Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشارب... قوس الرجولة الأعز حاضرا وغائبا

شوارب ذهبت وأخرى نبتت وترعرعت وخضعت لقواعد الموضة لكن وراء كل منها قصة متفردة لا يعلمها إلا صاحبها

حكايات من أمضوا أعواماً من عمرهم بشارب ثم حلقوه تحمل كثيراً من الحنين والألم والشجن (أ ف ب)

ملخص

سواء مضت هذه الشعيرات قدماً لتتحول شارباً معتبراً "يقف عليه صقران"، أو اقتصرت على خط رفيع يكاد لا يرى بالعين المجردة، أو اختفت بحلاقة جذرية، تظل شوارب الرجال إثباتاً لمكانة ذكورية ومرتبة تضع الرجال في خانة مختلفة عن النساء،

يقولون إنه دليل رجولة وفحولة وقوة طاغية، ويقولون أيضاً إنه علامة وسامة دونجوانية ونضارة رومانسية وقسوة ناعمة، وبين البينين يحمل الشارب رسائل يقول بعضها أنا نبيل وراق، أو أنا غليظ وجلف، وأحياناً عديم الإحساس، فيما يشير بعضهم الآخر إلى معان طبقية أو سياسية، ولا يخلو الأمر أحياناً من الإيحاءات الجنسية.

وعلى رغم أشكاله الحميدة من أصلي وحدوة الحصان وراعي البقر والقلم الرفيع والشيفرون، وحتى موضاته الحديثة من ملتو ومدبب ومحدد، فإن هناك أشكالاً يعتبرها بعضهم مؤرقة أو مزعجة، لأنها منسوبة إلى قادة لا يتمتعون بالضرورة بسمعة طيبة أو مسيرة سياسية أو عسكرية حسنة، وأبرزهم ستالين وهتلر.

هتلر وباب الشر

شارب هتلر المصنف "مربعاً" والمسمى "فرشاة الأسنان" أحد أشهر شوارب التاريخ المعاصر، وهي شهرة دخلت التاريخ من باب الشر، ويرجح مهتمون بأمور الشوارب واللحى أن يكون هتلر باختياره لهذا الشكل من الشوارب قد دمر سمعة الشارب "فرشاة الأسنان" للأبد، في الأقل بين الجموع الكارهة أو الرافضة أو المنددة بأيديولوجيته النازية وسياساته، وربما تشفع القصة التي سردها الكاتب موريتز فراي، رفيق هتلر في فرقة المشاة البافارية، عن الشارب الشهير، وتعيد له قدراً من مكانته وشعبيته.

 

 

يقول فراي الذي توفي عام 1957 في ورقة غير منشورة تم الكشف عنها قبل أعوام، إن "اختيار هتلر في الأصل كان لشارب بافاري ممتلئ، لكن رؤساءه في فرقة المشاة البافارية أمروه بقص شاربه حتى يتمكن من ارتداء القناع الواقي من الغاز ويغطي فمه بشكل كامل"، والمثير أن هناك من الشوارب ما يغطي الفم بشكل كامل، وهو من أشكال الشوارب التي تثير تساؤلات ربما يحول الحرج دون طرحها علناً، مثل هل يدخل شعر الشارب الفم أثناء الأكل؟ وماذا عن الشرب؟ وهل يدخل شعر الشارب إلى داخل الفم أثناء الكلام؟ وغيرها من الأسئلة التي تبقى إجاباتها حبيسة دواخل أصحاب الشوارب التي تغطي أفواههم.

من الصقرين إلى الخط الرفيع

أفواه تعلوها شوارب، وكل منها له غاية ويحمل رسالة، وأخرى خالية منها تماماً، وثالثة لم تحسم أمرها بين شعيرات خفيفة في طريقها إما إلى مزيد من النمو أو ستلقى حتفها على يد شيفرة حامية، وسواء مضت هذه الشعيرات قدماً لتتحول شارباً معتبراً "يقف عليه صقران"، أو اقتصرت على خط رفيع يكاد لا يرى بالعين المجردة، أو اختفت بحلاقة جذرية تجعل صاحبها عرضة لقيل "شنب بلا فلوس يحتاج له موس"، و"رجل بلا شنب كقط بلا ذنب"، تظل شوارب الرجال، باستثناء ميل في مجتمع الميم للشوارب، إثباتاً لمكانة ذكورية ومرتبة تضع الرجال في خانة مختلفة عن النساء.

نساء كثيرات لهن وجهة نظر في شوارب الرجال، فهناك من تفضل زوجها بشارب أو من دون، وهناك من تنجذب لرجل بشارب أو حليقه، وهناك من تهدد رفيقها بالهجر إن أصر على الاحتفاظ بشاربه، أو تساعده في تصميم شكل الشارب والعناية به، ومجموعة العناية بالشارب تختلف كلفتها بحسب الشارب والقدرة المادية لصاحبه، مشط ومقص وغسول وكريم ومنعم ومطري ومرطب، كل بحسب قدرته الشرائية ومعزة شاربه بالنسبة إليه، فمنها المنتجات الشعبية رخيصة الثمن ومنها النخبوية باهظة الثمن.

 

 

يخطئ من يظن أن الشارب مجرد قرار حلاقة أو عدمها، لكنه باستثناءات قليلة جداً يكون قراراً ذا تبعات مادية ومعنوية، فمادياً نجد كلفة في رعاية الشارب وإدارة شؤونه وتهذيبه كبيرة على رغم درجاتها وفئاتها المختلفة، أما معنوياً فحكايات من أمضوا أعواماً من عمرهم بشارب ثم حلقوه تحمل كثيراً من الألم والشجن، حتى أولئك الذين اكتشفوا بعد مرحلتي الإنكار والغضب الأولين في رحلة الحزن أن قرار الحلاقة كان صائباً، تجد عيونهم اغرورقت بالدموع وهم يتذكرون شواربهم التي كانت.

شارب لا يموت

شوارب ذهبت وأخرى نبتت وترعرعت وخضعت لقواعد الموضة وتوجهات الصرعات الغريب منها والمريب، ومسابقات تعقد لاختيار أغرب شارب تعقد في دول عدة، وما يعتبره بعضهم الأغرب هو في نظر آخرين الأعظم، وليس هناك أدل من شارب الفنان الإسباني السوريالي سلفادور دالي المدبب المحدد الذي يصفه بعضهم بـ"الشرير"، فقد عُرف سلفادور دالي بروعة لوحاته المفعمة بالخروج على المألوف، وشاربه وحده نافس لوحاته في درجة الغرابة في حياته وكذلك مماته.

في عام 2017 كشف خبراء إسبان في مجال الطب الشرعي كلفوا باستخراج جثمان دالي المتوفى عام 1989 لجمع عينات لاستخدامها في دعوة إثبات نسب أبيه، أن شاربه لا يزال موجوداً وبارزاً وبالهيئة نفسها، "وكأنه مضبوط على الساعة الـ 10:10 تماماً".

 

 

10 حقائق عن الشوارب لا يعلمها كثيرون، بمن فيهم أصحاب الشوارب، وبحسب دورية "هيلث دايجست" فإن نقص فيتامين ""D يسهم في عرقلة نمو شعر الشارب، والنوم ليلاً لساعات كافية يساعد كثيراً في نمو شعر الوجه، ولا سيما الشارب، ولون الشارب كثيراً ما يختلف عن لون شعر الرأس، فمثلاً هناك من يحمل شارباً يميل إلى الحمرة على رغم أن شعر رأسه لونه بني قاتم أو أسود، وهناك من الأطعمة ما يعزز هرمون التستوستيرون الذي يؤثر بدوره إيجاباً في نمو الشارب، مثل الأسماك الدهنية والأفوكادو والبيض والخضراوات الورقية الداكنة، ويلعب الشارب، ولا سيما إن كان كبيراً وكثيفاً، دور الواقي من أشعة الشمس الخطرة للمنطقة الواقعة أسفله، ومعظم أصحاب الشوارب يلمسون شواربهم مئات المرات يومياً من دون أن يلحظوا ذلك.

وتشير إحدى الدراسات إلى أن متوسط عدد اللمسات يبلغ 760 مرة في اليوم الواحد، وتلعب الشوارب دوراً كبيراً في عامل الجذب الجنسي قبولاً ونفوراً، ويتسلل الشعر الأبيض إلى الشارب قبل الرأس، ويمكن للصلع أن يصيب منطقة الشارب وليس الرأس فقط، وسمك شعر الشارب يفوق شعر الرأس بمراحل، والصبر مفتاح الوصول للشكل الأمثل للشارب المبتغى، فعلى رغم أن شعر الوجه ينمو أسرع من شعر الرأس إلا أن عمليات التصفيف والتهذيب للوصول إلى الشكل المرجو من الشارب تستغرق وقتاً طويلاً.

النيل من الشارب

الوقت الطويل الذي يستغرقه نمو الشارب ثم الوصول به إلى الشكل المرجو يجعل من أخطاء التهذيب والتشذيب عند الحلاق لا تغتفر، فما بالك بالنيل المقصود من شارب أحدهم؟ التاريخ الحديث والقديم عامر بقصص وحكايات بعضها حقيقي والآخر ورد في الدراما، عن معارك وصل بعضها درجة بالغة من العنف بين الأسر بسبب الشوارب، وفي صعيد مصر لا يزال هناك من يتحدث عن "شنبه"، معتبراً إياه رمزاً لشرفه ورجولته وكرامته، وهو ما يعني أن التخلي عنه يلحق الضرر بالقيم السابق ذكرها.

ويشار إلى أن أحكاماً شعبية كان تصدر في القرى والنجوع على من يرتكب خطأ ما في عرف القرية وأهلها، تشمل حلق الشارب أو حلق نصفه ليكون عبرة للجميع، فمكانة الشارب في كثير من المجتمعات والثقافات راسخة، أو كانت راسخة، ويعتقد بعضهم أن هذه المكانة تتغير بفعل الصرعات والموضات أو التطور الطبيعي الذي يحدث في الدول والمجتمعات، لكن هناك من التغيرات ما يحدث بسبب إطلالات دينية أو بالأحرى تغيرات تطرأ على المفاهيم ذات الصبغة الدينية.

 

 

عقب ظهور رجل مصري من سوهاج في صعيد مصر وهو الملقب بـ "صاحب أطول شنب" على شاشة التلفزيون متحدثاً عن شاربه، باغته سيل من تعليقات بعض مستخدمي "فيسبوك" مؤنبين إياه على "مخالفة ما ورد في القرآن"، وما ورد في القرآن، بحسب هؤلاء، هو حلق الشارب وترك اللحية، وهو ما لم يرد في القرآن، كما يختلف عما يقال إنه ورد في السنة النبوية.

ومن الدين وتفسيراته المثيرة للجدل والخلاف إلى الثقافة وتنويعاتها التي تقضي بالتخلص من الشارب تماماً لاعتبارات عدة، وتجعله "سيد الوسامة وعنوان الأناقة" حيناً آخر، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذاع صيت شارب "باشا مصر" لدرجة تحولت معها وجوه ملايين الذكور إلى صور مستنسخة من بعضهم بعضاً، وينسب هذا الشارب للممثل أمير كرارة الذي ظهر به في مسلسل "كلبش" عام 2018، واكتسب شكله هذا المسمى الذي تحول طلباً يطلب في محال الحلاقة، ورمزاً يكتب على مركبات الـ "توك توك" الشعبية مع ملصق شارب.

ملصق وصرعة وكيان

الشارب ليس مجرد ملصق أو صرعة، فله مكانة بارزة في التاريخ، ويرتبط بعلاقة قوية بالجغرافيا، ومن ثم الثقافة والعادات، وكذلك السياسة التي قد تتغير من تبجيل الشارب إلى ازدرائه أو تعديل مواصفاته، بحسب المرحلة التاريخية، فقد كان الرجال في تركيا يحرصون على تربية الشوارب والاحتفاظ بها، ليس فقط لتأكيد رجولتهم كما هي الحال في ثقافات عدة في العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً للتعبير عن ميولهم السياسية، ويتطرق تقرير منشور في "فورين بوليسي" عنوانه "الشفة العليا القاسية" (2011) (تعبير للدلالة على الشخص الذي لا يكشف أو يعبر عن مشاعره) إلى مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك الذي "كان كل جانب من جوانب حياته محملاً بأهمية تاريخية، ولم تكن شفته العليا استثناء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير المجلة إلى أن الشارب الكبير المرتفع الذي ميز وجه أتاتورك وقت كان قائداً شاباً في الجيش في مطلع القرن الـ 20 كان شائعاً في العصر العثماني، وكان على غرار شاب القيصر الألماني فيلهلم الثاني، مما عكس تأثير الثقافة الألمانية على المثقفين الأتراك في ذلك الوقت.

وتضيف، "لكن بحلول الوقت الذي تولى فيه أتاتورك منصبه كحاكم استبدادي لجمهورية تركيا الجديدة عام 1923، كان شاربه قد قُلص إلى نمط محافظ بينما كان يسير بتركيا نحو التحرر الاقتصادي والسياسي، وخلال الأعوام التالية حلق شاربه بالكامل كنموذج رمزي لترك تركيا ماضيها العثماني في سبيل مستقبل حديث".

الشوارب التركية

في "المستقبل الحديث"، وبحسب تقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس" (2017)، فإن القوميين الأتراك كانوا يحرصون على أن تكون شواربهم طويلة ومتجهة إلى أسفل مثل الهلال على العلم التركي، في حين يميل اليساريون إلى إطالة شواربهم الكثيفة على غرار الشارب الذي اشتهر به ستالين.

 

 

ومن شارب ستالين إلى شارب أردوغان، وهو أيضاً الشارب المميز على رغم خفته وعدم بروزه بشكل واضح على وجهه نظراً إلى تطابق لونه ولون بشرته، فقد أشارت في تقريرها إلى أن "شارب أردوغان الخشن والمنسق يحظى بشعبية كبيرة بين الأتراك المحافظين والمتدينين، واللافت أن الغالبية العظمى من الوزراء الأتراك بشوارب، وبعضهم لم يكن بشارب من قبل، لكن ظهرت شواربه بعد أشهر من تقلد المناصب الوزارية، كما تشير تقارير تحليلية في منصات إعلامية غربية إلى أن الوزراء الأتراك ربما شعروا بأهمية إظهار الدعم للرئيس، فأطلقوا العنان لشواربهم في رسالة دعم جماعي غير مباشر، والتقارير نفسها تقول إن هذا ليس من قبيل الصدفة في بلد ينظر إلى شعر الوجه (الشوارب واللحى) بكثير من الاعتبار والأهمية السياسية.

حساسية الشارب العراقي

شارب آخر لا يكتفي بحمل كثير من الأهمية السياسية، لكن لا يخلو من حساسية أمنية ووجودية، وهو شارب الرئيس العراقي السابق الراحل صدام حسين، وعلى رغم أن العراقيين، شأنهم شأن شعوب أخرى، ينظرون بعين الفخر والاعتزاز للشارب، وكلما كان أكثر كثافة كلما كانت دواعي الفخر أكبر وأعلى، إلا أن شارب صدام حسين شغل الملايين، بدءاً بالدوائر المقربة منه وقت حكمه، وهي الدوائر التي ظهرت على وجوهها شوارب صورة طبق الأصل من شارب الرئيس، مروراً بعقب الإطاحة به وإسراع بعضهم إلى حلق شواربهم الصدامية على سبيل الاحتياط، وانتهاء بالبداية حيث شعبية الشوارب الكثيفة لأسباب ثقافية وتاريخية، ولا يزال الشارب في العراق يحظى بمكانة متفردة، سواء في الثقافة أو في السياسة.

للشوارب سياسة، أو في السياسة مكون اسمه الشوارب، إذ ربطت دراسة أكاديمية أجراها باحثون في قسم العلوم السياسية في جامعة "أوكلاهوما" وعلى رأسهم أستاذة العلوم السياسية ربيكا هريك، بين السياسة وشعر الوجه، ولا سيما الشوارب، ورصدت الدراسة وعنوانها "حافة شفرات الحلاقة: سياسة شعر الوجه" تراجعاً على مدار قرن في رغبة الساسة في الاحتفاظ بشعر الوجه، سواء الشوارب أو اللحى.

 

 

وعلى رغم أن الدراسة ربطت بين الانصراف عن الشوارب بين الساسة في الغرب، وبين حصول النساء على حق التصويت في الغرب، على اعتبار أن الشوارب تجعل الرجال يبدون أكثر ذكورية وقوة ودعماً لاستخدام العنف في التعامل، مقارنة بالرجال من غير أصحاب الشوارب، إلا أن لسياسة الشوارب أوجهاً أكثر تنوعاً وثراء ولا سيما حين يتعلق الأمر بثقافات دول مختلفة.

فهم سياسة شعر الوجه له آثار سياسية مهمة، ومنها معرفة طريقة حكم الناخبين على السياسيين من الذكور، وجزء من الحكم يتخذ بناء على انطباعات تتعلق بالمظهر والشكل، ولأن الانطباع الذي يعطيه الشارب يمكن التحكم فيه، إن سلبياً عبر تغيير شكل الشارب أو التخلص منه كلية عبر شفرة الحلاقة، وعلى أية حال يبقى الشارب على وجه السياسي، إن لم يكن علامة أو رسالة للقوة الذكورية، فهو في الأقل يعطي هذا الانطباع.

الانطباعات التي تعطيها شوارب شارلي شابلن أو صدام حسين أو هالك هوغان أو كلارك غيبل أو فريدي ميركوري أو جمال عبدالناصر أو بيرت رينولدز أو أينشتاين أو محمد أنور السادات أو مارتن لوثر كينغ جونيور أو غيرهم، مختلفة باختلاف شارب كل منهم، واللافت أن الارتباط بين الشارب ومفاهيم القوة والخشونة والصرامة بل والعنف أحياناً، تفكك وفقد بريقه وتحول البريق صوب الشارب الموضة أو الصرعة، والذي يتحدث كثير من الشباب من حامليه عن شعورهم بأنه يجعل شكلهم أكثر وسامة أو ودية أو دفئاً أو ترحيباً، أو كل ما سبق.

المزيد من تحقيقات ومطولات