Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حلم السفر يجهضه كابوس التوظيف الوهمي في مصر

شركات خادعة تستقطب الخريجين الجدد بعروض كاذبة على مواقع التواصل ومتخصصون: القانون غير رادع

يقع عديد من المصريين فريسة لشركات إلحاق العمالة بالخارج الوهمية (رويترز)

ملخص

شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج الوهمية غير مرخصة، وتعمل بصورة غير قانونية وليس لها مقر رسمي وتمارس نشاطها بعيداً من أعين الجهات المعنية، عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب راغبي السفر

بين عشية وضحاها انقلبت حياة مصطفى محسوب (اسم مستعار) رأساً على عقب، وذهبت أحلامه أدراج الرياح عقب سقوطه فريسة في أيدي محتالي توظيف العمالة بالخارج. ويروي الشاب الثلاثيني الذي يقطن داخل حي فيصل في محافظة الجيزة، أن حلم السفر للعمل بالخارج ظل يراوده طوال فترة دراسته بكلية الزراعة، أملاً في الحصول على فرصة عمل مناسبة بإحدى دول الخليج.

خاض الشاب المصري رحلة شاقة في التنقل بين شركات توظيف العمالة بالخارج بحثاً عن فرصة عمل تناسب مؤهله الدراسي إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، مما اضطره للبحث عن مسار بديل بطرق أبواب شركات التوظيف المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، التي تنشر إعلاناتها الترويجية بصفة مستمرة.

انجذب محسوب أثناء تصفحه منصات التواصل على الإنترنت إلى إعلان إحدى الشركات التي تروج لوظيفة عمل بالخارج في مجال تخصصه الدراسي، وبعد محادثة هاتفية أوهمه المسؤول بأن فرصة عمل متاحة بدولة السعودية براتب شهري يعادل 40 ألف جنيه مصري (800.36 دولار أميركي)، وطلب منه الموظف إرسال جواز سفره وأوراقه الرسمية علاوة على تسديد مبلغ مالي يقارب الـ45 ألف جنيه (900.41 دولار) نظير ملء استمارة التعاقد، وإتمام إجراءات عقد العمل والتأشيرة وإنهاء إجراءات السفر.

ظن الشاب أن الفرصة أصبحت سانحة أمامه للسفر إلى الخارج، فاستدان المبلغ من أصدقائه وأرسله على ثلاث دفعات للموظف المسؤول عبر تطبيقات الدفع الإلكتروني، وأبلغه مسؤول الشركة بعودة الاتصال به بعد ثلاثة أسابيع لإنهاء إجراءات السفر كاملة.

وانتظر محسوب نحو 45 يوماً دون أن يتواصل معه مسؤول الشركة حسب الموعد المتفق عليه بينهما، وحاول الاتصال به على هاتفه مراراً وتكراراً إلا أنه أغلقه ولم يتمكن من التواصل معه نهائياً، حتى شعر الشاب بعد أن فشل في استعادة أمواله أنه فريسة لعملية نصب واحتيال مالي.

سماسرة ومندوبون لاصطياد الضحايا

الرواية السابقة تتطابق مع حديث رئيس جمعية رجال الأعمال أصحاب ومديري شركات توظيف العمالة بالخارج حمدي إمام، موضحاً أن غالب محتالي توظيف العمالة بالخارج يصطادون ضحاياهم بإغرائهم بوجود فرص عمل، وبخاصة في بلدان الخليج برواتب مجزية من أجل النصب والاستيلاء على أموالهم، مشيراً إلى أن هناك عديداً من المواطنين الذين سقطوا فريسة لتلك الكيانات الوهمية خلال الآونة الماضية.

ويضيف إمام الذي كان يشغل أيضاً منصب الرئيس السابق لشعبة إلحاق العمالة بغرفة القاهرة التجارية، أن الأمر لا يقتصر فقط على تلك الكيانات غير المرخصة، بل هناك أيضاً سماسرة ومندوبون ينتشرون في القرى والنجوع والمناطق الريفية للاحتيال على الراغبين في السفر، مستغلين حال العوز والاحتياج لدى كثير من الشباب الحالمين بالثراء السريع.

ووفق إمام فإن شركات إلحاق العمالة المرخصة تخضع لرقابة صارمة من قبل وزارة العمل، مردفاً "نعاني ممارسات تلك الكيانات الوهمية التي ليس لها مقر أو كيان حقيقي على أرض الواقع، وتمارس نشاطها غير المشروع عبر صفحات الإنترنت، كما أن سمعة الشركات المرخصة تضررت كثيراً بسببها".

ويرى رئيس جمعية رجال الأعمال أصحاب ومديري شركات توظيف العمالة أن "الخريجين الجدد أكثر عرضة للنصب من قبل تلك الكيانات الخادعة"، موضحاً أن هناك طلباً متزايداً من شركات الخارج على العمالة المصرية، خصوصاً الحرفيين في مهن التشييد والبناء، وأصحاب المؤهلات الدراسية مثل الأطباء والمهندسين والمحاسبين.

وبحسب تصريحات تلفزيونية لوزيرة الهجرة السابقة سها جندي فإن عدد المصريين العاملين في الخارج يقدر بنحو 14 مليون شخص، يعمل معظمهم داخل دول الخليج العربي وتأتي السعودية في صدارة وجهات العاملين المصريين، ويعمل بها نحو 2.5 مليون مصري تليها الإمارات والكويت بنحو 600 ألف مصري.

تنصل من الاتصالات واختفاء عن الأنظار

حال الشاب العشريني يوسف الوكيل (اسم مستعار) لا يختلف كثيراً عن محسوب، إذ تعرض أيضاً لواقعة نصب من قبل أحد كيانات التوظيف الوهمية المنتشرة عبر صفحات الإنترنت.

ويحكي الوكيل الوافد من محافظة أسيوط (جنوب) ويقطن في حي عين شمس (شرق القاهرة) "بعد وفاة والدي ووالدتي شعرت بالرغبة في السفر إلى الخارج، واتخذت قراراً عقب تخرجي في كلية الآداب بالبحث عن فرص عمل بأحد بلدان الخليج تلائم مجال تخصصي الدراسي كفني مساحة".

حرص الشاب العشريني على تصفح الموقع الرسمي لوزارة العمل وإعلانات شركات التوظيف المرخصة، إلا أنه لم يتوصل إلى ما يريده فلجأ إلى الشركات الموجودة عبر منصات التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ووجد إعلاناً لشركة تطلب "مساحاً فنياً" براتب مجزٍ فتنفس الصعداء وشعر أنه وجد ضالته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أجرى الوكيل اتصالات هاتفية بموظف الشركة واتفقا على مقابلة وجهاً لوجه لترتيب التفاصيل، وبعد اللقاء أفصح الموظف عن وجود فرصة عمل مناسبة في دولة الكويت براتب يعادل 60 ألف جنيه مصري (1.200.55 دولار أميركي) شهرياً، وطلب منه دفع نحو 20 ألف جنيه مصري (400.18 دولار أميركي) لإتمام إجراءات السفر وإنهاء التصاريح الخاصة به.

ويحظر قانون العمل المصري رقم 12 لعام 2003 في مادته (21) تقاضي أي مبالغ من العامل تحت أي مسمى، باستثناء مبلغ لا يجاوز اثنين في المئة من أجر العامل الذي يجري إلحاقه بالعمل، وذلك عن العام الأول فقط كمصروفات إدارية.

اضطر الشاب العشريني للدخول في جمعية من أجل تجميع المبلغ المطلوب للسفر وقام بإرساله إلى الموظف بالشركة عبر تطبيق الدفع الإلكتروني، وحصل منه في المقابل على إيصالات أمانة بالمبلغ لضمان صدقية الشركة، وطلب منه الموظف المسؤول مهلة أسبوعين لإتمام إجراءات السفر والحصول على صيغة العقد من الشركة الخارجية وإنهاء كل المستندات والأوراق اللازمة.

وبعد تجاوز المهلة المقررة فوجئ الوكيل بتنصل موظف الشركة من اتصالاته واختفائه نهائياً عن الأنظار، فاضطر للذهاب إلى مقر الشركة المدون في نفس الإعلان الترويجي إلا أنه لم يجد هناك مقراً أو كياناً للشركة، فقام بتقديم إيصالات الأمانة بقسم الشرطة لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضده.

وأقرت المادة (336) من قانون العقوبات المصري أن "يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي".

قانون غير رادع

وفي السياق ذاته، يرى المتخصص العمالي رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص شعبان خليفة أن المشكلة التي تواجه العمالة المصرية تكمن في أن القانون "غير رادع، ولا توجد عقوبات مغلظة على الشركات في حال ارتكاب مخالفات، إذ يكتفى في كثير من الأحيان بإيقاف نشاط الشركة بصورة موقتة، ثم عودتها إلى مزاولة النشاط مرة أخرى أو توقيع غرامات مالية أو إيقاف الترخيص حسب نوع المخالفة، علاوة على أن من بين المشكلات التي تواجه العمالة المصرية أن بعض الشركات تطلب منهم تغيير الصفة في البطاقة وجواز السفر لكتابة عامل بدلاً من حاصل على مؤهل دراسي ليتمكن من الالتحاق بالوظيفة".

ويوضح خليفة خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن قانون العمل ألزم شركات التوظيف المرخصة بتقديم خطاب ضمان مالي، لحماية العمالة المصرية من عمليات النصب والاحتيال ومنحهم مستحقاتهم في حال التلاعب، موضحاً أن بعض ضعاف النفوس يحاولون إغراء الشباب بالرواتب المجزية التي سيتقاضونها بالخارج لاستقطابهم، قائلاً "للأسف، كثير من المواطنين يستدينون ويبيعون ممتلكاتهم من أجل تحقيق أحلامهم بالسفر للعمل في الخارج". مشيراً إلى أن تلك الكيانات المجهولة تمارس نشاطها غير المشروع مستغلة نقص أعداد مفتشي وزارة العمل الذين يراوح عددهم ما بين 300 إلى 600 مفتش.

ويؤكد رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص أنه طالب مسؤولي الحكومة في عديد من الاجتماعات السابقة بألا يوقع عقد بين العامل وشركات إلحاق العمالة، إلا ويكون مسجلاً في الشهر العقاري ويجري توثيقه ويحصل العامل على نسخة منه. منوهاً بأن غالب فرص العمل للمصريين تأتي من مكاتب التمثيل العمالي المنتشرة في الخارج.

وتعالت نداءات وصيحات أعضاء مجلس النواب أخيراً للمطالبة بإيقاف شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج الوهمية غير المرخصة، التي تعمل بصورة غير قانونية وليس لها مقر رسمي وتمارس نشاطها بعيداً من أعين الجهات المعنية، عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب راغبي السفر.

وفي هذا الصدد يعقب رئيس لجنة القوى العاملة بالبرلمان عادل عبدالفضيل أن البرلمان يقوم بدوره في إصدار التشريع، وتتولى الوزارة المتخصصة تنفيذه والقرارات الوزارية المنظمة لقانون العمل هي التي تحدد حجم المخالفة، مشيراً إلى أن قانون العمل يتضمن نصوصاً واضحة تحمي حقوق العمالة من تلاعب الكيانات الوهمية.

وبحسب رئيس لجنة القوى العاملة فإن البرلمان سيسعى جاهداً إلى خلق حال من الوعى في قانون العمل الجديد، الذي يجري مناقشته حالياً لحماية العمالة المصرية من أخطار النصب والاحتيال المالي.

ومن جهته يعقب مدير عام إدارة شؤون شركات إلحاق العمالة بوزارة العمل المصرية مهيب أبو زيد بأن هناك ما يقارب 1100 شركة مرخصة تعمل في مجال توظيف العمالة بالداخل والخارج. مشيراً إلى أن الوزارة تمارس دورها في تتبع ومراقبة أعمال شركات التوظيف المرخصة وكذلك الكيانات الوهمية المجهولة.

ووفق أبو زيد فإن الوزارة أغلقت نحو 20 شركة إلحاق عمالة خلال الأشهر الأربعة الماضية، وأصدرت قرارات بإيقاف نشاطها بسبب حصولها على مبالغ مالية بالمخالفة لقانون العمل. منوهاً بأن الوزارة تنسق بصفة دورية مع كل الجهات الأمنية، وتقوم بالإبلاغ عن أية وقائع مخالفة لحماية المواطنين من السقوط في فخ تلك الكيانات الإجرامية، التي تتلاعب بأحلام البسطاء الراغبين في السفر، كاشفاً عن تلقي الوزارة شكاوى عديدة من مواطنين تعرضوا للنصب والاحتيال من الكيانات غير المرخصة خلال الآونة الماضية، جرى تحويلها إلى مباحث الأموال العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة في شأنها.

ويؤكد مدير عام إدارة شؤون شركات إلحاق العمالة بوزارة العمل لـ"اندبندنت عربية" أن وزارة العمل هي المنوطة بإصدار التراخيص لكل الشركات، وتراقب نشاطها وأداءها ولديها عديد من الوسائل التي تستخدمها لمجابهة تلك الممارسات الاحتيالية.

وفي شأن العلاقة التعاقدية، يشير أبو زيد إلى أن شركات إلحاق العمالة بمصر دورها توفير فرص عمل نظير الحصول على نسبة من إجمال الراتب السنوي للعامل وفقاً للتعاقد. موضحاً أن صاحب العمل يأتي إلى مصر ويجرى مقابلات بنفسه مع الأشخاص الذين يفاضل بينهم قبل الاستقرار على العامل الذي سيُختار للسفر، مؤكداً أن قانون العمل به عديد من البنود التي تحمى العامل وصاحب العمل حال الإخلال ببنود التعاقد في الخارج.

ويرى مدير إدارة شؤون إلحاق العمالة أن الحل يكمن في تغيير ثقافة المواطن وأن يتنبه لتلك الممارسات الإجرامية، لا سيما أن كثيراً منهم ينساقون وراء تلك الكيانات الوهمية بدافع رغبة السفر إلى الخارج، مشدداً على ضرورة التحقق من هوية الشركات قبل التعامل معها إما من خلال مديريات العمل المنتشرة على مستوى محافظات الجمهورية، أو عبر الموقع الرسمي للوزارة للتأكد مما إذا كانت مرخصة من عدمه، حتى لا يقع المواطن فريسة لعمليات النصب والاحتيال المالي.

وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ضبطت الأجهزة الأمنية بمصر سبع شركات ومكتباً لإلحاق العمالة بالخارج بتهمة النصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم، والترويج لنشاطهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واتخاذهم مقاراً لإدارتها في شقق إيجار لفترات موقتة لتنظيم برامج سياحية أو برامج دينية مخالفة لما هو معلن عنه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير