Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إدلب العصية على حكم "البعث" لم تخضع يوما للأسد

مهد المعارضة السورية التي انطلقت منها عملية "ردع العدوان" لإسقاط بشار وضربت والده بالطماطم

السوريون في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد تجاوزوا حقيقة أن إدلب مدينة سورية (أ ف ب)

ملخص

في صيف عام 1971 أجرى رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد زيارة إلى مدينة إدلب، كانت هي الأولى والأخيرة، وأثناء إلقائه خطاباً في ساحة إبراهيم هنانو، قام الأهالي برميه بالبندورة والأحذية امتعاضاً من سياسة حزب البعث وتفرده بالسلطة وانقلاب حافظ الأسد الذي سمي "الحركة التصحيحية"، وبعد تلك الحادثة أهمل "البعث" المدينة وحرمها من البنية التحتية، ولم يزرها حافظ الأسد حتى موته عام 2000.

"كنت أعتقد أن إدلب دويلة إسلامية صغيرة، فتفاجأت بأجراس الكنيسة تدق على صوت الأذان"، هذا ما قاله الشاب السوري محمد نور الذي زار مدينة إدلب للمرة الأولى في حياته قبل أيام.

وأضاف نور في حديث إلى "اندبندنت عربية" قائلاً، "لم نكن نتجرأ حتى على ذكر اسم إدلب، إعلام النظام السابق ربط اسم المدينة بالإرهاب، حتى إن الأشخاص الذين ينحدرون منها وكانوا موجودين في دمشق كانوا يتجنبون الحواجز الأمنية خشية معاقبتهم بسبب ولادتهم في إدلب".

وتابع الشاب السوري، "كنا نعرف أن نظام الأسد يكذب علينا، لم نكن نصدق إعلامه، وكنا نشاهد بعض الفيديوهات القادمة من إدلب، التي تتحدث عن الانفتاح هناك ووجود الخدمات وتوفر المياه والكهرباء والبضائع التركية، لكننا كنا نعتقد أن هناك مبالغة في الموضوع".

وحكى نور أنه سمع أحدهم ذات مرة يتحدث ساخراً "هل إدلب أصبحت دبي؟"، متابعاً "لقد جئت إلى إدلب بعد سقوط النظام قادماً من دمشق، نعم إدلب هي دبي بالنسبة لدمشق، وهذا ليس مبالغة، فدمشق لا تزال تعيش في القرن الماضي، لقد سلمها بشار الأسد كما تسلمها والده حافظ الأسد عام 1963، وربما أسوأ، والوضع مختلف كلياً في إدلب، للحظة قد تشعر أن المدينتين لا ينتميان لنفس البلد".

حتى تاريخ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، كانت إدلب مدينة منسية، ليس العالم هو من نسيها فحسب، بل حتى السوريون في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد تجاوزوا حقيقة أن إدلب مدينة سورية، فلا تجري فيها الانتخابات، ولا تصل إليها الخدمات الأساسية من دمشق، لدرجة أن الناس يخشون من ذكر اسم المدينة بسبب الضخ الإعلامي الذي بذله النظام لتشويه صورة إدلب الخضراء وربطها بالإرهاب.

إلا أن الأسد كان يغني في واد وإدلب تعيش في واد آخر، إذ المولات التجارية والبضائع الأجنبية، والتعامل بالدولار الأميركي والليرة التركية، ووجود الكهرباء والماء والخدمات الأساسية على مدار الساعة، وكثير من الميزات التي حاول النظام تعكيرها من خلال تنفيذ قصف مدفعي بين الحين والآخر يستهدف الأحياء السكنية.

سجادة سوريا الخضراء

في شمال غربي سوريا تقع مدينة الزيتون أو المدينة الخضراء أو إدلب في اسمها الرسمي، وهي بوابة سوريا على تركيا، وكانت إحدى نقاط عبور طريق الحرير قديماً، وكانت معبراً للجيوش الغازية وطريقاً للقوافل التجارية القادمة من أوروبا والأناضول، إذ يربطها بتركيا معبر باب الهوى وهو أحد أهم المعابر السورية مع دول الجوار، ويطلق عليها "إدلب الخضراء" بسبب كثرة أشجار الزيتون فيها.

 

 

تنقسم محافظة إدلب إلى خمس مناطق إدارية هي إدلب وأريحا، ومنطقة معرة النعمان وجسر الشغور وحارم، وتبتعد عن مركز العاصمة السورية دمشق 309 كيلومترات، وعن مدينة حلب نحو 60 كيلومتراً.

7 آلاف سنة

يعود تاريخ إدلب للألفية الخامسة قبل الميلاد، وكانت عبارة عن منطقتين قريبتين، المحلة الكبرى في الشمال، والمحلة الصغرى في الجنوب، بعد توسعهما اندمجا وشكلا إدلب، وعلى رغم ذلك لم تكن إدلب سوى قرية صغيرة تتبع لمنطقة سرمين (وسرمين حالياً تتبع لإدلب)، وبقيت كذلك حتى القرن الـ17 عندما عين العثمانيون محمد باشا الكوبرللي صدراً أعظم (رئيس وزراء)، فأولى الكوبرللي أهمية خاصة لمنطقة إدلب، فأشرف بنفسه على وضع مخطط عمراني جديد للمدينة، مما أدى لازدهارها على حساب المناطق الأخرى القريبة، كما بنى فيها عدداً من الخانات، وجعل لكل حرفة سوقاً خاصة بها.

في القرن الـ18 ألحقت إدلب بمنطقة جسر الشغور، ثم بمدينة أريحا (اليوم تتبع جسر الشغور وأريحا لإدلب)، وبعد دخول الفرنسيين إلى سوريا اتخذ منها القائد السوري إبراهيم هنانو معقلاً لقواته التي تقاتل الجيش الفرنسي في الشمال السوري، وبسبب الهجمات المتكررة قام الفرنسيون بتنفيذ حملة قصف مكثفة في20  يناير (كانون الثاني) 1920، على مختلف مناطق إدلب، مما تسبب في مقتل وإصابة ونزوح المئات، لكن التحركات الشعبية ضد الفرنسيين في إدلب بقيت مستمرة حتى غادروها في18  يناير 1945 قبل أكثر من عام على مغادرتهم الأراضي السورية، وفي تلك الفترة تحولت إدلب إلى مدينة تابعة إدارياً لمحافظة حلب.

جمال عبدالناصر في إدلب

في عام 1958  أجرى جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) زيارة إلى إدلب، وبعد لقائه أهلها طلبوا منه أن يجعلها محافظة مستقلة إدارياً عن حلب، فأصدر قراراً بذلك وبقيت على حالها الإداري حتى اليوم.

الغالبية العظمى من سكان إدلب هم من العرب، مع وجود أقلية تركمانية وأخرى كردية، أما طائفياً فالغالبية العظمى من سكان المدينة من المسلمين السنة مع وجود أقلية مسيحية وأقليات دينية أخرى.

الأحذية والبندورة في وجه الأسد الأب

في صيف عام 1971، أجرى رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد زيارة إلى مدينة إدلب، كانت هي الأولى والأخيرة، وأثناء إلقائه خطاباً في ساحة إبراهيم هنانو، قام الأهالي برميه بالبندورة والأحذية امتعاضاً من سياسة حزب البعث وتفرده بالسلطة وانقلاب حافظ الأسد الذي سمي "الحركة التصحيحية"، وبعد تلك الحادثة أهمل "البعث" المدينة وحرمها من البنية التحتية، ولم يزرها حافظ الأسد حتى موته عام 2000.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونشرت وكالة "الصحافة الفرنسية" تقريراً في مطلع عام 2020، تقول فيه، إن إدلب "وصفت بأنها المدينة المنسية على مدى أعوام، بحسب تعبير سكانها الذين يشيرون إلى إهمالها، كرد على تعرض الرئيس السابق حافظ الأسد للرشق بالطماطم خلال زيارة لها في سبعينيات القرن الماضي، واليوم لا تزال إدلب التي تحولت إلى قلعة الثورة تدفع الثمن في عهد نجله، إذ تشهد آخر حلقة ضمن سلسلة الأزمات الإنسانية في سوريا، وكرد على ضرب الأسد الأب بالطماطم وغيرها لم يزرها حافظ الأسد أبداً، وانعكس ذلك على البنية التحتية والتعليم، ونتيجة هذا الإهمال، كانت إدلب من أولى المحافظات التي انتظمت في الثورة".

إدلب تلتحق بالثورة

منذ الأيام الأولى للثورة السورية في 2011، بدأ أهالي إدلب بتنظيم التظاهرات السلمية، لكن الرد كان كما هي الحال في بقية المدن السورية بالعنف واستخدام السلاح الحي، فإن نظام الأسد سجل في إدلب سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ، عندما استهدف المتظاهرين السلميين بالطيران المروحي، فقد نشرت وكالة "رويترز" في 11 يونيو (حزيران) 2011، تقريراً أكد أن "خمس طائرات عسكرية مروحية أطلقت النار على المتظاهرين في منطقة معرة النعمان"، فيما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "المروحيات أطلقت مدافعها الرشاشة على الحشود بعدما قتلت قوات الأمن على الأرض خمسة محتجين".

واستمر القصف على مدن وقرى إدلب بصورة شبه يومية، مما دفع عدداً من العسكريين من أبناء المدينة للانشقاق وتنفيذ هجمات على المقار الأمنية كرد فعل على القصف العشوائي للأحياء السكنية، وما هي إلا أسابيع حتى سيطرت الفصائل المعارضة على عدد من القرى والبلدات في ريف إدلب.

استمر القصف على إدلب، وواصل الجيش السوري الحر تنظيم صفوفه وخوض جولات كر وفر مع النظام حتى عام 2015، لتطلق بعد ذلك قوات المعارضة السورية، بما فيها هيئة تحرير الشام، عملية كبرى يهدف من خلالها للسيطرة على كامل إدلب، وفي 24 مارس (آذار) 2015، انطلقت معركة "تحرير إدلب"، فكان انهيار قوات النظام أمام فصائل المعارضة أسرع من المتوقع، وخلال خمسة أيام فقط طُرد النظام من كامل المحافظة بما في ذلك مركز المدينة والمربع الأمني، ثم رُفع علم الثورة السورية وسط المدينة.

 

 

بعد سيطرة فصائل المعارضة على إدلب، واصل الطيران الحربي التابع للنظام قصفها، وفي الرابع من أبريل (نيسان) 2017، استهدف نظام الأسد مدينة خان شيخون بريف إدلب بغاز السارين الكيماوي، مما أسفر عن سقوط أكثر من 100 قتيل ومئات الإصابات خلال ساعات، ليظهر بعدها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في فترته الأولى ويقول، إن "بشار الأسد حيوان"، ثم استهدفت القوات الأميركية مطار الشعيرات العسكري بريف حمص رداً على مجزرة الكيماوي في خان شيخون.

الهجرة إلى الشمال

بعد معارك النظام السوري في الغوطة الشرقية وباقي أرياف دمشق ودرعا، كانت غالب المعارك تنتهي بتهجير الأهالي بالباصات الخضراء، وكانت الوجهة الأساسية للمهجرين هي إدلب وريف حلب، فاستقبلت في الفترة ما بين 2015 و2018 مئات الآلاف من المهجرين السوريين من مختلف المحافظات، وأحكمت هيئة تحرير الشام سيطرتها على المدينة، وافتتحت فيها مركزاً للشرطة ومراكز صحية، وفتحت أسواقها أمام البضائع التركية، ومنعت التعامل بالليرة السورية، فبدأت المدينة بعد 2018 تشهد نوعاً من الاستقرار لولا القصف المتكرر لقوات النظام.

آخر المعارك

في 2019 أطلقت قوات النظام السوري معركة لمحاولة الاستيلاء على مدينة إدلب، فتقدمت قوات النظام بدعم من الميليشيات الإيرانية براً والطيران الروسي جواً، وسيطرت على ما تبقى من ريف حماة الشمالي وأجزاء من ريف إدلب الجنوبي، واستمرت المعارك حتى نهاية فبراير (شباط) 2020، حينها استهدفت قوات النظام قاعدة تركية مما أسفر عن مقتل 33 جندياً تركياً.

وبعد هذه الحادثة تدخل الجيش التركي بقوة في المعارك، وأطلق عملية "درع الربيع"، تمكن خلال أيام من قتل المئات من عناصر النظام السوري والميليشيات الإيرانية، قبل أن يعقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اجتماعات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بموسكو في الخامس من مارس (آذار) 2020، انتهت باليوم نفسه بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار على خريطة السيطرة الحالية.

بعد اتفاق أردوغان- بوتين، أضحت الأمور أكثر استقراراً في الشمال السوري عموماً وفي إدلب على وجه الخصوص، فعاد الطلبة إلى مدارسهم، وازدادت الحركة التجارية والمشاريع الاستثمارية، مما جعل من إدلب خلال أربعة أعوام واحدة من أكثر المدن السورية تطوراً على رغم أنها معزولة عن باقي الأراضي السورية.

 بدء "ردع العدوان"

خلال أعوام الهدوء النسبي في سوريا بين 2020 و2024، تمكنت فصائل المعارضة السورية ومن بينها هيئة تحرير الشام من إعادة ترتيب صفوفها وتسليح نفسها، وبصورة مفاجئة انطلقت من إدلب عملية "ردع العدوان" في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، انتهت المعركة بعد 11 يوماً بإسقاط نظام الأسد، ثم بعد أيام أعلن قائد العمليات في سوريا أحمد الشرع أن "الثورة السورية انتهت بعد أن انتصرت وحان وقت بناء سوريا الجديدة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير