Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتخاب رئيس أم التزام ببرنامج في لبنان؟

لم تعد لخيارات "المحور الإيراني - السوري" السطوة ولا المقبولية المدعاة لفرض صورة الإدارة في بيروت

لم يكن اختيار رئيس للدولة في لبنان منذ الاستقلال بعيداً من المنافسات والصراعات والانقسامات الداخلية (رويترز)

ملخص

غلبة الخارج على موازين القوى الداخلية التقليدية نتيجة التدخل المباشر عسكرياً وسياسياً ومادياً، لم تسفر سوى عن زيادة الشروخ في الجسم اللبناني المريض وسلب القرار من المؤسسات الشرعية، لمصلحة فئة تحولت مع الوقت إلى دولة فوق الدولة.

النواب اللبنانيون هم من ينتخبون رئيساً لجمهوريتهم. وللانتخاب قواعد يضعها دستور أقره النواب أنفسهم، وأدخلوا إليه تعديلات كثيرة منذ إقرار نسخته الأولى قبل نحو 100 عام في زمن الانتداب الفرنسي. ومع ذلك ما كان هؤلاء النواب في غالبية المحطات الدستورية قادرين على حسم أمورهم وجعل انتخاب الرئيس عملية نيابية لبنانية صرفاً، فقد كانت العوامل الخارجية ذات الامتداد الداخلي حاسمة في كثير من الأحيان، إلى أن وصلت البلاد إلى الحال التي تعيشها اليوم والتي على طريقة الخروج منها يتوقف مستقبلها ككيان موحد، وكدولة سيادة مستقلة تعتمد نظاماً برلمانياً تنطلق أسسه من اتفاق الطائف الذي وضع حداً لحرب داخلية (خارجية) استمرت 15 عاماً.

يعيش لبنان منذ الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) 2022 من دون رئيس للدولة. وفي الأثناء تدير شؤونه حكومة مستقيلة منذ انتهاء ولاية الرئيس الأخير ميشال عون. وهي حكومة تصريف للأعمال لم تنل ثقة مجلس نواب انتخب قبل انتهاء الولاية الرئاسية بأشهر، ولم يتح له القيام بواجبه في اختيار رئيس بديل، ولا قول رأيه في تسمية رئيس جديد لحكومة جديدة. ولا يعود السبب في ذلك إلى تعدد آراء النواب وتنوع كتلهم، بل إلى تسلط فريق سياسي يقوده "حزب الله" وتشرف عليه إيران، ينفذ مشروعاً انقلابياً للإمساك بجميع مفاصل الدولة، وهو ما تمكن من تحقيق حلقات أساس فيه تدريجاً منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري قبل نحو 20 عاماً.

لقد كانت ذروة نجاحات هذا الفريق فرضه ميشال عون رئيساً في عام 2016 بعد منع أي شخص من منافسته، وتعطيل الانتخابات لمدة عامين ونصف العام. ويومها احتفى الإيرانيون بنصرهم اللبناني ومثلهم فعل نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ولم يتأخر الرئيس اللبناني الجديد، وقتها، في تقديم رمزية موقعه غطاء لمعارك إيران في سوريا والإقليم. ودفاعاً عن دموية النظام السوري اندفع "حزب الله" في القتال من أجله بتوجيه إيراني، قبل أن ينخرط في معارك العراق واليمن ثم يفتح جبهة أخرى في لبنان دفاعاً عن "محور الملالي" باسم التضامن مع حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة، ليصل في النهاية إلى جعل لبنان ضحية لحرب إسرائيلية شعواء تكررت فيها مشاهد الحرب التي استجلبتها مغامرة "حماس" إلى القطاع.

ربط "حزب الله" ومن ورائه إيران انتخاب الرئيس اللبناني بحصيلة مشاركته في حرب غزة، وأوقف الحياة السياسية كلياً لمصلحة مسار تلك الحرب متوهماً أنه سيحقق انتصاراً يترجمه في الداخل بالإتيان بممثل لمصالحه في رئاسة البلاد، لكنه وقع في خطأ بل خطيئة تكررت مراراً.

لم يكن اختيار رئيس للدولة في لبنان منذ الاستقلال بعيداً من المنافسات والصراعات والانقسامات الداخلية، لكن هذه الانقسامات لم تمنع التوصل إلى تسويات عندما بقيت ضمن حدود النزاع الداخلي الطبيعي. وعندما تحول النزاع الداخلي إلى منصة لمشروع أجنبي نتيجة رهان طرف طائفي أو حزبي على دعم خارجي، أو ربط لتوازنات الداخل بالحسم الخارجي، زادت صعوبة الاتفاق إلى حد الاستحالة. وبات الخارج شريكاً حاسماً في اختيار الرئيس بل وفرضه، وانتهى دور المجلس النيابي إلى مجرد صندوق بريد لتلبية إرادة هذا الخارج وتابعه الداخلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت مرحلة السيطرة السورية على مقاليد الأمور في لبنان نموذجية في هذا المعنى. لقد عين النظام السوري ثلاثة رؤساء للبنان، مدد لرئيسين منهم ثلاثة أعوام إضافية لكل منهما في ما مجموعه 25 عاماً، وسرعان ما ورثت إيران دور السوريين لدى خروجهم من لبنان إثر اغتيال الحريري. محطة طهران الأولى كانت كسر المعنى السياسي للاختيار الشعبي في الانتخابات النيابية ونسف جوهر اتفاق الطائف. وتم ذلك لدى اختيار ميشال سليمان رئيساً في اتفاق الدوحة المناقض لتفاهمات "الطائف"، ثم كرس نهائياً في فرض عون خليفة له بعد فراغ رئاسي مديد.

غلبة الخارج على موازين القوى الداخلية التقليدية نتيجة التدخل المباشر عسكرياً وسياسياً ومادياً، لم تسفر سوى عن زيادة الشروخ في الجسم اللبناني المريض وسلب القرار من المؤسسات الشرعية، لمصلحة فئة تحولت مع الوقت إلى دولة فوق الدولة.

الآن وعشية محاولة جديدة تأخرت عامين ونيف لانتخاب الرئيس، يدخل الخارج على المعادلة الداخلية في صورة هزيمة كاسحة للمحور الإيراني على يد المحور الإسرائيلي المدعوم دولياً، في معركة على أرض لبنان، لم يختارها اللبنانيون ورفضها أكثرهم منذ اندلاعها. المعركة هذه لم تقتصر نتائجها على هزيمة المشروع الإيراني وممثله في لبنان، بل امتدت لتشمل إخراج إيران من سوريا.

لذلك، لم تعد لخيارات "المحور الإيراني - السوري" السطوة ولا المقبولية المدعاة، في فرض شكل الإدارة اللبنانية. بل إن التحولات الحاصلة خصوصاً بعد موافقة "حزب الله"، وإيران ضمناً، على تنفيذ القرار 1701 كاملاً كشرط لوقف الحرب الإسرائيلية، تجعل من هذا التنفيذ نقطة أولى في جدول أعمال السلطة اللبنانية المقبلة بدءاً من رأسها، رئيس الجمهورية، الذي سيُختار بدءاً من التاسع من يناير (كانون الثاني) الجاري. واختيار الرئيس الجديد سيكون عملياً اختياراً لبرنامج عمل متكامل يبدأ بالالتزام بتنفيذ المقررات الخاصة بوقف الحرب في الجنوب، وينتهي باستعادة الدولة وهيبة مؤسساتها لتقوم بما تلكأت عنه طوال أعوام من معالجة للأزمات الداخلية المتفاقمة، ومن استعادة لهوية لبنان في عمقه العربي والدولي.

ولكي ينجح المجلس النيابي في تحقيق مهمته الجليلة سيحتاج إلى توافر قناعة راسخة لديه أن لا بديل عن التزام الدستور واتفاق الطائف كصيغة تأسيسية، كما أن على "حزب الله" ومن معه أن يقر بأن تراجعه عن الالتزام بمشروع إقليمي مدمر ليس تنازلاً أمام إسرائيل، كما يحاول القول الآن، وإنما عودة للدولة الراعية بالتساوي لجميع أبنائها، وتنازلاً ضرورياً لهذه الدولة بالذات.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء