ملخص
تلوث الهواء الناتج من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى 1300 وفاة سنوياً في أميركا بحلول 2030، مما يبرز الحاجة إلى تنظيم التأثيرات البيئية لهذه التكنولوجيا المتنامية.
يقول باحثون إن مراكز البيانات اللازمة لدعم صناعة الذكاء الاصطناعي ربما تترتب عليها أضرار بيئية مكلفة تقود بدورها إلى خسائر في الأرواح البشرية.
تبين أن تلوث الهواء المنبعث من هذه المراكز التي تُنشأ في مختلف أنحاء الولايات المتحدة من شأنه أن يتسبب سنوياً بنحو 1300 وفاة سابقة لأوانها بحلول عام 2030.
وفي هذا الصدد قال آدم ويرمان، الذي يشغل منصب مدير قسم "علوم وتكنولوجيا المعلومات" في "معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا"، "عندما نتحدث عن الأضرار الناتجة من [تطوير واستخدام] الذكاء الاصطناعي، نلاحظ أن التركيز كان كبيراً على مؤشرات من قبيل انبعاثات الكربون واستهلاك المياه. وعلى رغم أن هذه الكلف مهمة حقاً، فإنها ليست العوامل التي ستؤثر سلباً في المجتمعات المحلية حيث يُصار إلى إنشاء مراكز البيانات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت هذه النتائج جزءاً من تقرير حديث شارك في كتابته ويرمان مع علماء من "معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا" و"جامعة كاليفورنيا" في ولاية ريفرسايد، ولكن لم يخضع بعد لمراجعة النظراء.
والمعلوم أن إنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل أنظمة الحوسبة وخوادم الذكاء الاصطناعي يتطلب استهلاكاً ضخماً من الكهرباء. كذلك تتضاعف متطلبات القدرة الحاسوبية للذكاء الاصطناعي كل 100 يوم، وذلك وفق تقييم صادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" في أبريل (نيسان) الماضي. أضف إلى ذلك أن جزءاً كبيراً من إنتاج الكهرباء [محطات توليد الكهرباء] يعتمد على الوقود الأحفوري الذي تنبعث منه غازات الدفيئة.
ولا يخفى على أحد أن الوقود الأحفوري يؤدي دوراً في تغير المناخ، ومن شأنه أن يسبب أمراضاً في الجهاز التنفسي، علاوة على أنه ينتج جسيمات مسببة للسرطان، ويسهم [عند حرقه في محطات توليد الكهرباء ووسائل النقل] في تكون الضباب الدخاني [مزيج من الضباب والدخان يؤثر سلباً في جودة الهواء وصحة الإنسان] والأمطار الحمضية، ويلوث الممرات المائية [الأنهار والجداول والبحيرات]. وقد تبين أن تلوث الهواء الناجم عن الوقود الأحفوري يودي بحياة الملايين، تحديداً شخص واحد من كل خمسة أشخاص حول العالم، وذلك وفق دراسة تعود إلى عام 2021 اضطلع بها علماء في "جامعة هارفارد" ومؤسسات علمية وأكاديمية في المملكة المتحدة.
صحيح أن مستقبل المراكز التي تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عملياتها لتخزين البيانات وتحليلها ومعالجتها ما زال غامضاً إلى حد ما، وأن عدداً أكبر من الشركات يتجه نحو مصادر الطاقة النووية والنظيفة للتخفيف من التأثيرات السلبية التي تخلفها تلك المرافق في البيئة، غير أنه من المتوقع أن تتفاقم تلك الأضرار بمرور الوقت. في هذا السياق، تشير التقديرات الأخيرة الصادرة عن وزارة الطاقة في الولايات المتحدة إلى أن استخدام الطاقة في مراكز البيانات ربما يتضاعف مرتين أو ثلاث مرات بحلول عام 2028. وفي العام الماضي وحده، أنتجت مراكز البيانات ما لا يقل عن 106 ملايين طن متري من انبعاثات غازات الدفيئة، علماً أن هذا الرقم يعادل الانبعاثات التي تطلقها صناعة الطيران التجارية المحلية، وفق الباحثين في "جامعة هارفارد" و"جامعة كاليفورنيا" في لوس أنجليس.
وذكر التقرير أن توليد كمية الكهرباء اللازمة لتدريب نموذج لغوي كبير بحجم "لاما-3.1" (Llama-3.1) من ابتكار شركة "ميتا" أدى إلى تلوث الهواء بما يعادل حجم التلوث الناجم عن أكثر من 10 آلاف رحلة ذهاباً وإياباً بالسيارة بين مدينتي لوس أنجليس ونيويورك. ولم تقدم "ميتا"، التي تتطلع إلى بناء مركز بيانات جديد في ولاية لويزيانا، أي رد سريع على طلب "اندبندنت" للتعليق.
وفي حين يقدم الذكاء الاصطناعي فوائد جمة، شدد ويرمان على ضرورة "التأكد من أن أمورنا [المتعلقة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي] جاهزة ومنظمة بصورة صحيحة، والحرص على رصد التأثيرات السلبية التي يخلفها، وقياس حجمها، وتقليصها، إضافة إلى توزيعها بصورة عادلة".
ويوصي الباحثون في التقرير بضرورة مطالبة شركات التكنولوجيا بتقديم تقارير حول تلوث الهواء الناجم عن توليد الطاقة واستهلاكها، إضافة إلى تقديم تعويضات للمجتمعات التي ربما تكون الأكثر تضرراً بتلوث الهواء الناتج من مراكز البيانات. وأشاروا إلى أن مجتمعات معينة منخفضة الدخل ربما تكون أكثر عرضة، مقارنة مع المجتمعات الأخرى، لتأثيرات تلوث الهواء الناجم عن الذكاء الاصطناعي، مع العلم أن التلوث ينتشر عبر حدود المقاطعات والولايات.
وفي بعض المناطق، فإن الكلف الصحية العامة التي تتسبب بها هذه المراكز ربما تتجاوز المبالغ التي تدفعها شركات التكنولوجيا مقابل الكهرباء اللازمة لتشغيل هذه المنشآت، على ما وجد الباحثون. وذكر التقرير أن هذه الكلف تقترب من 20 مليار دولار سنوياً.
أما تقدير حجم هذه الكلف الصحية فقد توصل إليه الباحثون باستخدام أساليب إحصائية طورتها "وكالة حماية البيئة" الأميركية، التي تأخذ في الحسبان الأخطار الوبائية المعروفة المرتبطة بتلوث الهواء الناتج من محطات الطاقة ومولدات الديزل الاحتياطية.
وجدير بالذكر أن صدور هذه النتائج جاء قبل وقت قصير من تقرير نشرته المؤسسة الإخبارية "إي أند إي نيوز" التابعة لموقع "بوليتيكو" Politico’s E&E News، الذي ذكر أن البيت الأبيض يدرس احتمال اتخاذ إجراء تنفيذي يقضي بتسريع بناء هذه المراكز. ووصف البيت الأبيض تصريحات المصادر الواردة في التقرير بأنها "غير دقيقة"، بيد أن الديمقراطيين حثوا إدارة الرئيس جو بايدن على إعادة النظر في هذا المسار المحتمل.
"بينما تدرس إدارتكم كيفية دعم هذه التكنولوجيا، نحثكم من جهتنا على التزام المعايير الأساسية التي تضمن نظافة الهواء والمياه، والحرص على عدم إعطاء الأولوية لحاجات شركات التكنولوجيا من الطاقة على حساب حاجات الأسر"، كتب السيناتورات شيلدون وايتهاوس، وبريان شاتز، وبيتر ويلش وإد ماركي وإليزابيث وارن.
وقد أصدرت الولايات المتحدة تشريعاً يهدف إلى التخفيف من التأثيرات السلبية التي يتركها الذكاء الاصطناعي في البيئة، وكان شاولي رين، علماً أنه أستاذ مشارك في "جامعة كاليفورنيا" وأحد الباحثين الذين شاركوا في إعداد التقرير، قد اقترح سابقاً حلولاً للشركات ترمي إلى مكافحة "الظلم البيئي" المرتبط بالذكاء الاصطناعي.
وأوضح "إذا كان أفراد في عائلتك يعانون الربو أو حالات صحية أخرى، فإن تلوث الهواء الناتج من مراكز البيانات هذه ربما يلحق الضرر بصحتهم في الوقت الحالي. في الحقيقة، إننا إزاء مشكلة صحية تؤثر في المجتمع بأسره وتستدعي معالجتها بصورة عاجلة".
© The Independent