Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثة استحقاقات مصيرية تواجه لبنان في بداية 2025

الفرصة ما زالت قائمة، لكن نجاح عملية الإنقاذ يتطلب قرارات شجاعة ومسؤولية وطنية تضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبار

 ثلاثة استحقاقات مصيرية خلال عام 2025 ستحدد مصير لبنان ودوره الاقليمي (الوكالة الوطنية اللبنانية)

ملخص

اليوم، يجد اللبنانيون أن الفرصة عادت من جديد، وبعد سنوات صعبة، لإعادة البلاد إلى سابق عهدها مع التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة، فهل سيتمكن البلد من استغلال هذه التحولات لمصلحته، أم سيبقى رهينة لأزماته المتجذرة؟

يدخل لبنان عام 2025 مثقلاً بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أرهقته لسنوات. ومع ذلك، تلوح في الأفق استحقاقات مفصلية قد تشكل نقطة تحول في مسار البلد نحو الأفضل، أو تعيده إلى دوامة الصراعات الداخلية والتبعية الخارجية. وفي ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها الشرق الأوسط، وتغيير موازين القوى الإقليمية والدولية، تبدو التحديات التي تواجه لبنان أكبر من أي وقت مضى. 

علماً أن لبنان الذي يتغنى به اللبنانيون والعرب هو لبنان الستينيات والسبعينيات، الذي كان واحة للديمقراطية والحريات والازدهار، وكان مركز الشركات العملاقة العالمية ومحور السياحة في المنطقة، قبل أن تفقده الصراعات والحروب دوره وحضوره الفاعل ويصبح مرتعاً للميليشيات ومصدراً لزعزعة استقرار الدول العربية ومركزاً لتهريب وإنتاج المخدرات والموبقات.

اليوم، يجد اللبنانيون أن الفرصة عادت من جديد، وبعد سنوات صعبة، لإعادة البلاد إلى سابق عهدها مع التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة، فهل سيتمكن البلد من استغلال هذه التحولات لمصلحته، أم سيبقى رهينة لأزماته المتجذرة؟

الاستحقاق الرئاسي

يُعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية أولى وأهم الاستحقاقات التي تنتظر لبنان. فهو لا يعكس فقط المشهد الداخلي وتوازن القوى، بل يُعتبر مؤشراً على مدى انسجام بيروت مع المتغيرات الإقليمية والدولية.

إذا نجحت المعارضة اللبنانية في إيصال مرشحها إلى الرئاسة، وهي لم تعلن بعد عنه، فإن ذلك يعني انتقال لبنان إلى عهد جديد يتماشى مع رؤية "الشرق الأوسط الجديد" التي تتصدرها المملكة العربية السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان. رؤية تهدف إلى تحويل المنطقة إلى مركز اقتصادي وسياسي عالمي يشبه "أوروبا الجديدة". ويُتوقع أن يشكل هذا الخيار فرصة حقيقية للبنان للاندماج في مشاريع تنموية وإصلاحية قد تخرجه من العزلة الاقتصادية والسياسية.

أما في حال اللجوء إلى انتخاب رئيس "توافقي"، أي رمادي اللون، فإن ذلك يعكس استمرار سياسات المراوحة التي سادت البلاد منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم. فرؤساء التوافق غالباً ما يكونون محكومين بشروط مسبقة من كافة الأطراف، مما يحد من قدرتهم على اتخاذ القرارات الضرورية للإصلاح. تجربة الحكومات التوافقية أو ما يُعرف بـ"حكومات الوحدة الوطنية" أثبتت أنها حكومات تعطيل، حيث يمتلك كل طرف قدرة التعطيل بما يحول دون تنفيذ أي مشاريع حقيقية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والسيناريو الأكثر خطورة يتمثل في نجاح قوى "المنظومة الحاكمة" في الالتفاف على المتغيرات الدولية والإقليمية لتهريب رئيس يضمن استمرارها في السلطة. مثل هذا السيناريو يعني العودة إلى نظام المحاصصة والفساد، والارتهان للإرادات الخارجية، بخاصة تلك المرتبطة بمحور إيران.

لذلك، يبدو أن انتخاب رئيس سيادي، يؤمن بضرورة توطيد العلاقات العربية والدولية، ويمتلك برنامجاً سياسياً واقتصادياً وإصلاحياً، بات ضرورة ملحّة. رئيس من هذا النوع يمكن أن يقود لبنان نحو الاندماج في "الشرق الجديد" ومشاريعه الاقتصادية والسياسية.

استحقاق وقف إطلاق النار

الاستحقاق الثاني الذي يواجه لبنان هو انتهاء مهلة الـ 60 يوماً في 27 يناير (كانون الثاني) 2025، التي تحدد مصير الالتزامات اللبنانية تجاه اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.

وفي هذه المسألة اتصال بالملف الرئاسي، فعدم انتخاب رئيس سيادي قادر على احترام الاتفاقيات الدولية وتنفيذ بنودها قد يُدخل البلاد في مصير مجهول، وهناك مخاوف جدية من أن تتذرع إسرائيل بعدم التزام لبنان واستقرار وضعه الداخلي لتبرير استمرار احتلالها لـ72 قرية في الجنوب أو حتى استئناف العمليات العسكرية. وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تبقى الدولة اللبنانية في موقف ضعيف بخاصة إذا استمرت قدرة إيران على التأثير داخلياً، مما قد يشكل عقبة أمام التوصل إلى سلام مستدام في الجنوب.

على الجانب الآخر، فإن انتخاب رئيس سيادي قد يسهم في تهدئة الأوضاع، والتوصل إلى حلول تعزز الاستقرار، وتعيد الثقة الدولية والإقليمية بلبنان كدولة قادرة على احترام التزاماتها.

إعادة الإعمار والوضع الاقتصادي

يمثل الوضع الاقتصادي الاستحقاق الثالث والمصيري للبلاد. فمع انهيار الليرة اللبنانية، وتفاقم أزمة السيولة، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، بات من الضروري اتخاذ قرارات جذرية لإعادة بناء الاقتصاد.

إعادة إعمار البلاد وتنشيط اقتصادها مرتبطان بشكل وثيق بالاستحقاقات السياسية. فيما انتخاب رئيس يتمتع برؤية اقتصادية إصلاحية قد يفتح الأبواب أمام تدفق الاستثمارات والمساعدات الدولية. كما أن الالتزام بتنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار وضبط الحدود، بخاصة تلك التي يسيطر عليها "حزب الله" وتُستخدم للتهريب وتبييض الأموال، سيعزز من مصداقية لبنان أمام المجتمع الدولي.

أما الاقتصاد الموازي الذي أنشأه الحزب عبر مؤسساته الخاصة مثل "القرض الحسن"، فيشكل تحدياً كبيراً لأية محاولات لإصلاح الاقتصاد اللبناني، واستمرار هذه الأنشطة يعكس إصرار الحزب على التحكم بمفاصل الاقتصاد، ما يحرم الدولة من موارد هائلة ويزيد من عزلتها عن النظام المالي العالمي.

الشرق الأوسط الجديد

في ظل التحول إلى الشرق الأوسط الجديد، يبدو أن هناك فرصة تاريخية أمام لبنان للالتحاق بركب التطور والازدهار. هذا التحول، الذي يقوم على تعزيز الاقتصاديات المحلية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والبنى التحتية، يمكن أن تشكل فرصة للبلاد لاستعادة دورها كمركز اقتصادي وثقافي في المنطقة.

لكن لتحقيق ذلك، يجب على لبنان أولاً أن يحسم خياراته الداخلية، أهمها التخلي عن سياسة المحاصصة والارتهان، والالتزام بإصلاحات جذرية، وانتخاب رئيس قادر على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل، كلها خطوات أساسية لاستغلال هذه الفرصة.

لكن ما المطلوب؟

للعودة إلى دوره الريادي، يحتاج لبنان إلى خريطة طريق شاملة:

      1.   إصلاح النظام السياسي: يجب التخلص من نظام المحاصصة الطائفية واعتماد ديمقراطية حقيقية تتيح تداول السلطة.

      2.   استقلال القرار: عبر إنهاء هيمنة "حزب الله" وحصر السلاح بيد الدولة.

      3.   تجديد الطبقة السياسية: من خلال انتخابات نيابية مبكرة تُفرز قوى شابة تحمل رؤية وطنية.

      4.   إصلاح اقتصادي شامل: يتطلب جذب الاستثمارات، مكافحة الفساد، وتعزيز القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة.

      5.   تعزيز العلاقات مع المحيط العربي: عبر إعادة بناء الثقة والانخراط في مشاريع التنمية الإقليمية.

الشرق الأوسط الجديد يتشكل بسرعة، ولبنان أمام فرصة ذهبية ليكون جزءاً منه. لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة شعبية ودعماً دولياً وإقليمياً، إلى جانب قيادة سياسية جريئة قادرة على مواجهة التحديات.

إن العودة إلى "سويسرا الشرق" ليست مستحيلة. التاريخ يشهد أن لبنان قادر على النهوض من تحت الركام. ولكن هذه العودة مرهونة بتغيير جذري في العقليات والسياسات. الوقت ليس في مصلحتنا، لكن الفرصة ما زالت قائمة.

ليبقى السؤال: هل يمتلك اللبنانيون الإرادة للتغيير؟ وهل تستطيع الطبقة السياسية ترك مصالحها الضيقة لمصلحة مستقبل البلاد؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد مصير البلاد في السنوات المقبلة.

إذاً لبنان أمام مفترق طرق مع بداية عام 2025. الاستحقاقات الثلاثة - الرئاسة، الالتزامات الدولية، والاقتصاد - تشكل تحديات وجودية ستحدد مصير البلاد لسنوات طويلة.

الفرصة ما زالت قائمة، لكن نجاح عملية الإنقاذ يتطلب قرارات شجاعة ومسؤولية وطنية تضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبار. في ظل التحولات الإقليمية والدولية، يحتاج لبنان إلى قيادة قادرة على استغلال الفرص، والاندماج في رؤية الشرق الأوسط الجديد، وإنقاذ البلاد من أزماتها المتجذرة. فهل يكون 2025 بداية جديدة للبنان، أم استمراراً للأزمات؟

اقرأ المزيد

المزيد من آراء