهرباء في المستشفى، وبعدها حرق الجنود قسم العمليات والمختبر والصيانة والإسعاف.
ما إن انتهى الجيش من حرق المستشفى تفرغ الجنود للنازحين، وأمروا الرجال بالانفصال عن النساء والأطفال، ثم فحصوا الذكور واعتقلوا عدداً منهم وأمروا آخرين بالتوجه إلى مدينة غزة.
أما الأطباء فقد أجبرهم الجيش الإسرائيلي على خلع ملابسهم في البرد الشديد واقتيادهم خارج المستشفى إلى جهة مجهولة، وإلى حد اللحظة لا يعرف مصيرهم، إذ لم تسفر اتصالات منظمة الصحة العالمية عن معلومات.
وفي ما يتعلق بالنساء تقول جنان، "أمر الجيش المصابين الذين يستطيعون المشي بمغادرة المكان، ثم خرجنا وسرنا مسافة طويلة، وجرى فرزنا إلى مجموعات، وطلبوا منا خلع الحجاب، وبعد ذلك تراجعوا ثم أخذونا للتفتيش، وأمرونا بكشف مناطق من أجسادنا ومن ترفض تضرب". وتضيف "كان الجنود يبدون إيحاءات جنسية، وتارة حركات سخرية واستهزاء، وبعد عملية التفتيش أعادوا النساء للجلوس لمدة ساعتين قبل السماح لنا بالتوجه إلى مدينة غزة". وتوضح أنها في طريق النزوح لاحظت أطفالاً ومعاقين ومصابين يبكون من شدة الألم وصعوبة الوضع، لكن الجنود لم يكترثوا لحالهم ولم يقدموا لهم أية مساعدة.
الجيش و"حماس"
يقول المدير العام لوزارة الصحة منير البرش إن "الجيش الإسرائيلي احتجز 350 شخصاً، بينهم 180 من الكوادر و75 مريضاً، وأجبر الجميع على خلع ملابسهم واقتيادهم إلى جهة مجهولة، وهذا انتهاك للقانون الدولي الإنساني الذي يجرم الاعتداء على المرافق الصحية".
برر الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية على مستشفى كمال عدوان بالقضاء على "حماس"، يقول المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي، "بعد ورود معلومات استخباراتية مسبقة حول وجود مقاتلين من (حماس) وبنى تحتية، نفذنا الهجوم على مستشفى كمال عدوان الذي يعتبر بمثابة مركز إداري ونقطة انطلاق عمليات للحركة".
ونفى المتحدث باسم "حماس" أسامة حمدان اتهامات الجيش الإسرائيلي، قائلاً "لا يوجد أي مظهر عسكري أو مقاتلين في المستشفى، نطالب الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق للنظر في حجم الجريمة التي ترتكبها إسرائيل في شمال قطاع غزة، وفحص إذا ما كان لدينا بنى تحتية في المنطقة أو مقاتلون".