Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لعبة زوكربيرغ السياسية مع ترمب تعرض سلامة الناس للخطر

قرر رئيس "ميتا" التخلي عن مدققي الحقائق وأوكل بها إلى المستخدمين، فهل ستغدو الحقيقة منزلة ثانوية بعد الإشاعات ونخاطر جميعاً بدفع ثمن باهظ للغاية؟

يبدو كأن زوكربيرغ يحاول إرضاء ترمب على حساب موقع وسمعة شركته في العالم (أ ف ب)

تحرك بسرعة وحطم الأشياء. إذا كان هناك قول مأثور واحد عن عقلية القبيلة الجديدة من رواد الأعمال الرقميين - الذين يعرفون أحياناً باسم "الأوليغارشيين المعلوماتيين" - فهو هذا القول المنسوب إلى مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة ميتا. هؤلاء الرجال لا وقت لديهم للعب.

وحقاً قد تحركوا بسرعة بمجرد أن علموا أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة سيكون دونالد ترمب. أولاً زيارات المجاملة إلى مارالاغو، ثم التبرعات، ثم إعادة ترتيب مجالس الإدارة والأعضاء التنفيذيين الكبار. وكما رأينا هذا الأسبوع، سيل من الإعلانات حول السياسات والعمليات المنقحة لتكون أكثر انسجاماً مع تفكير الإدارة القادمة.

لا أحد يدعي أن قرار "ميتا" بإعادة التفكير في نهجها في الإشراف على المحتوى والتثبت من الحقائق لم يكن سوى قرار سياسي. فترمب محاط بأشخاص يعتبرون أنفسهم من أنصار حرية التعبير المطلق. وهم يعتقدون بصدق أن كثيراً من محاولات ضبط الكلمات أو الصور أو مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، إن لم يكن معظمها، ترقى إلى مستوى الرقابة ذات الدوافع السياسية. وهكذا، قبل أقل من أسبوعين من تولي ترمب الرئاسة، سجل زوكربيرغ مقطع فيديو بدا وكأنه موجه لجمهور من شخص واحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الولايات المتحدة، في الأقل، لن يكون هناك مزيد من محاولات تدقيق الحقائق: في المستقبل، ستقلد "ميتا" استخدام ماسك "الملاحظات المجتمعية" [تعليقات يتركها مساهمون معتمدون على منشور ما في مواقع التواصل الاجتماعي يروج برأيهم لمعلومات مغلوطة] إذ يمكن للمستخدمين الآخرين الاعتراض على الحقائق، أو حتى نشر حقائق بديلة. بصورة هزلية تقريباً، لم يعد من الممكن الاعتماد على جماعة كاليفورنيا [مقر ميتا] لإدارة فرق الثقة والسلامة: سيعهد بهذا العمل الآن إلى جماعة تكساس، الذين اشتهروا بعدم التحيز.

لو كان هذا النموذج من الملاحظات المجتمعية قد طبق في بريطانيا خلال أحداث الشغب التي وقعت في ساوثبورت العام الماضي، لما كان هناك من يكافح الإشاعات الجامحة حول هوية المعتدي المزعوم أو دينه: كانت الحقيقة ستحتل المرتبة الثانية بعد الادعاءات المتنافسة لكل من يرغب في المشاركة.

تخيلوا كيف ستعمل مثل هذه الملاحظات المجتمعية في النزاعات المحتدمة حيث تكون المجتمعات ممزقة أو شديدة الاستقطاب أو تحت ضغط وجودي غير مسبوق - مثل المرحلة الانتقالية الهشة للغاية الجارية في سوريا، إذ يمكن أن يشتعل العنف الطائفي والانتقامي بسبب التحريض والتضليل على منصات التواصل الاجتماعي المنتشرة.

في الانتخابات الأخيرة في جورجيا، تطلب الأمر بعض الشجاعة من مدققي الحقائق على الأرض للكشف عن المحتوى المزيف والمعلومات المضللة والدعاية. ليس من المستغرب أن نقرأ ترحيباً حاراً من الحزب الجورجي الشعبوي الحاكم الموالي لروسيا بإعلان هذا الأسبوع: "يبتهج الحزب الديمقراطي الجورجي بأخبار تراجع ’ميتا‘ عن تدقيق الحقائق".

لكن دعونا ألا نستبق الأحداث، لأنه لا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن هذه الإجراءات - المصممة لاسترضاء مجتمع مستقطب للغاية حيث يقع مقر "ميتا" - ستعمم في بقية أنحاء العالم. يعتقد المطلعون أن الأمر قد يستغرق من "ميتا" ما يصل إلى عام لتصميم نظام الملاحظات المجتمعية للولايات المتحدة وهندسته. وبحلول ذلك الوقت، ستكون البلاد بصدد الاستعداد لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس لعام 2026، التي يمكن أن تشهد بيئة سياسية متغيرة للغاية عن تلك التي يسيطر فيها ترمب فعلياً على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ والكونغرس، إلى جانب محكمة عليا متعاطفة سياسياً. من يدري ما إذا كان الوقت قد حان عندئذ للتحرك بسرعة وكسر الأمور مرة أخرى؟

ولكن هناك مشكلة كبرى وهي أن التغييرات التي أدخلت على عجل على السياسات الرئيسة التي تحكم المحتوى على منصات "ميتا" تواجه خطر إعادة تصنيف الشركة على أنها شركة أميركية وليست شركة عالمية غالبية مستخدميها (ناهيك بالإيرادات) من خارج الولايات المتحدة. وقد يرضي ذلك الإدارة الأميركية القادمة، ولكن يجب على زوكربيرغ الآن أن يفكر في كيفية التوفيق بين رغبته الواضحة في إرضاء ترمب وطريقة سير معظم بقية العالم.

في أوروبا والمملكة المتحدة، على سبيل المثال، المزاج السائد (وهو محق في رأينا) يسير في الاتجاه المعاكس، مع وجود إجماع قانوني وتنظيمي متزايد لإجبار عمالقة التكنولوجيا الكبار على إثبات أن لديهم أنظمة وعمليات للتخفيف من الأضرار التي يمكن أن تنجم عن الخطاب غير المقيد على منصات التواصل الاجتماعي.

يجدر بنا الاطلاع على تحليل "ميتا" المكون من 95 صفحة لتقييم الأخطار النظمية والتخفيف من حدتها، الذي قدمته قبل أربعة أشهر فقط كجزء من التزامها بموجب "قانون الخدمات الرقمية" للاتحاد الأوروبي. إنها وثيقة شاملة للغاية تظهر أن الشركة تحاول بصدق على ما يبدو التعامل مع عبء كونها مسؤولة عن حديث 2.5 مليار شخص على هذا الكوكب. وتفتخر الشركة بأنها جمعت فريقاً متعدد الوظائف يضم أكثر من 1000 شخص لتلبية متطلبات السلامة والنزاهة في الاتحاد الأوروبي.

وإذا ما انتقلنا إلى يناير (كانون الثاني) 2025، نجد أن مارك زوكربيرغ يعد بالعمل مع دونالد ترمب "للتصدي للحكومات في جميع أنحاء العالم [التي] تلاحق الشركات الأميركية وتضغط لفرض مزيد من الرقابة".

باعتبارها شركة عالمية ذات قواعد عالمية، لا يمكن لشركة "ميتا" - في الأقل بحسب ما تعمل حالياً - أن يكون لديها أنظمة مختلفة جذرياً في مناطق جغرافية مختلفة. من الناحية الفنية، سيكون هذا تحدياً شاقاً إلى حد ما. هل يقبل التدقيق المهني في الحقائق من قبل شركة فرنسية إذا أثر ذلك في مستخدم أميركي ينشر من تونس حول قضايا المتحولين جنسياً في تكساس؟

ستكون هناك تحديات تقنية وقضائية يبدو أن كثيراً منها لم تدرس جيداً قبل التغييرات المتعجلة التي أعلن عنها زوكربيرغ. عادة ما تكون تغييرات سياسة المحتوى التي تؤثر في مليارات المستخدمين نتيجة لعملية تداولية تشمل أصحاب المصلحة مثل الحكومات والخبراء ومنظمات المجتمع المدني. ومن المشكوك فيه جداً أن هذه هي الحال مع التغييرات على السياسات المعقدة للغاية في شأن خطاب الكراهية التي أدخلها "ميتا" هذا الأسبوع - بعد ساعات من نشر زوكربيرغ الفيديو الخاص به.

وبصفتنا صحافيين، نحن بالطبع نعتز بحرية التعبير، ولكننا نتفهم أيضاً الحاجة المطلقة لنزاهة المعلومات ومصادرها الموثوقة، إضافة إلى المخاوف المتعلقة بالتأثير. يمكن للمعلومات الزائفة والتضليل وخطاب الكراهية - بما في ذلك التجريد من الإنسانية - أن تقتل كثيراً، كما رأينا في رواندا وميانمار (تورطت "ميتا" هنا)، والآن في غزة، أو تؤدي إلى اضطرابات مدنية واسعة كما رأينا في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، أو تفاقم الصراعات كما كان واضحاً في إثيوبيا والسودان.

وإذا ما تركت المعلومات الزائفة والتضليل لتنتشر من دون رادع، فإنها تقوض ثقة الجمهور بصورة عامة وتسمح لجميع أشكال الآراء القائمة على نظريات المؤامرة بالانتشار. نحن نعرف كيف يمكن أن يؤدي تشويه سمعة مجموعات كاملة من الناس على أساس خلفيتهم القومية أو العرقية أو الدينية أو الطبقية إلى ضرر حقيقي. تعرف "ميتا" ذلك من أعوام خبرتها.

من السابق لأوانه التنبؤ بكيفية حدوث هذه التغييرات. وتماشياً مع شعارها، تحركت "ميتا" بسرعة لإعادة صياغة سياساتها ومعايير المجتمع لتكون أكثر تساهلاً مع أنواع معينة من الخطاب وتغيير تصنيف المحتوى الذي يعتبر مخالفاً للقواعد. هذا تحد تقني بقدر ما هو تحد أخلاقي - ولربما يكمن الشيطان في التفاصيل التقنية.

ما دور "مجلس الإشراف على ’ميتا‘"، الذي نحن أعضاء فيه في هذا الصدد؟ يمكن القول إن هذا هو وقت يصبح فيه دوره مثيراً للاهتمام حقاً. لقد انتظم كثير منا في هذا الأمر لأنه من الواضح أن من غير المقبول أن يكون لرجل واحد - مارك زوكربيرغ - سيطرة غير محدودة على كلام مليارات الأشخاص. وفي الوقت نفسه فإن قلة من الذين يعيشون في مجتمعات ديمقراطية، ناهيك بالأنظمة الاستبدادية، يرغبون في تسليم هذه المسؤولية إلى السياسيين.

لم تمنح شركة ميتا السيطرة على منصتها لدونالد ترمب، ولكن سلوكها هذا الأسبوع يوحي بأن الشركة حريصة للغاية على عدم إغضابه. من المهم إذاً أن تكون هناك هيئة مستقلة ومفوضة يمكنها أن تدفع "ميتا" علناً بقرارات ملزمة وآراء استشارية حول عديد من القضايا الخلافية. نحن نرحب بهذا التحدي.

لن يدعي أحد أن السياسات والمعايير الحالية - ناهيك بعمليات تدقيق الحقائق وإدارة المحتوى - مثالية. فمن الواضح أنها ليست كذلك، لكن الخطر الذي ينطوي عليه التحرك بسرعة والانهيارات الناجمة عنه يكمن في أن ما يكون على المحك ليس مجرد "أشياء"، بل الناس – سلامتهم، وصدقية المعلومات التي يعتمدون عليها، والثقة المجتمعية وغيرها من المنافع العامة القيمة. مثل هذه الأشياء لا يمكن إصلاحها بسهولة عند تضررها وقد يكون الثمن باهظاً.

خالد منصور كاتب وروائي. ألان رسبريدجر رئيس تحرير مجلة "بروسبكت" ورئيس تحرير سابق لصحيفة "غارديان". كلاهما عضو في مجلس الإشراف المستقل في "ميتا"، لكن هذا المقال يمثل وجهة نظرهما الخاصة

© The Independent

المزيد من تحلیل