ملخص
"زووم" تراهن على الذكاء الاصطناعي لتطوير "توأم رقمي" يقلل من أعباء العمل ويسمح بأسبوع عمل أقصر، في خطوة قد تُحدث ثورة جديدة في العمل عن بعد
قال تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" صدر عام 1927 بعد عرضٍ في "مختبرات بيل للهاتف" تضمن ظهور هربرت هوفر [وزير التجارة الأميركي في ذلك الوقت، والذي أصبح في ما بعد رئيساً للولايات المتحدة الأميركية] على الشاشة: "كان الأمر أشبه بصورة بعثت فجأة إلى الحياة وبدأت في التحدث والابتسام وتحريك رأسها والنظر في عدة اتجاهات".
وصف عنوان المقال العرض بأنه "اختبار للصورة المتلفزة" لكنه أشار إلى أنه من غير الواضح كيف يمكن استخدامها، فبحسب أحد العناوين الفرعية في المقال فإن "الاستخدام التجاري موضع شك". كذلك كان الأمر بالنسبة لمخترعي الجهاز في "شركة الهاتف والتلغراف الأميركية" الذين لم يكونوا متأكدين من استخداماتها أيضاً.
خلال ما يقارب من الـ90 عاماً التي تلت ذلك المقال، لم يبدُ أن المتشككين كانوا مخطئين بالكامل. البحث المبكر الذي تباهى به هوفر في "مختبرات بيل" أدى إلى ظهور "الهاتف التلفازي" عام 1964. في ذلك العام، تم تشجيع الناس على تجربة الهاتف الجديد في جناح في المعرض العالمي حيث قاموا بإجراء مكالمات مع ديزني لاند بينما قيّم مهندسون رد فعلهم، والتي كانت في الأغلب سلبية. وحتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، حاول القائمون على الفكرة عدة مرات أخرى ومن خلال مراجعات عديدة، مثل طرح "هاتف الفيديو" بدلاً عن "الهاتف التلفازي"، لكن الفكرة لم تلق رواجاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في النهاية ازدهرت مكالمات الفيديو مع رواج الإنترنت والهواتف الذكية، ولكن حتى في ذلك الحين كانت تستخدم للتواصل بين شخصين فقط. على سبيل المثال، لم تطرح شركة "أبل" ميزة المكالمات الجماعية عبر خدمة "فيس تايم" FaceTime حتى عام 2018. وعلى صعيد العالم المهني، طرحت العديد من الشركات، مثل "بلو-جينز" BlueJeans و "ويب-إكس" WebEx، وسائل للتواصل وقد تم استخدامها، وإن لم تكن بصورة منتظمة.
إلى أن حلّت جائحة كورونا، وبرزت معها فجأة العديد من الخدمات الجديدة مع تحول الناس للعمل من المنزل. أصبح الناس يجتمعون عبر خدمة "هاوس بارتي" Houseparty، ويجرون اجتماعات عمل على "بلو-جينز". تحولت خدمة عقد المؤتمرات عبر الفيديو من كونها تقنية متخصصة إلى الطريقة الأساسية وغالباً الوحيدة التي يمكن للناس من خلالها العيش والعمل مع بعضهم البعض.
على رغم ذلك، بعد عامين، اختفت الخدمات المشابهة لـ"هاوس بارتي" و"بلو-جينز". وفي حين أن الجدل حول العمل من المنزل ما زال مستمراً، يبدو أن شركات التكنولوجيا التي تزعمت فترة الإغلاق العام قد توصلت إلى إجماع حول نموذج عمل هجين بحيث يذهب العمال إلى مكاتبهم لبضعة أيام كل أسبوع.
وتأخرت شركتي "غوغل" و"مايكروسوفت" بصورة ملحوظة خلال المرحلة الأولية من التحول إلى اتصالات مؤتمرات الفيديو، لكنهما لحقتا بالركب وطرحتا برامج للاجتماعات. من جهة ثانية، قامت منصات أخرى، مثل "سلاك" Slack، ببناء وسائل جديدة لاتصالات الفيديو في محاولة للاستحواذ على جزء من هذه السوق.
لكن في وسط كل هذا الاضطراب والتغيير، يبرز اسم واحد أصبح شائعاً إلى درجة أنه في طريقه ليصبح فعلاً، إنه "زووم" Zoom، تطبيق مؤتمرات الفيديو الذي أصبح المكان الذي شهد الكثير من أحداث حياتنا.
وتأسست الشركة عام 2011 على يد إيريك يوان، الذي لا يزال رئيسها التنفيذي، والذي ترك عمله في شركة "ويب-إكس" WebEx الرائدة في مجال مؤتمرات الفيديو على أمل بناء شركة جديدة لاتصالات الفيديو. وظهرت النسخة الأولى من "زووم" بعد ذلك بعام، ومع حلول بداية عام 2013 أطلِق بهيئته الأولى. كان التطبيق يسير على ما يرام، حتى جاءت الجائحة، التي غيرت مسار الشركة تماماً. بين بداية عام 2020 وأكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، الذي وصل خلاله سعر سهم الشركة إلى أعلى مستوى له في ظل قيود الإغلاق أثناء فترة الجائحة، ارتفعت قيمة "زووم" بنسبة 730 في المئة.
اليوم يتم تداول أسهم شركة "زووم" تقريباً بنفس سعر تداولها خلال أوائل فبراير (شباط) من عام 2020. ويعود جزء من هذا الانخفاض إلى تراجع العمل من المنزل، بخاصة في شركة "زووم" نفسها، التي تتوقع الآن من موظفيها الذين يعيشون بالقرب من مكاتبها أن يعملوا بشكل هجين [بعض الأيام من المكتب وبعضها الآخر من المنزل].
وجاء إعلان الشركة عن العمل الهجين بعد فترة طويلة من تغييرات مماثلة في شركات مثل "غوغل" و"أبل". وتحدث موقع "بيزنس إنسايدر" عن هذا التغيير تحت عنوان "ثورة العمل عن بعد ماتت رسمياً". وفي حين أنه ربما كان هناك بعض المبالغة في تقارير كهذه، إلا أن الإشارة إلى نوع من الهلاك كانت ملائمة.
شركة "زووم" لديها الآن خطة للتعامل مع هذا الهلاك. بدايةً من تغيير اسمها. كلمة "زووم" ستبقى، لكن بدلاً من تكملتها الرسمية السابقة "شركة اتصالات الفيديو"، ستصبح فقط "زووم للاتصالات". ويترافق هذا التغيير مع الابتعاد عن التركيز على برنامج اتصالات الفيديو نحو طريقة جديدة للعمل.
تطبيق "زووم 2.0" [النسخة الجديدة] سيعمل بالطبع في مجال الذكاء الاصطناعي. وبحسب تصريح رئيسها التنفيذي يوان: "من أجل تحقيق هدفنا على المدى الطويل، علينا أن نبقى في طليعة الاتجاهات السائدة... وأوضح صورة لذلك تتجلى في نهضة الذكاء الاصطناعي الذي عطل أماكن العمل على مدار العام الماضي".
وأشار يوان إلى تقنية "رفيق زووم للذكاء الاصطناعي" "Zoom AI Companion"، واصفاً إياه بأنه "رمز تطورنا إلى شركة تعتمد أولاً على الذكاء الاصطناعي، وبالغ الأهمية في مساعدة عملائنا على اكتشاف فرص جديدة لزيادة الإنتاجية". في الوقت الحالي، تعتبر هذه تقنية محدودة نسبياً حيث يمكنها أداء وظائف مثل تلخيص المحادثات على منصات المراسلة في "زووم".
ولكن يوان لديه طموح أكبر بكثير، فبحسب قوله، في النهاية، يمكن أن تكون التكنولوجيا قوية لدرجة تسمح للناس بالعمل يوماً أقل في الأسبوع، حيث أن العمل الإضافي سيُنجز عبر نسخة رقمية من نفسك، يمكنها على سبيل المثال، الإجابة على الأسئلة الشائعة التي قد يطرحها زملاؤك.
فكرة "التوأم الرقمي" جذابة بنفس جاذبية الذكاء الاصطناعي بالنسبة للأشخاص الذي يديرون شركات التكنولوجيا. ويشير هذا المصطلح إلى الأنظمة التي بإمكانها صنع نموذج دقيق وآني لأي شيء في العالم، إن كان بكتيريا أو مدينة كاملة، بحيث يمكن استخدامه للاختبار أو لأغراض أخرى. ومثل الذكاء الاصطناعي، تعتبر هذه الفكرة تطوراً مهماً وحلاً سهلاً للأشخاص الذين في عجلة من أمرهم.
ولكن مزاعم يوان بشأن التوأم الرقمي أكثر دقة، ومتجسدة بالفعل في بعض ما يقدمه تطبيق "زووم". الفكرة هي أن المعرفة الفردية سيتم دمجها في نسخة افتراضية من الشخص، والعديد من البيانات المستخدمة لتدريبها ستأتي من الأشخاص أنفسهم. وفي النهاية قد يؤدي ذلك إلى قضائهم وقتاً أقل في العمل.
في منشور على مدونة "زووم" كتب يوان: "مع الوقت، نعتقد أن هذه القدرات ستترجم إلى توأم رقمي قابل للتخصيص بالكامل ومجهز بمعرفتك المؤسسية، مما يوفّر يوم عمل كامل ويسمح لك بالعمل أربعة أيام في الأسبوع فقط".
تطبيق "زووم 1.0"، كما لم تسميه الشركة، عثر على حظه في ترك الناس لمكاتبهم والعمل من المنزل. ويبدو أن "زووم 2.0" يراهن على فكرة أكثر ثورية، وهي أن الناس قد لا يحتاجون إلى الذهاب إلى العمل على الإطلاق. مستقبل الشركة، وحتى جميع الشركات، قد يعتمد على ما إذا كان ذلك سيحدث.
© The Independent