ملخص
مع اقتراب ولاية ترمب الثانية، نبدأ بالتساؤل عن كيفية مواجهتها بدءاً من التجاهل والتفاؤل إلى التحضير للأسوأ، مع التركيز على أهمية التعاطف والاحترام في مواجهة التحديات السياسية
بحسب الأبراج الصينية، يطل علينا في 2025 عام الأفعى. وهو لقب مناسب لأنه أيضاً العام الذي سيعود فيه دونالد ترمب زحفاً إلى البيت الأبيض (في خطوة قد تسمم العالم بأسره).
منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني)، لم تخيم صدمة قوية على العالم مثلما حدث عند فوز ترمب بولايته الرئاسية الأولى. كان ذلك في وقت بدا فيه من المستحيل أن يتمكن رجل لا يمتلك أدنى خبرة في السياسة - وبدا منبوذاً في جميع الدوائر تقريباً - من الفوز بالبيت الأبيض. لكن هذه المرة، على رغم كل الأمل الذي رافق ترشح كامالا هاريس عن الحزب الديمقراطي، بدا فوز ترمب حتمياً.
لو كنت شخصاً صاحب فكر تقدمي وتعيش في الولايات المتحدة، عليك التعامل مع هذا الأمر بشكل ملموس ومباشر، مع اقتراب تنصيب "السيد دونالد". لكن بالنسبة إلى بقيتنا، نحن الذين نسكن على الطرف المقابل من المحيط، فربما يساورنا الشعور نفسه بالفظاعة تجاه وجود ترمب في المقعد الرئاسي، لكن تداعيات هذا الواقع ربما لا تنعكس علينا بشكل مباشر تماماً. وفي أي حال، كيف عسانا نتعامل مع الخوف الذي يلاحقنا بشأن كل الأمور التي قد تواجهنا في الفترة المقبلة؟
إحدى الاحتمالات هي أن نبذل جهدنا كي نتجاهل الموضوع تماماً. وفقاً لآخر تقرير للأنباء الرقمية Digital News Report من معهد "رويترز"، يختار ما يقارب 40 في المئة من الأشخاص حول العالم أن يتفادوا النشرات الإخبارية بعض الوقت على الأقل.
وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم تزاحماً للأحداث البشعة، ليس هذا الخيار بمفاجئ- ولا سيما عندما يكون كم كبير من هذه الأنباء السيئة التي نقرأ عنها أو نراها خارج نطاق سيطرتنا. فالكوارث المرتبطة بتغير المناخ والمشكلات الاقتصادية والحروب الفظيعة وتحويل البشرية بأسرها إلى مؤسسات تجارية خاصة على يد أصحاب المليارات أمور كفيلة بأن تجعلنا نشعر أننا مجردون من قدرة التحكم والسيطرة. وفي هذه الحال، ربما من الأفضل تفادي التفكير في الشؤون الدولية والاكتفاء بالتركيز على الوجبة المقبلة أو عدد الطيور التي تراها خارج نافذتك.
وهناك احتمال آخر في ما يتعلق بترمب، وهو أن تقنع نفسك بأن ولايته لن تكون بالسوء الذي يتنبأ به أشد المتشائمين. يمكن أن تعيد النظر بولايته الأولى مع التغاضي عن رؤية كل ما أحاط بها، وتلاحظ أن الولايات المتحدة- كما بقية العالم- قد استمر بعدها.
صحيح أنه نشر معلومات كاذبة حول شتى المواضيع، وأنه لم يحسن حال الاقتصاد وأن مناصريه شنوا هجمات غوغاء على مبنى الكونغرس. لكنه في النهاية لم يجتَح كندا، بالتالي ربما لم تكن فترة سيئة تماماً...
طبعاً، سيقول لك معلقون سياسيون كثر إنك حتى لو ألقيت نظرة وردية إلى الماضي ستكون الولاية الثانية أسوأ بكثير من الأولى ولا سيما أنها ليست الأولى- فهذه المرة، ليس مضطراً لمراعاة إعادة الانتخاب (إلا في حال وقعت أزمة دستورية على أكبر المستويات). لو كنت من سكان كندا أو بنما أو غرينلاند، ربما يصعب عليك الشعور بالغبطة في ضوء تصريحات ترمب الأخيرة. لكن مع ذلك، يمكننا أن نتفاءل ونعتبر أنه كلام أجوف - أليس كذلك؟
أما الخيار الثالث فهو النقيض تماماً: افترضوا أسوأ الاحتمالات. ربما ليست الطريقة الأمثل كي تستغرق في نوم هادئ لا يؤرقه شيء على مدار السنوات القليلة المقبلة. لكنك سوف تكون مستعداً لأي مشكلات قد تحل بكوكب الأرض بسبب ترمب وأعوانه.
عليك بدخول ملجئك المحصن وإقفال الباب بإحكام، وبعد ذلك، فيما تأكل خبزك اليومي، يمكنك أن تقضي الوقت في مطالعة كل تلك الكتب التي وضعتها على قائمة القراءة منذ الأزل. وبحلول نهاية عام 2028، ستكون قد فرغت من قراءة كتاب "الخدعة 22" Catch-22 أو "أن تقتل طائراً بريئاً" To Kill a Mockingbird وغيرها، وعندها يمكنك فتح الستائر لتتفقد حجم الأضرار. (وإن وجدت دونالد ترمب الابن في موقع المسؤولية فيما يعمل إيلون ماسك وحزب "البديل من أجل ألمانيا" على تأسيس مستوطنات ذكاء اصطناعي على القمر، فيمكنك العودة إلى الداخل مجدداً).
والخيار الأخير هو أن تواجه الواقع الذي قد يكون صعباً بابتسامة وجَلَد وتحاول أن تكون عكس ترمب: متعاطفاً وصادقاً وهادئاً ومحترماً. لا تتسرع في إطلاق الأحكام، شجع الآخرين، اسعَ للوحدة وعالج الانقسامات. باختصار، لا تسر على خطى الرجل الذي يتجه نحو البيت الأبيض، إنما على خطى رجلين أميركيين عظيمين بحق هما بيل وتيد، أصابا عندما قالا إن الحل هو ببساطة أن "نتعامل مع الآخر بأفضل طريقة ممكنة" (و"استمتعوا بالحياة" طبعاً).
["بيل وتيد" هما شخصيتان رئيسيتان في سلسلة أفلام كوميدية أميركية بُثت في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. وكانا عبارة عن مراهقين عاديين يتسمان بالبراءة والبساطة ويحاولان نشر رسالة إيجابية تعتمد على اللطف والاحترام المتبادل]
إن كنا قادرين على جعل العالم مكاناً ألطف في عام الأفعى، فربما يتمكن كائن بحجم ترمب من أن يقتنع بالتصرف بشكل سليم.
© The Independent