Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يمكن لسنة 2025 أن تقرب بوتين من تحقيق النصر على أوروبا؟

التغيرات السياسية في الولايات المتحدة التي أوصلت أحد المدافعين عن روسيا إلى البيت الأبيض وضعف أوكرانيا وقلق الدول الأوروبية في ظل غياب الدعم الأمني الأميركي جميعها عوامل قد تساعد الرئيس الروسي على تحقيق أهدافه طويلة الأمد في الهيمنة.

عنصر في أحد فرق الإنقاذ الأوكرانية يتعامل مع الآثار التي خلفها صاروخ باليستي روسي استهدف وسط كييف في 20 ديسمبر 2024 (غيتي)

ملخص

مع قرب تولي دونالد ترمب الرئاسة الأميركية، يُتوقع أن نشهد تغيراً في مسار الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يواجه دعم أوكرانيا تحديات قد يضعف موقفها أمام تصعيد روسي محتمل في حين ستواجه أوروبا أيضاً تحدياتها الخاصة في مواجهة موسكو.

في غالب الصراعات يتولى المؤرخون عادةً تحديد اللحظات الحاسمة التي يتضح فيها مسار النصر أو الهزيمة، لكن الحرب الروسية - الأوكرانية تمثل استثناءً، إذ بات من المؤكد بصورة مسبقة أن يوم الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025 (وهو يوم تنصيب دونالد ترمب رئيساً) سيشكل نقطة تحول من شأنها تغيير مسار هذا الصراع بصورة كبيرة. فقبل فترة طويلة من الانتخابات الأميركية، كان احتمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض ينظر إليه على أنه عامل حاسم في تحديد قدرة أوكرانيا على الصمود في وجه العدوان الروسي.

كذلك كان واضحاً منذ فترة طويلة أن مصير الحرب سيكون رهناً بالقرارات التي تتخذ بعيداً من حدود أوكرانيا وبعيداً من ساحات القتال في مناطقها الشرقية والجنوبية. وفي حين أن روسيا وأوكرانيا تعتمدان بصورة كبيرة على تحالفات دولية تعد مساهماتها أساسية في جهودهما الحربية، إلا أن الفارق الأهم يكمن في الوضع الهش لأوكرانيا، بحيث يبدو أن أكبر حليف لها - الولايات المتحدة - قد يكون على وشك سحب دعمه الحيوي لها، مما سيترك كييف في موقف ضعيف قد يعوق قدرتها على الاستمرار في صراعها من أجل البقاء.

معلوم أن الرئيس الأميركي المنتخب كان قد تعهد مراراً إحلال السلام في أوكرانيا في غضون يوم واحد من توليه مهام منصبه، لكن تفاصيل هذا الوعد ظلت غامضة. وقد تم اقتراح خطط محتملة عدة، لكن أياً منها لم يتناول بصورة واف كيف يمكن إقناع أوكرانيا بوقف مقاومتها، من دون تقديم ضمانات قوية لا جدال فيها، لردع موسكو عن معاودة الأعمال العدائية في وقت يناسبها.

 

وفي الواقع إن ما تسمى "ضمانات الأمن" هذه تشكل أهمية بالغة إذا كان لأي وقف لإطلاق النار أن يفضي إلى سلام دائم بين الدولتين، بدلاً من أن يكون فرصة لروسيا لإعادة تشكيل قواتها البرية بوتيرة أسرع، دون أن تتمكن أوكرانيا من القضاء عليها بالسرعة نفسها التي تتم بها إعادة تشكيلها.

يشار هنا إلى أن قادة رئيسين في "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) والأعضاء الأكثر حذراً وقلقاً، رفضوا تقديم الضمانة الأمنية الأكثر فاعلية - المتمثلة في عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) لأي جزء حر من أوكرانيا - وفي الوقت نفسه أصبح حتى اقتراح نشر قوات غربية في أوكرانيا للحفاظ على السلام، يثير موجة من الذعر والإنكار السريع من جانب العواصم الأوروبية.

ومن المتوقع أن يستغل دونالد ترمب المساعدات الأميركية التي تقدمها واشنطن لكييف، لدفع أوكرانيا نحو قبول وقف إطلاق النار، ما سيؤدي إلى تصاعد فوري للجدل، ليس فقط مع كييف، بل أيضاً مع الدول الأوروبية التي تدرك أن مقاومة أوكرانيا المستمرة لروسيا هي مسألة حاسمة لأمنها. فهذه الدول ترى أن أي وقف لإطلاق النار سيكون بمثابة فرصة لروسيا لإعادة بناء قوتها العسكرية، كما سبق أن فعلت في كل من في جورجيا وسوريا، وفي أوكرانيا ذاتها بموجب "اتفاقي مينسك"Minsk Agreements (الاتفاقان "مينسك 1" و"مينسك 2" فشلا في وضع حد للصراع في شرق أوكرانيا بين قوات كييف والانفصاليين المدعومين من روسيا). وقد يزيد هذا الخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا من إحجام ترمب - الذي أكد عليه علناً - عن الوفاء بالالتزامات الأميركية تجاه حلف شمال الأطلسي، خصوصاً بعد انتقاداته السابقة للدول الأوروبية الأعضاء في الحلف، بسبب تقاعسها عن دفع مستحقاتها في المجال الدفاعي.

إن محاولات روسيا إحداث الفوضى والمعاناة في الخارج تهدأ عادةً خلال فترات الاستقرار النسبي، لتعاود زخمها عندما لا تسير الحرب في مصلحة موسكو

 

لكن في المقابل إن أي وقف لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا - بغض النظر عن مدى هشاشته أو سرعة انتهاكه من جانب روسيا - سيلقى ترحيباً من جانب الدول الأوروبية الغربية التي تتوق إلى العودة إلى نمط حياتها الطبيعي. وستتخذ هذه الدول من الهدنة ذريعة للإيحاء بأن الأزمة قد انتهت، مما سيتيح لها التراجع إلى حال من الاطمئنان الوهمي وإهمال أولوياتها الدفاعية، والتردد في اتخاذ موقف حاسم في شأن مستقبل أوكرانيا.

من هنا فإن مصير أوكرانيا ومستقبل أوروبا أيضاً سيعتمدان إلى حد كبير على المسار الذي سيسلكه السيد الجديد للبيت الأبيض. وفي هذا الإطار يرى البعض أنه سيتبنى نهجاً عقلانياً ومتسقاً تجاه روسيا، مدفوعاً برغبته في الحفاظ على إرثه الشخصي، بمقدار ما يكون مدفوعاً بحرصه على مستقبل النظام العالمي الذي يضمن ازدهار الولايات المتحدة وأمنها. لكن حتى أكثر التوقعات منطقية في شأن هذا التفاؤل تجاه التصرفات المحتملة لدونالد ترمب، لا تزال في إطار الأمنيات - كما حدث عندما حاول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إقناع ترمب "بالوقوف إلى جانب أوكرانيا" - على رغم أن سجل الرئيس الأميركي المنتخب يشير بوضوح إلى أن هذا هو آخر ما يمكن أن يفعله.

 

من ناحية أخرى يميل المراقبون الذين تابعوا من قرب تصرفات دونالد ترمب خلال ولايته الرئاسية الأولى - ولا سيما لجهة ميله المتكرر إلى تقديم المصالح الروسية على مصالح الولايات المتحدة - إلى الاعتقاد بأن الرئيس المنتخب سيتدخل لإنقاذ فلاديمير بوتين. ويتوقع هؤلاء أن يتمكن ترمب من إنهاء الحرب في أوكرانيا لمصلحة روسيا قبل أن تستنفد موسكو مواردها البشرية والعسكرية لمواصلة القتال. وستكون النتيجة، في حال تحقق ذلك، تعزيز قوة روسيا ورفع مستوى جرأتها، ما يمهد الطريق أمامها لاتخاذ خطوات تصعيدية أخرى ضد أوروبا التي ستجد نفسها مجردة من الدعم الأميركي.

في الوقت ذاته تتفق آراء وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات العسكرية وكبار المسؤولين العسكريين في مختلف دول حلف شمال الأطلسي بصورة شبه كاملة، على أن روسيا تستعد لاستهداف دولة عضو في الحلف. ويقدر هؤلاء أن موسكو ستحتاج إلى فترة تتفاوت ما بين ثلاث وخمس سنوات أخرى لإعادة بناء قواتها البرية بالكامل، قبل أن تصبح جاهزة لذلك. ويبدو أن الاستثناء الوحيد البارز لهذا الإجماع، هو رئيس أركان الدفاع البريطاني الأدميرال طوني راداكين، الذي يؤكد بإصرار وثقة على أن روسيا لن تقدم على مهاجمة أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي.

في غضون ذلك، لا يزال القادة السياسيون الأوروبيون يواجهون صعوبة في استيعاب حقيقة أن المظلة الأمنية الأميركية، التي اعتمدوا عليها طوال مسيرتهم المهنية، بدأت تتلاشى تدريجاً. وقد كان هذا التحول واضحاً منذ فترة طويلة قبل انتخابات عام 2024. فقد أكدت واشنطن، بصورة واضحة لكل من أبدى استعداداً للإصغاء، أنها ترى في الصين والشرق الأوسط تهديدين أكثر إلحاحاً مقارنة بالطموحات المستمرة لروسيا لاستعادة أراضيها السابقة في أوروبا. ومع تراجع اهتمام الولايات المتحدة بـ"حلف شمال الأطلسي"، فإن تحويل الموارد الأميركية بعيداً منه سيصبح أمراً محسوماً، بينما يستمر القادة العسكريون الأميركيون في التنافس على تحديد الأولويات العالمية.

وفي الوقت نفسه ستستمر روسيا في الاستفادة من الدعم الذي تقدمه لها مجموعة من حلفائها. وفي ظل غياب أي جهود ردع فعالة من جانب الولايات المتحدة والغرب، لا يوجد ما يمنع افتراض أن العدد الضئيل من القوات الكورية الشمالية التي تعمل في الوقت الراهن على تعزيز الخطوط الأمامية الروسية، قد يتزايد، أو أن إيران والصين في نهاية المطاف ستعملان على توسيع نطاق إمداداتهما العسكرية واللوجيستية اللازمة، لدعم الحملة العسكرية الروسية وإبقائها في ساحة القتال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتعين علينا توقع أن تشهد أوروبا تصاعداً جديداً في حوادث الحرق المتعمد والتخريب والاغتيالات التي ينفذها وكلاء روسيا. فبعد فترة حافلة بهذه الارتكابات في الربيع بصورة خاصة ومطلع فصل الصيف، شهد معظم عام 2024 انخفاضاً في عدد الحوادث المبلغ عنها. إلا أن محاولات روسيا إحداث الفوضى والمعاناة في الخارج عادةً ما تتراجع خلال فترات الاستقرار النسبي، لتعاود زخمها عندما لا تسير أشرعة الحرب بما تشتهي سفن موسكو.

وفي ظل التطورات الأخيرة - مثل اغتيال الجنرال إيغور كيريلوف (رئيس قوات الدفاع النووي والبيولوجية والكيماوية الروسية) في موسكو، إضافة إلى التخفيف الجزئي للقيود الأميركية على استخدام القذائف الموجهة بدقة والتي يقدمها الغرب لكييف لاستهداف أراض روسية - من المتوقع أن تعاود موسكو حملتها الهادفة إلى زرع الفوضى وإحداث الاضطرابات في مختلف أنحاء الغرب.

لكن ما يظل غير مؤكد هو الطريقة التي ستتعامل من خلالها الدول الأوروبية مع هذه الممارسات. فمن المحتمل أن تستمر في تصنيف هذه الحوادث على أنها "هجينة"، أو "منطقة رمادية" أو "هجمات ما دون العتبة"، لأن الاعتراف بها باعتبارها أعمالاً حربية من شأنه أن يفرض على عواصمها اتخاذ قرارات سياسية قد تكون غير مريحة في ما يتعلق بكيفية الرد عليها.

في نهاية عام 2023 كنت قد توقعت أن تجبر أوكرانيا على البقاء في موقف دفاعي طوال السنة التالية، وأن تتمكن من الصمود طالما استمر الدعم الدولي لها. لكن اليوم، أصبح هذا الدعم موضع شك متزايد. ومع ذلك يبقى أمر واحد ثابتاً، وهو: أهداف فلاديمير بوتين في الحرب. وعلى رغم أن نهاية القتال في أوكرانيا قد تكون الآن أقرب مما كانت عليه قبل عام، فإن الصراع الأوسع بين روسيا والغرب لا يظهر أي مؤشرات إلى قرب انتهائه.

كنت آمل بعدما قمت على مدى عام 2024 بتأليف كتاب يطرح في عنوانه السؤال: من سيدافع عن أوروبا؟، في أن نكون قد حصلنا على بعض الإجابات بحلول هذه الفترة، لكن مع بداية السنة 2025، أصبح هذا السؤال أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء