ملخص
أبدت قيادات "الدعم السريع" نفسها قلقها حيال الانتهاكات التي طالت المدنيين في مدن ومناطق سودانية عدة، وتعهدت السيطرة على من وصفتهم بـ"المتفلتين" الذين تنسب إليهم كل التجاوزات التي ترتكبها هذه القوات.
يتعرض عدد كبير من السودانيين الموجودين في مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع" إلى انتهاكات واسعة بلا أدنى مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، فضلاً عن الحملات الانتقامية لتلك القوات عند اجتياح مدن جديدة خصوصاً عمليات التنكيل بالمدنيين التي شنتها على قرى شرق وشمال ولاية الجزيرة خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، وكذلك المجازر التي وقعت بحق سكان غرب دارفور بمدينة الجنينة في يونيو (حزيران) 2023، إذ أحدثت هذه الجرائم صدمة رسمية وشعبية وردود فعل غاضبة وإدانات محلية ودولية.
في حين أبدت قيادات "الدعم السريع" نفسها قلقها حيال الانتهاكات التي طالت المدنيين في مدن ومناطق سودانية عدة، وتعهدت السيطرة على من وصفتهم بـ"المتفلتين" الذين تنسب إليهم كل التجاوزات التي ترتكبها القوات، وذلك من خلال تشكيل لجنة لمواجهة الظواهر السلبية والانتهاكات، عبر إجراء محاكمات ميدانية لكل من تثبت عليه تهم ارتكاب أي تجاوزات، لكن تلك الخطوة لم تفلح في وقف تزايد الانتهاكات.
وكان قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) قال خلال كلمة مسجلة بمناسبة ذكرى استقلال السودان الـ69 "نعبر عن بالغ وعميق أسفنا وحزننا لأهلنا الطيبين على الانتهاكات التي وقعت بحقهم في المناطق المختلفة، بذلنا ولا زلنا جهوداً مكثفة متواصلة في مناطق سيطرتنا من أجل السيطرة على المتفلتين، ونجحنا في ذلك بأغلب المناطق، وسنستمر في ذلك من منطلق مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية".
وأضاف حميدتي، "المتفلتون هم عدو لنا تماماً كالعدو الذي نحاربه منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، وكما سيطرنا عليهم في مناطق عدة تنعم بالأمان والاستقرار سنسيطر عليهم في بقية أنحاء السودان، وسنحاسبهم ردعاً لهم وتحقيقاً للعدالة عبر المحاكم والتدابير الإدارية اللازمة".
لكن في ضوء فرض الإدارة الأميركية عقوبات على قائد قوات "الدعم السريع" لدوره في الانتهاكات المنهجية المرتكبة ضد الشعب السوداني، فضلاً عن ارتكابها "إبادة جماعية" واستهدافها عمداً النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة بالاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي الوحشي، كيف ينظر المراقبون والمتخصصون إلى تلك الممارسات الوحشية وانعكاساتها السلبية على المواطنين السودانيين بكل فئاتهم، وهل بإمكان "الدعم السريع" إيقاف هذه الانتهاكات؟
عمل منظم
في السياق وصف المتخصص في إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية اللواء أمين إسماعيل مجذوب، الأهداف الرئيسة لقوات "الدعم السريع" بأنها زرع الذعر والخوف في نفوس المواطنين من أجل تنفيذ عمليات النهب والسلب والاغتصاب، وهي جرائم حرب ضد الإنسانية، وأسهمت أزمة التعليم والمعرفة لدى جنود كثر من هذه القوات، فضلاً عن فقدان القيادة والسيطرة في تزايد الانتهاكات بصورة غير مسبوقة.
وأضاف، أن "الدعم السريع تعتمد على الانتهاكات بوصفها واحدة من سياساتها وتكتيكاتها في الحرب لخلق حال من القلق والخوف وسط سكان المناطق والمدن الواقعة تحت سيطرتها، ومن ثم باتت المجموعات المسلحة التابعة لها تنتهج هذه الاستراتيجية، لا سيما التجاوزات والمجازر الإثنية والعرقية التي حدثت في إقليم دارفور ومناطق عدة بولايات كردفان".
واستبعد مجذوب، "حسم المتفلتين ووقف الانتهاكات لأن الخطوة تعني خروج مجموعات كبيرة من قوات الدعم السريع لجهة أن هذه استراتيجية مهمة وعمل منظم يتقنه الجنود من أجل إذلال وترويع المواطنين في المناطق كافة".
وعن كيفية العدالة والمحاسبة، قال المتخصص في إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية، "بكل تأكيد، العدالة ستجري مجراها اليوم أو غداً، وبحسب نتائج النزاعات والحروب في القارة الأفريقية والآسيوية ستتم محاسبة كل من ارتكب جريمة مهما كان حجمها من خلال تطبيق القانون".
ومضى في حديثه، "إضافة إلى ذلك فإن العدالة الانتقالية بمسمياتها المختلفة من مصالحة واعتذار، وكذلك تعويض مادي ومعنوي وتفاوض لن تجدي مع الدعم السريع الذي يبني استراتيجيته وقناعات أفراده على حق الآخرين من خلال عمليات السلب والنهب والاعتداء عليهم، وهذه سياسة تتعارض مع العدالة الانتقالية، ومن ثم أمام هذه القوات وخصومها، إما الحرب أو التفاوض لاستئصال الدعم السريع من الحياة العسكرية والسياسية والاجتماعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حملات مستمرة
من جانبه أكد رئيس الإدارة المدنية لولاية الجزيرة التابعة لـ"الدعم السريع" صديق عثمان أحمد أن "إدارته تشن حملة مستمرة للقضاء على من وصفهم بالمتفلتين، أسفرت عن سجن أكثر من 800 منهم وقتل آخرين رمياً بالرصاص لعدم استجابتهم للأوامر، فيما هرب آخرون، وبدأت الظاهرة في التلاشي والاختفاء".
وأضاف أحمد، "أطلقنا حملة للقبض على العاملين في أسواق الشفشفة وأسسنا شرطة قوامها 350 فرداً لحماية المدنيين من الانتهاكات وبسط الأمن والاستقرار بالولاية".
وأوضح، "لا نبرئ الدعم السريع من المسؤولية لأن بسط الأمن والتصدي لمن يرتدون زيه في عمليات النهب مسؤوليته بحكم سيطرته على المنطقة".
وتابع، رئيس الإدارة المدنية لولاية الجزيرة، "وجدنا أن هناك متفلتين ومجرمين ممن أُطلق سراحهم من السجون، وهناك من ينتسب إلى الجيش، وهناك من ينتسب إلى الحركات المسلحة".
مخالفة القوانين
على صعيد متصل، رأى المتخصص في القانون الدولي والشؤون الإنسانية ماهر فريني، أن "انتهاكات قوات الدعم السريع صارت من أدوات الحرب المستخدمة بصورة منظمة لقهر المدنيين بلا أدنى مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، وبطريقة مخالفة للقوانين من خلال ارتكاب جرائم شملت القتل والسحل والإبادة الجماعية والاغتصاب والتهجير القسري والاعتقال".
ولفت إلى أن "الدعم السريع" باتت "عارية تماماً أمام الرأي العام الدولي والمحلي بعد سلسلة الانتهاكات غير المسبوقة التي ارتكبتها في دارفور والجزيرة، ولم يعد لها أي حاضنة سياسية أو اجتماعية، بعد أن تنصل عنها حتى من كانوا متهمين بموالاتها بسبب انتهاكات الجزيرة غير المسبوقة أثناء الحرب".
ويعتقد فريني أن قوات "الدعم السريع" أضاعت الفرصة المناسبة ولن تتمكن من استعادتها مجدداً بخسراتها أي تعاطف أو ولاء شعبي، مما يشير إلى صعوبة الحديث عن مستقبل لها في حكم السودان أو أي جزء آخر منه.
أرقام ومآسٍ
يقدر منبر "مؤتمر الجزيرة" أعداد النازحين الذين رصدوا خلال أحداث نوفمبر بما يفوق 400 ألف نازح، مع توقعات بوصول العدد إلى 600 ألف، في ظل استمرار حركة النزوح اليومية وتعذر تحديث البيانات بسبب انقطاع الاتصالات بالمنطقة.
وفق بيان للمنبر، "هُجرت أكثر من 400 قرية من شرق الجزيرة بالكامل من جملة 515 قرية، بينما هُجرت القرى الـ115 المتبقية بصورة جزئية، ويعيش السكان الباقون فيها تحت حصار محكم وانتهاكات متكررة من قوات الدعم السريع".
ورجحت مصادر محلية أن أحداث شرق الجزيرة أودت بأكثر من 450 شخصاً، إضافة إلى رصد نحو 27 حالة اغتصاب وعنف جنسي ضد النساء والفتيات.
وأسفرت حرب السودان، وفق تقديرات الأمم المتحدة، عن سقوط أكثر من 14 ألف قتيل، فيما ترجح منظمة "أطباء بلا حدود" أن يصل العدد إلى ما لا يقل عن 40 ألفاً.
وخلفت 20 شهراً من الصراع المسلح نحو 14 مليوناً و800 ألف نازح ولاجئ، منهم نحو 3.2 مليون لاجئ، وفقاً لآخر تحديث لمنظمة الهجرة الدولية. كما يحتاج أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال إلى المساعدة، من بينهم 18 مليوناً يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ودفعت الحرب بـ80 في المئة من أطفال السودان، أي ما يعادل 17 مليوناً، إلى خارج الدراسة.
ووجهت الأمم المتحدة نداء لجمع 4.2 مليار دولار لتوفير المساعدات لـ20.9 مليون شخص داخل السودان، من إجمالي 30.4 مليون شخص وصفتهم بأنهم في حاجة إلى المساعدة، في ما سمته "أزمة إنسانية غير مسبوقة".