Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بحثا عن الرجولة... مفهوم ملتبس في واقع معقد

سرد بصري بعيون فنانين شباب يكشف عن اختلاف صورة الرجولة بحسب طبيعة المجتمع والقيم السائدة فيه التي تغير بعضها مع تطور المجتمعات

صورة للفنان الجزائري محسن حاج تصور الرجولة في أصالة المناطق التقليدية (اندبندنت عربية)

ملخص

على مدار الزمن اختلفت صورة الرجولة بحسب طبيعة المجتمع والقيم السائدة فيه التي تغير بعضها مع تطور المجتمعات فكيف اختزلها فنانون شباب في صورة؟

عند الحديث عن الرجولة فإنه يتبادر إلى الأذهان كثير من الصفات الحميدة التي تميز من يحملها وتمنحه وساماً ومكانة واحتراماً من المتعاملين معه، سواء أكانوا يعرفونه بصورة شخصية أم لمستهم أخلاقه الرفيعة في تعاملات يومية عادية، لكن ماذا إن طلب تقديم عمل فني يصور شكل الرجولة وكيف يمكن اختزالها والتعبير عنها بصورة مكثفة في صورة؟

على مدار الزمن اختلفت صورة الرجولة بحسب طبيعة المجتمع والقيم السائدة فيه التي تغير بعضها مع تطور المجتمعات، إما لأنها غير مناسبة مع العصر، أو بفعل حصول قطاع كبير من النساء على بعض حقوقهن المشروعة مثل التعليم والعمل، ففي عصور ساحقة كانت القوة الجسمانية ميزة للرجل تمنحه أفضلية لتعدد الأخطار المحيطة بالإنسان، إذ كان أقدر على مواجهتها، لكن حالياً في عصر التكنولوجيا‏ والذكاء الاصطناعي أصبحت الغلبة للعقل، واتخذت الأخطار شكلاً آخر، بالتالي اختلفت متطلبات مواجهتها.

إذا كان المطلوب هو النقيض بتقديم صورة فوتوغرافية تمثل الأنوثة فإنه غالباً ما ستكون الصورة النمطية لأنثى شديدة الجمال بقوام ممشوق ومظاهر شكلية في المقام الأول مستوحاة من نمط تعريف الجمال السائد في مجتمع أو زمن معين، وعند تخيل شكل الرجولة الذي يمكن أن تعكسه صورة فغالباً سيتبادر إلى أذهان كثيرين رجال ضخام البنية بعضلات مفتولة وربما بشوارب كثيفة، وقد يتصور آخرون بعض نجوم السينما من ذوي الوسامة الشديدة الذين عرفهم الناس وتغيرت هيئتهم على مر السنوات بحسب الشائع في الموضة والذوق العام.

لكن الأزمة هنا أن الرجل الشرقي لا يقبل أن يقيم بصفات شكلية، ولا يعتبر أن الهيئة والمظهر الجيد أمر يجب أن يدخل في الحسبان من الأساس، على رغم ما يضعه من قيود على الأنثى في هذا الإطار، فهي يجب أن تكون كاملة الأوصاف، ويعد شكلها وهيئتها معياراً رئيساً في أنوثتها.

الرجولة إعادة سرد

في إطار الفعاليات التي تقام كل عام سنوياً لمدة 16 يوماً بالتواكب مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة استضافت سينما راديو بالقاهرة معرضاً بعنوان "الرجولة إعادة سرد" من تنظيم فوتوبيا بالتعاون مع جهات عدة مهتمة بالمرأة، وعكست الصور التي قدمها المصورون رؤى شخصية لهم لمفهوم الرجولة سواء من منظور فردي أم جماعي بصورة مفاهيمية وتوثيقية وتجريدية أو رمزية.

إلى جانب جودة الصور المعروضة وتنوعها فإن من أهم ما قدمته هذه الفعالية هو إبرازها تصورات متعددة عن الرجولة بعيون شباب الفنانين، فكيف يرون فكرة الرجولة؟ وما تصورهم عنها؟ وهل يختلف الذكور عن الإناث في رؤيتهم وفهمهم لمفهومها؟

 

يقول الفنان أحمد كوتة، أحد المشاركين في المعرض، "لخصت صورتي الرجولة في نموذج الأب المتواصل مع أبنائه من خلال هذا الرجل الجالس على البحر مع أطفاله، وعند التأمل في الصورة سنجد ابنه الصغير يسند على كتفه في حالة من الثقة والأمان والحب وكلها معان للرجولة، بعض الآباء يعتقد أن إنفاقه على أسرته هو الرجولة، ولا يدرك أن معناها أشمل بكثير، فلحظات السعادة التي يعيشها الأطفال مع أبيهم في نزهة بأبسط الإمكانات، ومشاركته لهم في اهتمامات متعددة وحديثه معهم لا يقل في الأهمية عن إنفاقه عليهم، وهو بالنهاية ما سيتذكره هؤلاء الأطفال، وما سيكون له تأثير كبير في علاقتهم بوالدهم".

ويوضح كوتة، "أحاول من خلال الصورة نقل إحساس معين للناس. كان لدي اهتمام عام بفكرة الأبوة، وصورت مشروعاً متكاملاً عنها، وكلها صور جاءت مصادفة، ومن بينها صورة هذا الأب. بصورة شخصية تأثرت بعلاقتي بأبي في طفولتي، وما زلت أذكر اصطحابه لي في أماكن متعددة، وانعكس هذا على علاقتي به لاحقاً بصورة كبيرة".

الرجولة امرأة!

حينما يفكر فنان في تقديم عمل فني يعبر عن الرجولة فإن المتوقع هو البحث عن نماذج أو تصورات ذكورية لتقديم الفكرة، وهي كثيرة ومتنوعة بالفعل على رغم أزمات كثيرة في المفاهيم تعانيها المجتمعات العربية في ظل تشارك الأدوار وأحياناً تبادلها في الوقت الحاضر، مما يجعل كثيراً من المفاهيم أصبحت ملتبسة، إلا أن فناناً شاباً مصرياً كان له تصور آخر قرر إلقاء الضوء على فئة من السيدات تقوم بدور الرجل والمرأة معاً، وتكون الأم والأب لأبنائها بكل ما يمثله هذا من مسؤولية وحمل ثقيل يقمن به بمنتهى الرجولة.

 

يقول الفنان عمر طارق، "صورتي لسيدة من الدرب الأحمر تدعى أم شروق في منظوري هي أكثر رجولة من كثير من الرجال، هي سيدة تبيع الخضراوات للإنفاق على أبنائها، الذين تعولهم بالكامل بعد أن وضعتها الحياة في ظروف صعبة، الرجولة هي تحمل المسؤولية ومواجهة المواقف الصعبة وحسن التصرف، وهذا ما تفعله أم شروق وغيرها كثيرات واجهن المواقف الصعبة برجولة، فليس من الصواب أن نحصر مفهومها في الشكل والهيئة ولا العنف أو الصوت العالي، وكل الأشكال النمطية المعتادة".

ويستكمل "بعضهم تعجب عندما عرف أنني سأشارك بصورة لسيدة في معرض عن الرجولة، لكن هذا واحد من أهم أدوار الفن، وهو أن نعمل على تصحيح المفاهيم، ونقدم قصصاً تغير من تصورات الناس عن أفكار معينة، الرجولة أمر يختلف كلياً عن الذكورة، ومن يسمع حكايات الناس يجد كثيرات مثل صاحبة الصورة".

الرجولة بعيون الأنثى

عند تقديم عمل فني يجسد فكرة الرجولة بعيون فنانات إناث فإن أول ما سيتبادر إلى الأذهان أنهن سيصورن رجالاً مفتولي العضلات أو شديدي الوسامة مثل نجوم السينما، إلا أن غالب الصور التي جاءت بعيون نسائية كان غالبها لرجال شديدي العادية، مثل آلاف النماذج التى نشاهدها يومياً في الشوارع والمواصلات العامة والأسواق والمصالح الحكومية.

يثير هذا تساؤلاً ربما يحتاج إلى تعمق أكثر عن كيف ترى شابات هذا العصر الرجولة؟ وما الذي يحكم نظرتهن إليها، تجيب الفنانة آلاء وهبة "صورتي كانت لرجل عادي متوسط العمر عائد لمنزله في مترو الأنفاق بعد يوم عمل طويل يحمل باقة من الزهور، وهو مشهد غير شائع للأسف في مجتمعنا، يحمل الرجل الزهور بثقة وحرص غير عابئ بنظرات الناس أو غرابة المشهد لبعضهم، في نظري هذه قمة الرجولة ربما كانت الورود البيضاء التي يحملها للاعتذار أو للاحتفال بمناسبة معينة أياً كان السبب فإنه مشهد جدير بالتقدير باعتبارها لفتة جميلة وشكلاً من أشكال الرجولة".

 

وتشير "هناك أزمة حقيقية في ما يتعلق بمفهوم الرجولة في مجتمعاتنا للأسف، وهو يحتاج إلى إعادة صياغة، هناك من يعتقد أن الرجولة هي التحكم وفرض الرأي، إلى جانب أن كثيراً من الرجال يتعامل بصورة من الاستحقاقية لمجرد كونه رجلاً، ويرغب في الحصول على امتيازات على رغم أن العكس هو الصحيح، فهو من المفترض أن يتحمل المسؤولية، ويبذل الجهد الأكبر، لأن هذا من سمات الرجولة، للأسف بعض الأمهات تنشئ أبناءها الذكور على هذا الفكر، الذي ينتج منه مشكلات كثيرة تنعكس على المجتمع بكامله".

بينما تقول الفنانة ندى ثاقب "صورتي كولاج لأكثر من صورة، إذ قمت بتصوير نفسي في ملابس رجالية وصورت وجهي في مرآة والصورة ترمز إلى تبادل الأدوار الذي يحدث برغبتنا أحياناً وبغير رغبتنا في أوقات أخرى، لم يعد هناك حد فاصل بين الذكورة والأنوثة، والأدوار اختلطت بصورة كبيرة خصوصاً في حالة كثير من السيدات، وعلى رأسهم الأمهات، لم يعد هناك شكل واضح للفرق بين الرجولة والأنوثة ومن مطلوب منه أن يقوم بماذا وإنما تداخلت الأدوار، في الوقت نفسه على كل طرف أن يضع نفسه مكان الطرف الآخر ويفكر بماذا يشعر أو كيف يري العالم فربما يؤدي هذا إلى نقطة التقاء".

وتضيف "يجب ألا نحكم على مفهوم الرجولة بالشكل والهيئة الخارجية كما هو شائع، إنما نحكم على الشخص بإنتاجه وأفعاله ومواقفة، هذا هو المقياس الحقيقي، كتجربة شخصية من أكثر من قابلت رجولة في حياتي هي أمي وهي من علمتني معان كثيرة للرجولة، بعض المشاركات الأنثوية شعرت أنها تحاول إلقاء الضوء على ما يتمنون وجوده في الرجل، أو اعتباره سمة أساسية من سمات الرجولة، فبعض الصور عكست معان مثل الإخلاص والوفاء والحنان، وكلها بالفعل من سمات الرجولة التى ترى كثيرات حالياً أنها أصبحت مفتقدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أصالة الرجولة

لا تختلف كثيراً التصورات السائدة عن مفهوم الرجولة بين الدول العربية المختلفة، فهي على الغالب تتفق في كثير من النقاط، وإن اختلفت في بعض الأمور كنتيجة لاختلاف طبائع البيئات وشكل وطبيعة العادات السائدة في بلد معين خلال فترة زمنية محددة.

ضم المعرض الذي جرت إقامته بعض المشاركات لفنانين عرب من بينهم الفنان الجزائري محسن حاج، إذ يقول "الرجولة بالنسبة إلي وخصوصاً في صوري تبرز من خلال الشخصيات القوية والصلبة التي تظهر في بيئاتها الثقافية والتقليدية، حيث الرجولة هنا ليست مجرد صورة جسدية، بل تعبر عن القوة الداخلية والأصالة والانتماء، والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع والعادات".

ويوضح "بما أني مهتم بالتراث الجزائري ركزت على إظهار جانب من تقاليدنا بما في ذلك الزي والأماكن  والعادات والتقاليد، واخترت هذا الشكل للتعبير عن الرجولة، لأن البيئة والمظاهر التقليدية تضيف عمقاً أصيلاً للموضوع، استخدمت الأبيض والأسود في بعض الصور، لأنه يضفي طابعاً درامياً، ويبرز ملامح القوة والجدية، أما الألوان الدافئة فهي تجسد الروح الثقافية والحياة الواقعية المحيطة بهؤلاء الرجال، المشاهد تحمل مزيجاً من القوة والهدوء، وكأنها رسالة بأن الرجولة ليست فقط مظهراً خارجياً، بل تحمل بعداً ثقافياً وروحياً".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات