ملخص
يستعرض فيلم "مملكة الزعفران" للمخرج الكشميري عرفات شيخ صمود الشعب الكشميري، متحدياً السرديات السلبية لبوليوود، وراوياً قصة العنف والتهجير بأسلوب جديد يعكس الهوية المفقودة
عندما كان عرفات شيخ صغيراً لدرجة أنه لم يكن يفهم بعد معنى عبارة "الأضرار الجانبية"، أصبح والده تجسيداً لهذا المصطلح في كشمير.
كان والده، غلام نبي شيخ، شخصية غنائية وثقافية بارزة، لكنه تعرض "للاختفاء القسري" على يد الشرطة في ولاية البنجاب شمال الهند عام 2003.
خسارة والده، مترافقة بالجهل بمصير جثمانه، تركا جروحاً لم تندمل أبداً في نفس شيخ. أثناء نشأة الشاب في وادٍ يمزقه الصراع - تسيطر عليه الهند جزئياً بينما تطالب به كل من الهند وباكستان بالكامل - ظل يبحث عن إجابات لم يجدها قط، في حين استمرت "الأضرار الجانبية" في التزايد بلا توقف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجد شيخ عزاءه في القصص، إلى أن قرر في سن التاسعة والثلاثين، أن يروي قصة كشمير بنفسه. أثناء تعلمه فنون الإخراج السينمائي، شعر شيخ بالاستياء من السرديات التي وجدها في السينما الهندية السائدة، حيث غاب الصوت الكشميري تماماً.
وبعد عام 2019، عندما ألغت الحكومة الهندية مادة دستورية أزالت ما تبقى من الحكم الذاتي للإقليم ذي الغالبية المسلمة، يقول شيخ إن قمع الصوت الكشميري ومحوه، بخاصة في أفلام بوليوود، أصبح أكثر حدة.
ينتقد شيخ أفلاماً مثل "ملفات كشمير" The Kashmir Files و"باثان" Pathaan لأنها تعزز الصور النمطية السلبية عن كشمير من خلال التركيز حصرياً على العنف.
يقول شيخ في حديثه مع "اندبندنت" "تُقمع أصواتنا وتُكتم، ولا نُمنح مساحة لإسماع أصواتنا. لم يُسمح لنا برواية قصصنا بأنفسنا... منذ عام 2019، أصبحت أفلام بوليوود عديدة تنطلق بالكامل من فرضية واحدة ’الإرهاب في كشمير‘".
جاء إلغاء الحكم الذاتي لكشمير مصحوباً بحظر تجوال استمر أشهراً، وانقطاع تام للاتصالات، وقمع لكل أشكال النشاط السياسي.
يشكو شيخ من أن تصوير كشمير في الثقافة الشعبية الهندية، وبخاصة منذ عام 2019، بات مبتذلاً، حيث يتم تصوير المكان إما بطريقة رومانسية تتناول جمال الطبيعة، أو يتم اختزال شعبه في صورة أشرار في قصة لم يكتبوها بأنفسهم.
هذا الإدراك، كما يقول المخرج، جعله يشعر بضرورة ملحة لاستعادة تراثه ومنح صوته لشعبه المُهمَّش. ومن هذا الدافع ولد "مملكة الزعفران" Saffron Kingdom، أول أفلامه الروائية.
ويشير شيخ إلى أن الفيلم جاء كردّ فعل على محو تاريخ وثقافة كشمير في وسائل الإعلام الهندية السائدة.
الفيلم الذي صُوّر بشكل رئيس في أتلانتا بالولايات المتحدة، يستكشف الجروح العابرة للأجيال التي خلّفتها الاضطرابات العنيفة التي شهدتها كشمير في التسعينيات. يتتبع العمل قصة عائلة كشميرية- أميركية، وهي تكافح عبر أجيالها المتعددة للتعامل مع التأثيرات المستمرة للصراع وفقدان هويتها.
بطلة الفيلم هي امرأة كشميرية تدعى ’مسرات‘، تهرب من الوادي مع ابنها رضوان بعدما اختطف الجيش الهندي زوجها. تبدأ الأم وابنها حياة جديدة في مدينة أتلانتا، حيث يحاولان التكيف مع صدمة التمرد في وطنهما، والتهجير القسري، ومن ثم فقدان كشمير لآخر مظاهر استقلالها.
من المقرر طرح فيلم "مملكة الزعفران"، الذي أنتجته شركة دافوديل ستوديوز، عام 2025. وقد عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان روما السينمائي الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024، وكسب أيضاً جائزة أفضل فيلم روائي في مسابقة لوس أنجليس للأفلام الوثائقية والروائية. كما سيتنافس العمل في دورة عام 2025 من سباق جوائز صناع الأفلام بشيكاغو.
مع انطلاق التمرد الكشميري ضد الحكم الهندي عام 1989، وردّ نيودلهي بحملة عسكرية قمعية واسعة، دخلت المنطقة الجبلية في صراع طويل الأمد أودى بحياة ما يُقدّر بـ 100 ألف شخص، فيما اختفى الآلاف قسراً تحت ما يُعرف بـ"الاختفاء القسري".
يقول شيخ إنه يسعى من خلال فيلمه إلى إلقاء الضوء على صمود الشعب الكشميري، مضيفاً: "إنهم يمحوننا"، في إشارة إلى السرديات السائدة في الإعلام الهندي، "إنهم يمحون تاريخنا".
يخبر شيخ "اندبندنت" أنه اختار لفيلمه ممثلين تتقاطع قصصهم الشخصية مع قصة كشمير، مما يمنحهم القدرة على التفاعل بعمق مع أحداث العمل. ويقول: "أردت كسر هيمنة هوليوود... يضم فيلمي فريق عمل تشكل النساء فيه 55 في المئة ما بين الممثلين وطاقم الإنتاج".
وينتمي الممثلون المشاركون في الفيلم إلى خلفيات عرقية متنوعة، لكن أياً منهم لا يتحدث اللغة الكشميرية المحلية. ونتيجة لذلك، قد تبدو العبارات الكشميرية المتناثرة في الفيلم غريبة بعض الشيء على آذان الجمهور المحلي، على رغم أن معظم مشاهد الفيلم باللغة الإنجليزية.
أدرك عرفات شيخ أن اختيار ممثلين كشميريين سيكون مهمة صعبة، فانتقى بدلاً من ذلك ممثلين من أقليات أخرى قادرة على التفاعل مع موضوعات التهجير والمعاناة، التي تشكل جوهر القصة.
يقول شيخ: "الفن مضطهد في كشمير... ليست لدينا صناعة سينما محلية خاصة بنا، وحتى لو أردت جلب ممثلين من كشمير ونقلهم إلى هنا، فإنهم لن يتمكنوا من العودة إلى كشمير لأنهم بمجرد عرض هذا الفيلم سيواجهون الاضطهاد... كنت حريصاً على أن يقوم مدير اختيار الممثلين بوضع فقرة إخلاء مسؤولية ننبه فيها إلى أنه إذا كان الشخص يمتلك روابط قوية مع الهند، فقد لا يتمكن من العودة إليها، من دون الكشف كثيراً عن تفاصيل النص في البداية."
تنحدر الممثلة الرئيسة في الفيلم من أصول آرامية وهي من أحفاد الناجين من الإبادة الجماعية، بينما يمتلك بعض الممثلين الثانويين أصولاً مصرية وسورية وأردنية وفارسية. كما أن إحدى الشخصيات البارزة في الفيلم تجسدها فنانة فنزويلية تضيف إلى العمل بصمة قصتها الخاصة عن الكفاح من أميركا الجنوبية.
يقول شيخ: "إذا لم ترفع صوتك، فلا تتوقع تغييراً. وهذا بالضبط ما أفعله من خلال هذا الفيلم... أنا أقدم على هذه الخطوة، مدركاً تماماً أنه ستكون لها تداعيات."
© The Independent