Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخلفات الحرب تنعش "تجارة الخردة" في السودان

يجري تجميعها وترحيلها من مناطق النزاع إلى الولايات الآمنة التي لم تتأثر بالمعارك لصهرها وإعادة تدويرها

شهدت "تجارة الخردة" رواجاً كبيراً في السودان نظراً إلى انتشار مخلفات الحرب (ا ف ب)

ملخص

تعتبر السوق الشعبية في أم درمان أول الأسواق السباقة في هذا المجال، إضافة إلى انتشار الدلالات التي تنشط في بيع الخردة.

عرف السودان تجارة الخردة منذ عهود قديمة، إذ كانت تمارس بواسطة أشخاص يجوبون الأحياء السكنية بمكبرات الصوت لجمع مخلفات الحديد والنحاس والألومنيوم وبلاستيك وبطاريات السيارات وغيرها، إذ يجرى فرزها بعد الجمع وتباع في أسواق السودان.

لكن مع اندلاع حرب الـ 15 من أبريل (نيسان) 2023 التي تدور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فقد شهدت هذه التجارة رواجاً كبيراً من قبل قطاعات كبيرة من المواطنين، نظراً إلى انتشار مخلفات الحرب بصورة كبيرة في ظل اتساع رقعة العمليات العسكرية التي تستخدم فيها المقذوفات النارية من مدافع وصواريخ وذخائر، إضافة إلى الطائرات المسيرة والمركبات المحروقة، إذ يجرى نقلها في حاويات بواسطة شاحنات ضخمة بعد أن يجري تجميعها وترحيلها من مناطق النزاع إلى الولايات الآمنة التي لم تتأثر بالحرب لصهرها وإعادة تدويرها.

وتنشط في هذه التجارة مجموعات كبيرة من الأطفال دون سن الـ 12 الذين يعانون هشاشة اقتصادية ولم ينالوا تعليماً، إضافة إلى المشردين الذين وجدوا ما يوفر لهم مالاً يسد رمقهم، في وقت تعتبر تجارة محفوفة بالأخطار الصحية، إذ إن غالبية المساحات مزروعة بالألغام إضافة إلى وجود أجسام سامة تؤدي إلى الموت.

تجارة رائجة

ويقول صاحب أكبر تجمع للخردة في ضاحية الفتيحاب في مدينة أم درمان، التاجر علاء الدين يوسف، إن "تجارة الخردة في السودان من الأنشطة التجارية التي تمارس منذ أمد بعيد، إذ إن كل ما تحتاجه إلى طاولة وآلة حاسبة وميزان، فضلاً عن أنها أصبحت مهنة جاذبة تحقق عائداً مادياً مجزياً، بخاصة بعد ظهور الموردين من بعض الدول، إذ يجري تصدير تلك المخلفات وأهمها الحديد بعد صهره إلى أوروبا وآسيا والصين، علاوة على إنشاء المصانع ذات الصناعات الثقيلة مما أسهم في انتشار أسواق تجميع الخردة في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وبحري وأم درمان، وتعتبر السوق الشعبية في أم درمان أول الأسواق السباقة في هذا المجال، إضافة إلى انتشار الدلالات التي تنشط في بيع الخردة".

وأضاف يوسف أن "الحرب الحالية جعلت تجارة الخردة تحقق السراء السريع في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة نسبة لتصاعد سعر الكيلو، بخاصة بعد أن شرع أحد المصانع في شراء الخردة من الأسواق، مما جعل غالبية المواطنين يتجهون إلى جمعها من الشوارع الرئيسة والفرعية من داخل الأحياء السكنية وبين مكبات القمامة، فضلاً عن أن هناك من جند الأطفال من فئات المشردين، إضافة إلى الذين يعانون الفقر ولم يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم، إذ أصبحوا جامعين للخردة في مقابل قليل من الجنيهات".

وتابع، "في تقديري أسهمت مخلفات الحرب في انتعاش تجارة الخردة، بخاصة حديد المركبات القتالية الذي أصبح متناثراً في الطرقات، مما أدى إلى أن تكون هناك عمالة هائلة تنشط في جمعه، إضافة إلى حديد السيارات التي جرى نهبها، إذ تأتي غالباً في شكل قطع، علاوة على أسلاك الألومنيوم والنحاس وأغطية الصرف الصحي وكوابل الكهرباء والاتصالات، فضلاً عن أن الحرب أفرزت فوضى استغلها المواطنون والتجار في ظل غياب الجهات المتخصصة بسبب انشغالها بالحرب".

وأشار تاجر الخردة إلى أن "هذه المهنة في ظل تطاول أمد الحرب وفرت فرص عمل لعدد كبير من الأشخاص وأصبحت مصدراً للرزق للإيفاء بمتطلبات الحياة الأساس بعد أن نفدت مدخرات المواطنين العالقين الذين أصبحوا لا يملكون قوت يومهم، وهم يؤدون عملهم في نشاط وتجري محاسبتهم بالإنتاج الذي يتمحور في وزن الخردة، لكن قبل ذلك يقومون بفرزها وتفكيكها".

أمان مادي

إلى ذلك قال جامع الخردة فتحي عبدالرحمن، "كنت قبل الحرب أعمل في إحدى ورش الحدادة ومررت بظروف قاسية طول فترة هذه الحرب لأنني أعتمد على رزق اليوم، لكن خلال الفترة الأخيرة اتجهت إلى العمل في جمع الخردة على رغم احتدام المواجهات العسكرية، إذ وفرت لنا هذه المهنة الأمان المادي وأصبحنا قادرين على إعالة أسرنا في ظل هذه الظروف الصعبة".

وزاد عبدالرحمن "صحيح أننا نعمل في ظل أخطار وظروف صعبة لكن ليس لدينا خيار آخر، فكل الأعمال الميسرة تعطلت بسبب هذه الحرب، ونشاط الخردة الآن مطلوب بكثرة في ظل انتشار الحديد والنحاس والألومنيوم والقصدير في الطرقات، ولا نحتاج إلى مجهود في البحث عنه، إذ نقوم بجمعه وبيعه للتجار في السوق الشعبية بمدينتي أم درمان والخرطوم اللتين تعدان الآن أكبر تجمعين للخردة، إضافة إلى السوق المركزية وسوق 6 بالحاج يوسف، أحد أحياء الخرطوم بحري، لكن المشكلة الوحيدة التي تواجهنا في أحايين كثيرة هي عدم وجود الممرات الآمنة".

داعم اقتصادي

وفي سياق متصل يرى الباحث الاقتصادي عبد الوهاب جمعة أن "تجارة الخردة أصبحت ملاذاً اقتصادياً في ظل الأوضاع القاسية التي تعيشها الأحياء الفقيرة في العاصمة الخرطوم، إذ وجد مئات من شرائح المجتمع السوداني صغاراً وكباراً ضالتهم في هذا النوع من النشاط من ناحية إعانتهم على صعوبة العيش، خصوصاً بعد أن أصبحت مخلفات الحرب المستعرة بين الجيش و"الدعم السريع" تمتلئ بها الشوارع وأزقة الأحياء السكنية من مقذوفات نارية متمثلة في الصواريخ والمدافع وحتى الطائرات المسيرة التي تستهدف بعض المواقع، إذ تعتبر بعد استخدامها خردة، مما أدى إلى زيادة ازدهارها".

وأردف، "قبل اندلاع الحرب كان نشاط الخردة يؤول إلى الركود بسبب توقف التصدير لبعض الدول وتزامن معها توقف بعض المصانع التي استعادت نشاطها في عام 2007 عقب ظهور مصانع كبرى تنشط في الصناعات الحديدية الثقيلة، ومن وجهة نظري فإن تجارة الخردة أصبحت من الأنشطة الشائعة بسبب مخلفات الحرب منذ حرب دارفور وحرب جنوب السودان التي استمرت أعواماً طويلة، إذ كانت داعماً للاقتصاد السوداني بوجود مستوردين من تشاد وليبيا وإريتريا وإثيوبيا، والآن تهرب عبر الحدود لصهرها وإعادة تدويرها شأنها شأن تجارة تهريب البشر التي نشطت خلال الحرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومضى جمعة قائلاً إن "مدينة ود مدني كانت أول مستقبل للخردة من مخلفات الحرب، لكن بعد اجتياحها من قبل قوات الدعم السريع نهاية ديسمبر الماضي أصبحت تنقل إلى الولايات التي لم تتأثر بالحرب".

وتوقع جمعة أن تنشط وتزدهر تجارة الخردة بصورة كبيرة بعد توقف الحرب لتكون داعماً اقتصادياً للسودان، ربما بعودة الشركات التي كانت تستورد الحديد والخردة بكميات وافرة، وتوقفت بسبب الكلفة وعودة مصانع الحديد الصلب للعمل.

وحذر الباحث الاقتصادي من جمع الخردة من دون الانتباه إلى ارتداء قفازات لحماية الأيدي أو الكمامات، تفادياً للأخطار الصحية المتمثلة في وجود مواد سامة على بعض الذخائر كالرصاص، بخاصة أن هناك مساحات كبيرة من الأراضي مزروعة بالألغام، وفي كلتا الحالين تؤدي إلى الموت.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير