ملخص
تقبع غرينلاند في أعلى المحيط الأطلسي ما بين قمته الشمالية والمنطقة القطبية الشمالية، وهي مملوكة للدنمارك منذ أكثر من 600 عام ومنحت الاستقلال في 1979، وتتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 2009
يبدو أن تلك المنطقة الثلجية القريبة من القطب الشمالي ستصبح نقطة ساخنة في سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تجاه حلفائه. فالرئيس الذي ينتظر تولي مهمات ولايته في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الجاري، كرر تصريحات سابقة حول رغبته في شراء الولايات المتحدة للجزيرة الواقعة في أقصى شمال المحيط الأطلسي، وذهب إلى دعوة متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي إلى التعبير عن دعمهم للفكرة من خلال استطلاع نشره على حسابه في منصة "أكس" أمس الأربعاء.
تقبع غرينلاند في أعلى المحيط الأطلسي ما بين قمته الشمالية والمنطقة القطبية الشمالية، وهي مملوكة للدنمارك منذ أكثر من 600 عام ومنحت الاستقلال في 1979، وتتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 2009. وتعيد تصريحات ترمب في شأن الاستحواذ على الإقليم، إلى الأذهان ذكرى حرب سريالية صامتة خاضتها الدنمارك وكندا طوال أكثر من خمسة عقود والتي أطلق عليها "حرب الويسكي" وانتهت باتفاق عام 2018 بإنشاء مجموعة عمل مشتركة لحل النزاع من خلال تقسيم نقطة صخرية تبلغ مساحتها 3.4 كيلومتر مربع بالتساوي بينهما.
"حرب الويسكي" الكندية- الدنماركية
تتعلق "حرب الويسكي" بجزيرة هانز غير المأهولة التي تقع بين غرينلاند وجزيرة إليسمير الكندية والتي يعود النزاع حولها للقرن الـ19. وعام 1880، ادعت شركة خليج هدسون ملكيتها للجزيرة، فيما ادعى الدنماركيون ملكيتها لشعوبهم الأصلية الذين استخدموها كقاعدة لصيد الأسماك.
ووصل المستكشفون البريطانيون والأميركيون إلى غرينلاند في منتصف إلى أواخر القرن الـ19. ووفق رواية صحيفة "ناشونال بوست" الكندية، أبحر المستكشف الأميركي تشارلز فرانسيس هول عام 1871 إلى القطب الشمالي على متن سفينة "بولاريس" بصحبة مرشد من سكان غرينلاند، ورصدوا معاً الجزيرة الصغيرة وأطلق عليها هول اسم مرشده "هانز هيندريك" الذي ظهر أسمه للمرة الأولى على خريطة نشرت عام 1874.
وعام 1933، أعلنت محكمة العدل الدولية أن غرينلاند جزء من مملكة الدنمارك، ومع ذلك، لم يتم تناول وضع جزيرة هانز تحديداً، مما أدى إلى ما أصبح يُعرف باسم "حرب الويسكي".
ودخلت الدولتان عام 1973 في محادثات لتحديد الحدود بينهما، ووقّعتا على اتفاقية الأمم المتحدة التي رسمت خطاً في منتصف جزيرة هانز. ومع ذلك، استمر النزاع على ملكية الجزيرة، وانطلقت حرب وهمية تُعرف باسم "حرب الويسكي" عام 1984 عندما هبط جنود كنديون على الجزيرة، ونصبوا العلم الكندي وتركوا زجاجة من الويسكي الكندي (الجاودار) إلى جانبه.
رداً على التصرف الكندي، قام وزير الدنمارك المسؤول عن شؤون غرينلاند بزيارة الجزيرة، ونصب العلم الدنماركي وترك زجاجة من مشروب كحولي مع لافتة مكتوب عليها "مرحباً بكم في الجزيرة الدنماركية".
واستمرت هذه التصرفات الغريبة بين البلدين لعقود من الزمان وحتى عام 2022، عندما قررت الدولتان الدعوة إلى هدنة غير رسمية واتفقتا على تقسيم الجزيرة إلى نصفين. والنتيجة الثانوية لهذا الاتفاق الودي هي أن البلدين يشتركان الآن في حدود برية بعد أن كانا يشتركان في حدود بحرية بطول 3000 كيلومتر. ويعتقد الكنديون بأن هذه الجزيرة ربما تكون وراء استهداف ترمب لكندا ورغبته في ضمها لتكون الولاية الأميركية رقم 51.
أهمية غرينلاند
ويمثل إقليم غرينلاند الذي يعتبر الجزيرة غير القارية الأكبر في العالم، أهمية إستراتيجية للقوى الكبرى. ففي حين يبلغ عدد سكان غرينلاند 57000 نسمة فقط ومعظمها مغطى بشريط ثلجي، لكنها تمثل أهمية كبيرة للمسائل الأمنية، إذ إنها تقع في بداية الممرات الشمالية الغربية والشمالية الشرقية عبر القطب الشمالي التي من المرجح أن تفتح مزيداً من المجال للشحن التجاري من خلال ذوبان الجليد، وهي قريبة من طرق حاسمة للغواصات الروسية وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن قاعدة بيتوفيك الفضائية التي تقع في أقصى شمال غرينلاند منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هي موطن لـ200 عسكري أميركي و450 من القوات الأخرى والمقاولين من الحلفاء، وهي جزء من نظام الإنذار المبكر للصواريخ في واشنطن بحيث يمكنها من صد الهجمات الصاروخية من القوى المعادية، إضافة إلى تقديم مراقبة الفضاء والقيادة عبر الأقمار الاصطناعية.
وتشكل القاعدة الأميركية الواقعة في أقصى الشمال، على بعد نحو 1500 كيلومتر فقط من القطب الشمالي، الرمز الأكثر قوة لأهمية غرينلاند للأمن الأميركي. ويعتقد مراقبون بأن الأهمية الجيوستراتيجية للإقليم من المرجح أن تزداد فقط مع إعادة تشكيل تغير المناخ للقطب الشمالي، وفتح طرق تجارية جديدة قرب أميركا الشمالية ووضع غرينلاند في قلب الصراع القطبي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا.
ونقلت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية عن الباحث الرفيع لدى المعهد الدنماركي للدراسات الدولية ميكيل رونغ أوليسن قوله "بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تكمن المشكلة في الاهتمام الصيني والروسي بالقطب الشمالي. بدأت الولايات المتحدة برؤية القطب الشمالي كمنطقة للمنافسة الجيوسياسية. من المهم جداً للولايات المتحدة أن تُبقي القوى العظمى الأخرى خارج غرينلاند".
عندما أعرب ترمب للمرة الأولى عن اهتمامه بشراء غرينلاند عام 2019، وصفها بأنها "صفقة عقارية كبيرة" وأكد على الجوانب الاقتصادية لانتزاعها من الدنمارك. وهذه المرة تغيرت لهجته، إذ قال "نحن بحاجة إلى غرينلاند لأغراض الأمن القومي"، بينما ذكر الحاجة إلى ردع السفن الروسية والصينية.
وعندما طرح ترمب فكرة شراء غرينلاند للمرة الأولى، صرح مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون بأن "غرينلاند مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأمننا لأسباب عدة، وكان ذلك واضحاً منذ الحرب العالمية الثانية". وأضاف "نعلم من الجهود المتكررة التي تبذلها الصين لتوسيع نفوذها، أنهم يريدون أن يصبحوا قوة قطبية... لذا، ونظراً إلى قرب غرينلاند الجغرافي من الولايات المتحدة... فمن الواضح أنها مصلحة إستراتيجية".
رد الدنمارك على التصريحات الأميركية جاء هادئاً، فإضافة إلى تأكيد رئيسة وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن أن "غرينلاند ملك لأهلها" وأن الإقليم "ليس للبيع"، قال وزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن أمس إنه منفتح على النقاش مع الولايات المتحدة "كيف يمكننا التعاون على نحو أوثق مما نفعل بالفعل لضمان تحقيق الطموحات الأميركية (في القطب الشمالي)".
وقالت الدنمارك أخيراً إنها ستستثمر ما يصل إلى 2 مليار دولار في سفن جديدة وطائرات من دون طيار وفرق زلاجات وستعزز قيادتها القطبية الشمالية في غرينلاند وتوسع مدرج المطار لاستيعاب طائرات "أف-35" على الجزيرة. وكشفت النقاب عن زيادة قدرها 250 مليون دولار في قدرات المراقبة في غرينلاند وجزر فارو، وهي منطقة دنماركية أخرى تتمتع بالحكم الذاتي.