ملخص
تحولت جلسة الانتخاب الأولى، التي لم يحصل فيها قائد الجيش اللبناني جوزيف عون على غالبية ثلثي أعضاء البرلمان، إلى ساحة لتوجيه الرسائل بين الإدارة الأميركية الممثلة بسفيرتها في لبنان والنظام الإيراني ممثلاً أساساً بـ"حزب الله" إلى جانب شريكه في "الثنائي الشيعي" حركة أمل بقيادة رئيس المجلس نبيه بري.
انتهى الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية في لبنان، واجتمع برلمانيو لبنان بعد نحو شهر ونصف الشهر من التوقيع على اتفاق وقف الأعمال الحربية وتطبيق القرار الدولي رقم 1701.
الجلسة البرلمانية، التي حُدد موعدها بعد دخول وقف الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" حيز التنفيذ، جاءت تلبية لمطلب أميركي كان بمثابة شرط أساس، عندما فرض المفاوض الأميركي انتخاب الرئيس كمدخل لضمان تطبيق وتنفيذ الاتفاق.
وعلى رغم الزخم الدولي، الأميركي والفرنسي تحديداً، ودور عربي قادته السعودية في الأيام الأخيرة قبل الانتخاب، فإن ولادة الرئيس، وإن كانت شبه محسومة، لم تكن بالسلاسة التي توقعتها واشنطن، التي نشطت على مدى أشهر عديدة لإنهاء الفراغ الرئاسي.
فقد سادت مخاوف لدى الأطراف اللبنانية، وحتى الدولية، وتحديداً لدى الجانب الفرنسي، من إمكانية دخول الرئاسة اللبنانية في بازار الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران. فالنظام الإيراني لم يكن يرى نفسه معنياً بتقديم هذه الورقة مجاناً لفريق الرئيس الأميركي في آواخر آيامه الرئاسية، ومن ثم بإمكانه الاحتفاظ بها لتكون إحدى الأوراق التي قد يضعها على طاولة التفاوض مع الرئيس الجديد دونالد ترمب.
دور محوري
والجانب الفرنسي أدى دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، انطلاقاً من مصالحه الخاصة في إيران ولبنان، فضلاً عن سعيه إلى إقفال هذا الملف قبل دخول ترمب إلى البيت الأبيض وما يمكن أن يقوم به من محاصرة للدور والمصالح الفرنسية. بخاصة أن فريق ترمب على لسان ممثله في المنطقة اللبناني الأصل مسعد بولس طلب بصراحة تأجيل انتخاب الرئيس لأشهر عدة بعد أن يكون ترمب قد تولى مهماته رسمياً.
الرسائل الإيرانية تجاه واشنطن لم تقتصر على الرئاسة اللبنانية، فهي بدأت بشكل واضح من الزيارة التي قام بها كبير مستشاري المرشد الأعلى علي لاريجاني إلى لبنان، والتي مهدت الطريق لإعلان "حزب الله" عبر الدولة اللبنانية الموافقة على شروط وقف الأعمال الحربية والعودة إلى تطبيق القرار 1701. وقد تضمن الموقف الإيراني حينها إشارة واضحة إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء الفراغ في الموقع الأول للدولة.
إلا أن التطورات التي حصلت بعد الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 ودخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، والانهيار السريع للنظام السوري وهروب رئيسه بشار الأسد، أدخل المنطقة في مرحلة ومعادلات جديدة، فرضت على الجانب الإيراني التريث، بإعادة النظر في مواقفه، بانتظار ما ستكون عليه تداعيات هذه التطورات، بخاصة لجهة التجاوب الأميركي في ما يتعلق بما دأبت طهران على إعلانه وتأكيد استعدادها للعودة إلى طاولة التفاوض حول البرنامج النووي وملفات أخرى، وترتيب الأوضاع في المنطقة.
ولعل الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري محمد الخليفي إلى العاصمة الإيرانية ولقائه مع نظيره الإيراني عباس عراقجي قبل يوم واحد من الانتخابات اللبنانية، تشكل مؤشراً إلى محاولة الخماسية الدولية للحصول على ضمانات إيرانية بعدم عرقلة حليفها اللبناني لهذه الانتخابات، إضافة إلى الرسائل الأميركية التي قد يكون الوزير القطري قد حملها إلى النظام الإيراني، بخاصة أن الدوحة تضطلع بدور محوري في الحوار غير المباشر بين واشنطن وطهران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رسائل متبادلة
فقد تحولت جلسة الانتخاب الأولى، التي لم يحصل فيها قائد الجيش اللبناني جوزاف عون على غالبية ثلثي أعضاء البرلمان، إلى ساحة لتوجيه الرسائل بين الإدارة الأميركية الممثلة بسفيرتها في لبنان والنظام الإيراني ممثلاً أساساً بـ"حزب الله" إلى جانب شريكه في "الثنائي الشيعي" حركة أمل بقيادة رئيس المجلس نبيه بري.
الرسالة التي أراد الحزب ومن خلفه طهران إيصالها للإدارة الأميركية كانت واضحة ومباشرة، وخلاصتها بأنه على رغم الخسائر جراء الحرب يصر على دوره في لبنان، وأن انتخاب الرئيس الذي تريده واشنطن، يصل إلى القصر الجمهوري بموافقة الحزب وأصواته مع حلفائه.
مهلة الساعتين التي خرج بها رئيس البرلمان بري لاستئناف جلسة الاقتراع الثانية حسب الدستور، كانت فرصة لهذا الثنائي لعقد لقاء أخير ونهائي مع المرشح الرئاسي وبحث تفاصيل الشروط التي يريدها الثنائي في المرحلة المقبلة. ولا شك أن مجريات جلسة الاقتراع الثانية وارتفاع عدد الأصوات التي حصل عليها عون إلى 99 صوتاً، بعد حصوله في الجلسة الأولى على 71 صوتاً، يعني أن كتلة الثنائي قد صبت كامل أصواتها لصالحه، مما يؤكد توصل هذا الثنائي إلى صفقة وتفاهم مع جوزاف عون تشمل مروحة من الشروط المتعلقة بمستقبل دور "حزب الله" إضافة إلى حجم وتمثيل هذا الثنائي في السلطة المقبلة.
وعلى رغم عدم تسريب أي معلومات عن تفاصيل ما دار بين الثنائي وجوزاف عون، فإن الشرط الأساس كان حصول هذا الثنائي، وتحديداً "حزب الله" على ضمانات لتنفيذ ما اتُّفق عليه، ليس من الرئيس، بل من الأطراف الراعية والداعمة لوصوله، أي من الخماسية الدولية التي تضم كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية وقطر ومصر.
شروط داخلية
الثنائي وضع شروطاً داخلية تتعلق بمطالب واضحة، بأن تكون وزارة المالية من حصة المكون الشيعي، لضمان أن يكون شريكاً في القرارات السيادية في أي حكومة ستشكل. إضافة إلى شخصية رئيس الوزراء والبيان الوزاري والتفاهم على الشخصية التي ستتولى قيادة المؤسسة العسكرية بعد انتقال العماد جوزاف عون إلى القصر الجمهوري.
أما الشرط الأهم والأبرز، الذي يتجاوز حدود العلاقة بين الثنائي والدولة اللبنانية، فهو ذو بعد إقليمي مرتبط بالمحور الذي يمثله "حزب الله" في لبنان وتقوده طهران في المنطقة. ويشمل ذلك ما يتعلق بمستقبل سلاح "حزب الله" في إطار تنفيذ بنود وقف الأعمال الحربية وتطبيق القرار 1701.
فالحزب، ومن خلال المواقف التي أعلنها على لسان أمينه العام نعيم قاسم، حاول تكريس حقيقة أن الاتفاق ونزع السلاح يخص منطقة جنوب نهر الليطاني فقط، أي في الشريط الحدودي ومنطقة عمليات القوات الدولية، وأن المطلوب من الرئيس أن يحصل على ضمانات أميركية في هذا الصدد. ولذا فإن استمرارية سلاح "حزب الله" خارج منطقة تطبيق القرار الدولي ستكون رهناً بما يمكن أن يُتفاهم عليه في إطار بحث الاستراتيجية الدفاعية بينه وبين الدولة اللبنانية، ومن ثم فإن هذا الأمر يستدعي البحث بالصيغة التي من المفترض أن يتضمنها البيان الوزاري الذي كان يشير بوضوح إلى حق "المقاومة بالعمل المسلح" التي فرضها "حزب الله" على الدولة خلال العقود الماضية.
ولعل من الشروط التي يكون الحزب قد وضعها على طاولة رئيس الجمهورية، ما يتعلق بالحصول على ضمانات أميركية بعدم عرقلة وصول المساعدات المالية الإيرانية المخصصة لإعادة الإعمار. فهذه الأموال تشكل حاجة أساسية وملحة لكل من النظام الإيراني والحزب على حد سواء، لما لها من دور في ترميم صورته الشعبية داخل بيئته، وإبعاد التهمة من إيران بتخليها عن هذه الجماعة.