Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعركة المقبلة بين الدول ووسائل التواصل الاجتماعي

"ميتا" تتخلص من قيود نشر المحتوى و"إكس" تدعم خطاب اليمين المتطرف حول العالم

أكثر من 5 مليارات مستخدم لوسائل التواصل حول العالم حتى نهاية 2024 (اندبندنت عربية) 

ملخص

وسط سجالات متزايدة بين الأوروبيين ومالك "إكس"، وقرار "فيسبوك" و"إنستغرام" أخيرا بالتخلص من قيود عدة على المحتوى الإلكتروني، تلوح في الأفق ملامح معركة محتملة بين الدول ومنصات التواصل التي تراهن على الإدارة الأميركية الجديدة لحمايتها كشركات وطنية تعمل في الأسواق الخارجية، ولكن للمواجهة أبعادا سياسية واجتماعية يجب التأمل فيها.

شركة "ميتا" التي تدير "فيسبوك" و"إنستغرام" قررت التخلي عن قواعد التحقق من البيانات عند نشرها على المنصتين، وتجاوزت أيضاً محظورات عدة تقيّد المحتوى المرتبط بالجنس والمساواة وقضايا أخرى كانت تحت مجهر الرقابة في الشركة، استجابة للقوانين والتشريعات في دول مختلفة حول العالم، بخاصة في قارة أوروبا.

ما فعلته "ميتا" وصف بحال من "التمرد" قرر صاحب الشركة مارك زوكربيرغ إعلانها قبيل وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير (كانون الأول) الجاري، ووضع نفسه ومنصاته من خلالها في مواجهة حكومات وبرلمانات دول بأكملها، متسلحاً بتأييد محتمل وموعود من قائد الإدارة الجديدة في واشنطن لجميع الشركات الأميركية العابرة للحدود إن جاز التعبير.

البيان الذي أعلن فيه زوكربيرغ "تمرده" قال فيه إنه "قرر العمل مع الرئيس ترمب للرد على الحكومات التي تلاحق الشركات الأميركية حول العالم وتدفع إلى فرض مزيد من الرقابة عليها، تتمتع الولايات المتحدة بأقوى حماية دستورية للتعبير الحر عالمياً، والطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الرد على هذا الاتجاه العالمي هي بدعم من حكومة الولايات المتحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما ذهب إليه زوكربيرغ سبقه فيه إيلون ماسك مالك منصة "إكس" الذي وقف مع ترمب في حملته الانتخابية ودعمه حتى أصبح أقرب حلفائه وعضواً في إدارته الجديدة التي تتبنى شعار "لنجعل أميركا عظيمة ثانية" حتى لو أضر الأمر بمصالح أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة، وأحد جوانب الترجمة الفعلية لهذا الشعار هو حماية الشركات الأميركية ودعمها أينما عملت حول العالم، لكن هل تكون حماية محدودة وما موقف الدول منها؟.

ماسك وصل سريعاً إلى المواجهة مع الدول في القارة العجوز وأصبحت حتى منشوراته على منصته "إكس" قيد المراقبة في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، أما المرحلة التالية لهذه المعركة فهي تعتمد على أمرين أساسيين، الأول استعداد إدارة ترمب للقتال على جبهة "إكس" وصاحبها، ومدى استغلال الدول والحكومات لإمكاناتها القانونية وصلاحياتها التنفيذية في الحرب المتوقعة مع منصات التواصل "المتمردة".

التاريخ يقول إن الشركات مهما عظم شأنها لا تستطيع مواجهة الدول بمفردها، ومن الأمثلة التي يمكن استدعاؤها في هذا السياق حل البرلمان البريطاني عام 1874 لشركة الهند الشرقية أقوى شركة عرفها العالم في القرن الـ19، وكذلك تفكيك "نظام بيل" في الولايات المتحدة لشركات الاتصالات من أجل مكافحة الاحتكار في القطاع خلال ثمانينيات القرن الماضي، وفي الألفية الجديدة يمكن الإشارة إلى حظر البرازيل لمنصة "إكس" عام 2024، وتغريم الاتحاد الأوروبي لـ"فيسبوك" بأكثر من 840 مليون دولار في العام ذاته، والسبب في الحالين هو مخالفة التعليمات الرقمية المنصوص عليها في القوانين.

الاتحاد الأوروبي غرّم أيضاً شركتي "غوغل" و"أبل" عام 2024 بمليارات الدولارات بسبب مخالفة القوانين، أي إن سلاح التشريع فاعل جداً بيد الحكومات ضد الشركات، بخاصة عندما يشهر لحماية أمن الدول وشعوبها واقتصاداتها.

ما تواجهه منصة "تيك توك" مثال حي على المواجهة بين الدول والشركات أيضاً، وهو يظهر القدرة الكبيرة للتشريع عندما تجد الشركة نفسها متهمة بزعزعة الأمن، فقضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة أظهروا تأييداً لحظر المنصة إذا لم تنفصل عن الشركة الأم الصينية "بايت دانس"، أي إنها أمام خيارين إما تصبح أميركية أو ترحل عن سوق الدولة الأقوى في العالم وأسواق عدة تتأثر بقرارات واشنطن الاقتصادية.

 

جملة الأمثلة السابقة تقود إلى نتيجة واحدة مفادها بأن منصات التواصل لن تنجو في المواجهة مع دول العالم إذا لم تحمِها وتساندها الإدارة الأميركية المقبلة، والأمر هنا ينطوي على ثلاثة أبعاد أساسية للدعم الذي يمكن أن يوفره ترمب لهذه المنصات كرئيس وليس كمالك واحدة منها بعدما تضخم عددها خلال الأعوام الأخيرة.

البعد الأول اقتصادي يتضمن الكلفة الكبيرة لمنصات التواصل في مراقبة المحتوى المنشور على صفحاتها وتصفية المخالف منه للتشريعات، وهي كلفة تحدّ من أرباح هذه الشركات ويطمح رئيس "ميتا" أن يتخلص منها عبر استغلال دعم إدارة ترمب للشركات الأميركية العاملة خارج البلاد كما تعهد في حملته الانتخابية.

ثمة بعد سياسي نتوقف فيه عند دعم منصات التواصل لسياسات وتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة على مختلف المستويات، ومن بينها الترويج لخطاب وتوجهات تيارات اليمين حول العالم بخاصة في الغرب، وهذا ما يفعله ماسك عبر منصته "إكس" ووصل به إلى مرحلة الخصومة مع الدول الأوروبية التي باتت تضيق ذرعاً بأفعال الملياردير الأميركي، وتتهمه بالتدخل في شؤونها ودعم الشعبويين المتطرفين فيها.

والبعد الثالث اجتماعي الطابع، إذ لا يمكن تقدير حجم تأثير منصات التواصل في الناس وأمزجتها وتوجهاتها عندما يتحلل الناشر من جميع القيود على المحتوى الرقمي في حسابه وصفحته، والادعاء بأن "البشر مخيرون وليسوا مسيرين في انتقاء ما يريدونه من هذا المحتوى لا يعبر عن الواقع الذي نعيشه اليوم"، وفق تعبير مديرة مركز الذكاء الاصطناعي والأخلاق الرقمية في جامعة ملبورن البروفيسورة جيني باترسون.

 

البعدان السياسي والاجتماعي يقودان إلى سؤالين أساسيين يمكن أن يحددا حجم الدعم الذي يقدمه ترمب لمنصات التواصل، الأول هو إلى أي مدى يمكن لأميركا أن تحمي نفسها من تأثير المحتوى الرقمي غير الخاضع لأية معايير؟ والثاني هل يرغب الرئيس الأميركي الجديد في أن يتحول أصحاب "إكس" و"فيسبوك" إلى قادة أكثر نفوذاً من رئيس الولايات المتحدة نفسه، أو يصبحوا عنصر تهديد لسياساته وخطط دولته حول العالم؟.

على ضفة الدول "المتضررة"، لا شك في أن الحكومات ستراعي دعم الإدارة الأميركية الجديدة لوسائل التواصل، بخاصة في ما يتعلق بأرباحها وفرصها في الأسواق الخارجية، ولكن تجاهل الخطر الأمني والسياسي الكامن في تجاوز "إكس" و"فيسبوك" وغيرهما للقوانين الناظمة للمحتوى الرقمي، لن يكون أمراً هيّناً أو قابلاً للتنازل كثيراً.

تمسك الأوروبيين اليوم بلوائحهم التنظيمية في القطاع التقني وتحصينها بالقضاء لا يقولان إن حكومات القارة العجوز تخشى منصات التواصل، والتدقيق الذي تجريه الجهات المختصة في نقاط الضعف الكامنة ضمن القوانين الرقمية، إضافة إلى مواقف رسمية كثيرة تندد بسلوك القائمين على ناشري المحتوى الإلكتروني وتتوعدهم بالغرامة والمخالفة، كلها إشارات تعزز الاعتقاد بأن المواجهة المقبلة بين تلك المنصات والدول لن تكون سهلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير