ملخص
-تعتقد تيارات أردنية أن تزايد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن قد يشكل تهديداً للهوية الأردنية، في حين يرى مراقبون أن تنوع المجتمع الأردني يثري النسيج الثقافي والاجتماعي للبلاد.
-في الآونة الأخيرة برز تيار أكثر تطرفاً يدعو إلى سحب الجنسية الأردنية من كل الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، ويزعم هؤلاء في تعريفهم للمواطن الأردني بأنه من كان أردنياً قبل تأسيس المملكة عام 1946، وليس من حصل على الجنسية الأردنية بعد ذلك التاريخ.
عاد الجدل مجدداً حول مفهوم "الهوية الجامعة" في الأردن على وقع سجال يدور رحاه منذ نحو عام على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بين من يطالبون بدولة المواطنة والمؤسسات للأردنيين جميعاً بغض النظر عن أصولهم وجذورهم، ومن يخشون تذويب الهويات الفرعية في البلاد وتمرير مشاريع كالتوطين والوطن البديل.
ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وبدء الحرب على قطاع غزة، ومع تزايد التهديدات الإسرائيلية للأردن سياسياً وديموغرافياً، تصاعد هذا الجدل بصورة غير مسبوقة وسط مخاوف من أن تؤدي الأحداث في المنطقة إلى موجة لجوء جديدة للفلسطينيين إلى الأردن الذي بات نحو ثلث سكانه من اللاجئين.
وحسب المجلس الأعلى للسكان يستضيف الأردن نحو 57 جنسية مختلفة ويعد المستضيف الأكبر للاجئين الفلسطينيين في العالم.
تحديث المنظومة السياسية
يعود مفهوم "الهوية الوطنية الجامعة" إلى عام 2021 حين طرح من قبل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بهدف تعزيز الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع في وجه تيارات ما زالت مصرة على تقسيم الأردنيين وفق أصولهم ومنابتهم.
وجاء مفهوم الهوية الجامعة كجزء من مشروع وطني موحد يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والولاء للدولة الأردنية، وذلك من أجل تعزيز شعور الفرد بالانتماء إلى الأردن كدولة ومجتمع، بعيداً من أية انقسامات أو هويات فرعية.
لكن ثمة من يخشى أن يكون تعزيز الهوية الجامعة مقدمة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، مما قد يؤثر في حقهم في العودة ويؤدي إلى تغيير ديموغرافي في البلاد.
ويعد آخرون أن التركيز على فكرة الهوية الجامعة قد يؤدي إلى تهميش الهويات الثقافية والاجتماعية للمكونات المختلفة في المجتمع الأردني.
إلا أن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أوضحت في حينه وبهدف تبديد المخاوف، أن مصطلح الهوية الجامعة ليس جديداً، وأن لا علاقة له بقضية التوطين أو الوطن البديل.
وتقول اللجنة الملكية إن الهوية الوطنية الجامعة ليست بديلاً عن الهويات الفرعية بل إطار جامع يحتضن التنوع، ويعني أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون مما يرسي العدالة الاجتماعية ويعزز الانتماء للدولة الأردنية.
في حين يقول عراب تحديث المنظومة السياسية في الأردن سمير الرفاعي الذي شغل منصب رئيس الوزراء إبان فترة "الربيع العربي"، إن الهوية الأردنية دائماً هوية جامعة مبنية على أساس المواطنة الفاعلة والعدالة والمساواة.
ويؤكد الرفاعي الذي اختاره العاهل الأردني لوضع خطة إصلاحات سياسية أن أي حديث عن ربط الهوية الأردنية الجامعة بالتوطين أو استهداف أي من عناصر المجتمع الأردني، هو إساءة لا أساس لها من الصحة تندرج تحت بند التشكيك.
مكونات متعددة
يعد الأردن مجتمعاً متنوعاً يضم مكونات سكانية متعددة الأصول، ويقدر عدد سكان الأردن حالياً بنحو 11 مليون نسمة، نسبة كبيرة منهم من أصول فلسطينية.
ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأردن نحو 2.3 مليون لاجئ، إضافة إلى تقديرات تتحدث عن أردنيين من أصول فلسطينية ويحملون الرقم الوطني ويزيد عددهم على مليون شخص، وتعود أصول هذه المجموعة إلى موجات اللجوء والنزوح من فلسطين بعد عامي 1948 و1967.
أما الأردنيون من أصول شرق أردنية وهو مصطلح يشير إلى الأردنيين من العشائر والقبائل التي كانت تقطن البلاد قبل عام 1948، واستقرت تاريخياً في مناطق شرق الأردن فيشكلون نحو 60 في المئة من مجموع الأردنيين، إضافة إلى مجموعات عرقية مثل الشركس والشيشان والأكراد ومكونات أخرى كالسوريين "الشوام" والأرمن والدروز.
حسم الجدل
تعتقد تيارات أردنية أن تزايد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن قد يشكل تهديداً للهوية الأردنية، في حين يرى مراقبون أن تنوع المجتمع الأردني يثري النسيج الثقافي والاجتماعي للبلاد، ويعد عنصر قوة يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية.
وفي الآونة الأخيرة برز تيار أكثر تطرفاً يدعو إلى سحب الجنسية الأردنية من كل الأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية، ويزعم هؤلاء في تعريفهم للمواطن الأردني بأنه من كان أردنياً قبل تأسيس المملكة عام 1946، وليس من حصل على الجنسية الأردنية بعد ذلك التاريخ.
ومع تحول هذا الجدل إلى حال سياسية مؤرقة حاول ولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبدالله التدخل لحسم الموقف الرسمي، وقال في مقابلة تلفزيونية خلال شهر مايو (أيار) من عام 2024 إنه لا عيب أو حرام في التباهي بالأصول والمنابت، سواء كان الشخص شركسياً أو بدوياً أو شامياً أو أردنياً من أصل فلسطيني. وأشار إلى أن الأهم هو أن يكون الشخص أردنياً ويحب بلده، مؤكداً أن تماسك الأردنيين من جميع الأصول ساعد البلاد في تجاوز عديد من الأزمات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواجهة الأخطار الإقليمية
ويؤكد رئيس الوزراء الأردني السابق طاهر المصري الذي يتحدر بدوره من أصول فلسطينية، أن ما يسمى "الهوية الوطنية الجامعة" يشي وكأن الأردن متعدد الهويات "منخرطة في صراعات طاحنة، وهذه أكذوبة تهدد الوحدة الوطنية".
يضيف المصري "اليوم وحتى نتقدم، علينا النظر بعمق إلى التطورات العميقة التي تحدث في المنطقة وفي الإقليم ونخطط ببعد نظر، فهناك معطيات جديدة تصنع نفسها بعمق وتأثير كبيرين على مساحة الخريطة الإقليمية، وعلينا الاعتراف بأن ثمة مراكز قوة جديدة تتشكل، ومراكز إقليمية أصبحت أكثر تأثيراً تتمدد باطمئنان، ولا داعي لنكران أن كل هذا يجري على حسابنا في الأردن".
ويدعو المصري في سياق دعمه للهوية الوطنية الجامعة إلى مواجهة من يضعون محددات واشتراطات لتعريف من هو الأردني وفقاً لاعتباراته الخاصة مما أدى لتعزيز الخلاف على الهوية الوطنية والمواطنة.
ويؤكد رئيس الوزراء الأردني السابق أن من يعتقد أن ثمة صراع هويات في الأردن هو واهم تماماً، ويدعم التمدد الإسرائيلي من حيث يشعر أو لا يشعر.
سلاح ضد التوطين
ويقول مراقبون إن النظام الأردني اعتمد منذ قيامه على ولاء القبائل الأردنية، لكن هذه النظرية بدأت تتآكل منذ نحو 10 أعوام مع اتساع رقعة البطالة والتراجع الاقتصادي في البلاد، وتشريع عديد من القوانين والمنظومات التي يبدو أنها تغير هوية المملكة إلى بلد مدني أكثر من كونه عشائرياً.
وينص الدستور الأردني في المادة السادسة منه على أن "الأردنيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".
يبرر وزير الداخلية الأردني السابق حسين المجالي الانتقادات لمصطلح الهوية الجامعة بوجود أطراف في المجتمع الأردني لا تريد لمسيرة الإصلاح أن تتقدم، وتسعى إلى تفصيل عملية الإصلاح على مقاسها من دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الغالبية الساحقة.
ويضيف المجالي "الهوية الوطنية الأردنية جامعة لكل المكونات، كبديل طبيعي للهويات الفرعية المفتتة للمجتمع، والتي أفرزت عصبيات وعنفاً مجتمعياً وكراهية".
ويعد أن كل من يحمل الجنسية الأردنية يتمتع بجميع الحقوق السياسية والمدنية المنصوص عليها في الدستور.
في حين يؤكد وزير الخارجية الأسبق مروان المعشر أن "الهوية الوطنية الأردنية الجامعة سلاحنا ضد التوطين، وأن التصدي لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن لا يعني معارضة المواطنة وبناء دولة المؤسسات".
ويوضح المعشر أن بعض الأردنيين توقف عند كلمة "الجامعة" ليفسرها دون نقاش على أنها تعني تذويب بعض الهويات الفرعية، أو مقدمة لتوطين عدد كبير من الفلسطينيين في الأردن، في حين أنها مظلة لجميع الهويات الفرعية. وهي الهوية التي تتفيأ بها جميع هذه الهويات، سواء كانت إثنية أو دينية أو فكرية أو جندرية. ولا تنتقص الهوية الوطنية من أي من هذه الهويات الفرعية، لكنها لا تسمح في الوقت ذاته أن تتغول أي من هذه الهويات الفرعية على الهوية الأم.
ويضيف المعشر "لا يوجد أردني واحد أياً كان منبته أو جنسه يقف مع التوطين، ولا يوجد فلسطيني وطني واحد داخل القدس أو الأراضي الفلسطينية المحتلة يريد التخلي عن أرضه مقابل ذلك أيضاً". وأكد أن الدستور حسم هذا الجدل وجعل من كل حامل رقم وطني أردني "مواطناً كامل الدسم".