ملخص
منذ إعلان يون الأحكام العرفية عقب خلاف مع المعارضة في شأن الموازنة، وعد البنك المركزي بضخ سيولة كافية لاستقرار الأسواق، وخسر مؤشر الأسهم أقل من أربعة في المئة منذ بداية الأزمة.
تهدد الأزمة السياسية المتصاعدة في كوريا الجنوبية بعد عزل رئيس الجمهورية وخليفته بالإنابة بعد محاولة فاشلة لفرض الأحكام العرفية، العملة المحلية والثقة بالاقتصاد.
وتراجع الوون (العملة المحلية في كوريا الجنوبية) أمس الجمعة إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ عام 2009، مسجلاً انخفاضاً شبه متواصل منذ محاولة الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
وباءت هذه المحاولة بالفشل، لكنها أثارت صدمة وأدخلت البلاد في أزمة سياسية حادة تعد الأسوأ منذ عقود.
تراجع ثقة الأعمال والمستهلكين
وتعرضت ثقة الأعمال والمستهلكين في رابع أكبر اقتصاد في آسيا لأكبر ضربة منذ بداية جائحة "كوفيد-19"، وفقاً لبيانات صادرة عن المصرف المركزي الكوري.
وصوت البرلمان في الـ14 من ديسمبر الجاري لمصلحة عزل الرئيس المحافظ يون سوك - يول الذي فرض الأحكام العرفية وأرسل قوات عسكرية إلى مجلس النواب قبل أن يتراجع عن قراره بعد ساعات قليلة قبل عزل البرلمان رئيس الجمهورية بالوكالة هان داك - سو أمس الجمعة بدعوى أنه رفض المطالب بإكمال إقالة يون من منصبه وتقديمه للعدالة. وهي المرة الأولى التي يقال فيها رئيس بالإنابة بعد عزل الرئيس الأصيل في كوريا الجنوبية، وبات وزير المال شوي سانغ - موك من يتولى الرئاسة بالوكالة، وتعهد الأخير بذل قصارى جهده لوضع حد للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد.
ومصير يون رهن بقرار منتظر من المحكمة الدستورية التي يجب عليها المصادقة على قرار عزله من عدمه في مهلة أقصاها ستة أشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت المعارضة تأخذ على هان رفضه تعيين ثلاثة قضاة من أصل تسعة في المحكمة التي ينبغي أن تتخذ قرارها في شأن عزل يون بغالبية الثلثين.
وفي حال عدم تعيين قضاة في المقاعد الثلاثة الشاغرة قبل نهاية الإجراءات، على القضاة الستة في المحكمة أن يتخذوا القرار بالإجماع حول عزل يون نهائياً من الرئاسة، وإذا صوت قاض واحد من الستة ضد قرار العزل سيتولى يون مهامه الرئاسية مجدداً.
وبعد يوم متشنج تخلله احتجاج نواب من حزب يون في قاعة البرلمان، سعى الرئيس الموقت الجديد إلى الهدوء، وقال في خطاب ألقاه بعيد تعيينه "إنهاء الأزمة الحكومية بات الآن الأولوية المطلقة"، مشدداً على أن "الحكومة ستبذل كل ما في وسعها لتخطي فترة الاضطرابات هذه". وأضاف، "على رغم أننا نواجه تحديات غير متوقعة مرة أخرى، فإننا على ثقة من أن نظامنا الاقتصادي القوي والمرن سيضمن الاستقرار السريع"، وورث شوي سانغ - موك (61 سنة) موازنة 2025 التي اقرتها المعارضة وحدها، وتقل بمقدار 4.1 تريليونات وون (2.8 مليار دولار) عما كانت الحكومة تريده.
تباطؤ عالمي في الطلب على أشباه الموصلات
وكتب غاريث ليذر من "كابيتال إيكونوميكس" في مذكرة للعملاء، "هناك بالفعل علامات على أن الأزمة لها تأثير في الاقتصاد"، مشيراً إلى تراجع ثقة المستهلكين والشركات. وأضاف، "تتصاعد الأزمة في ظل اقتصاد متعثر، إذ من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي اثنين في المئة فحسب هذا العام، مثقلاً بتباطؤ عالمي في الطلب على أشباه الموصلات".
وأشار ليدر إلى أنه "على المدى الأبعد قد يؤدي الاستقطاب السياسي وعدم اليقين الناتج منه إلى عرقلة الاستثمار في كوريا"، مستشهداً بما حدث تايلاند التي يعاني اقتصادها الركود منذ الانقلاب عام 2014، لكن محللين آخرين أشاروا إلى أن الاقتصاد الكوري الجنوبي نجح حتى الآن في الصمود في وجه الفوضى.
ومنذ إعلان يون الأحكام العرفية عقب خلاف مع المعارضة في شأن الموازنة، وعد البنك المركزي بضخ سيولة كافية لاستقرار الأسواق، وخسر مؤشر الأسهم أقل من أربعة في المئة منذ بداية الأزمة.
من جهته قال المتخصص في الشأن الاقتصادي في جامعة سيول الوطنية بارك سانغ إن إلى وكالة الصحافة الفرنسية إنني "كأي شخص آخر، فوجئت عندما اتخذ يون تلك الإجراءات المجنونة، لكن الديمقراطية كانت تتمتع بالقدرة على الصمود". ورأى، "لقد انتقلنا في غضون سنوات معدودة من كوننا دولة غير متطورة إلى أحد أكثر الاقتصادات دينامية في العالم، ويون سوك يول هو أحد الآثار الثانوية على هامش هذا النمو، كان رجلاً تقليدياً يعيش في عالمه الخاص، في السبعينيات، لكن المجتمع الكوري الجنوبي كان ناضجاً بما فيه الكفاية لمواجهة أفعاله المجنونة"، مؤكداً "على المستثمرين ألا يقلقوا في شأن الاستقرار على المدى البعيد".
إلى ذلك تعد كوريا الجنوبية تعد واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم وأكثرها ديناميكية، بعدما تحولت من دولة نامية إلى قوة اقتصادية عالمية خلال العقود الأخيرة، معتمدة على التصنيع، التكنولوجيا، والتصدير، إذ يعرف الاقتصاد الكوري الجنوبي بمرونته وتطوره السريع، مما جعله نموذجاً يحتذى في التنمية الاقتصادية.
الخصائص والملامح
يحتل اقتصاد كوريا الجنوبية المرتبة العاشرة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغ نحو تريليوني دولار أميركي في 2023. ويشكل التصنيع نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتتركز أبرز الصناعات على الإلكترونيات مثل شركة "سامسونغ"، والسيارات مثل شركتي "هيونداي" و"كيا"، إضافة إلى بناء السفن.
بينما يمثل قطاع الخدمات النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، إذ يوفر فرص عمل لغالبية السكان، أما الزراعة فهو قطاع صغير يسهم فحسب اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه يلعب دوراً مهماً في الأمن الغذائي.
وحول التجارة الخارجية تعد كوريا الجنوبية من أكبر الدول المصدرة عالمياً، لمنتجات أشباه الموصلات والهواتف الذكية والسيارات لشركاء تجاريين رئيسين مثل الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي
ونسبة البطالة منخفضة، إذ تقدر بنحو 3 في المئة بين عدد سكان 52 مليون نسمة حتى العام الحالي 2024.
أما أبزر التحديات الاقتصادية التي تواجه سيول هو تراجع معدل النمو السكاني، إذ تواجه البلاد واحدة من أدنى معدلات الخصوبة عالمياً، مما يشكل ضغطاً على القوى العاملة.